الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > أوراق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 02-08-2008, 10:33 PM   #[1]
تاج السر الملك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تاج السر الملك
 
افتراضي في حضرة النجمة التي هوت

تأريخ العنف (3)
في حضرة النجمة التي هوت

.........و أنا أرقب كل يوم لمعانها في شغف، ثم عندما تهاوت في صباح اليوم الذي يعادل مساء مدار آخر من مدارات الكون، مضيت إلى الأفق ألتقيها، انشقت الأرض أخدودا حين أدركت حافة الكوكب، نظرت داخله علني أحظى برؤية النجمة ساطعة في مرقدها، فما رأيت غير أفق التراب، و كان الراعي يرضع من أثداء أغنامه حين استسلمن الى خدر الذعر حين غرة من الانفجار. تحول الحليب في ضروعهن إلى دم، انطوت خضرة الوادي و آلت إلى حوزة الغبرة في أعماق الأخدود، جاء الراعي ينظر معي باحثا عن النجم الذي هوى و بعض ماء و أثارة، هبط الراعي إلى عمق الأخدود غير عابئ ثم عاد وفي يده حجر،سألته أن صادف النجمة في مسيره، فدس الحجر في يدي و اختفى في لجة التيه.
*
تعطلت سيارة أبي و نحن نقطع الخلاء الذي يقع جنوب المدينة، كان المساء يسعى معنا باتجاه الشمال، و كائنات الليل تخرج من أوكارها، أخذ أبي من داخل العربة بعض المتاع و قطعة من الحديد حسبتها مستقيمة، بدأنا سيرنا صوب أضواء المدينة أشلاء على صفحة السماء الداكنة، سرت إلى جانبه و أنا استقي الأمن و الأمان من تردد أنفاسه، و في الطريق المحاذي للترعة و الأخدود، التقانا الراعي و أغنامه و قد فارقهن الحياء، رافقنا و مضى يقص على والدي أقاصيص تبدد الوحشة و الكآبة، كان يضع العصا مستقيمة على كتفيه و كلتا كفيه المعروقتين قابضة على أحدى نهاياتها،كان يمشى و عنقه يتأرجح في كبرياء و عيونه تتوفز إلى صدام مبيت في غيب أيامه، و في الظلمة برزت أمامنا أشباح، أربعة أشباح مستقيمة تتقدم باتجاهنا في تسارع مريب ، صاح الراعي ( ديل الشلك) ، فتحسس أبي قضيب الحديد في يديه، أرخى الراعي يده اليسرى عن العصا ، فانزلقت العصا على كتفه مثل حية و استقرت في حذق جندي حذاء جانب جسده الأيمن، فأسقط رأس العصا المدبب عنوة حتى ارتطم بالأرض، فارتد الراس عنها مثل إبرة الفونغراف، فصدر عن الأرض صوت كالخرير و ارتسم على وجه الطين مجرى ، مجرى يخدش الأرض و لا يحدث أخدودا و لكنه يشي بخطر في متانة الحرير و خداعه.
*
أدينا صلاة العيد في اليوم التالي، و سمعت جارنا يهمس في أذن أبي، يقولون بأنهم وجدوا أربعة جثث لأربعة من الشلك، في الخلاء الواقع جنوب المدينة، سكت أبي و أطرق، و حينما قفلنا إلى الدار سارع أبي بوضع ( المنفلة) الملطخة بالدم قرب الموقع الذى ذبح فيه خروف الأضحية تحت شجرة الليمون التي تتوسط الدار، فاختلطت الدماء جميعا.
*
تزوجت (فناء الدار) سنة سقوط النجمة، و غيرها حلت مقعدها عل لوحة السماء، عاد إلي شغفي بمراقبة ضوءها البهيج، و نأيها عن طلب الطالب، تحفة عسيرة المنال لا تدركها الأفئدة، ثم يعاودني الاكتئاب عند ذكرى الحجر، كانت ( فناء الدار) تصنع جمالا من الطين في أوقات فراعها و تغني للأطفال، و كنت اعلم أن بائع البن يشتهيها فتغمرني سعادة امتلاكها فأتحسس قضيب الحديد الذي ورثته عن أبى، و غنيت ( الزمان زمانك) في أوقات خلوتي بها، قربانا و تزلفا، عشنا و ( فناء الدار) دهرا التحفت فيه خواطري مثل أغنيات الأمهرة حبلى بحيوية مقدسة، و في خدر الرعب و المباغتة، كنت امتص منها الحليب و أصيح بالشحاذ من مرقدي و هو منتظر على أبوابي..( الله يفتح علينا و عليك).
*
أختبأت وراء ( العشر) غير عابىء بكائنات الليل، شهدت أبي و هو يحمل على القوم بقطعة الحديد التي حسبتها مستقيمة و لكنها ملتوية، و فى مقدمتها نتوءين، و الراعي و عصاه التي ارتدت عن ملامسة الأرض إلى مصافحة جباه الر جال، سمعت بعيني المذعورتين...طق...ثم طق....ثم تهاوى أمام أذني مثل جذوع السيسبان، أربعة اجساد لرجال بوجوه تنطق فزعا، خرجت من وراء العشبة متذكرا قول أخي بأن السائل الأبيض الذي يخرج من ثمارها يذهب بالبصرأذا مس العين، و لكنه كان احمرا في تلك الليلة.
*
عدنا إلي العربة القابعة في الخلاء في ثالث أيام العيد، ومعنا الميكانيكى الثرثار، أدار الماكينة دون عناء، فسمعنا زئير الرجال يخرج غاضبا من داخلها، صفقنا ، فوعدنا أبي بزيارة لخالتي، وفي طريق العودة تحدث الميكانيكى عن الشلك و هو يمسح الزيت عن يديه بقطعة من القماش أشد قذارة منه ، و أشار في معرض حديثه إلى مكان الجثث قرب العشبة، نظر أبي إليه، و كاد أن يقذف به في الترعة، تمتم في سره الواضح و لم يكمل الشهادة، فأكملناها أنا و أخي فى سرنا خوفا من بطشه.
*
تحدثت ( فناء الدار) إلى أخواتها صباح اليوم، رطن كل كيدهن أمامي و أنا لا افقه مما يقلن شيئا، كن يذهبن إلى براهمة ( كوينز) كل نهاية أسبوع، يستخرنهم في أمر أزواجهن، و كانت نجمتي تحميني من شرور كيدهن، إلا مرة واحدة حجبت فيها السحب نجمتي، زحفت الحية تحت سريري و انسحبت في غلالة من دخان كثيف و تلاشت تحت ضياء النجمة حينما سطعت.
*
قام( سر الختم) بالقبض على المتهمين الأربعة في جريمة القتل، أقتادهم بسهولة من مقاعد ( المريسة) في (أم صوفة)، اقتادهم تحت سطوة البندقية العتيقة، سار مزهوا غارقا في رسميته إلى أذنيه، تبادل و الناس تحايا النصر، قطع الطرقات و الأحياء بسبيله إلى ( الأساس)، كانوا أربعة فارعين،قال أبي أنهم ليسوا من الشلك، و لم يزد على ذلك، و في منتصف السوق الكبير تفرقوا بين الناس عدوا، فلم يقدر على أطلاق الرصاص عليهم خوفا على حياةالباعة و المشترين و السابلة، و حينما أصابه القنوط من العثور عليهم، قصد الى مقهى قريب، و جلس متكئا على سلاحه، موسدا وجهه حديد السونكي البارد، وجهه الذي انقشعت عنه هيئة الكبرياء و الرسمية، وصفت امي وجهه ، فقالت ( مختوف).
و بينما هو في حيرته، دخل إلي المقهى أربعة من الرجال الفارعين، فأوحى له شيطان الخوف بفكرة،قصد ( سر الختم) الرجال ، حياهم و جلس إليهم، طلب لهم إفطارا و شايا، فما لبثوا أن اطمأنوا به ووثقوا اليه، شرح ( الختم) مأزقه للرجال وطلب مساعدتهم، عادوا من بعد شورى عقدوها خارج المقهى بالموافقة، كان على ( الختم) أن يأتي بأربعة متهمين فقط فارعين لا يعلم أحد عن ملامحهم شيئا، قيل انهم قتلوا رجلا ازاحت التراب عن مكان دفنه، ( الكراكة ام دلو) بالصدفة المحضة، وهى فى مهمة تنظيف خور ( شندى فوق) و المدينة على أعتاب الخريف، وشت صاحبة الأنداية بأمر الرجال إلى المحقق. خرج الرجال في دورهم التمثيلي لأنقاذ الختم، اكد الختم عليهم أنكار ضلوعهم فى القتل فيطلق سراحهم.
مثل الرجال الفارعين امام القاضي، سعداء بأسورة الحديد على أعقابهم، صمت الجمع فصاح القاضي بالسؤال..هل قمتم بقتل المرحوم فلان الفلاني؟؟؟
أيوة كتلناهو...صاحوا بصوت واحد و كأنهم ابطال مسرحية عبثية.
توتر الختم، و صار يتقافز في مكانه قلقا، ثم رفع ذراعيه متقاطعين فى الهواء..لا...لا...قولو لا..
كرر القاضي السؤال، فأجابوه مرة أخرى بنعم، دوت مطرقة القاضي،و طلب فسحة من الوقت يعود بعدها للنطق بالحكم، اقتيد الرجال إلى الداخل سعداء كأنما قد اوفوا ما عليهم و كأنما ستأتي الساعة التي يخرجون فيها إلى سماء الحرية، أما الختم فقد خرج من غرفة المحكمة،يتحدث الى نفسه..الخرابة ديل نقولهن قولوا لا...يقولو ايي..نان نسويلن شنو...مشنقة مشنقة!!!
انقضى موسم الخريف و لم تنقض نظافة الخور،و ظلت ( الكراكة ام دلو) رابضة في مكانها دون سائق، التجأ السائق من الحر الى مقاعد المريسة فى ( ام صوفة) مستمعا الى مئات الروايات المختلفة عن مقتل الرج، فيهز رأسه عجبا، أما ( سر الختم) فقد رقى الى رتبة العريف.



ظل والد ( فناء الدار) يشاركنا النوم فى مخدعنا كل ليلة من اول يوم لأقتراننا، جاء بغطاءه ( توب الدمور)، ليلة زفافنا و تمدد وسط السرير العريض بيني و بين اينته زوجتي، وغط في نومه و غطيطه و تقلبه، و تركني لدهشتي و حنقي، في البدء حسبته تقليدا عشائريا، قبائليا، و توالت الأيام فحسيته بعض غيرة لن تلبث أن تزول، و لكن دون جدوى، وددت أن أفاتح امها فى أمر زوجها، الا أن امها لم تكن لتتوقف عن الحديث في الجوال الا لتجلس خاشعة فى حضرة (المسنجر) تتناوب الحديث الصامت الممل لساعات و ساعات، كنت أخشى الرجل و أخشى أغضابه ، فحاولت التحايل حينما استبد بي الشغف ، فلجأت الى أغوائها بالأشارة تارة وتارة بالصفير الخافت، و حينما دنوت ذات ليلة من نهرها ، و كادت كلابي ان تتمكن من أرانبها، حمحم اباها وغمغم ثم صرخ...أقعدوا ساى يا اولاد.... ضاربا على عجيزته ( الماكنة) بيد مثل الحذاء، محدثا فرقعة عالية الصوت مثل الفضيحة..عدنا الى مواقعنا فى سكون، عدنا نرقب النجمة قبل السقوط و هى تلمع بالغيظ، استسلمت الى النوم يتسرب الى أجفاني القلقة، و يدي قابضة على حديدتي الملتوية، حتي اذا أدركت كلابي أرنبا فى الخيال، سمعت صوته الجهير...قوموا يا عيال الصلاة خير من النوم...و ما أن فرغنا من أداء الصلاة حتى بدأ فى الدعاء لنا بوفرة النسل و المال، شربنا الشاى و لم ينصرف كعادته الا بعد تأكد من انني مضيت الى عملي و انقطع وقع خطوي على الطريق.
ثم أتى يوم أخذني فيه ليحدثني على انفراد...يا ولدى شد حيلك، اعملك همة..البت دى ما جابت حاجة لسة..كلام الناس يا ولدى كتر..دايرين لينا كتاكيت أحفاد قالوا خلف الخلف أحلى من الخلف..و هو يرقعني بيده الغليظة فى ظهري، و بصوت منخفض همس فى اذني و رائحة التمباك...قالوا المرا....مصرانا......شوفا كان تطرانا!!! و انفجر يقهقه، و حينما بلغ بى الغيظ اوجه ما تملكت نفسي فصحت فى وجهه...يا خى نحملا ليك بالبلو توث؟؟؟ فكان أن غضبت ( فناء الدار) من حديثي لأبيها، فأخذت أغراضها واختفت فى شاشة الحاسوب الى حين، فعدت الى شغفى بمراقبة النجمة المضيئة، و لم انتبه الى سريان الحية التي تلاشت في غلالة من الأشواق، و في الايام التي تلت أتخذت سبيلا الى الأرواء وجدته فى اركلن عصية في ازقة ( الحلة الجديدة).

في رحلة العودة من بيت خالتنا، توقفت بنا العربة مرتين، توقفت فى رحلة الهبوط و الصعود من و الى موقع قبة ( مدني السني)، فدفعها فى المرتين الرجال الجالسين أمام فناء الطابونة، دفعوها بفرح و حب و كرامة، و دون نأمة تذمر، و انتهزوا الفرصة ليتحدثوا بكثير من التباهي في شأن السيارات و تذاكروا كلمات مثل ( البلوفة) ، و ( الشكبظورات)، و البتيخه، و انتهوا الي لهاث مكتوم و ترنحوا و السيارة تسبقهم بأنطلاقتها المفاجئة تاركة اكفهم تعانق الفراغ و الغبار، فتضاحكوا فى سذاجة و بله، و عادوا الى ما هم فيه من موات عابث للعمر، سب ابي شيئا ما لعله اسم الميكانيكي، و ما تمكن من رفع يده بالشكر او التحية، يد على المقود و الأخرى قابضة على عصاة السرعة الملتوية المتصلة بجذع غليظ من الحديد و البلاستيك المقوى، ظلت أمي ترقبه بأعجاب من موقعها، أعجاب حفي خفي و كنا سعداء بذلك الشعور الحفي الخفي، أخي و ثلاثة أخوات، قرأن( الحمدو) بصوت عال، فتظاهر ابي بالخشوع، بينما واصل سبه الصامت للحديد وواصلت أمي تحديقها فى غضبه حتى افتر فاها عن ابتسامة واضحة، فضحكنا كلنا و بدا لنا ابانا مثل نبي يجوز له مالا يجوز لغيره من البشر، كان ابي مثل نخلة لا تنبت و الأبنوس فى تربة واحدة.



تاج السر الملك غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 04:05 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.