موت الفزاعة ... مؤشرات التغيير الجذري في السياسة الامريكية.
تصادف وجودي في القاهرة في منتصف 2009 مع إلقاء باراك اوباما لخطابه الشهير في جامعة القاهرة، تحاورت حينها حول الخطاب والرسالة التي يريد اوباما ايصالها للنخب في العالم العربي والاسلامي مع الصديق سفيان نابري في احد مقاهي وسط البلد الجميلة، وأذكر حينها انني سألته عن ما قرأه بين ثنايا كلمة اوباما فقال لي " سيقتل بن لادن"، فهمت ما يريد قوله وضحكت وسكتت!.
الغريب ان اوباما لم يأت بذكر بن لادن ولا مرة واحدة طيلة خطابه عكس سلفه، الذي كان ينطق اسم بن لادن اكثر مما ينطق اسم زوجته!، جورج بوش الابن كان يبدو كالشخص المهووس بمطاردة بن لادن، فكيف فشل خلال ثمانية سنوات من حكمه في القضاء على رجل واحد وهو رئيس اقوى دولة في العالم؟، رجل تطارده أجهزة مخابرات ثلاثين دولة على الاقل وحلف شمال الاطلسي والجيش والمخابرات الباكستانية والهندية بكل علاقاتها وإتصالاتها في المنطقة، هل اسامة بن لادن كان خفيا وسوبر الي هذا الحد؟.
اثبتت الايام عكس هذا، هاهو بن لادن يقتل في قصر غرب العاصمة الباكستانية، ليس في حفرة ولا في تورا بوارا ولا يحزنون، قصر عدييييل كدا وبالقرب من العاصمة كمان!.
أسامة بن لادن هو اكثر شخص في التاريخ قدم خدمات جليلة للحكومة الامريكية والاسرائيلية، ويجب على الاسرائليين بالذات عمل نصب تذكاري له في عاصمتهم وتقبيل قدمي تمثاله، فالسيد بن لادن ظل طيلة الفترة الماضية هو فزاعة امريكا الاولى ضد كل من يقول بغم، ارهبوا به الشعب الامريكي قبل ان يرهبوا به شعوب العالم، ان حملة جورج بوش الابن لفترة رئاسية ثانية كانت تتلخص في عبارة واحدة "تنتخبوني ولا انادي ليكم بن لادن" .
خير من استغل وجود فزاعة بن لادن في يد السلطات الامريكية هم الاسرائليون طبعا، ومن غيرهم يجيد استغلال الفرص في عالم اليوم؟ شكل وجود اسامة بن لادن هبة من السماء لاسرائيل ومن يمثل مصالحها في امريكا، فحجة مكافحة الارهاب كانت حاضرة دوما متى ما كانت هناك رغبة اسرائيلية في تنفيذ مخطط ما يعزز امنها القومي وتطلعاتها العنصرية البغيضة على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في حياة كريمة.
دعونا نجرد قائمة بما خسرته القضية الفلسطينية وحدها خلال فترة صعود بن لادن 1996-2011 (طبعا لن نأتي الي ذكر انه مقابل البرجين في مركز التجارة العالمي حصلت امريكا على دولتين كاملتين ، افغانستان والعراق).
1- ضرب المقاومة الفلسطينية المسلحة المتمثلة في حماس والجهاد وكتائب الاقصى التابعة لحركة فتح وكتائب الشهيد ابوعلي مصطفى وهي اقوى فصائل المقاومة من حيث التدريب والتسليح والقدرات السياسية والتنظيمية، عن طريق اغتيال قادتها وقطع مصادر التمويل عنها، ومحاصرتها سياسيا وإعلاميا بربطها (بالصح احيانا وبالكضب) بتنظيم القاعدة الذي يقال ان بن لادن هو من يتزعمه.
2- تنفيذ أكبر جريمة استيطان غير قانوني في التاريخ الحديث والعالم مشغول – او يتشاغل عمدا - بأخبار غزو العراق ومطاردة بن لادن.
3- إكمال عملية تهويد القدس وفرض سياسة الامر الواقع.
4- التنصل من اتفاقيات اسولو ومدريد (على علاتها) وإنهاء اي أمكانية عملية لقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وقابلة للحياة دون وصايا.
إن بن لادن يستحق عن جدارة واستحقاق لقب العميل رقم واحد لاسرائيل، عميل مجاني لا يكلفها شيئا تستفيد هي من غبائه وغباء اتباعه في تمرير اجندتها ومخطتاتها.
إن قرار انهاء لعبة بن لادن صدر منذ ان ادلى اوباما خطابه في جامعة القاهرة، هذا الخطاب كان به رسائل مشفرة تنم عن رغبة حقيقية في التغيير الجذري للسياسة الامريكية، وهو امر ليس بالهين ولا يمكن ان يتم بين ليلة وضحاها ولا حتى خلال فترة اوباما الرئاسية، ولكن بداية السير في هذا الطريق وتأسيس التيار الداعم لهذا الاتجاه وتقويته أمر ممكن خلال فترة اوباما.
هذا الخطاب لو لاحظتم توترت بعده العلاقات الامريكية الاسرائيلية مباشرة بشكل حير العالم، لنحاول قراءة هذه الفقرة من الخطاب مقرونة بهذا الخبر الذي نشرته صحيفة ايدوعوت احرنوت بعد خمسة اشهر تقريبا من الخطاب.
اقتباس:
إنني أقوم بذلك إدراكا مني بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. وكذلك علما مني بمدى الاهتمام العام في هذا الخطاب، ولكنه لا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة، كما لا يمكنني في الوقت المتاح لي في عصر هذا اليوم أن أقدم الإجابة الوافية عن كافة المسائل المعقدة التي أدت بنا إلى هذه النقطة. غير أنني على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضي قدما أن نعبر لبعضنا بعضاً بصراحة عما هو في قلوبنا وعما هو لا يُقال في كثير الأحيان إلا من وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا بعضاً، وللتعلم من بعضنا بعضاً والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة. وينص القرآن الكريم على ما يلي: (اتقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً). (تصفيق) وهذا ما سوف أحاول بما في وسعي أن أفعله اليوم وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التي نحن بصددها، اعتقادا مني كل الاعتقاد بأن المصالح المشتركة بيننا كبشر هي أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا.
باراك اوباما في القاهرة 4-6-2009
|
اقتباس:
وصف رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو تقارير عن توتر في العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” بأنها “هراء” . ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” “الإسرائيلية” عن نتنياهو قوله بعد مباحثات مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الابيض “إن تلك التقارير لا تعكس الواقع” .
وأنهى أوباما 100 دقيقة من المحادثات مع نتنياهو في البيت الأبيض، لكنهما لم يظهرا معاً في حدث نادر خلال لقاء بين رئيس أمريكي ومسؤول أجنبي، وبخاصة “إسرائيلي” . وجرى التكتم على نتائج اللقاء، لكن “رويترز” نقلت عن نتنياهو قوله إن الحوار “كان مركزاً وإيجابياً للغاية . . تناول عدداً من الموضوعات المهمة بالنسبة لأمن “إسرائيل” ولجهودنا المشتركة لتعزيز السلام” . وأضاف “سيتبين أن هذه الزيارة كانت مهمة للغاية” . وذكر بيان مقتضب صادر عن البيت الأبيض عقب الاجتماع أن أوباما “أكد مجددا التزامنا القوي بأمن “إسرائيل”، وناقش التعاون الأمني بشأن طائفة من القضايا . . . إيران وكيفية المضي قدماً بشأن السلام في الشرق الأوسط” . وكان البيت الأبيض قد أقام الليلة قبل الماضية حفل استقبال على شرف مؤتمر المنظمات اليهودية الذي تحدث أمامه نتنياهو، لكن أوباما ألغى كلمته بداعي السفر إلى تكساس، وانتدب بدلاً عنه كبير موظفيه راحم عيمانويل الذي يحمل الجنسية “الإسرائيلية” .
صحيفة دار الخليج الالكترونية 11-11-2009
|
ان اوبما تحرك خطوات عدة في اتجاه ما قاله في خطابه بجامعة القاهرة قبل سنتين، وليس ادل من ذلك تخليه عن نظام مبارك حليف امريكا الاقوى في العالم العربي، وقبله زين العابدين بن علي رغم الحساسية الشديدة من إمكان تولي الاسلاميين للسلطة في البلدين.
الان الكرة في ملعب الحركات والاحزاب ذات الصبغة والمنطلقات الفكرية الاسلامية، والتي لا يستطيع احد ان ينكر انها تستقطب جماهير عريضة في العالم الاسلامي لاسباب تاريخية ونفسية عدة، عليها ان تبرهن لاوباما ولشعوبها انها حركات قابلة للتطور وتستوعب المتغيرات وقادرة على استنباط نسق قائم على المساواة واحترام التعددية وحرية الافراد من ذات المنطلقات الدينية الفكرية، ففي النهاية الدين هو واحد من اعظم منجزات الحضارة الانسانية.
ويجب على هذه الحركات والاحزاب ان تثبت انها قادرة على قيادة شعوبها في ظل أنظمة ديموقراطية تحترم حقوق الانسان وهذا امر بعيد عن ما تفعله تلك الحركات والاحزاب الان، فالدين عندها تجارة رابحة يجعلها في الواجهة دون برنامج او فكر حقيقي، جميعها سلطوية بحتة.
الاخوان المسلمون في مصر مثلا الان تحت اختبارين عنيفين، اولهما اختبار الشعبية الحقيقية، وهو امر تاجرت به الانظمة القمعية كثيرا بتخويف الغرب من شعبية الاخوان الكاسحة في حال الديموقراطية، والثاني هو اختبار المصداقية الذي سقطت فيه معظم الاحزاب والجماعات الاسلامية سقوطا داويا، وليس هناك مثل ابلغ في مسألة انعدام مصداقية التيارات الاسلامية من "جماعتنا ديل".
إن اوباما اوضح رغبته في انه يريد ان يتعامل مع الشعوب مباشرة في بداية خطابه الذي القاه في القاهرة.
اقتباس:
إننا نلتقي في وقت يشوبه توتر كبير بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون، كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهمت في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا تجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
|
من خطاب اوباما
وقرن القول بالفعل في دعمه للثورات العربية رغم تحفظات مكافحة الارهاب، واليوم يعلن عن موت الفزاعة.
فهل نستطيع ان نقول ان امريكا حصلت اخيرا على رئيس تستحقه؟