محمد حامد جمعة |
خالد الحاج
09 / 02 / 2011 04:34:00
صحيفة الرائد
سحابة من الحزن، وزخات من الأسى ظللت يومي بالأمس والانترنت – الذي ابدأ به يومي – ينعى إلى الأخ خالد الحاج مالك موقع (سودانيات) على الشبكة العنكبوتية وهو أحد المواقع السودانية التي جود محتواها شراكة الجميع وجهد الفقيد وأمثاله من المهاجرين الذين حملوا في دواخلهم وطنهم فتساموا بذلك على جراحات الخلافات السياسية واحنها البغيضة.
لست في مقام تدبيج الرثاء للزميل (خالد) فسأكون منافقا وساعيا بتملق اجتماعي مؤذي أن زعمت أنني زاملته في عمل أو دراسة، لم التقيه كجار في السكن لكنني التقيت به في فضاء التدوال والتواصل عبر الاسافير، التقينا رجلين يقفان على طرفي نقيض في الفكرة والالتزام والرؤية، جادلني وحاججته، وقف ضدي من حيث مبدئية سياسية ترى في من التزم نحوهم مخطئون ووقفت إزائه ناعيا عليه ما يرى لكن ويشهد الله ظل الاحترام بيننا قائما والود موصولا ومتصلا.
احترمت خياراته، وتفهم مواقفي، فظللنا على طرفي نقيض لكن هذا لم يخصم قط من اجتماعنا كسودانيين، حينما زار الخرطوم قبل سنوات التقيت به مرة أو مرتين، إحداهما وليمة في مكان عام حضرت إليه فأكرم وفادتي بأنس وسيم، وسودانية حميمة، أثبتت لي أننا دائما ورغم كل شيء تظل بيننا مساحات يمكن غرسها بقيم قد تؤدي يوما بنا جميعا إلى بدايات صحيحة في كثير مما نختلف حوله ونقتتل به ربما.
إنها صداقة ومعرفة وبعد اجتماعي وفره لي والراحل (خالد) الانترنت ومواقعه، ليظهر لي هنا الجانب الخير من هذه التقانة المعلوماتية بقدر يجعل من نبأ رحيل هذا الشاب فاجعة لي على المستوى الشخصي أعجزتني حتى عن تقديم عزاء مناسب يليق بحسن الظن هذا في الناس والآخرين.
إن قيمة الإنسان تتعاظم حينما يضع بصمته في دواخل الآخرين، وفقيدنا رسم نفسه وروحه وحرفه في فضاء واسع ممتد، واثق الآن أن دعوات الترحم عليه والدعاء يتقاطر من الوطن فيضا وفيوضا أخرى تترى من كل الأصقاع، بعضهم ربما لم يلتقِ الراحل كفاحا، عرفوه اسما وموقفا وبيانا، ولعل يكرم بها نزله ومنزله برحمة دائمة وحسن عزاء وسلوى على قلوب أهله وعشيرته.
لا املك شكا في أن السودان فقد (ابنا) من كرام شبابه، ويعتصر الألم دواخلي والعشرات أمثاله ينتشرون في الأصقاع البعيدة، تسحقهم أحجار الغربة القاسية وقد باعدت بينهم وبلدهم فما عدنا نلتقيهم إلا كالطيوف في ساحات الدردشة ومنابر الحوار الالكتروني، فتتعلق بهم قلوبنا ونقترب منهم لنكتشف أننا كنا مخطئين في حقهم ويكتشفون كذلك أنهم كانوا مخطئين في حقنا وأننا منهم واليهم وهم كذلك.