نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > عجب الفيا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2006, 03:07 PM   #[1]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي اليسار جنوباً .. السلفية شرقاً

feedback@sudanile.com




Last Update 09 ديسمبر, 2006 10:11:33 PM

اليسار جنوباً .. السلفية شرقاً

د.حيدر ابراهيم علي



يقصد بالجنوب في هذا المقال امريكا الجنوبية او أمريكا اللاتينية كما هو معروف ، اما الشرق فهو بالضبط المفهوم القديم رغم تغييرات حدثت في الحدود ولكنه في الحالة الراهنة هو العالم العربي الاسلامي اذ يشهد العالم انتصارات اليسار والدعوات الاشتراكية في امريكا الجنوبية ، حيث وصلت الى السلطة في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل واخيراً ، شخصيات تنتمي الى اليسار بصورة او اخرى . وفي تزامن مدهش تنتصر الجماعات الدينية والسلفية في الشرق وتحقق النتائج الباهرة في الانتخابات ، كما حدثت في فلسطين ومصر والكويت والاردن واخيرا في البحرين وهذه الجماعات الدينية هي التي تقود المعارضة والاحتجاج ضد الهيمنة والامبريالية وقد رفعت صور حسن نصر الله في لبنان خلال الصيف الماضي بينما كانت صورة جيفارا ـ في الماضي ـ هي التي تحتل الصدارة .

يلتقي يسار الجنوب وسلفية الشرق في العداء للولايات المتحدة الامريكية ورفض الاستعمار الجديد والقطب الاوحد . ولكن الاختلاف في الرؤية هو الذي يفرق بين الاثنين ويباعد بينهما ، فالجماعات الدينية والسلفية في الشرق دخلت ـ شعورياً أو لا شعورياً ـ في عملية صراع الحضارات . فهي تفسر التناقض مع الغرب على أسس ثقافية ، وتروج لنظرية المؤامرة حين تتحدث عن استهداف للاسلام والمسلمين .

وتهتم مجتمعات الشرق بالهوية وتثير لقلها سيرورة العولمة المتسارعة ، فهي تبحث عن خصوصية قد تتسبب في عزلها وبعدها عن العصر وتحولاته ، أما في امريكا الجنوبية أو اللاتينية ، فالقضية الاجتماعية ـ الاقتصادية واضحة ويعي المواطنون جيداً عمليات الصراع الطبقي في الداخل ، وعلاقات التبعية أو التطور غيرالمتكافئ على المستوى العالمي ، فقد أدرك اليسار اللاتيني ومعه الكنيسة جوهر الصراع ، لذلك كان النضال صحيحاً والمعركة محددة ولم يدخل في تناقض ثانوي بسبب اتفاقهم حول التناقض الرئيسي.

يعيش الشرق منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ما يسمى بالصحوة الاسلامية أو بعث للتدين والدين في أغلب مجالات الحياة من سياسية وثقافية واجتماعية وقد تزامنت هذه الصحوة مع الفورة النفطية وعقب نهاية حرب اكتوبر والتي حولت الانتصار الناقص الى مفاوضات ثم لاتفاقيات كامب ديفيد للسلام . وارجع كثير من الباحثين ظاهرة الصحوة الإسلامية الى فكر الازمة بمعنى ان العالم العربي - الاسلامي يعيش الفوات التاريخي اى حدوث فجوة بين تقدم العالم غير الاسلامي في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد .. بينما ظل العالم الاسلامي متخلفا في هذه المجالات ، مما جعله خاضعا وعرضة للاعتداءات الصهيونية والغرب ، وقد رسخ الصراع العربي ، الصهيوني هذه الفكرة لدى المسلمين والعرب ، خاصة وقد عجز العرب والمسلمون عن هزيمة اسرائيل أو فرض سلام عادل او حتى العودة الى قرار تقسيم فلسطين 1948م ولذلك كان من الطبيعي ان يبحث العرب عن مجدهم خلفهم او في الماضي ، لان الحاضر رغم واقعيته ، يقدم لهم هزائم وانكسارات وتراجعات لا تتوقف ، وهكذا جاءت الصحوة الإسلامية ومعها صعود الجماعات الدينية ، كرد فعل للازمة العميقة التي تعيشها الامتان العربية والاسلامية.

تحدد ظروف نشأة الحركات والتنظيمات الاسلاموية كيفية تطورها أى كيف يحتم فكر ومناخ الازمة عليها أن تأخذ مسارات بعينها . فقد استغلت الشعور العام بالاحباط ، ولذلك لم تشغل نفسها بتقديم برامج سياسية مفصلة تخاطب المشكلات العديدة التي تواجه هذه المجتمعات ، واختزلت نفسها في التبشير بالدعوة الى دولة مثالها مجتمع المدينة والذي لم يتكرر خلال اربعة عشر قرناً ، وتنزوي مشكلات الفقر والأمية والعطالة وتدني الخدمات ، امام الشعارات الكبرى مثل : الاسلام هو الحل ! دون ان تفصح هذه الحركات كيف يكون الحل أو أن تسأل نفسها الحل لماذا حسب رؤيتها ؟ ولو تواضعت هذه الحركات قليلاً واجابت على مثل هذه الاسئلة تكون قد اقتربت من الواقعي والملموس ، ولكنها الآن ، تحلق في سماوات بعيدة عن الناس ، ومع ذلك ينجذب الناس ولا يطالبونها باكثر من الشعارات ، وهذا يحدث ببساطة ، لانهم متأزمون ولا يهتمون بالنقد والتساؤل ، والأهم من ذلك هو ان الحركات الدينية تبيع الوهم في شكل الأمل.

ستظل التنظيمات الدينية التي تعمل في السياسة ، حركات معارضة جيدة ولكنها حكومات وسلطات فاشلة . فهي حركات هدامة وسلبية بمعنى لديها تصور للقضاء على الواقع الردئ والحكام الطغاة والمجتمعات الفاسدة ، ولكن لا تمتلك البديل الايجابي أي بناء دولة ومجتمع مختلفين ، وقد جعلتنا تجربة حكم الاسلامويين في السودان وايران وباكستان ضياء الحق نتجرأ ونكرر القول بأن الحركات الدينية هي معارضة جيدة وسلطة سيئة ، والسلوك السياسي لهذه الجماعات الدينية في برلمانات الدول العربية يكشف عن قدرة هائلة في إثارة القضايا التي تزعج الحكومات وتشغلها بموضوعات هي في الغالب هامشية ومن يتابع اداء البرلمانيين الاسلامويين في مصر والكويت والاردن والمغرب يلاحظ نوعية الموضوعات والقضايا التي تمثل اولويات للاسلامويين ، ففي هذه الايام ينشغل البرلمان المصري بحملة الاخوان المسلمين وبعض المؤيدين من الحزب الحاكم ، على وزير الثقافة المصري فاروق حسني بسبب تصريحات عابرة او حتى غيرمعلنة ، عن الحجاب وكأن البلاد قد حلت مشكلات الديون والبطالة والتلوث ولم يبق غير الحجاب ، ومثل هذه المعارضات تساند السلطة الحاكمة دون ان تقصد.

لابد ان يتساءل المرء عن دلالات الصحوة الاسلامية وماهي الاضافات التي قدمتها القوى التي قادت هذا التطور ، ونصبت نفسها كدعاة ومفكرين وقادة احزاب وناشطين في المجتمع المدني والاعلام وهنا يقلقني سؤال : لماذا نتحدث بعد ثلاثة عقود من الصحوة الاسلامية عن محاولة تحسين صورة المسلمين لدى الآخر؟ ولماذا ساءت صورة المسلمين وتم ربطها بالارهاب والتفجيرات الانتحارية ولم ترتبط بمساهمات علمية وفكرية خلال هذه السنوات؟ لقد صعقت قبل ايام حين كنت اشاهد التلفزيون ، وفي تقرير اخباري عن الصومال والمحاكم الاسلامية بعد قرار مجلس الأمن ارسال قوات اممية الى الصومال ، في هذا التقرير ، ظهر شاب يحمل كتبه المدرسية والقى بها على الارض معلنا ، لقد بدأ الجهاد ولا وقت للدراسة ! وهذا فهم غريب وكأن الجهاد في الاسلام هوالقتال فقط . بينما في العالم الآن معارك كثيرة في ميادين العلم والمعرفة والتكنولوجيا والانتاج والاقتصاد ، ومن هنا نفهم كيف يصوت المجاهدون في العراق وافغانستان وفلسطين باجسادهم وارواحهم كخيار نهائى ينفي الذات نفسها التي يفترض ان تجني ثمار هزيمة الغزاة او المستوطنين.

اكرر مقولة حسن البنا في رسالة لمؤتمر الشباب قبل ستة عقود من الزمان : نحن قوم نجيد صناعة الموت ! فهل يمكن ان تجيد الحركات الدينية بعد هذا الزمن صناعة الديمقراطية حين تنافس في الانتخابات وتفوز بمقاعد كثيرة ؟ هل ستجيد معارضة الحاكم أم ستضع اسساً ثابتة للديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية ؟ ستجد الجماعات والتنظيمات التي فازت بنتائج جيدة ، صعوبة في المشاركة في السلطة او كمعارضة بناءة ، بسبب خلل الاولويات .. ورغم أن بعض المفكرين الاسلاميين كتبوا عن فقه الاولويات ، إلا أن هذه الحركات لم تعدل اولوياتها لتقف على قدميها ، إذ مازالت تقف على رأسها.

السؤال الهام هو : هل كانت انتصارات السلفية والجماعات الدينية حتمية للتطور في العالم العربي ـ الاسلامي ؟ أو هل تقدمت بفضل قوتها وقدراتها الذاتية أم بسبب ضعف وتراجع الآخرين وبالذات اليسار ؟ أميل إلى الإحتمال الأخير وهو تحميل المسؤولية لليسار في البلدان العربية ـ الاسلامية ، فقد اضاع اليسار فرصته حين كان في السلطة او قريباً ومؤثراً في السلطة ، ثم بعد الفشل لم يحاول استيعاب عبر التاريخ وتجاوز الاخطاء القاتلة التي ارتكبها في فترات صعوده ، والآن تقوم السلفية والحركات الدينية بالدور المفترض لليسار، وفضل كثيرمن عناصر اليسارالعودة الى الدين في صيغته التصوفية ، لكي يبتعدوا تماما عن السياسة والنشاط العام وبقيت شراذم بكل افرادها في اجهزة الاعلام او يمارسون كسلهم في منظمات المجتمع المدني الجديدة او يحكون عن امجادهم السابقة في قعدات مفجرة ، فاليسار يجني الآن ثمار غرسه شوكا ولكن أين الخطأ؟

فشلت القوى اليسارية أن تتحول الى أحزاب جماهيرية ورضيت بالدور الرمزي والذي لا يعكس في كثير من الاحيان وزنها الفعلي ، فهي تكتفي بأن تمثل في الكيانات الكبرى مثل التجمع الوطني او جبهة الهيئات ، كما في الحالة السودانية ، بصورة زائفة ومليئة بنفاق سياسي حيث يعرف كل طرف قدر نفسه وقدر الآخر ، وفي خارج السودان يستمتع اليساريون بالتظاهرات والمؤتمرات واصدار البيانات المحلية بتوقيعات احزاب تقلصت إلى أمين عام ومكتب سياسي وتنظيمات للشباب والمرأة لا تزيد عضويتها عن خانة المئات ، فالمشكلة مازالت قائمة ، اليسار يتحدث باسم الجماهير ويدعي تمثيل مصالحها ، ولكن لا يذهب اليها في الارياف والقرى النائية ، لذلك ظل اليسار كما هو الحال في السودان لا يفوز في الانتخابات إلا في دوائر الخريجين والعاصمة والمدن الكبرى ، رغم أن بعض فصائله قدمت نفسها كاحزاب العمال والفلاحين وفقراء الريف ، وقد كان مقتل اليسار او سبب فشله هو هذه عزلة عن الجماهير التي يتحدث باسمها ، وعلى العكس من اليسار ارتبطت الحركات الدينية بالجماهير ، وقامت بعمل استراتيجي حين حاولت ان تحل محل الدولة في مجالات الخدمة والتنمية ، بعد ان تخلت الدولة عن دورها بسبب الخصخصة والفساد والعجز ايضا .

هناك اختلاف كبير بين يسار الجنوب ـ امريكا اللاتينية ويسار الشرق في العلاقة مع الدين ، فقد نجح يسار الجنوب في جذب الكنيسة لكي تتبنى مقولاته وان تتحدث عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية والبؤس والفقر والتهميش وصارت الكنيسة تتحدث لغة اليسار بعد أن فسرت الانجيل بفهم جديد يرتبط بالواقع وانزلته من ما وراء الطبيعة الى الطبيعة والواقع واستطاع الطرفان: اليسار والكنيسة رفع التناقض الوهيم بين الدين عموما واشواق البشر للحرية والعدالة والرحمة ، وكلنا يعلم بأن لاهوت الحرير كان نتاج هذه العلاقة المتقدمة اما اليسار في الشرق ، وفي السودان خاصة فقد تراوحت مواقفه في الدين بين التجاهل او التملق او التلفيقية فقد حاولت بعض فصائل اليسار تبرير علاقته مع الدين وادعاء الموقف الايجابي من خلال الترويج لقصص ساذجة مثل ان اعضاء الحزب يوقفون اجتماعاتهم عند الأذان لاداء الصلاة ثم العودة الى الاجتماع او تعداد بعض اسماء قضاة شرعيين بأن لهم صلة بالحزب ، هذا وقد تجنبت ادبياتهم المعالجة الفكرية العميقة لدورالدين الاجتماعي والثقافي في بلد مثل السودان . ولم تخرج كتاباتهم عن بعض المقارعات مع فكر الاخو ان المسلمين ، لذلك تركوا الدين قصداً او سهواً للسلفية ، ومع ازدياد الموجة الدينية تصرف اليساريون الشرقيون عكس رفقائهم في الجنوب حيث تبنوا مقولاتهم وعلى سبيل المثال نجد اليسار الذي يردد : الشورى والديمقراطية وكأنهما شئ واحد ، ويتجنب كلمة اشتراكية ويفضل العدالة الاجتماعية وهكذا.

مازال المستقبل لليسار لسبب بسيط هو أن المستقبل للاشتراكية والحركات الدينية والسلفية لها دور هام هو التأكيد على الجانب الاخلاقي في الاشتراكية ولكنها غير قادرة ولا تدعي انها تسعى لتحقيق الاشتراكية في الشرق، ولكن مهام مجابهة الاستعمارالجديد والصهيونية مرتبطة بالتنمية وبناء اوطان ومجتمعات منتجة وعقلانية وعلمية ، ولا يكفي ان تكون هذه المجتمعات متدينة وضعيفة ، اذ لابد ان تكمل تدينها بوسائل المقاومة الحقيقية ، والحركات الدينية والسلفية حتى الآن تكتفي بالنصف الاول من معادلة التدين + القوة ، ويستطيع اليسار اكمال هذه المعادلة من خلال تقديم خطاب مقنع عن الاشتراكية للجماهير التي فقدها او لم يصلها اصلا، ومثل هذا الخطاب لن يكتمل من خلال التملق والتلفيق بل لابد من نظرة نقدية وتجديدية للفكرين الديني والاشتراكي

http://www.sudanile.com/



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2006, 08:51 PM   #[2]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عجب الفيا
feedback@sudanile.com




Last Update 09 ديسمبر, 2006 10:11:33 PM

اليسار جنوباً .. السلفية شرقاً

د.حيدر ابراهيم علي



يقصد بالجنوب في هذا المقال امريكا الجنوبية او أمريكا اللاتينية كما هو معروف ، اما الشرق فهو بالضبط المفهوم القديم رغم تغييرات حدثت في الحدود ولكنه في الحالة الراهنة هو العالم العربي الاسلامي اذ يشهد العالم انتصارات اليسار والدعوات الاشتراكية في امريكا الجنوبية ، حيث وصلت الى السلطة في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل واخيراً ، شخصيات تنتمي الى اليسار بصورة او اخرى . وفي تزامن مدهش تنتصر الجماعات الدينية والسلفية في الشرق وتحقق النتائج الباهرة في الانتخابات ، كما حدثت في فلسطين ومصر والكويت والاردن واخيرا في البحرين وهذه الجماعات الدينية هي التي تقود المعارضة والاحتجاج ضد الهيمنة والامبريالية وقد رفعت صور حسن نصر الله في لبنان خلال الصيف الماضي بينما كانت صورة جيفارا ـ في الماضي ـ هي التي تحتل الصدارة .

يلتقي يسار الجنوب وسلفية الشرق في العداء للولايات المتحدة الامريكية ورفض الاستعمار الجديد والقطب الاوحد . ولكن الاختلاف في الرؤية هو الذي يفرق بين الاثنين ويباعد بينهما ، فالجماعات الدينية والسلفية في الشرق دخلت ـ شعورياً أو لا شعورياً ـ في عملية صراع الحضارات . فهي تفسر التناقض مع الغرب على أسس ثقافية ، وتروج لنظرية المؤامرة حين تتحدث عن استهداف للاسلام والمسلمين .

وتهتم مجتمعات الشرق بالهوية وتثير لقلها سيرورة العولمة المتسارعة ، فهي تبحث عن خصوصية قد تتسبب في عزلها وبعدها عن العصر وتحولاته ، أما في امريكا الجنوبية أو اللاتينية ، فالقضية الاجتماعية ـ الاقتصادية واضحة ويعي المواطنون جيداً عمليات الصراع الطبقي في الداخل ، وعلاقات التبعية أو التطور غيرالمتكافئ على المستوى العالمي ، فقد أدرك اليسار اللاتيني ومعه الكنيسة جوهر الصراع ، لذلك كان النضال صحيحاً والمعركة محددة ولم يدخل في تناقض ثانوي بسبب اتفاقهم حول التناقض الرئيسي.

يعيش الشرق منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ما يسمى بالصحوة الاسلامية أو بعث للتدين والدين في أغلب مجالات الحياة من سياسية وثقافية واجتماعية وقد تزامنت هذه الصحوة مع الفورة النفطية وعقب نهاية حرب اكتوبر والتي حولت الانتصار الناقص الى مفاوضات ثم لاتفاقيات كامب ديفيد للسلام . وارجع كثير من الباحثين ظاهرة الصحوة الإسلامية الى فكر الازمة بمعنى ان العالم العربي - الاسلامي يعيش الفوات التاريخي اى حدوث فجوة بين تقدم العالم غير الاسلامي في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد .. بينما ظل العالم الاسلامي متخلفا في هذه المجالات ، مما جعله خاضعا وعرضة للاعتداءات الصهيونية والغرب ، وقد رسخ الصراع العربي ، الصهيوني هذه الفكرة لدى المسلمين والعرب ، خاصة وقد عجز العرب والمسلمون عن هزيمة اسرائيل أو فرض سلام عادل او حتى العودة الى قرار تقسيم فلسطين 1948م ولذلك كان من الطبيعي ان يبحث العرب عن مجدهم خلفهم او في الماضي ، لان الحاضر رغم واقعيته ، يقدم لهم هزائم وانكسارات وتراجعات لا تتوقف ، وهكذا جاءت الصحوة الإسلامية ومعها صعود الجماعات الدينية ، كرد فعل للازمة العميقة التي تعيشها الامتان العربية والاسلامية.

تحدد ظروف نشأة الحركات والتنظيمات الاسلاموية كيفية تطورها أى كيف يحتم فكر ومناخ الازمة عليها أن تأخذ مسارات بعينها . فقد استغلت الشعور العام بالاحباط ، ولذلك لم تشغل نفسها بتقديم برامج سياسية مفصلة تخاطب المشكلات العديدة التي تواجه هذه المجتمعات ، واختزلت نفسها في التبشير بالدعوة الى دولة مثالها مجتمع المدينة والذي لم يتكرر خلال اربعة عشر قرناً ، وتنزوي مشكلات الفقر والأمية والعطالة وتدني الخدمات ، امام الشعارات الكبرى مثل : الاسلام هو الحل ! دون ان تفصح هذه الحركات كيف يكون الحل أو أن تسأل نفسها الحل لماذا حسب رؤيتها ؟ ولو تواضعت هذه الحركات قليلاً واجابت على مثل هذه الاسئلة تكون قد اقتربت من الواقعي والملموس ، ولكنها الآن ، تحلق في سماوات بعيدة عن الناس ، ومع ذلك ينجذب الناس ولا يطالبونها باكثر من الشعارات ، وهذا يحدث ببساطة ، لانهم متأزمون ولا يهتمون بالنقد والتساؤل ، والأهم من ذلك هو ان الحركات الدينية تبيع الوهم في شكل الأمل.

ستظل التنظيمات الدينية التي تعمل في السياسة ، حركات معارضة جيدة ولكنها حكومات وسلطات فاشلة . فهي حركات هدامة وسلبية بمعنى لديها تصور للقضاء على الواقع الردئ والحكام الطغاة والمجتمعات الفاسدة ، ولكن لا تمتلك البديل الايجابي أي بناء دولة ومجتمع مختلفين ، وقد جعلتنا تجربة حكم الاسلامويين في السودان وايران وباكستان ضياء الحق نتجرأ ونكرر القول بأن الحركات الدينية هي معارضة جيدة وسلطة سيئة ، والسلوك السياسي لهذه الجماعات الدينية في برلمانات الدول العربية يكشف عن قدرة هائلة في إثارة القضايا التي تزعج الحكومات وتشغلها بموضوعات هي في الغالب هامشية ومن يتابع اداء البرلمانيين الاسلامويين في مصر والكويت والاردن والمغرب يلاحظ نوعية الموضوعات والقضايا التي تمثل اولويات للاسلامويين ، ففي هذه الايام ينشغل البرلمان المصري بحملة الاخوان المسلمين وبعض المؤيدين من الحزب الحاكم ، على وزير الثقافة المصري فاروق حسني بسبب تصريحات عابرة او حتى غيرمعلنة ، عن الحجاب وكأن البلاد قد حلت مشكلات الديون والبطالة والتلوث ولم يبق غير الحجاب ، ومثل هذه المعارضات تساند السلطة الحاكمة دون ان تقصد.

لابد ان يتساءل المرء عن دلالات الصحوة الاسلامية وماهي الاضافات التي قدمتها القوى التي قادت هذا التطور ، ونصبت نفسها كدعاة ومفكرين وقادة احزاب وناشطين في المجتمع المدني والاعلام وهنا يقلقني سؤال : لماذا نتحدث بعد ثلاثة عقود من الصحوة الاسلامية عن محاولة تحسين صورة المسلمين لدى الآخر؟ ولماذا ساءت صورة المسلمين وتم ربطها بالارهاب والتفجيرات الانتحارية ولم ترتبط بمساهمات علمية وفكرية خلال هذه السنوات؟ لقد صعقت قبل ايام حين كنت اشاهد التلفزيون ، وفي تقرير اخباري عن الصومال والمحاكم الاسلامية بعد قرار مجلس الأمن ارسال قوات اممية الى الصومال ، في هذا التقرير ، ظهر شاب يحمل كتبه المدرسية والقى بها على الارض معلنا ، لقد بدأ الجهاد ولا وقت للدراسة ! وهذا فهم غريب وكأن الجهاد في الاسلام هوالقتال فقط . بينما في العالم الآن معارك كثيرة في ميادين العلم والمعرفة والتكنولوجيا والانتاج والاقتصاد ، ومن هنا نفهم كيف يصوت المجاهدون في العراق وافغانستان وفلسطين باجسادهم وارواحهم كخيار نهائى ينفي الذات نفسها التي يفترض ان تجني ثمار هزيمة الغزاة او المستوطنين.

اكرر مقولة حسن البنا في رسالة لمؤتمر الشباب قبل ستة عقود من الزمان : نحن قوم نجيد صناعة الموت ! فهل يمكن ان تجيد الحركات الدينية بعد هذا الزمن صناعة الديمقراطية حين تنافس في الانتخابات وتفوز بمقاعد كثيرة ؟ هل ستجيد معارضة الحاكم أم ستضع اسساً ثابتة للديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية ؟ ستجد الجماعات والتنظيمات التي فازت بنتائج جيدة ، صعوبة في المشاركة في السلطة او كمعارضة بناءة ، بسبب خلل الاولويات .. ورغم أن بعض المفكرين الاسلاميين كتبوا عن فقه الاولويات ، إلا أن هذه الحركات لم تعدل اولوياتها لتقف على قدميها ، إذ مازالت تقف على رأسها.

السؤال الهام هو : هل كانت انتصارات السلفية والجماعات الدينية حتمية للتطور في العالم العربي ـ الاسلامي ؟ أو هل تقدمت بفضل قوتها وقدراتها الذاتية أم بسبب ضعف وتراجع الآخرين وبالذات اليسار ؟ أميل إلى الإحتمال الأخير وهو تحميل المسؤولية لليسار في البلدان العربية ـ الاسلامية ، فقد اضاع اليسار فرصته حين كان في السلطة او قريباً ومؤثراً في السلطة ، ثم بعد الفشل لم يحاول استيعاب عبر التاريخ وتجاوز الاخطاء القاتلة التي ارتكبها في فترات صعوده ، والآن تقوم السلفية والحركات الدينية بالدور المفترض لليسار، وفضل كثيرمن عناصر اليسارالعودة الى الدين في صيغته التصوفية ، لكي يبتعدوا تماما عن السياسة والنشاط العام وبقيت شراذم بكل افرادها في اجهزة الاعلام او يمارسون كسلهم في منظمات المجتمع المدني الجديدة او يحكون عن امجادهم السابقة في قعدات مفجرة ، فاليسار يجني الآن ثمار غرسه شوكا ولكن أين الخطأ؟

فشلت القوى اليسارية أن تتحول الى أحزاب جماهيرية ورضيت بالدور الرمزي والذي لا يعكس في كثير من الاحيان وزنها الفعلي ، فهي تكتفي بأن تمثل في الكيانات الكبرى مثل التجمع الوطني او جبهة الهيئات ، كما في الحالة السودانية ، بصورة زائفة ومليئة بنفاق سياسي حيث يعرف كل طرف قدر نفسه وقدر الآخر ، وفي خارج السودان يستمتع اليساريون بالتظاهرات والمؤتمرات واصدار البيانات المحلية بتوقيعات احزاب تقلصت إلى أمين عام ومكتب سياسي وتنظيمات للشباب والمرأة لا تزيد عضويتها عن خانة المئات ، فالمشكلة مازالت قائمة ، اليسار يتحدث باسم الجماهير ويدعي تمثيل مصالحها ، ولكن لا يذهب اليها في الارياف والقرى النائية ، لذلك ظل اليسار كما هو الحال في السودان لا يفوز في الانتخابات إلا في دوائر الخريجين والعاصمة والمدن الكبرى ، رغم أن بعض فصائله قدمت نفسها كاحزاب العمال والفلاحين وفقراء الريف ، وقد كان مقتل اليسار او سبب فشله هو هذه عزلة عن الجماهير التي يتحدث باسمها ، وعلى العكس من اليسار ارتبطت الحركات الدينية بالجماهير ، وقامت بعمل استراتيجي حين حاولت ان تحل محل الدولة في مجالات الخدمة والتنمية ، بعد ان تخلت الدولة عن دورها بسبب الخصخصة والفساد والعجز ايضا .

هناك اختلاف كبير بين يسار الجنوب ـ امريكا اللاتينية ويسار الشرق في العلاقة مع الدين ، فقد نجح يسار الجنوب في جذب الكنيسة لكي تتبنى مقولاته وان تتحدث عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية والبؤس والفقر والتهميش وصارت الكنيسة تتحدث لغة اليسار بعد أن فسرت الانجيل بفهم جديد يرتبط بالواقع وانزلته من ما وراء الطبيعة الى الطبيعة والواقع واستطاع الطرفان: اليسار والكنيسة رفع التناقض الوهيم بين الدين عموما واشواق البشر للحرية والعدالة والرحمة ، وكلنا يعلم بأن لاهوت الحرير كان نتاج هذه العلاقة المتقدمة اما اليسار في الشرق ، وفي السودان خاصة فقد تراوحت مواقفه في الدين بين التجاهل او التملق او التلفيقية فقد حاولت بعض فصائل اليسار تبرير علاقته مع الدين وادعاء الموقف الايجابي من خلال الترويج لقصص ساذجة مثل ان اعضاء الحزب يوقفون اجتماعاتهم عند الأذان لاداء الصلاة ثم العودة الى الاجتماع او تعداد بعض اسماء قضاة شرعيين بأن لهم صلة بالحزب ، هذا وقد تجنبت ادبياتهم المعالجة الفكرية العميقة لدورالدين الاجتماعي والثقافي في بلد مثل السودان . ولم تخرج كتاباتهم عن بعض المقارعات مع فكر الاخو ان المسلمين ، لذلك تركوا الدين قصداً او سهواً للسلفية ، ومع ازدياد الموجة الدينية تصرف اليساريون الشرقيون عكس رفقائهم في الجنوب حيث تبنوا مقولاتهم وعلى سبيل المثال نجد اليسار الذي يردد : الشورى والديمقراطية وكأنهما شئ واحد ، ويتجنب كلمة اشتراكية ويفضل العدالة الاجتماعية وهكذا.

مازال المستقبل لليسار لسبب بسيط هو أن المستقبل للاشتراكية والحركات الدينية والسلفية لها دور هام هو التأكيد على الجانب الاخلاقي في الاشتراكية ولكنها غير قادرة ولا تدعي انها تسعى لتحقيق الاشتراكية في الشرق، ولكن مهام مجابهة الاستعمارالجديد والصهيونية مرتبطة بالتنمية وبناء اوطان ومجتمعات منتجة وعقلانية وعلمية ، ولا يكفي ان تكون هذه المجتمعات متدينة وضعيفة ، اذ لابد ان تكمل تدينها بوسائل المقاومة الحقيقية ، والحركات الدينية والسلفية حتى الآن تكتفي بالنصف الاول من معادلة التدين + القوة ، ويستطيع اليسار اكمال هذه المعادلة من خلال تقديم خطاب مقنع عن الاشتراكية للجماهير التي فقدها او لم يصلها اصلا، ومثل هذا الخطاب لن يكتمل من خلال التملق والتلفيق بل لابد من نظرة نقدية وتجديدية للفكرين الديني والاشتراكي

http://www.sudanile.com/


Last Update 09 ديسمبر, 2006 10:11:33 PM

اليسار جنوباً .. السلفية شرقاً

د.حيدر ابراهيم علي



يقصد بالجنوب في هذا المقال امريكا الجنوبية او أمريكا اللاتينية كما هو معروف ، اما الشرق فهو بالضبط المفهوم القديم رغم تغييرات حدثت في الحدود ولكنه في الحالة الراهنة هو العالم العربي الاسلامي اذ يشهد العالم انتصارات اليسار والدعوات الاشتراكية في امريكا الجنوبية ، حيث وصلت الى السلطة في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل واخيراً ، شخصيات تنتمي الى اليسار بصورة او اخرى . وفي تزامن مدهش تنتصر الجماعات الدينية والسلفية في الشرق وتحقق النتائج الباهرة في الانتخابات ، كما حدثت في فلسطين ومصر والكويت والاردن واخيرا في البحرين وهذه الجماعات الدينية هي التي تقود المعارضة والاحتجاج ضد الهيمنة والامبريالية وقد رفعت صور حسن نصر الله في لبنان خلال الصيف الماضي بينما كانت صورة جيفارا ـ في الماضي ـ هي التي تحتل الصدارة .

يلتقي يسار الجنوب وسلفية الشرق في العداء للولايات المتحدة الامريكية ورفض الاستعمار الجديد والقطب الاوحد . ولكن الاختلاف في الرؤية هو الذي يفرق بين الاثنين ويباعد بينهما ، فالجماعات الدينية والسلفية في الشرق دخلت ـ شعورياً أو لا شعورياً ـ في عملية صراع الحضارات . فهي تفسر التناقض مع الغرب على أسس ثقافية ، وتروج لنظرية المؤامرة حين تتحدث عن استهداف للاسلام والمسلمين .

وتهتم مجتمعات الشرق بالهوية وتثير لقلها سيرورة العولمة المتسارعة ، فهي تبحث عن خصوصية قد تتسبب في عزلها وبعدها عن العصر وتحولاته ، أما في امريكا الجنوبية أو اللاتينية ، فالقضية الاجتماعية ـ الاقتصادية واضحة ويعي المواطنون جيداً عمليات الصراع الطبقي في الداخل ، وعلاقات التبعية أو التطور غيرالمتكافئ على المستوى العالمي ، فقد أدرك اليسار اللاتيني ومعه الكنيسة جوهر الصراع ، لذلك كان النضال صحيحاً والمعركة محددة ولم يدخل في تناقض ثانوي بسبب اتفاقهم حول التناقض الرئيسي.

يعيش الشرق منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ما يسمى بالصحوة الاسلامية أو بعث للتدين والدين في أغلب مجالات الحياة من سياسية وثقافية واجتماعية وقد تزامنت هذه الصحوة مع الفورة النفطية وعقب نهاية حرب اكتوبر والتي حولت الانتصار الناقص الى مفاوضات ثم لاتفاقيات كامب ديفيد للسلام . وارجع كثير من الباحثين ظاهرة الصحوة الإسلامية الى فكر الازمة بمعنى ان العالم العربي - الاسلامي يعيش الفوات التاريخي اى حدوث فجوة بين تقدم العالم غير الاسلامي في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد .. بينما ظل العالم الاسلامي متخلفا في هذه المجالات ، مما جعله خاضعا وعرضة للاعتداءات الصهيونية والغرب ، وقد رسخ الصراع العربي ، الصهيوني هذه الفكرة لدى المسلمين والعرب ، خاصة وقد عجز العرب والمسلمون عن هزيمة اسرائيل أو فرض سلام عادل او حتى العودة الى قرار تقسيم فلسطين 1948م ولذلك كان من الطبيعي ان يبحث العرب عن مجدهم خلفهم او في الماضي ، لان الحاضر رغم واقعيته ، يقدم لهم هزائم وانكسارات وتراجعات لا تتوقف ، وهكذا جاءت الصحوة الإسلامية ومعها صعود الجماعات الدينية ، كرد فعل للازمة العميقة التي تعيشها الامتان العربية والاسلامية.

تحدد ظروف نشأة الحركات والتنظيمات الاسلاموية كيفية تطورها أى كيف يحتم فكر ومناخ الازمة عليها أن تأخذ مسارات بعينها . فقد استغلت الشعور العام بالاحباط ، ولذلك لم تشغل نفسها بتقديم برامج سياسية مفصلة تخاطب المشكلات العديدة التي تواجه هذه المجتمعات ، واختزلت نفسها في التبشير بالدعوة الى دولة مثالها مجتمع المدينة والذي لم يتكرر خلال اربعة عشر قرناً ، وتنزوي مشكلات الفقر والأمية والعطالة وتدني الخدمات ، امام الشعارات الكبرى مثل : الاسلام هو الحل ! دون ان تفصح هذه الحركات كيف يكون الحل أو أن تسأل نفسها الحل لماذا حسب رؤيتها ؟ ولو تواضعت هذه الحركات قليلاً واجابت على مثل هذه الاسئلة تكون قد اقتربت من الواقعي والملموس ، ولكنها الآن ، تحلق في سماوات بعيدة عن الناس ، ومع ذلك ينجذب الناس ولا يطالبونها باكثر من الشعارات ، وهذا يحدث ببساطة ، لانهم متأزمون ولا يهتمون بالنقد والتساؤل ، والأهم من ذلك هو ان الحركات الدينية تبيع الوهم في شكل الأمل.

ستظل التنظيمات الدينية التي تعمل في السياسة ، حركات معارضة جيدة ولكنها حكومات وسلطات فاشلة . فهي حركات هدامة وسلبية بمعنى لديها تصور للقضاء على الواقع الردئ والحكام الطغاة والمجتمعات الفاسدة ، ولكن لا تمتلك البديل الايجابي أي بناء دولة ومجتمع مختلفين ، وقد جعلتنا تجربة حكم الاسلامويين في السودان وايران وباكستان ضياء الحق نتجرأ ونكرر القول بأن الحركات الدينية هي معارضة جيدة وسلطة سيئة ، والسلوك السياسي لهذه الجماعات الدينية في برلمانات الدول العربية يكشف عن قدرة هائلة في إثارة القضايا التي تزعج الحكومات وتشغلها بموضوعات هي في الغالب هامشية ومن يتابع اداء البرلمانيين الاسلامويين في مصر والكويت والاردن والمغرب يلاحظ نوعية الموضوعات والقضايا التي تمثل اولويات للاسلامويين ، ففي هذه الايام ينشغل البرلمان المصري بحملة الاخوان المسلمين وبعض المؤيدين من الحزب الحاكم ، على وزير الثقافة المصري فاروق حسني بسبب تصريحات عابرة او حتى غيرمعلنة ، عن الحجاب وكأن البلاد قد حلت مشكلات الديون والبطالة والتلوث ولم يبق غير الحجاب ، ومثل هذه المعارضات تساند السلطة الحاكمة دون ان تقصد.

لابد ان يتساءل المرء عن دلالات الصحوة الاسلامية وماهي الاضافات التي قدمتها القوى التي قادت هذا التطور ، ونصبت نفسها كدعاة ومفكرين وقادة احزاب وناشطين في المجتمع المدني والاعلام وهنا يقلقني سؤال : لماذا نتحدث بعد ثلاثة عقود من الصحوة الاسلامية عن محاولة تحسين صورة المسلمين لدى الآخر؟ ولماذا ساءت صورة المسلمين وتم ربطها بالارهاب والتفجيرات الانتحارية ولم ترتبط بمساهمات علمية وفكرية خلال هذه السنوات؟ لقد صعقت قبل ايام حين كنت اشاهد التلفزيون ، وفي تقرير اخباري عن الصومال والمحاكم الاسلامية بعد قرار مجلس الأمن ارسال قوات اممية الى الصومال ، في هذا التقرير ، ظهر شاب يحمل كتبه المدرسية والقى بها على الارض معلنا ، لقد بدأ الجهاد ولا وقت للدراسة ! وهذا فهم غريب وكأن الجهاد في الاسلام هوالقتال فقط . بينما في العالم الآن معارك كثيرة في ميادين العلم والمعرفة والتكنولوجيا والانتاج والاقتصاد ، ومن هنا نفهم كيف يصوت المجاهدون في العراق وافغانستان وفلسطين باجسادهم وارواحهم كخيار نهائى ينفي الذات نفسها التي يفترض ان تجني ثمار هزيمة الغزاة او المستوطنين.

اكرر مقولة حسن البنا في رسالة لمؤتمر الشباب قبل ستة عقود من الزمان : نحن قوم نجيد صناعة الموت ! فهل يمكن ان تجيد الحركات الدينية بعد هذا الزمن صناعة الديمقراطية حين تنافس في الانتخابات وتفوز بمقاعد كثيرة ؟ هل ستجيد معارضة الحاكم أم ستضع اسساً ثابتة للديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية ؟ ستجد الجماعات والتنظيمات التي فازت بنتائج جيدة ، صعوبة في المشاركة في السلطة او كمعارضة بناءة ، بسبب خلل الاولويات .. ورغم أن بعض المفكرين الاسلاميين كتبوا عن فقه الاولويات ، إلا أن هذه الحركات لم تعدل اولوياتها لتقف على قدميها ، إذ مازالت تقف على رأسها.

السؤال الهام هو : هل كانت انتصارات السلفية والجماعات الدينية حتمية للتطور في العالم العربي ـ الاسلامي ؟ أو هل تقدمت بفضل قوتها وقدراتها الذاتية أم بسبب ضعف وتراجع الآخرين وبالذات اليسار ؟ أميل إلى الإحتمال الأخير وهو تحميل المسؤولية لليسار في البلدان العربية ـ الاسلامية ، فقد اضاع اليسار فرصته حين كان في السلطة او قريباً ومؤثراً في السلطة ، ثم بعد الفشل لم يحاول استيعاب عبر التاريخ وتجاوز الاخطاء القاتلة التي ارتكبها في فترات صعوده ، والآن تقوم السلفية والحركات الدينية بالدور المفترض لليسار، وفضل كثيرمن عناصر اليسارالعودة الى الدين في صيغته التصوفية ، لكي يبتعدوا تماما عن السياسة والنشاط العام وبقيت شراذم بكل افرادها في اجهزة الاعلام او يمارسون كسلهم في منظمات المجتمع المدني الجديدة او يحكون عن امجادهم السابقة في قعدات مفجرة ، فاليسار يجني الآن ثمار غرسه شوكا ولكن أين الخطأ؟

فشلت القوى اليسارية أن تتحول الى أحزاب جماهيرية ورضيت بالدور الرمزي والذي لا يعكس في كثير من الاحيان وزنها الفعلي ، فهي تكتفي بأن تمثل في الكيانات الكبرى مثل التجمع الوطني او جبهة الهيئات ، كما في الحالة السودانية ، بصورة زائفة ومليئة بنفاق سياسي حيث يعرف كل طرف قدر نفسه وقدر الآخر ، وفي خارج السودان يستمتع اليساريون بالتظاهرات والمؤتمرات واصدار البيانات المحلية بتوقيعات احزاب تقلصت إلى أمين عام ومكتب سياسي وتنظيمات للشباب والمرأة لا تزيد عضويتها عن خانة المئات ، فالمشكلة مازالت قائمة ، اليسار يتحدث باسم الجماهير ويدعي تمثيل مصالحها ، ولكن لا يذهب اليها في الارياف والقرى النائية ، لذلك ظل اليسار كما هو الحال في السودان لا يفوز في الانتخابات إلا في دوائر الخريجين والعاصمة والمدن الكبرى ، رغم أن بعض فصائله قدمت نفسها كاحزاب العمال والفلاحين وفقراء الريف ، وقد كان مقتل اليسار او سبب فشله هو هذه عزلة عن الجماهير التي يتحدث باسمها ، وعلى العكس من اليسار ارتبطت الحركات الدينية بالجماهير ، وقامت بعمل استراتيجي حين حاولت ان تحل محل الدولة في مجالات الخدمة والتنمية ، بعد ان تخلت الدولة عن دورها بسبب الخصخصة والفساد والعجز ايضا .

هناك اختلاف كبير بين يسار الجنوب ـ امريكا اللاتينية ويسار الشرق في العلاقة مع الدين ، فقد نجح يسار الجنوب في جذب الكنيسة لكي تتبنى مقولاته وان تتحدث عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية والبؤس والفقر والتهميش وصارت الكنيسة تتحدث لغة اليسار بعد أن فسرت الانجيل بفهم جديد يرتبط بالواقع وانزلته من ما وراء الطبيعة الى الطبيعة والواقع واستطاع الطرفان: اليسار والكنيسة رفع التناقض الوهيم بين الدين عموما واشواق البشر للحرية والعدالة والرحمة ، وكلنا يعلم بأن لاهوت الحرير كان نتاج هذه العلاقة المتقدمة اما اليسار في الشرق ، وفي السودان خاصة فقد تراوحت مواقفه في الدين بين التجاهل او التملق او التلفيقية فقد حاولت بعض فصائل اليسار تبرير علاقته مع الدين وادعاء الموقف الايجابي من خلال الترويج لقصص ساذجة مثل ان اعضاء الحزب يوقفون اجتماعاتهم عند الأذان لاداء الصلاة ثم العودة الى الاجتماع او تعداد بعض اسماء قضاة شرعيين بأن لهم صلة بالحزب ، هذا وقد تجنبت ادبياتهم المعالجة الفكرية العميقة لدورالدين الاجتماعي والثقافي في بلد مثل السودان . ولم تخرج كتاباتهم عن بعض المقارعات مع فكر الاخو ان المسلمين ، لذلك تركوا الدين قصداً او سهواً للسلفية ، ومع ازدياد الموجة الدينية تصرف اليساريون الشرقيون عكس رفقائهم في الجنوب حيث تبنوا مقولاتهم وعلى سبيل المثال نجد اليسار الذي يردد : الشورى والديمقراطية وكأنهما شئ واحد ، ويتجنب كلمة اشتراكية ويفضل العدالة الاجتماعية وهكذا.

مازال المستقبل لليسار لسبب بسيط هو أن المستقبل للاشتراكية والحركات الدينية والسلفية لها دور هام هو التأكيد على الجانب الاخلاقي في الاشتراكية ولكنها غير قادرة ولا تدعي انها تسعى لتحقيق الاشتراكية في الشرق، ولكن مهام مجابهة الاستعمارالجديد والصهيونية مرتبطة بالتنمية وبناء اوطان ومجتمعات منتجة وعقلانية وعلمية ، ولا يكفي ان تكون هذه المجتمعات متدينة وضعيفة ، اذ لابد ان تكمل تدينها بوسائل المقاومة الحقيقية ، والحركات الدينية والسلفية حتى الآن تكتفي بالنصف الاول من معادلة التدين + القوة ، ويستطيع اليسار اكمال هذه المعادلة من خلال تقديم خطاب مقنع عن الاشتراكية للجماهير التي فقدها او لم يصلها اصلا، ومثل هذا الخطاب لن يكتمل من خلال التملق والتلفيق بل لابد من نظرة نقدية وتجديدية للفكرين الديني والاشتراكي






استاذ / عجب الفياء
تحياتى
عملت اقتباس للموضوع
فشان اقراه كويس
الشوف بقا ضنيين والله
مودتى



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-12-2006, 02:38 AM   #[3]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اهلا وسهلا يا طارق
تعرف الحال من بعضو الكبر دخل خلاص
لكن انا عندي ظاهرا جدا ببنط كبير
ما عارف باقي الناس عندها ظاهر كيف ارجو ان يفيدونا حتى نتلافي ذلك مستقبلا .

وتسلم يا عزيز



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-12-2006, 11:09 AM   #[4]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عجب الفيا
اهلا وسهلا يا طارق
تعرف الحال من بعضو الكبر دخل خلاص
لكن انا عندي ظاهرا جدا ببنط كبير
ما عارف باقي الناس عندها ظاهر كيف ارجو ان يفيدونا حتى نتلافي ذلك مستقبلا .

وتسلم يا عزيز
الحمد لله ما براى
بقراه بمهلة
وارجع لك
وابقى قريب
لاتطول الغياب
مودتى



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 02:00 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.