نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > جمال محمد إبراهيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-2007, 09:53 PM   #[1]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي أمين نخلة يحدثك عن تفاح لبنان وعن الشعر أيضا !


لم تشغلني السياسة في بيروت عن ملاحقة أمور الثقافة و اقتناص الممتع منها ، فأستريح لبعض حين ، واسترد أنفاساً ضاعت لهثاً بين مقرات أهل العقد و الحل في لبنان ، و الممتع حقا هو أن تجدبين الحصرم عنباً أو يأتيك مع اللسع عسل النحل شافيا بلسما . .


كنت في شارع الحمرا أبحث عن مكتبة يسعفني صاحبها بكتاب أو كتابين لأمين نخلة . . وكان قد وصف عنوانها لي صديق . ولجت إلى المكتبة عبر باب ضيق ، ولكن قلب صاحبها واسع بالترحيب و الأريحية . أضحكني كثيرا إذ امتدح السودانيين وكيف أنهم من بين كل العرب في بيروت هم الذين يزورونه لماماً و يشترون الكتب النادرة التي اشتهرت باقتنائها مكتبته في الحمرا ..
عثرت على كتاب ذات العماد من أمتع كتب نخلة ، وكان قد أصدره الر احل عام 1957 .
كتاب أندر من الذهب ، لم يعاد طبعه منذ ذلك التاريخ البعيد .

قرأت فقرات ممتعات عن تفاح لبنان .....

ليتنا نقرأها معا ، فأمين نخلة كاتب مبدع و عميق الحرف ...

ومن ص 97 من ذات العماد ، نقرأ:
تفاح لبنان:
(( بل لو ذكرت لنا شيئاً من تأريخ التفاح اللبناني ، في جمال التدوير والحمرة ، وهو الذي عليه قام في المشرق ، والمغرب ، شعرٌ وغزل ٌ كثير ، وقد قال أبو نواس :
سلاف دنّ ٍ ، إذا ما الماء خالطها
فاحت ، كما فاح َ تفاح ٌ بلبنان ِ (7)
وقال أبو الطيب :
حيث التقى خدّها ، وتفاح لبنان َ
و ثغري على حميّاها (8)
وقال ابن خفاجة ، الأندلسي ّ :
أغار لخديه على الورد كلما
بدا ، ولعطفيه على أ غصن البان ِ
وهبني َ أجني ورد خد ّ ٍ بناظري
فمن أين لي منه بتفاح ِ لبنان ِ
وقال بعضهم ، وقد كان معلماً للخليفة المستكفي بالله ، قبل أن يرتفع عن الصبا :
ورأىَ الورد عسكرين من الصُّفر ِ
فنادى ، فجآءه الجلّنارُ
واستجاشا تفاح َ لبنان لما
حميت ْ من وطيسها الأوتار ُ
وقال الغروليُّ في تشبيه الخدود : - كشقائق النعمان ، أو تفاح لبنان (9) . وقال بعضهم ، في تشبيه الوجوه، على ما نقله أبو الفرج الشيرازي :- كتفاح لبنان _ ، إلى آخر ما تنفح به كتب القوم من ذكر التفاح اللبناني )).



جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2007, 10:46 PM   #[2]
Garcia
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Garcia
 
افتراضي

الاستاذ الفاضل / جمال محمد إبراهيم
تحية عطرة وكل عام وانتم بخير ... تسجيل حضور ومتابعة ويبدو لى ان للحديث بقية ,
وجميل ان تنفحنا ببعض الكتابات عن تلك الدرر الثمينة من امهات الكتب التى تتميز بها ,
بيروت وهى ثكلى هذه الايام بين شد وجذب اهل السياسة ...
اتمنى ان يمتد غوصك مستقبلا لشعراء وأدباء وكتاب آخرين من لبنان ..
مع خالص الود والتقدير ..



التوقيع: لو انى اكتشفت سر الحياة ... لعلمت حكمة الموت ( رباعيات عمر الخيام )
Garcia غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2007, 11:08 PM   #[3]
عصمت العالم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عصمت العالم
 
افتراضي


سعادة السفير الشاعر الفنان جمال محمد ابراهيم..

عامكم بالوان وطعم تفاح لبنان..ومذاقه العسل..وبين العناب وافراز النحل والتفاح سراديب واتصال..
ولعلنى ان اول من بشرت بان مزاج بيروت سيدفعكم الى البحث والاستقصاء والتحصيل..وسينعكس علينا بمطر رخيم الرشاش.وسيتيح لنا ان نعيش زمن اخر من ابداع وجدان السفير الفنان .لشاعر المتوشح سرايا الجمال وهيكل رونقه..وضياءات سحر الحسن البديع..وتلك الترجمه الترجمان( ولعلكم تذكرون فى حضرة النوبه وحلقات الذكر حين تضطرب معاير التحليق فى ارتقاء الحضره ينفعل حوار ويبرطم وينطق بتعابير والفاظ..كان يعرف بانه ترجم..وبين ترجمة الحوار وترجوة الجمال وسمو الارتقاء ذلك التبيان ..الاشراق..من افق السماء حين تلثم اشعة الشمس الق الفجر وتاخذ منه مفاتيح قوة الاشعاع وتنطلق..)
ولعل تذكر سعادتكم..
فى لجين ضوء القمر والذكريات محافل واصداء وصور وتذكره .وانت بين رونق من مجامع الفه وفكر وثقافه وفن ورهط من انتعاشات الجمال. وبيروت التى اعرف فيها مزاج لواعج الاستعداء الثقافى الفنى .وذكريات صبية تحبو على وهج ارتعاش مغرق فى تسابيح الهوى تضن وتضج وتصرخ فى همس مناجاتها .وهى تطرق سبر اسحار طلاسم .اصف ابن برخيا فى حضور الاستجابه..عند حد الاترداد..وارتداد الطرف...وزمن التحليق
انها عظة وتذكره..
لان رب الكون حين ابدع الجمال .اتاح دروب ومسارات عشقه..!!
ولعل شكاة الراحل المقيم ود القرشى ذلك الشاعر التدفق والبيان والعشق.فى ملامح همس صراخه .ولهيب عشقه المحموم..
ربنا يمنحه من عطر دفقه كما منحنا الروائع..
ولعل سعادتك ..
يذكر من اغنياته رب الجمال..
وذكر بالنص..
رب الجمال .اذانا..!!
وكان ذلك تساؤل فيه حتمية وحكمة وجمال المشروعيه..

سعادة السفير الشاعر الفنان..
مساكم اللله بخيره ونفحه وستره ورضاه.
ونحن نتوقع ان نقطف من مساء بيروت روائع من ابداع الهامكم الفنان.. وهذا اول الغيث ,بدايات الطواف الثقافى الادبى
عميق الاعزاز



عصمت العالم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-01-2007, 11:12 AM   #[4]
ريما نوفل
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سعادة السفير جمال

لا شك أنك صائد ماهر. عليك ان تدلني على تلك المكتبة..
(سخرية القدر أن يدلنا "غريب" على ثروات في بلدنا). وأرجو أن لا تسيء فهم كلمة غريب. فأنت منا وفينا ونفخر بذلك.
أما أمين نخلة فقد ثارت بوجهه تعليقات وتحليلات عدة حوله في الصحف اللبنانية والمنتديات الادبية في ذكرى وفاته. وكانت مناسبة للاطلاع على أعمال منسية أو مهملة وللتعرف على رجل طبع الأدب والشعر اللبناني بصبغة خاصة ستظل مدرسة قائمة بذاتها. وإليك هذا المقال القيّم الذي كتبه مثقف من بلادي اسمه بول شاوول:
[align=center]
30 عاماً على رحيل الشاعر اللبناني الكبير أمين نخلة
"جوهرجي" القصيدة العربية الحديثة ومُفتتح النثر اليومي الحيّ
[/align]

المستقبل - الخميس 29 حزيران (يونيو) 2006 - العدد 2309 - ثقافة و فنون - صفحة 19

بول شاوول

غاب أمين نخلة في العام 1976 في بدايات الحرب.وفي تلاويح خرابها وجنونها، رحل وحيداً. ليغيب وحيداً أيضاً. هذا الشاعر الكبير، والناثر الكبير، واللغوي الكبير، الذي كتب القصيدة "الأنيقة"، ذات "الديباجة" المتجددة، والنثر الذي افتتح أفقاً جديداً، هذا الكبير لا يجد من يتذكره اليوم. ولا من يجمع كتبه ومؤلفاته. وإذا عرفنا أن مكتبته الغنية قد أتلفت، وأن مخطوطات له عديدة، قد فقدت، وأن مؤلفاته، لا أحد يعرف أين صارت، يكتمل المشهد الدرامي، القاسي، لأحد شعرائنا الكبار. ذلك، ولأنه، ليس من عشيرة تتبناه، ولا في دولة تقدر ما أنجز، ولا من طائفة تحتضنه، فقد ذهب وحيداً، إلاّ مع شعره، ومع عزلته. أوليست جريمة لا تغتفر أن تندثر أعمال أمين نخلة في اللغة، والنثر، والثقافة، والشعر، وكأنها بلا أثر؛ أين المثقفون والدولة، ووزارة الثقافة، والمؤسسات؟ كيف يمكن أن يهدر نتاج كنتاج أمين نخلة أحد المؤسسين الكبار للقصيدة الحديثة، وللنثر الحديث. كيف تمضي أعوام ثلاثون على رحيله ولا من يفكر، ولا من يخطر له، أن يبحث عن إنجازات هذا الكبير. إنها صرخة وأكثر نطلقها، ونوجهها الى المعنيين من أهل الثقافة، لأخذ مبادرة "البحث عن أمين نخلة" هذا الذي تربينا على شعريته، وعلى نثره، وعلى قامته العالية؟
أمين نخلة، في الحركة الأدبية اللبنانية والعربية، له موقعه المتفرد، ووقعه الخاص، وعالمه تتنسمه ولو من بعيد، وتستشفه من فضاء "صاح"، ومن ذهن منقشع، ومن لغة صافية مصفّاة مطهرة مقطّرة كأنما من انبيق هنا. منحوتة كأنما بإزميل خفي، دقيق هناك. يعرف كيف يحذف بقدر ما يعرف كيف يقطف، ويختار، بإرهاف شعري قلما وقعنا على مثيله في الموزون العربي، وربما في غير الموزون.
إنه وارث اللحظات "اللغوية" العالية في الشعر. وارث مخزون "عبيد الشعر"، في التراث العربي، من أيام زهير المتأمل في اللغة وفي العالم، ولبيد ذي المناخات المظللة في المجاز، وأبي تمام ذي الضربة المغردة، والصيغ المفاجئة، والمتنبي ذي القصيدة المنسوجة، المركبة، المجدولة بوشائجها الداخلية، وإيحاءاتها الخفية؛ وهو وارث النثر العربي في قطوفه الأبهى والأصعب منذ "نهج البلاغة" الى عبدالحميد الكاتب والجاحظ.. وعبدالله بن المقفع.
فهو من إلفة ذلك الخزين، ومن وريفه، يستل "ديباجته"، وينحت حجارته من مقالعه، ويصوغ جواهره من ذهبه وفضته.
على أن "الأمين" وبقدرة الشاعر على تفتحات أوسع، وعلى مهارات وتجارب أعم، عرف كيف يفتح عينيه وقلبه وذهنه على الخزين الغربي ولا سيما الفرنسي، فأصابه منه هبوب ولفح من بودلير (القصيدة السوداء)، الى ألفونس دوديه (المفكرة الريفية)، وإلى البرناسيين أمثال لوكونت دي ليل وهيريديا وفرانسوا كوبي، من دون أن ننسى بعض الرومانطيقيين والرمزيين.
لكن أمين نخلة، على الرغم من أن البعض ومنه صلاح لبكي وأنطون قازان رأيا أنه متأثر بالبرناسية، والبعض الآخر أنه متأثر بالمسحة البودليرية (وإن ملتبسة)، فإنه، في العمق، بقي خارج المدارس المقننة ذات المواصفات والقوانين والتحديات المرسومة، حتى عندما احتدمت "المعارك" بين ذوي الاتجاهات الرومانطيقية كالياس أبو شبكة والرمزية متمثلة بأديب مظهر (كرائد لها قصفه الموت قبل إتمام تجربته) ويوسف غصوب وخصوصاً سعيد عقل، بقي هو على الهامش. فهؤلاء وهم من كبار الرواد، حاولوا تبنّي بعض المناخات والتنظيرات المتصلة بمفاهيم الشعر الرومانطيقي والرمزي، فصنف بعضهم في الخانتين: سعيد عقل في الرمزية وإن كانت نسبته الى الرمزية في حاجة الى مراجعة، وأبو شبكة في الرومانطيقية. وهنا برزت الاختلافات في النظر الى القصيدة، لتعكس الاختلافات الفرنسية والأوروبية حولها، فالرومانطيقيون (وخصوصاً أبو شبكة) يرون أن الشاعر مجرد وسيط يتلقى القصيدة (بالوحي) كاملة ناجزة تماماً كما يخرج الوليد من أحشاء أمه، وليس على الشاعر أن يتدخل في عملية "الخلق" التامة هذه. "فالوحي" الآتي من "ربات الشعر" ومن ملائكته ومن "شياطينه" أيضاً، لا يحتاج الى "أي" اعتداء يقوم به الشاعر عبر الصنعة أو الشغل أو التعديل أو التغيير، وكلنا يعرف أن الياس أبو شبكة هاجم بول فاليري واتهم بعض الرمزيين وكان يقصد تحديداً سعيد عقل، بالتقليد وباستيراد الأفكار والتجارب، وفي هذا الإطار وصف سعيد عقل، ومن يسعى الى صناعة القصيدة أو صوغها أو نحتها.. بالنجارين.
الرمزيون
الرمزيون، في المقابل، أطلوا من الضفة الأخرى، أي من ضفة فاليري وفرلين مع سعيد عقل ومن ضفة ألبير سان وبودلير مع أديب مظهر ويوسف غصوب.. ومارسوا عملية "ذهنية" أو فكرية، أو واعية على القصيدة، باعتبار أن "العفوية" غير موجودة، وأن على الشاعر أن يزيل عامل الصدفة (ولو موضوعية)، فتكون القصيدة منتوجاً مادياً أو نحيتة أو "جوهرة" تلمع في كل أطرافها؛ أما الناحية الأخرى المهمة التي اكتسبها رمزيونا من الفرنسيين فهي التعبير بالإيحاء، وبخلق مناخات دالة وموحية تشير الى الحالات التي تكوّنها كيمياء اللغة بطريقة غير مباشرة. وهنا إحالة على رامبو حيث الإيحاء عنده بالصورة، وكذلك الى مالارمه حيث الإيحاء يتم عبر صهر الصورة بكيميائية لغوية مكثفة، وإلى فاليري حيث يتم ذلك عبر "اللغة داخل اللغة"، خصوصاً أن شاعر الفرنسيين استفاد من مختلف التجاربالمذكورة ولا سيما من مالارمه وفرلين.
فأين نضع أمين نخلة من هذه المعمعة، وهذا التصادم بين المفاهيم واللغات، وهذه الخصومات "الجمالية" في التعاطي مع القصيدة؟ إن وضع البعض أمين نخلة في لائحة البرناسيين غير دقيق، ومن دون أي انتماء البرناسيين في بعض جوانب التعاطي مع لغة مشغولة، مادية (وهذا من ارث الكلاسيكيين الفرنسيين)، موضوعية، واضحة، إلا إنه يختلف معهم عميقاً من حيث غنائيته العالية والحميمة معاً. ومن حيث تجاوز اللغة الدقيقة عنده إلى ما يشبه كيميائية مظللة مفتوحة على دلالات نفسية وشعورية وكذلك ذهنية غير محددة. وهنا بالذات يلتقي "رمزية" بودلير الموشحة بمناخات ووريف، ورمزية فرلين "المائية" الملتبسة، لكن من دون التوصل الى مجاراة مالارمه في لعبته "الصعبة" والمركبة، ولا فاليري في ملحميته الداخلية التراجيدية.
فأمين نخلة قابل هذه التجارب الغربية (الفرنسية) بانفتاح محسوب، معتدل، كمن يقطف من الحديقة من خارج سياجها، أو كمن يتنشق عبقها من بعيد، فلهذا نجد عنده التماعات من بودلير، وأجواء من فرلين، وآثاراً من البرناسيين، لكن من دون أن يشكل أي منها في شاعرنا "نصاً" كاملاً، أو نموذجاً يحتذيه، او فكرة جاهزة يحاول أن يجسدها في القصيدة.
الموروث
لهذا قال عنه صلاح لبكي في كتابه المهم "لبنان الشاعر" في سياق كلامه على شعراء تلك الاتجاهات، انه "على حدة".
ونعتقد ان تشرب أمين نخلة من الموروث العربي القديم، وعلاقته العضوية به، وقراءاته الواعية المختزلة لمتونه، جعلت شاعرنا يميل الى ذلك الموروث ميلاناً راجحاً من دون أن يفقد صلاته "بالجديد" الفرنسي (الذي كان في الاربعينات من قديمه خصوصاً عندما نعرف أن السوريالية وقبلها الدادائية كانتا سلمتا كل مفاتيحهما وشحبتا...) في نهاية العشرينات، فجديدنا في تلك المرحلة كان من قديم الفرنسيين أو على الأقل من متاعهم "المضبوب" في الخزائن امام هجمة الدادائية والسوريالية.
وعلينا هنا الا نعتبر هذا الميلان الى الماضي وكأنه انتساب كلي اليه، او تماه عمومي به، فأمين نخلة يبقى من كبار المجددين في القصيدة العربية الحديثة، ومن كبار صائغي مقولة "الفن الصعب" و"الغموض الضروري في الشعر".
واعادة قراءته بتأن تكشف الى أي مدى نفخ في "الديباجة" القديمة روحاً جديدة، مطلة على اللغة كمعطى اولي لا بد للشاعر من أن يعجنه من جديد، ويصوغ علاقات غير مألوفة في نسائجه وعلاقاته، ولهذا يمكن التمييز بوضوح مثلاً بين لعبة البحتري الجمالية وبين ضربة أمين نخلة، لا للمفاضلة ولكن للتمييز، تماماً كما يمكن التمييز بوضوح بين لعبة أبي تمام وضربة سعيد عقل. اذاً هناك مسافة ما بين القديم كمخزون، هي مقطوف وبين الجديد كصائغ لهذا المخزون صوغاً "مختلفاً" ومضيفاً اليه شيئاً من إرهاف آخر هو في النهاية ارهاف الشاعر الثري والشفيف.
من هذه الشفافية المتعددة صاغ أمين نخلة شعره ونثره معاً اللذين منحاه صفة "الجوهرجي" والصائغ، الذي ينحت المفردة ويُطرب الايقاع، ويشرع المتن على التباس حي، وأحياناً على غموض غير مركب أو معقد أو لغوي بارد، أو تجريدي "عقلاني". كما نجد أحياناً كثيرة عند سعيد عقل.
هذا الجوهرجي البارع، والماهر، مروض اللغة، يعرف كيف يشتغل في دقائق العلاقات، "بصحو لامع":
كأن الصحو يلمع في ظنوني ويخفق في ضلوعي الف غصن. ومن هذا "الصحو" يدقق في تتبع التفاصيل لكن على اقتصاد في العناصر:
"آمنت بالتدقيق والضبط
يا واضع الخط على الخط.
وهي تفاصيل يومية معيشة، ولعله بحق شاعر تفاصيل اتبعه نزار قباني ولكن على غير لغة وعلى غير معدن. ومن "عناوين قصائده "العقد الطويل"، "المشط"، "الأظافر" "المناديل"، "الشفة".
لكن هذه التفاصيل كسواها، تكتنز تلك الكيميائية التي توحي بها كحالات او كأجواء:
وعلى مسقط القميص الى الخصر
وعند انفلاته جهد مجهد
او
الف غصن في الف غصة غصن
وقيام مع الغصون ومعقد.
من هنا يمكن القول ان التعبير المادي الموروث عن (البرناسيين) يتجاوز ماديته الى اشارات تثير مكامن او ايماءات. وأحيانا يطل على التجريدي:
ان الظلام المرتمي لجة
اعمق غورا من ضمير الفناء
وأحيانا يكون طقسا خاصا من الحالات:
ما أكثر الدمع والعويل
في دوحة خلفها الهديل
يا امة الشوق: اي فقد
قام به حزنك الطويل.
كأن هذه القصيدة من احزان فرلين
على ان أمين نخلة الذي لا يغرق لا في الرمزية ولا يبالغ في التأويل، يعتمد البوحية احيانا ولكن برشاقة واناقة وجمالية.
قريبة: اي بوحية بلا تبسيط:
كأن في دله ومشيته
غصنين جاءا وثالثا قصر
أو
في شفتيه من وهم عضهما
ورد يعرى وفستق يقشر
أو
أمشي وتمشي جدتي
في ثقل، ومهلة
أنا أجاري ضعفها
وهي تجاري قوتي
من هذه البوحية القريبة يمكن ان نقارب عدداً لا بأس به من قصائد المناسبات عنده وهي موفورة بالنسبة الى مجموع قصائده التي جمعها في "الديوان الجديد" (صادر عن منشورات الكتاب اللبناني في بيروت العام 1962). وفي هذه القصائد المناسبية تزدوج لغة أمين نخلة بين خضوع لمتطلبات هذا النوع، وبين تفرد خاص به، اذ ينزع عنها المواصفات الخطابية الفضفاضة، ويمتهن في صوغها براعة مبتكرة.
وكما برز نخلة في القصيدة الموزونة برز في نثره العالي، المتجدد، الذي يعتبره البعض افضل ناثري العربية منذ الجاحظ، بل ويرى البعض ان شعرية أمين نخلة مكتنزة ومعبرة في نثره اكثر مما هي في موزونه (تماما كما قيل عن جبران مثلا). فمن "المفكرة الريفية" الى "في الهواء الطلق" الى "ذات العماد".. تطلع كتابة نثرية لا تختلف كثيرا في تقنياتها عن قصائده، من حيث التطرف اللغوي، والصفاء، والتقطير، والنحت، والجمالية التي تدهش. فكأن أمين نخلة واحد في شعره وفي نثره وفي مقالاته، صائغ واحد يصوغ باصابع مرهفة ودقيقة وحية وانيقة.
انه من كبار شعرائنا.. ومن أكثر المغبونين.

من شعره


الحبيب الأول
أحبك في القنوط، وفي التمني،
كأني منك صرت، وصرت مني!
أحبك فوق ما وسعت ضلوعي،
وفوق مدى يدي، وبلوغ ظني.
هوى مترنح الأعطاف، طلق،
على سهل الشباب المطمئن.
* * *
أبوح إذن، فكل هبوب ريح
حديث عنك في الدنيا، وعني.
سينشرنا الصباح على الروابي،
على الوادي، على الشجر الأغن.
أبوح إذن، فهل تدري الدوالي
بأنك أنت أقداحي، ودني؟!
أتمتم باسم ثغرك فوق كأسي،
وأرشفها، كأنك، أو كأني...
* * *
نعيم حبنا، فانظر بعيني،
وعرس للمنى، فاسمع بأذني،
كأن الصحو يلمع في ظنوني،
ويخفق في ضلوعي ألف غصن.
على الوتر الحنون خلعت شوقي،
وماج هواي في آه المغني.
ففي النغم العميق إليك أمشي،
وأسلك جانب الوتر المرن...
القصيدة السوداء
شُهرت هذه القصيدة بهذا اللقب، فأبقي لها هنا.
لا تعجل، فالليل أندى وأبرد،
يا بياض الصباح، والحسن أسود!
ليلتي ليتان في الحلك الرطـ
ب، فجنح مضى، وجنح كأن قد...
وكأني على الغصون، من الليـ
ن، وهز الثمار، ما تتأود.
في النسيم العبيق، في النفس الحلـ
و، فيا طيب مسكة تتنهد!
ست: نحن العبيد، في مجدك الأسـ
ود، أهل البياض، نشقى ونسعد.
من حوالي فرقيك، في مسحة الطر
ة، شيء كأنه يتوعد.
وعلى مسقط القميص، الى الخصـ
ر، وعند انفلاته جهد مجهد.
يشهد اللين، والملاسة، والزلـ
ق باني في غيرما متوسد.
ألف غصن في ألف هزة غصن،
وقيام مع الغصون ومقعد.
كان أولى لو كنت آخذ بالخصـ
ر، ولكن يكاد بالكف يعقد!
سلم الخصر، فهو ينحط بالحمـ
ل، وينآد حيثما يتأيد،
طولي، ليلتي، على المرمر الرخـ
ص، وفي اللمح من سواد الزبرجد،
وانزلي الآبنوس، في موسم العو
د، على مترع المناعم، أرغد.
مهرجان لنا، ونهزة سعد،
تحت ستر الدجى، وزاد مزود...

إلى بودلير
(عاش بودلير عليلاً، بائساً، وبقي شعره
خامل الذكر حتى قضى أجله، فأخرجوا،
يومئذ، ديوانه (أزهار الأذى)، فملأ اسمه
الدنيا...).
برد الفيء المندى شفتيك!
ولوى بالرفق، واللين، عليك!
أنت أشقى الخلق بالعيش، فخذ
راحة الموت بكلتا راحتيك.
مت مشتاقاً، كظيماً، ساهداً،
فأرح صدرك، واملأ مقلتيك...
أسرعت "أزهارك" اليوم، وقد
حمدوا الجني، وقد فآؤا إليك!
يا لها في الزهر من ريانة!
فكأن لم تسقها من مدمعيك...
أنظر الدنيا، تجدها أقبلت
تتمنى نفحة عن جانبيك.
ليت شعري، أي خزي يعتري
شعراء الأرض إن قاموا لديك!
أنا، لو بلغت، جئت القبر في
حرمة الموت، وقبلت يديك...
فم
أنا لا أصدق أن هذا
الأحمر المشقوق فم:
بل وردة مبتلة،
حمراء، من لحم، ودم.
أكمامها شفتان، خذ
روحي، وعللني بشم.
إن الشفاه أحبها،
كم مرة قالت: نعم...

مأتم الورد
فقدت الجنى، لم يسلني العطر بعده،
فها أنا أقضي العمر في مأتم الورد!
بنيت وأحبابي بناء مودة،
فيا حر صدري! كيف أسكنه وحدي...
فمن يبكي لنا...
نحن، أهل الود، من أهل الأسى.
أرضنا الشوق، ووادينا الضنى.
وجد الأحباب من يبكي لهم،
وغداً نمضي، فمن يبكي لنا...
الدوحة الباكية
ما أكثر الدمع والعويل،
في دوحة خلفها الهديل!
يا أمة الشوق: أي فقد
قام له حزنك الطويل؟
قد أثقل الغصن منك شجو
كاد به الغصن أن يسيل.
هذا ربيع أتى، بهيج،
فذا يغني، وذا يميل.
في كل فج، وكل واد،
ظل على أهله ظليل.
فشاطرينا، ولا تنوحي،
سرور أيامنا قليل.
هيهات إن صاح عندليب
يمهله الصبح أن يطيل...

الشلال
يراد بالشلال هنا: الموضع العالي في مجرى النهر، ينحدر منه الماء (ولا حرج في أن يقال شل السيل، أو النهر، ماءه، فهو شلال، وإن لم يرد في متن اللغة. فان العرب تقول: شلت العين دمعها، أرسلته. والعربية يقع فيها النقل لأدنى ملابسة).
طاول الهضب، يا عمود الماء،
وتمايل بالقامة الهيفاء.
يا أبا الأخضر المخطط في السهل،
كتخطيط معطف الحسناء!
يا أبا الأزرق المصفق في النهر،
لرقص الشعاع في الأفياء!
منة أنت من حياة، وخصب،
سقطت من عل على الأوداء.
تنسج الخصب للمروج وداء،
ليت لي منك فضل ذاك الرداء...
وأنا ابن الغمام، مخضوضر الذهن،
وإن كنت ساكن الصحراء!
(مقطع)
تذكار سيد درويش
في شاطئ البحر، في بعض الأطراف اللبنانية والوقت صيف، والشمس قد هبطت، كان صوت سيد يردد على الاسطوانة في "الدور" الشهير "أنا هويت وانتهيت". ذلك، وكان سيد قد قضى أجله قريباً، فقيلت هذه القصيدة:
يا واحد الفن، والآفاق مصغية،
حرى العشية، حمراء الأسارير:
اهتف، تجد شفقاً يمشي الى شفق،
معجل الخطو بين الوهج، والنور!
في الغيب منك جناحا طائر غرد،
مغلغل الصوت، خلف الحجب، مأسور.
أدرت عيني، فما زفا، ولا خفقا،
لما انطلقت، فأذني في فم الزور...
من لي بشدو سحيق، أنت مرسله
على ذرى غرف الولدان، والحور!
***
عاشت أغانيك كهفاً يستعاذ به
من الحياة، ومن صم المقادير،
وروضة غضة، خضراء، قد سقطت
ظمأى القلوب عليها كالعصافير.
يا ليت صيحة "آه" منك طوع يدي،
حتى أقول لها: طيري بنا، طيري...
(مقطع)

أعماله


في الأدب:
1 ـ كتاب المئة".
وهو مئة كلمة، اختارها المؤلف من "النهج" وعلق على الكلمة المختارة ما تحتاج اليه من شرح الامام السيد محمد عبده. في "مطبعة العرفان"، في صيدا، سنة 1931.
2 ـ "المفكرة الريفية".
الطبعة الأولى، معها "قصة الفردوس الأرضي". في "مطبعة الكشاف"، في بيروت، سنة 1942.
الطبعة الثانية، معها "المراسلة ا لمطرانية"، و"مناظرة لغوية في حرفين من المفكرة". في "دار الطباعة والنشر الشرقية"، في بيروت، سنة 1945.
الطبعة الثالثة، معها "قصة الفردوس الأرضي"، و"المراسلة المطرانية"، و"مناظرة لغوية في حرفين من (المفكرة)". في "المطبعة العصرية"، في صيدا، سنة 1954.
الطبعة الرابعة، معها "قصة الفردوس الأرضي"، و"المراسلة المطرانية"، و"مناظرة لغوية في حرفين من (المفكرة)"، و"أقوال الكتاب في (المفكرة)". في "مطبعة المطبعة"، في جونية (لبنان)، سنة 1961.
3 ـ دفتر الغزل".
الطبعة الأولى، معها "الخصوصيات"، و"الأخوانيات". في "المطبعة العصرية"، في صيدا، سنة 1952.
4 ـ "تحت قناطر أرسطو".
الطبعة الأولى، معها "حول القناطر"، و"بين الكرة والطست"، و"ملحق". في "مطبعة الجريدة"، في بيروت، سنة 1954.
5 ـ "كتاب الملوك".
معه "وجوه غائبة"، و"في سبيل الصواب". الطبعة الأولى، في "مطبعة دار الكتب"، في بيروت، سنة 1954.
6 ـ "ذات العماد".
الطبعة الأولى، في "مطبعة دار الكتب"، في بيروت، سنة 1957.
7 ـ "الديوان الجديد".
الطبعة الأولى (وهي هذه التي بين يدي القارئ)، في "مطبعة المطبعة"، في جونية، سنة 1962.
في اللغة:
1 ـ "كتاب الدقائق".
نقود وإصلاحات، وقد نشر أول مرة في مجلة "المشرق". في "المطبعة الكاثوليكية"، في بيروت، سنة 1944.
2 ـ "الحركة اللغوية في لبنان" في الصدر الأول من القرن العشرين. نشر أول مرة في نشرة "محاضرات الندوة". في "المطبعة الكاثوليكية"، في بيروت، سنة 1947.
الطبعة الثانية، معها "عصر الطآء". في "مطبعة دار الكتب"، في بيروت، سنة 1958.
في القانون:
1 ـ "أحكام الوقف" في الفقه والقانون.
(في ستة أجزاء) يحتوي المذاهب المعمول عليها، والفتاوى المعمول بها، والشرائع والاجتهادات العثمانية واللبنانية والسورية المحدثة. الجزء الأول، في "المطبعة المخلصية" (صيدا)، سنة 1938.
2 ـ "الصلح الباطل ورد بدله" على الشرع الإسلامي، والقانونين اللبناني والفرنسي. في "مطبعة الكشاف" في بيروت، سنة 1941.
3 ـ "مجموعة القوانين الطارئة".
عليها تعاليف للمؤلف، مهبة. في "مطبعة الكشاف"، في بيروت، سنة 1939.
في التأريخ:
"الأثارة التأريخية".
يدور على مخطوط "للأدهمي"، وعلى حوادث ونوازل لبنانية. وقد نشر أول مرة في مجلة "المشرق". في "المطبعة الكاثوليكية"، في بيروت، سنة 1945.



ريما نوفل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-01-2007, 11:54 AM   #[5]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي

من هنا .. ؟

جارسيا وعصمت ... ثم ريما من لبنان ؟

هل قرأتم ما أنزلت ريما ؟ أمين نخلة ..... !

قلم متميز خلاق .. و حدّاء مزوّق .. كتب شاوول بحزن دافق عن رجل ذهب خلسة إلى باحة الغياب ، رغم ضخامة انجازاته الأدبية ...ولم يتذكره جيله أو الجيل الذي جاء بعده ..
أشكر لريما هذا المقال من الأديب الكبير بول شاوول ...
وأشكر لك يا عصمت هذا الإطراء ... الذي يبدو كبيرا علي ّ !!
لكم محبتي .....



جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-01-2007, 12:52 PM   #[6]
Garcia
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Garcia
 
افتراضي

العزيز / جمال محمد إبراهيم
تشكر لهذا الدفق الجميل من منارة الثقافة بيروت ست الدنيا , ونشكر من بعدك ريما
لهذا المقال البديع عن الشاعر امين نخلة واذكر منذ مدة كتب عنه جهاد فاضل مقالة
رائعة فى مجلة نزوى الثقافية ....




أمين نخلة ملامح من تجربة شاعر لبناني
جهاد فاضل ( كاتب من سوريا)


يقول الناقد اللبناني الدكتور علي سعد في دراسة حديثة له عن الشاعر الكبير الراحل امين نخلة انه عند استعراض جوانب عدة في امين نخلة كشاعر وناثر ومفكر وعالم لغوي وأحد امراء المنابر التي اعتلاها كمحام وسياسي ومحاضر وسفير لدولة الفصاحة اللبنانية في كل محفل، يجد الباحث قيمة حقيقية ثابتة تؤهل امين نخلة لان يستمر حاضرا في ذاكرتنا وفي ذاكرة اجيال لاحقة. ويضيف: "وحتى الوجه الاكثر انطباعا في اذهاننا عن امين نخلة، المتتبع للجمال والحامل للهم الجمالي، يحمل في ذاته قيمة دائمة الفعل، وتتخذ أبعادها القصوى في الظروف المأساوية التي نعيشها اليوم في لبنان. فقد نكون، نحن، في ايامنا هذه، احوج الناس الى ادب امين نخلة، لنتزود من اجوائه الصبيحة بما يكفي من اسباب التعلق بجمال الحياة ومعنى الوجود، ولنحصن نفوسنا ضد بشاعات الحرب الدائرة على ارضنا، ولنضرب حجابا بيننا وبين الاصوات المنكرة المشحونة بالحقد وبكل ما يحمل على اليأس من الحاضر والمستقبل ".

ويرى علي سعد، وهو من أصحاب الاتجاهات التقدمية في الادب والنقد، اننا عندما نذنب بعيدا عن ظاهر الامور، والاحكام الجاهزة، تتكشف لنا المعاني الحقيقية الكامنة في ادب امين نخلة ومنها المعنى الوطني والمعنى القومي والمعنى الانساني. "وسنرى بعد جلاء هذه المعاني، ان امين نخلة لا يقل عن شعراء وأدبا، جيله، من أفراد الرعيل المخضرم، تحسسا بالشأن العام وبهموم الانتماء والهوية، كما سنرى انه كان من اكثر الناس التفاتا الى مختلف شؤون الحياة الواقعية وتحرك المجتمع الانساني، وانه كان من اكثر الناس شغفا بتتبع مختلف الوان المعرفة وصراع الافكار، وتفاعلا مع المعطيات المعرفية، المبذولة في مجرى الحياة". (السفير عدد 23/ 5/1987).

هذه الشهادة في امين نخلة شهادة هامة لاكثر من سبب. فصاحبها ناقد رصين وله اسهامات جيدة في النقد. كما انه ناقد تقدمي في اتجاهاته. وعندما يقول ناقد له مثل هذه الصفات كلمة ايجابية في شاعر او كاتب يندرج عادة في خانة الكلاسيكيين، فمعنى ذلك ان هذا "الكلاسيكي" ربح معركتين: معركة المعايير الكلاسيكية ومعركة المعايير التي يصطلح على تسميتها بالحديثة او العصرية.

ولاشك ان امين نخلة الذي لازمه سوء الحظ في سنواته الاخيرة فمنعه، على سبيل المثال، من اقامة مهرجان شعري كبير، يبايعه فيه الشعراء العرب بإمارة الشعر، على غرار مهرجان الاخطل الصغير، قد استو ى، بعد وفاته في قائمة الادباء الكبار المرموقين. ذلك ان له من الانجازات الشعرية والادبية والفكرية ما يؤهله لحياة طويلة. فإذا كان قد انضم بيسر الى قافلة الكلاسيكيين الكبار في تراثنا الحديث، كشوقي ومطران وحافظ والاخطل وهذا الرعيل، فإن له من الانجازات الادبية ما يؤهله لان يكون حلقة بين الكلاسيكيين والمحدثين. ان لم يكن قد شارف الحداثة، وبأ دق المعاني وأصدقها لهذه الكلمة. فأي مراجعة عصرية، منهجية،لشعر امين نخلة وأدبه، كفيلة لا بأن تظهر له مكانة جليلة بين اقرانه وفي عصره فحسب، بل بان تلحقه بقافلة المجددين الذين تراخى ظلهم واثرهم في اجيال لاحقة.

نشأ امين نخلة في اسرة يقال انها تنحدر من سلالة بني هاشم كما جاء في المقدمة الاضافية التي صدر بها "كتاب المنفى" لوالده الشاعر رشيد نخلة. وكان والده يملك مكتبة عربية ضخمة تحوي أمهات كتب التراث كان لها شأن في توجهه الادبي. وقد درس في كلية الحقوق في دمشق حيث اتصل بنفر من ادبا، الشام وعند عودته الى بيروت تعرف الى امير الشعراء شوقي ولزم مجالسه حتى اصبح وجها من وجوه الادب والشعر البارزة.ومنذ بداية الربع الثاني من هذا القرن، عرف امين نخلة كشاعر وناثر ولغوي. ومع انه مثل، عموما، في الشعر والنثر والابحاث اللغوية، فإن ما كتبه في هذه الموضوعات لفت اليه الانظار منذ وقت مبكر، وبالرغم من ان فرنسا بانتدابها وثقا فتها وتأثيرها الفكري والسياسي كانت تجثم على صدر لبنان، فإن أمين نخلة لم يعمل مع الفرنسيين بل كان معروفا دائما بعمله مع الاستقلاليين والعروبيين كرياض الصلح وابراهيم المنذر والاخطل الصغير وسوأهم من السياسيين والادباء. وقد كتب خلال تلك المرحلة، ما يؤكد انتماءه القومي العربي واعتزاره بالاسلام والرسول العربي. وفي هذا الاطار نشير الى المقدمة التي وضعها لكتاب حول الرسول العربي صلى الله عليه وسلم ألفه مفكر لبناني كان معروفا في تلك الفترة واسمه لبيب الرياشي. وقد ورد في تلك المقدمة ما يستحق لان يحفظ غيبا، لا لأن يشار اليه فقط.

يقول امين نخلة: "محمد نغمة لا كلمة لفرط ما مسحت على شفاه الخلائق. تأخذ بالسمع قبل الاخذ بالذهن، وتفيد خفة الحروف وحلاوة اللفظات، قبل ان تفيد العلاقة بالله. وليس على بسيط الارض عربي لا ينفتح صدره لها، ولا ترج جوانب نفسه. فمن لم تأخذه بالاسلام، اخذته بالعروبة، ومن لم تأخذه بالعروبة اخذته بالعربية. وفي هوى محمد، ولا حرج في التمسك بالقومية والكلف باللفة،كما لا حرج في الدين، تتلاقى ملتا العرب: ملة القرأن، وملة الانجيل، حتى كأن الاسلام اسلامان: واحد بالديانة، وواحد بالقومية واللغة، او كأن العرب مسلمون جميعا، حين يكون الاسلام كهذا: هوى بمحمد، وتمسكا بقوسيته وكفا بلغته ".

وبعد ان يقول عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) "ابلغنا في الفصحى، وانهضنا في الجل "، يضيف: "لقد استنزل الرسالة بلفة قومنا، وحاط ديانتهم بها، ثم اتى برهانه منها، ثم ادار الحديث فمسح على الاخلاق وكرائم العادات في مختلف اطوار المعايشة، حتى في الملبس والمطعم بلون عربي لا غبار اجنبي عليا. لقد جعل محمد (صلى الله عليه ةسلم) الدنيا لقومية العرب،وجعل الاخرى للغتهم. ثم خاف ان ينشطر القوم من وراء الرسالة الى فريق مؤمن بها، وفريق مؤمن بغيرها، فجمع بكلمته أدمن احب العرب فقد احبني" حيث المخافة من الفرقة، ولم حيث المخافة من الشتات. كأنما الشرط عنده: الحب للعوب والحرب عليهم، والاخذ بنصرتهم. فأعجب لرسول همه في الارض امر الله وجر الخلائق اليه، من كل جنس، كيف يعنى من اجل قوميته هذا العناء، ويبث هذا البث ".

وفي الوقت الذي كانت ابواق فرنسا في لبنان تحاول اقناع اللبنانيين بان لبنان شيء والبلاد العربية شيء آخر، وان اللبنانيين فينيقيون وليسوا عربا كان امين نخلة يصدر احد اعماله باهداء الى شاعر يوناني صديق له اسمه بابا دي يانا قوس، يقول له فيه: "وانت تدري ان اهل فينيقيا عرب، وابناء عرب، اذ انهم النبط الذين فصلوا عن ديارهم في جوار الخليج العربي، وتشططوا هذا السيف الشرقي في بحر الروم ".

كان امين نخلة يحفظ القرأن غيبا وحول القرآن كتب في الصفحة 174 من كتابه في الهواء الطلق، وتحت عنوان "الكتاب المعجز" هذه الكلمات: "ما قرأت في القرآن قط، وتلقفتني تلك الفصاحة من كل جهة، وشهدت ذلك الاعجاز الذي يطبق العقل، إلا صحت بنفسي: انجي، ويحك، فانني على دين النصرانية..." اي انه كان يخشى على نفسه من آثار الكتاب المعجز.

وله بيت جميل في ديوانه "الديوان الجديد"، ص 184، يقول فيه مفتخرا بان قصيدته عربية كالشمس، بيما الانجيل معرب:

استغفر الانجيل ان قصيدتي

عربية كاشمس، وهو معرب.

بالاضافة الى هذا الانتماء الاصيل لكل ما هو عربي، كان امين نخلة منتميا الى كل ما هو اصيل في الادب والشعر والفن.

في مقالة له في كتابه "تحت قناطر ارسطو" يبسط امين نخلة رأيا له حول العلاقة بين الادب والحياة، فيقول: "فكأن الصنيع الفني والحياة كالزهرة والتراب. تنبت الزهرة وتكون من محصلة ونتاج اشيائه وتغدو وهي ليست منه في شكل ولا لون ولا طبيعة ". وفي تقديره لاحد كتب لبيب الرياشي. يصارحه بحكمه القامي عل ما يسميه "ادب الصومعة "، اي الادب الذي اسس لنهجه ابوا لعلاء المعري وعمر الخيام، واتبعهما فيه الرياشي، والذي يقوم على مقت الناس والنهر، بأحوال الحياة والتباعد عن الركب الانساني. ثم ينتهي امين نخلة الى القول: "وانما الادب الحق غير ذلك. ان الادب مرآة الحياة فمجالها مجاله واطارها اطاره. وكل ادب لا يتراءى فيه وجه الحياة على تمامه هو مرآة ناقصة طرحها اجدر من الابقاء عليها. وشرط الادب قبل كل شيء هو ان يكون في الاقل، من نصيب الامة فيغدو صورة صحيحة في تاريخها ومشاعرها واذواقها. وشرط الصدق في الادب هو ان يصدر واحدنا عن ذات نفسه وعن احوال بيئته، لا ان يكون لسانه منا، ثم يغدو يكلمنا من وراء المسائل الاجنبية ".

ويستهل "مفكرته الريفية " بهذه العبارة التي تحدد شرط الاسلوب المميز في فن القول: ولد الفن يوم قالت الحية لحواء: "اطيب آكلة في الفردوس التفاحة "، بدلا من ان تقول لها. "كلي التفاحة ".

ثمة حرص اذن على رونق الشكل وغنى المضمون في آن. ان امين نخلة كما يقول الدكتور علي سعد في دراسته عنه، كان ابعد ما يكون قابلا لان يحصر في صورة الانسان المترف اللاهي بلعبة تعيد الجمال في الصياغة اللفظية المتفردة، او المسترسل وراء تصورات الخيال الجامح، او المكتفي بما تغدق عليه قريحته ويهبه طبع خاطر 0، بل اننا نواه من خلال نصوص كثيرة، حريصا على ان يدعو الى الكد عل الحق الى جانب الوله بالجمال، والى الصبر والمكابدة في اختزان المعارف المكتسبة من قراءة كتاب الكون والحياة والتراث الانساني، والى تحكيم العقل والذوق في غربة المعارف والمعطيات، وفي تخير الالفاظ ليأتي المبنى على قدر المعنى. وهو ينصح بالارتكاز ال ارض الحقيقة والواقع قبل الانطلاق مع الخيال الى الدنيوات البعيدة، ويؤمن ان يكون الادب مرآة الحياة، يعكس الواقع بعد صهر معطياته في المختبر الداخلي العامل في نفس الكاتب لتأتي المحصلة منسجمة مع حاجات واذواق الزمن المتحول، وكي يأتي الصنيع الفني خلطا جديدا لا يشبه الواقع الا من بعيد".

كان امين نخلة يراعي تقاليد صارمة فيما يكتب شعرا ونثرا. كان لديه حرص عل ان تلبس الافكار ثيابها اللائقة من الكلام، حتى ان الحقيقة البينة، وهي التي يطنب الناس في مدحها بقولهم: "عارية "، لا يجوز ان تظهر وليس عليها شيء بستر ما يستره الانسان من بدنه، أنفة وحياء". وردد مرارا في بعض ما كتب أدان الالفاظ بمنازلها تجمل وتقبح ". وكان يرى ان التلمذة لاستاذ الصناعة، شرط في الصناعة الكتابية، وان الذي لا يشحذ لسانه با جادات اهل الطبقة العالية في المنثور والمنظوم، ولا يعب ما شاء الله له من تلك الحياض الصافية، هيهات ان يكون له حظ في كتابة او شعر".

وكان يعجبه في باب التعريف بالشعر عجز الشاعر الفرنسي فاليري عنه عجزا يفيض لطفا وحلاوة. وكان "فاليري" يقول عن الشعر انه فن نظم البارع من الشعر..

كان امين نخلة استاذا في علم التقاليد الادبية، كما كان معلما ثقافيا، ان صح التعبير. وكان في كل ما كتب متواضعا، قابلا لان يعترف بخطئه، ان اخطأ، مرددا مع القدماء: ان نصف العلم قول لا ادري!

وقد عاصر، قبل ان يموت، جماعة "الحداثة " الزائفة الذين كانوا يعتبرون ان "كل " العلم وليس "نصفه " فقط، الخروج على التراث وتحطيم اللغة، او تضميرها، ومعارضة كل التقاليد التي استقرت في دائرة الادب والفن على مدى الاجيال، وان اول الحداثة او "العصرية "، هو قول منا لا يستقيم في عقل او ذوق.

حول الاشياء "العصرية "، يقول: "يقول بعض النقاد للشاعر الاصيل، وللكاتب الاصيل: هاتا لنا "اشياء عصرية "! واي اشياء عصرية يريد هؤلاء منهما؟ فانما رجل الفن يحمل في نفسه، اي في هذه العوالم العميقة من مطاوي صدره، "عصرية "، خاصة به، تأخذ من كل مايحيط بها في زمان صاحبها اخذ العين من الشعاع، والاذن من الصوت، ليس غير.. فمن المحال الكثير قول هؤلاء المساكين من النقاد ان رجل الفن مكلف بتصوير مشكلات عصره تصوير الفوتوغراف او اليد". (في الهواء

الطلق ص 112).

ويتمثل رأيه في جماعة قصيدة النثر بما ورد في الصفحة 145 من ذات الكتاب: "عجز جماعة من هذا النبات الشعري العجيب، الذي ظهر عندنا في آخر الزمن، عن الاجادة، وادراك الغايات في الفصاحة. فجاءوا يتهمون اساليب المتنبي وأبي نواس والبحتري وابي تمام وابن ابي ربيعة وابن الرومي والشريف الرضي، الى عشرات من هذه الطبقة، في قديم وحديث، بالعجز وتقييد القرائح، ولقد وجد هؤلاء في الصحف، في الايام المتأخرة، من ينشر لهم اقوالهم، ووجدوا في القراءة من يطالعها! ولكن هيهات ان ينسى "يعقوب " حسن "يوسف ".

لم يكن امين نخلة رجعيا في الادب والفن كما يحلو للبعض ان يعتبره كذلك، بل كان فنانا كبيرا ينطلق من التراث، كما يأخذ نفسه بالجهد والمشقة لا باليسر والسهولة. وقد كتب مرة في المفكرة الريفية، أدان طريق السهولة في الادب تؤدي الى الوضوح، اي الى أرخم العواقب "، ومن آرائه التي تدل على معاناته لقضية التقليد والتجديد، ما ورد في "المفكرة الريفية " ايضا: "يقال للتقليد اعمى لانه لا يرى ان الابتداع ايسر من الاتباع ".

هذا المعلم الثقافي كان شاعرا كبيرا وناثرا كبيرا. وابرز ما يميز شعره ونثره قدرته الوصفية الهائلة. بقليل من الكلمات يرسم لوحة جمالية يعجز عن رسمنها كبار الرسامين. لنسمعه يصف عقدا تدلى من صدر فتاة:

سألت له الله ان يهدأ
فقد تعب العقد مما رأى

رفيق لخصرك ما نثني

وكم قصر العقد، كم ابطأ

اطال على الصدر تعريجه
ودار بكنزين قد خبئا

وراح وجاء فلما اهتدى

تدلى، ولكنه ألجئا..

ومن قصيدة له عنوانها الشفة.

ياقوتة حمراء غاصت في فمي

وشقيقة النعمان قد نولتها

لوللأ نعومة ما بها وحنو ما بي

في الهوى للقمتها وللكتها

ملساء مر بها اللسان فما درى

لولا تتبع طعمها لاضعتها

وكأنما بخلت علي بلفظة

وهناك في كتب العبير قرأتها

ويجمع الباحثون والدارسون على ان نثره قمة في النثر العربي قديمه وحديثه. وهذا النثر قد لا يكون نثرا خالصا لما فيه من حلاوات تدنيه من مرتبة الشعر، ان لم يكن اعظم من الشعر، وهذه نماذج من نثره.

- تحت عنوان "غزل ":

"شرط اللذة في السحر، والقمر طالع يطمس السرج، ان يكون في النافذة اثنان: انت والآخر! اما ان تكون وحدك، فذاك من ذهاب النوم على القمر-لذا تواني أسد نافذتي كل ليلة "..

- وتحت عنوان "الى شجرة في طريق ":

"سقاك الله - كنت في الصبا امر من تحت اغصانك، فارتعش من اللذة، فصرت امر اليوم فارتعش من البرد"!

- وتحت عنوان "اغزال ريفية ملتقطة من فم شاعر ريفي دوار":

"ألف رغيف عند خباز الضيعة يدخل النار، وألف رغيف يطلع منها. لقد مررت البارحة بالخباز، فلا وات ما رأيت رغيفا قد احمر، كخدك، ولا رغيفا قد احترق كقلبي"!

- "اياك ان تخرج في الشمس، اخاف على ظلك ان يقع في الارض، واياك ان تقف في حقل جارنا الى جانب هذه السروة العالية، مخافة ان يدعي انك من شجراته ".

في كتابات امين نخلة يعثر الباحث على كنوز ادبية وفنية تصلح لان تكون مادة تعليمية في المعاهد والكليات. وفي كتاباته من النفحات والمعاني والقيم ما يؤهلها لحياة طويلة في تراثنا. أفق طلق مفتوح على الماضي والحاضر والمستقبل، وحوار خصب مع شتى الثقافات والحضارات، ولوحات ابداعية اصيلة حقا. ذلك هو بإيجاز الارث الذي تركه امين نخلة للاجيال العربية.



التوقيع: لو انى اكتشفت سر الحياة ... لعلمت حكمة الموت ( رباعيات عمر الخيام )
Garcia غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2007, 10:36 AM   #[7]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي

شكرا لك جارسيا ..
وهذه مقتطفات مما كتب نخلة عن الشعر ...... وإن من البيان لسحرا :


قال لي الشيخ ذلك، ثمّ أخذته هزّة ِ المسائل ، فطفق يقول ما هذا معناه ، دون أن يهيّء في نفسه منه شيئا ، فكأنه كان يصبّ من دفق الموج :
(( الله الله ! كم يجب أن يقال في العجز عن معرفة الشعر ، وما ينبغي له . . . ونحن لولا مافُتح لنا من خزائن الصواب ، في ذات العماد ، وكشف عن مكنون أسرار ، ومقفل مسائل ، لما قرب لواحدنا من ذلك البعيد ، ما هذا تلخيصه :
(( الشّعر على الجملة ، هو أغاني المرء بذهوله ، وتحيّر قلبه ، وتردد خواطره بين يدي هذا الكون العظيم !
(( انّ الواحد من شعراء أهل الدنيا ، لا يعرف اضطراب خواطره ، الا حين يقابلها بانسجام الماء في الغصن ، أو بانسجام التغريد فوق الغصن .
(( خير الأصوات في العوالم الشعرية هو رنة الأقلام في الأعماق المجهولة ، فكأن المعاول ، هناك في حفْر . . .
((البيت من الشعر ، هو القناة ، يلوح فيها البحر العظيم ، الذي طالما أجال فيه الشاعر نظره ! وبعبارة أخرى : ان المعارف المختزنة ، في نفسه ، هي التي فيها ينبت أصل هذه الشجرة الشعرية المباركة .
(( أهل النعيم الشعريّ ليس همهم في هذا الترقيص، الذي يحرك الأرجل للخلاعة ، والأعطاف للإهتزاز . . .
(( معاني الفرائد رأي كتاب اللغة فيها ، لا رأي صاحب الشعر. فأما صفّ الفرائد ، بعضها إلى جانب بعض ، فانه يقتضي رأي كتاب القواعد . ولا يكون على الشاعر ، بعد ذلك ، إلا أن يعرف أيّ شيء يريد ، هو ، أن يقوله ! فان الحدائق في الأصل ، قد قامت على هندسة ، ومقادير ، وخطوط ، ولكن الذي يعنيك ، أنت ، منها ، هو الفيح ، والظلّ ، والنسيم المنعش . . .
(( الجملة الشعرية ، وهي وعاء الخواطر ، ومواجيد النفوس ، ليست مما يجري بينك وبين خادمك ، من عبارات المحادثة ، على الصحفة التي انحطمت ، أو المفتاح الذي ضاع ، ولا هي من عبارات المشعبذين ، وأصحاب الرقيّ ، والعزائم ، والأخذ السحري ّ ، التي يلتبس معها الخطاب ، ويفسد التفاهم .
(( ليس الشّعر لعبة الصبي ، إذا بكى ، ولا طعام الرجل إذا جاع ، ولا زاد المسافر ، ولا تحفة القادم . وليس هو الدراهم لمن نفد ماله . . . وانما آيته أن يكون زرعاً لا يمكن من الفرك .
(( الشعر ، حركة عبر النفس ، وقد جاء الشاعر ، بعد فوات زمانها ، يصورها بهذا الحبر ، الذي به تكتب ، أنت ، أيضاً ، فانظر يا رعاك الله ، ما أصعب العمل الشعريّ .
(( المسألة ، في الشعر ، تصح حين لا تفسد كيمياء الألفاظ ! فكأن سرّ الأسرار ، في هذه الصناعة ، هو وضع اللفظة موضعها . . .
(( في المقدمة ، من هموم الشاعر : صون مملكة الخيال ، من دخول الحقائق عليها ، بالصدور الكاشفة ، والسيقان العارية ! إذ أن الحقيقة تأتي عريانة من ثيابها ، والشعر يلتفّ في طيلسان .
(( الشاعر يوفق في الغالب ، إلى قول ما لا حاجة الى قوله . . . ))
فنقول : (( لله ما أصعب الشعر ، وما أكثر ما ينبغي له ! وأنني عرفت ، الآن ، أيّ شيء كان قرنآء الشعرآء ، عند العرب . فلا ، والله ، انهم ما زعموا أن مع كلّ فحل ، من الشعرآء شيطاناً يقول الشعر على لسان صاحبه ، إلا لما رأوا من أنه أحمد ، في هذه الصناعة الصعبة ، أن يكون لهم معين عليها ! ))
فيقول : (( أما وقد وقفت على رأي الشيخ في الشعر ، خاصّة ، فانني أُحبُ أن أطلعك على طرف من رأيه في الأدب ، على العموم . قال في التعريف به :- الأدب أُلهيّة مفيدة ، فهي تجوّد النفس ، وشريفة ، فهي تدور على إجادات الأقلام - . ثمَ ذكر ، هنا ، أن الصبر هو فن الأمل ، حتى في الأدب ! قال : - أفلا ترى كيف يفيض الأدب بآلام الدرس ، على ما فيه من سيلقيه ، وعطاء خاطر ؟! - . وها هنا مضى يقول ما هذا معناه :
(( في موضوع الأدب ، يجب أن يتناول كل ّ شيء ، حتى قلق البحر ، ومتاعب الزواج ، وسقوط الثلج في شهر كانون الثاني . . .
(( اللفظ يكون لتقييد المعاني ، لا لشرحها .
(( في الفن الصحيح يُبعث من خاطر القاريء ، أكثر مما ُيبعث من خاطر الكاتب .
(( علاقة الأدب بالعقل ليست أشدّ من علاقته بالحواس الخمس .
(( على الأدب أن يتناول المسائل باطراف أصابعه ، والا خرج ، والعياذ بالله ، إلى العلم ! فانما هو يدور على وصف الحياة ، لا على فضّ مشكلاتها .
(( أدنى الفن ما كانت فيه الجملة تفتش عن معناها !
(( الكاتب العظيم إنما هو قاريء عظيم ، أيضا .
(( في الفن يُؤثر الإيماء الصافي على الإسهاب المبهم .
(( حين يقال ، في الفنّ : جمال ٌ ، وحقٌ ، يجب أن لا يفهم ، من ذلك ، مثلاً ، جمال الأجياد البيض ، ولا الحقائق المقررة ، في العلم الرياضي ! فمن ظنّ أن – ليلى – وقد قامت عليها قصائد – المجنون – هي أخت ، شقّ التمرة ، لهذه اللبنانية الرشيقة ، التي تمرّ بالناس ، في بعض السكك ، في بيروت ، فانما هو قد ظن خطأً كثيرا .
(( في أقطار الفن : يؤخذ نحو الخيال من أرض الحقيقة .
(( أصعب ما في الفن : شعورك أنك تسكن فانياً ، وتخلق باقيا !
(( لو لم يكن من فائدة للعقل ، ورآء الشعر والأدب ، إلا هذه النزهة في الدنياوات التي لا وجود لها ، لكفى . . .
(( الكلمات التي تمكث في مطاوي النفس طويلاً ، هي التي تطلع في الورق أشدّ لمعاناً ، وأكثر اشراقاً .
(( سر الفن ، هو في التأليف بين الفكر المنحجب ، وصورته البادية في السطر . إذ أن الطريق ، بين الخاطر والدواة ، طويل ، صعب !
(( على موضوع القواعد المعيّنة ، في الفن ، قد أُخرجت تلال من الكتب ! فأما على موضوع الترتيب الفكري ، وهو الميزة العجيبة في هذه الصناعة ، فانه لم يظهر ، إلى اليوم كتاب واحد !
(( الخوف من الإبتداع ، في الفن ، يجب أن تعادله الرغبة في الإبتداع . . .
(( الكتابة المبهمة ليس عيبها في كثرة المعاني ، بل هو في خلوّها منها .
(( في زمن القهقرى ، أي بعد مضي عصر المعاني ، يتوكأ الأدب على غموض الألفاظ .
(( في كل خاطر ، يخرج إلى النور ، لابدّ من ألم الولادة . . .
(( الفن نافذة ، تطل على الحياة . نافذة غير عالية ، فاياك أن تدلي ساقيك ، تمسّ الأرض !
(( على الكاتب أن يفكر في أشياء صعبة ، ويدير قلمه في أشياء سهلة . فكأنما في الفن لا يترك كل فن !
(( صناعة الحق والجمال ،هذه ، مقبلة ، ولا محالة ، على أزمنة عسيرة ، يعنى فيها يالأشياء المجردة ، وبالفكر ،والسّكر ، والحديد ، والزيوت . . .
(( لابدّ للكاتب ، في آخر الأمر ، من أن يتطرق إلى مسائل الواقع ، وإلا كانت حاله أشبه شيء بالدوران حول الفريسة ، دون الهجوم عليها .
(( جعل الله لكل كاتب شيئاً ، ورآء لسانه ، يقوله للناس ، لكنه لا يفتأ يعيد فيه ويبدي حتى يصبح ذلك الشيء وكأنما هو أشياء متعددة . . .
(( أصبح أهل الدنيا ، من زمانهم ، بين ورقة الجريدة ، وعلبة – الراديو – تحت سلطان الإخباريين من الكتاب ! لا يستطيع واحدهم ، مهما بلغت به الرزانة ، ورجاحة العقل ، أن يتفلت من تأثير الكاتب الإخباري عليه . ومن هنا ستقوم قضية ، قضية العلوم والمعلومات -. وكم يكون عجيباً أن يحيط الرجل بكل أزمة تقع في السياسة ، أو حرب تشتعل ،أو زلزال تقوم قيامته ، ثمّ ترى صاحبك ، وهو لا يستطيع أن يقف على شيء من مسائل نفسه !
(( جمال الأدب يقوم بالإحترام ، الذي يبديه بين يدي هذا الكون المهيب . . . ))



جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2007, 10:58 PM   #[8]
إسماعيل حميم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية إسماعيل حميم
 
افتراضي



أخي الحبيب جمال

كل سنة وكل السنين تآمين لآمين الأسرة الصغيرة والكبير في السودان
وتحياتي للجميع طرفكم....

سبق أن ذكرت لك دهشتي من روعة الجمال لديك أسماً وعطاءً
موضوع رائع بروعتك والمساهمين مداخلةً

لكم انحناءة شكر تقدير لكم دون فرز..

مداعبة:

تفاح لبنان والغزل من قصيدة سوزي (حلمنتيش)
" قام في صدرك الرمان
وفي وجناتك التفاح
ونجح في وشك إنت نجاح
يفوق الجايي من لبنان
أول في التاريخ
تزرع فاكهة في إنسان!!!"

إسماعيل حميم





التوقيع:
تأمل في الحـقـيـقة فإن فيها *** غمـوضاً ليـس كالحـق الصريح
وحَلّل ما لقـيت من المعــاني *** وفـَـتّـــش للحــــقيـقةِ و الصـحـيح
فإنَّ الحـق يظـهر بعـد بحـثٍ *** ولولا البحث أغـلق في ضـريح

الأبيات للشاعر:
حسين محمد "حميم"
إسماعيل حميم غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:15 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.