الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 17-01-2015, 06:57 PM   #[1]
سماح محمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية سماح محمد
 
افتراضي تأريخ المحنـّــة

لم يغريني من قبل شئ للكتابة عنه مثلما فعلت حياة أسلافي في تلك القرى الوادعة في الشمال، هناك حيث انحنى النيل طرباً وألِف الناس قسوة الطبيعة وخلقوا حيوات من الطمأنينة واليقين والمحبة.. ومن لم يعرف (المحنّة) فربما يجب أن يقرأ جيداً في سيّرِهم.
المواقف لا تُحصى ولا تُعد، فهولاء أُناس كل تفاصيلهم تغري بالكتابة ذات الزخم، وربما لو كنت روائية لنجحَت تراجيديا حيواتهم في إهداء العالم تأريخاً رائعاً للمدعوة (المحنّة).

يقول العلم الحديث أن الأطفال الأذكياء هم نتاج زيجات ملؤها المحبة، وكثيرا ما لفتتني سرعة بديهة جدتي لأبي المرحومة (عائشة الطيب) ف(حبوبة عشّة) كما كنا ندعوها دائماً كانت إمرأة شديدة الذكاء، فصيحة اللسان وسريعة البديهة، وطالما ملأني اليقين أنها وشقيقتها الكبرى الحاجة (ست الجيل) -أطال الله في عمرها- لو أنهما لقيا حظهما من التعليم لنافسا أهم الرجال والنساء في هذه البلاد..
جدتاي الحبيبتان كان لهما شقيقان من الذكور يصغرانهما بالاضافة الى اختهما الكبرى – غير الشقيقة – رحمهم الله جميعا، توفي والدهم وهم في عمر الطفولة، وفي تأريخ المحنّة يُحكى أنه كان يحب زوجته (أمهم) جدتنا (مسك اليمن) أو كما يدعوها الجميع (مسيكة)، كان يحبها ويقدرها ويحترمها أيّما إحترام وكان يدللها -والعهدة على الراوية - أنه كان حينما يأخذها الى بيت أبيها في الساقية المجاورة كان يركب في حمارته ويُركبها حماراً آخر يربطه لأخيه ويمضي حاملاً شمسيةً بيده يقيها بها حر شمس تلك القرية في مناخها الصحراوي..وكان إذا بلغ بها مكانا انحنى بجسده على جانب الحمار كما السلم لتضع قدمها على كتفه وتنزل وهكذا الحال إذا أرادت الركوب..نفس تلك القدمان حكمت عليهما مسيكة بأن تظلا حافيتان تتضوران من سخونة الرمال وقاذورات الأرض لسبع سنين عجاف بعدما أتاها نذير الشؤم بخبر وفاة زوجها حينما خذلته سيارته العتيقة وأردته قتيلا..سبع سنين لم تلبس فيهم تلك المرأة ولا حتى نعالا خفيفا وكانت بعد ذلك إذا إشتد عليها حر الأرض تلبس حذاءه من ماركة (باتا) قليلا حتى يبردا فتخلعهما حافية مرة أخرى..كانت تلك احدى طرقها الخاصة جدا في تعبيرها عن حزنها لفقد حبيبها وأب أبنائها، تلك الأرملة ظلت منذ وفاة زوجها في ريعان شبابهما وحتى وفاتها وهي تلك المعمرة التي يُقال انها ماتت بعد ان تجاوزت المائة عام بكثير، ظلت بنفس تصفيفة شعرها لعشرات السنين .. وهذا بعضٌ من تأريخ المحنة عبر الحب والحزن.

وفي تأريخ المحنة أن الأطفال في تلك البلاد ما كانوا يفرقون بين أعمامهم الأشقاء وأبناء عمومة أبائهم، كانت الامهات أمهات للجميع وكذلك الأباء..كان قريبك البعيد إذا أصابك حزن يبكي كطفل (ويتدردق بالواطة)، كانوا يتقنون فن المحبة ويتفانون في محنتهم، حياتهم لم تمتلئ بشئ كما إمتلأت ببعضهم وبتفاصيلهم.
يلفتني انهم كان يسهلون الزواج ولا ينبذون المطلقات، معظهم كانوا يبدأون بالزواج في أعمارٍ صغيرة حتى اذا كبروا قليلا ولم يجدوا هوىً عند نفوس بعضهم البعض تفارقوا بكل رضا ل (ياخدها) قريب آخر لهم بكل طيب خاطر ومن غير تعيير، ويبحث عن ذريته مع إمرأة اخرى.. كانوا يفهمون الحياة أفضل منا لا يظلمون ولا يفترون..
كان زمنهم رخيّا لأنهم كانوا إشتراكيين بالفطرة..لا أحد يجوع في تلك الديار..كريمين على أسرهم وعلى أسر غيرهم فكأن مال احدهم مالٌ للجميع.
وفي تقهقر حيواتهم نحو الجنوب قصص من المعاناة ، فكان ان حكمت عليهم أقدراهم وهم أبناء القراصة والفطير والسمن واللبن وأحفاد التمر..أن يختنقوا في مدنيّة الخرطوم – على رحابتها في تلك الأزمان- فكان أن قاسوا ، فعلوا وتفاعلوا وخلّفوا سيرة طيبة ملؤها حب الدعابة وذكاءهم الإجتماعي اللافت.

في تأريخ المحنة أن جدتي لأمي التومة (أم الحسن بت يوسف) رحمها الله تلك المرأة الوديعة الطيبة الهادئة كانت مبحوحة الصوت مذ عرفتها حتى مماتها وكنت أظنها كذلك منذ خلقِها حتى علمت ان حبالها الصوتية تضررت حزناً وبكاءاً على الوفاة المفاجئة لأخيها فارس ساقية الكرياب (عبد الله ود يوسف) كان قرة عين أخواته البنات، من يكبرنه ومن يصغرنه منهن، كن يحببنه حباً جما ويحلفن – على بساطتهن- صدقاً بحياته حتى إذا قالت الواحدة منهن (وحاة عبدواللهي) قطعت أمر صدقها ولم تُجادّل بعده.
ذاك العبد لله أسلم الروح الى خالقه في قطار كريمة دون مرض أو منازعة أستلقى في (قمرة) القطر فوجدوه ميتاً ، بكته القرى والمدن، بكاه من أحبوه محنّة ومن أحبوه رهبّة فقد كان فعل الموت في رجل مثله مهيبا مخيفا ومحزناً.

لم يكن يعيبهم الفقر ولم يجتهدوا في توصيفه بأكثر من الحال (التعبان)، وكان العيب ان يتعب حال اخيك في جوارك وتنعم أنت، وعندما ترقب تفاصيلهم لا تملك الا ان تحزن على هذا التقهقر المرتبط جورا باسم العلم والمدنية والحضارة.

وفي تاريخ أقدم حكوا لي عن جدتي (سعدة بت عبيد) التي كانت محل إحترام اخوتها فلا كلمة بعد كلمتها ولا أمرٌ بعد أمرها حتى إذا حضرت الى مجلسهم وقفوا جميعاً وتنادوا وأفسحوا لها في وسطهم (سعدي جات ,,سعدي جات)، فمن قال أن المراة كانت مظلومة ومقهورة في الماضي؟!..تفكّروا جيّدا فلربما أبصرتم العكس...
النساء ملكن الكثير من الفطنة والتدبير، والرجال ملكوا كثيرا من الشجاعة والكرم والاحترام والمحنّة، المحنة في تلك البلاد فعل رجولي وبكل فخر..لا يستحون من دموعهم ولا تخجلهم الا (الشينة) في عرضهم وكفاية ضيفهم..

وفي رحابة تلك الأزمان نشأ جدي الخرطومي النابغ (عبدالغني الطيب) شقيق جدتي عائشة، وعمل في مؤسسة البريد والبرق وترقى فيها وتنقّل من مدينةٍ إلى مدينة ومن نسل المحنة تعلّم الإلفة وعلّمها، فكان إذا حل بمدينة خالط أهلها فأحبوه وزوجوه زينة بناتهم فملأ بيته بأطفال جميلين ونساء جميلات أتى بهن من الأبيض ورومبيك وغيرهما من مدن السودان التي حلِّ بها إضافة إلى أبنائه من زوجته الأولى ..فكان له أبناء من الشمال وآخرين من الجنوب ..نجح جدي عبدالغني فيما فشل فيه الساسة، جمع الوطن تحت سقف (ديوانه) الرحيب فاتى من تلك الديار في الشمال بالمحنة فأحالها قومية بإيمان..ولم يكن يظن انه لو عاش الى هذا الزمان فلربما إضطر ان يحصل لديوانه على جنسية مزدوجة!!..



أغسطس 2014



التعديل الأخير تم بواسطة سماح محمد ; 18-01-2015 الساعة 09:26 PM.
التوقيع: دنيـــا لا يملكها من يملكها..
أغنى أهليها سادتها الفقراء..
الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على إستحياء..
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء...
الفيتوري
سماح محمد غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 07:18 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.