الصعوط ... هديه عيد ميلاد خالد الحاج
الصعوط
نحن السودانيون نفتكر اننا اهل الصعوط . ولكن اظن اننا نأتى فى الدرجة الثالثة او الرابعة . اهل الصعوط فى العالم هم السويديون . خاصه هذة الايام . فلقد منعوا التدخين فى اى مكان . واى سيارة يدخن صاحبها فى داخلها تفقد كثير من قيمتها عند بيعها . ولا يسمح بالتدخين فى الاماكن العامه . وحتى التدخين فى الاماكن المفتوحة يجب ان يكون المدخن متنقلاً وليس واقفاً فى مكان واحد . بل لقد منع الدنماركيون استعمال العطور القوية فى الاماكن العامة , حتى لا يتضايق اهل الازمة والحساسية . وهذا شئ جميل فانا شخصياً لا اعانى من اى مرض سوى الحساسية وخاصه من العطور .
لمحاربة السجائر صار ثمن علبة السجائر 8 دولارات فى السويد و14 دولار فى النرويج . ولهذا صار الصعوط سيد الموقف تجده فى فم كل الناس من طالبات الجامعة الى الوزراء . وهذه العاده ليست حديثة فى السويد . فلقد قرأت عندما كنت ادرس مذكرات الراحالين فى افريقيا مثل بيرتون ودكتور ليفنقستون واستانلى وآخرين . ان استانلى الصحفى الذى كان خلف اكبر سبق صحفى فى القرن التاسع عشر . عندما عثر على ليفنقستون فى بلده اوجيجى على ضفة بحيرة تنجانيقا بعد ان انقطعت اخبار الدكتور ليفنقستون . واشار الى مشاكله فى تحضير الرحلة وكان يقول انه كره مساومات التجار العرب وعدم اهتمام الافارقة اللذين لا يهتمون ويدسون الصعوط فى فمهم مثل السويديين . وهذا يعنى ان السويديين كانوا مشهورين بأنهم اهل الصعوط .
عندما وافق السويديون للانضمام للسوق الاوربية المشتركة ، كان من اول طلباتهم السماح بالصعوط فى اوربا . ولم ينضموا حتى وافقوا لهم . الاخوة فى الدنمارك عندما كانوا يعزموننا لاى مناسبة كانت طلباتهم ( بس بلاهى ما تنسى تجيب معاك كروسة بتاعه تمباك ) . والتمباك فى السويد يعبا فى حقق من الورق المغطى بالبلاستيك فى شكل 12 حقة . واشهر نوع هو ( جنرال ) . وهنالك نوع اسود ونوع افتح لوناً . وهنالك نوع فلت مثل الصعود السودانى العادى او معبأ فى اكياس صغيرة تشبه اكياس الشاى . وهذا النوع الاخير تجده فى فم اغلب الطالبات والموظفات والشابات . ولا يزال العمال يفضلون الفلت . والنوع المكيس هنالك جزء فى راس الحقة البلاستيكية لوضع الفاضى . والبعض قد يسف استيريو كيسين كل كيس على جنب .
اذكر فى بدايه السبعينات ان الاخ الباقر فى جامعة لوند اتانى مندهشاً فى حفلة . قائلاً ياخى دى بت شنو الجات مع صحبتك دى . ياخى دى سافة . فقلت له يمكن دى بت فرقعون . وفرقعون فى الخمسينات كان اشهر صاحب تمباك فى امدرمان ثم شاركه فى الشهرة سورج . وكان البعض يأتى من مسافات بعيدة لشراء صعوط فرقعون او سورج .
الاخوه اليمنيين انتبهوا لهذه التجارة وصارت لهم حقق فى الكناتين . وبعضهم تعود على استعمال التمباك . وكان يقولون انهم عندما يذهبون اجازة الى اليمن التمباك بفرق معاهم .
الغريبة ان مصر قديماً كانت تعتبر التمباك نوع من المخدرات . ولقد اعتقل سودانيين وسجنوا لانهم دخلوا مصر وفى جيبهم حقة تمباك .
من الاشياء اللطيفة انك تجد بعد الملصقات فى تصادم العربات السويدية تقول ما معناه ارمى نمرة واحد وسوق بارتياح . ونمرة واحد هو نوع من الصعود الذى ينافس جنرال وهنالك عدة انوع بطعم او تمطير مختلف . والسويديون يعظمون الصعوط والسويدى قد ينظر الى بنت جميلة ويقول يا سلاااام بت ذى الصعوط . ويسمون الصعوط ( اسنوس ) وطبعا الانجليز يسمونه ( اسنف ) .
اذكر قديماً ان بعض النساء وخاصه فى منطقه العباسية عندما يسألن عن حالهن يقلن ( أحمد الله شبعانة وحقتى مليانة ) او ( سكرانة وحقتى مليانة ) . والصعوط فى السودان اغلبه يأتى من دارفور . وفى جنوب السودان يعتبر التبغ نوع من النقد ويستعمل فى دفع المهر . والصعوط هو طبعاً نوع من التبغ يمطر ويضاف له العطرون . والتبغ نبتة جميلة باوراق عريضة لا يحتاج المزارع ان يضع حولها سياج ليحميها من الحيوانات او الحشرات وحتى الاغنام التى تأكل الدلاقين وكل شئ لا تقرب التبغ .
فى بدايه الثمانينات توقف اخى عبد الله فرح فى ابو ظبى وقال انه يريد ان يشترى صعوط فقال احد الاخوان ياخى ما كان تشترى فى دكان السودانية محل ما اشترينا الحاجات وكان رده انه لا يستخدم التمباك السودانى لانه بعد ان تعود على التمباك الباكستانى بقى السودانى ما عنده طعم . والصعوط الباكستانى خاصه الذى يستعمله البلوش لونه اخضر ويقال ان طعمه لازع وقوى .
الجزائريون كذلك يستعملون الصعوط ويسمونه النفة . وعندما اقول لهم اننا نعرف الصعوط يصابون بالدهشة ولا يصدقون . حتى السويديون يظنوننى امزح عندما اقول لهم ان بين كل دكان صعوط وصعوط فى السودان فى دكان صعوط . الاخ السودانى الذى كان يطالبنى بالصعوط كلما احضر الى كوبنهاجن . قال لى بعد ان استلم الكروسه الاخيرة . تانى ما تتعب نفسك السويديين ريحونا مما دخلوا السوق الاوربية المشتركة الصعوط بقى يتباع فى كل محل . فى سنة 93 اتى طبيب اخصائى سودانى بدعوة من الحكومة السويدية واظن ان اسمه عثمان كان ضيفاُ على دكتورعبد الله سبيل اخصائى الكلى . كانت له دراسات فى سرطان الفم الذى قد يسببه الصعوط . ولقد ادهشت دراساته السويديين لانهم لم يعرفوا ان السودانى يسف .
ونحن فى الثانوية كان كثير من زملائنا يدسون الصعوط فى فمهم . وبعضهم لا يستطيع الانتظار الى الفسحة و قد يسفون فى الفصل . وهذه السفة تعرف بقرصة لانه تكون صغيرة تحت اللسان او بجانب الاضراس حتى لا يشاهدها المدرس . فى العباسية كان لنا منزلان منزل لسكن الطلاب ومنزل لسكن العائلة , وبينما نحن جلوس امام بيت الطلبة كان حمودة ابو سن يقول ان تمباك بقرش ما بكفيهو فى اليوم لانه كان يكتح بمعنى انه لا يدردم التمباك . وكان الطيب سعد يقول انه يمكن ان يشرب شاى ويأكل تسالى وهو سافى . وكان التجانى يقول انه كان يسف بدون ان يعرف اى انسان فى المدرسة انه يسف . وبدر الدين يقول انه يمكن ان يضع السفة كل الحصة وان يخرجها ناشفة فى نهايه الحصة بدون ان يلاحظ الاستاذ ويمكن ان يقرأ ويرد على الاسئلة بدون ان يلاحظه الاستاذ . وبينما الجميع فى وصف امكانياتهم اتى رجل يركب حمار ويجلس على رأس حمل ضخم من اللوبة . وهو يحك ظهره بعصاته التى ادخلها داخل العراقى وفى يده اليمنى الحقة الاسطوانيه وهو يسكب الصعوط فى فمه بمساعدة سبابته الذى كان يعمل فى نقر الحقة ولم ينقطع غنائه . فقال شنقيطى ساخراً وده عنده دكتوراة فسكت الجميع .
الغريبه انه يندر ان يشاهد الانسان صعوطاً على الارض فى السويد واذكر فى وزارة المالية القديمة ان الصعوط كان يتكون كالتلال تحت النوافذ . وللصعوط حميمية مختلفة عن السجائر فيمكن ان يطلب اى انسان سفة من شخص آخر . وحتى فى السويد يكون هذا ممكناً . ولكن يستحيل ان يطلب انسان سجارة من شخص آخر بدون علاقة حميمة .
فى ملكال اذكر ان سواق اللورى حاج ماسورة فى دكان خال اسماعيل خليل كان يقول . يأشر ليك عربى من بعيد وتتحمى وتتدمى وتدوس الفرامل تقول دة الراكب . يقول ليك بلاهى يا ابن العم سفة . فقال له السواق عبد المتعال ياخى ما تزعل انت ما عارف الزول لمن يقلع صعوط فى الخلا ده يقرب يبكى . الغريبة ان الاخوة النوير يستنشقون الصعوط بعد ان يضعونه على ظفر الابهام . وبعد نهاية الاستنشاق يبدو وكأنهم قد كسبوا العالم .
التحية
شوقى …
|