تمثال الحرية و كمال الجزولى..(مزارعى..أسايلى ..لوترابى) 3
مزارعى أسايلى و لا لوترابى(3)
تمثال الحرية و كمال الجزولى...مدخل
تاج السر الملك
أطل فجر اللجوء....فتحولت أميركا الى ( ود رعية) لا تنقصها ألا نغمات ( باظ الجزيرة وصل) و التى كانت تنفخ كالصور كل صباح من صباحات الله فى سماء (ود مدنى)!!و عمرت الأفراح و الأتراح بالجلابيب البيضا المكوية , و التياب بأشكالها و حتى المنقرض منها (مين قساك و مين قسى قلبك) و الذى سادت موضته فى الستينات, و أعلن طلاب الورق ( الأسم الحركى للقرين كارد) بناء على ذالك عصيانا مدنيا و تمردا على (عزباوات) (كليمانجارو نايت كلوب) و (ثيرد ورلد كلوب) فى كل من (دى سى) و (نيو جيرسى) و فعلوا بهم مالا تقدر عبارة واحدة على التعبير عنه , سوى (فكوهم عكس الهوا)!! ..و بدأت رحلة جديدة, ودأب من نوع آخر و زحف حثيث نحو شمس (الورق), وداعا لسماسرة ورق المزارع, و داعا للدكاكين التى ما أفاد منها أحد غير دروس اللغة اليمنية كلغة ثالثة, وتعابيرها المألوفة (نجح الطبخة نص نجوحى..لا تخليها تتدقدق بالحما!!!) و عدا ذالك الموت الزؤام بحد ال(ماغنوم 45) أو شلخ المدى لرسم أبتسامة ال (كول ايد), موت لا عوض فيه سوى فاتحة مبتسرة فوق شفاه مطبقة..و نفوس مليئة بالحنق و الرهق و الأحباط, نوع من الموت يسميه أخوتنا فى الجنوب بالموت ( سمبلة) .. أونطة- بلا وازع و لا مبرر حتى و أن وجد للقتل مبرر!!
أطل فجر اللجوء..و تجدد الأمل, ودبت الحركة فى أروقة مكاتب المحامين و ردهات مكاتب الهجرة, أنتظار طويل( يا تائه الخصل) وسط حشد من الشعوب و الأمم, تقطف ورقة مرقمة من بطن آلة باردة دهماء فى المدخل,و تجلس فى أنتظار الدور, ( جودو) حاضر فى غرفة خلفية برتبة ضابط جوازات ، وانت وجه فى فيض الوجوه المحدقة فى فضاء الغرفة حتما ملاقيه , وجه من وجوه عدة خالية من التعبير , فارغة, ترقب اللافتات الحمر المضيئة المعلقة بعيد السقف, تتناوب أشهار الأرقام التالية فى زمن ينسفح فى مساحة تمتد من الأبد الى الأبد وما بينهما تنسج عنكبوت الصبر خيوط الأمل الواهية, انت تزداد ضآلة فى حضن النوافذ اللامعة الضخمة, و ازيز الهواء المتجدد فى اركان متباعدة اربعة, ينتصب فيها آلهة أغريق ببزاتهم الرسمية, تحتشد خواصرهم بالقيود والمسدسات و والعصى الغليظة و أرتال من وسائل القمع والكلبشات وأجهزة اللاسلكى اللا ساكت لحظة,و تجدك تهم بالقول (يا حليلك يا عاصم كباشى)!!!. ثم تبدأ فى ملء الفورمات, و قلبك يشهق بالفزع كلما مررت على التحذيرات و التأكيدات بوخيم العقاب و خزى المآب..أفعل ..لا تفعل..ثم تبدأ بذرف تاريخ حياتك كله و بعض زيادة, و تأخذك الأسئلة المتلاحقة الى منتصف الفورم , الى المكان الذى ستحدد فيه لأول مرة فى حياتك كسودانى موقعك من اللون والعنصر, مربع(بلاك) مربع(وايت)!! يهرب منك النطق و تتمنى (لو عفيتونى من الموضوع دا), ثم تتبين مربعا ثالثا أضافيا..(آخرون)... و لا تمتد فرحتك سجدة سهو حتى ينفتح المربع عن قوس يحوى وصف ألآخرين بالتحديد ( شرق آسيويين..كاريبيون..) و تجهد عينيك علك واجد(سودانيون) دون جدوى..فتعكف بخبث و مكرعلى أستدعاء كلمة ..يتيمة ..مبهمة ...مريبة (شرق أوسطى)!!!!و تحلم أن يهل عليك أخ عربى ليطمئنك و لوبكلمة (كيفك) بأنك (بوليتيكالى ..كوريكت)!! و يعقب ذالك فصل تحلل الذات الى مربعات و أرقام..ميلادك..تعليمك..لونك..عرقك..أصلك..فصلك..أحل امك..أمانيك..أسرتك..الجلكين و الجلكينة..و حتى وصفة التقلية..و عملية الزائدة فى مستشفى أبو عشرو حلاوة المولد!! كل ذلك يعصر و يعصر ثم يحشى و صورتك المبحلقة وبصماتك المكحلة بزيت السمسم, فى أقل من 2 كيلوبايت فى جوف الأخ الأكبر الحاسوب.
كان على المتقدمين أن يبدأوا بمخاطبة محام,من النوع الذى يصوغ من الفسيخ شرباتا, وكان يتوجب فى الفسيخ أن يكون فسيخا مقنعا , من نوع (لماذا لا تود العودة الى السودان؟؟), ثم دعم دعواك بمتهددات حياتك بأدلة قد يجوز من بينها خطاب من البشير شخصيا يقرأ(الزول دا كان فكيتو لى بكتلو), و لا يجوز للسلطات الأمريكية العلم بأن التهديد الشخصى فى السودان جائزو مقبول بل و مستحب فى ثقافتنا كقولهم (أقوم عليك هسة أفرتق زينتك..الخ الخ..)(أديك ام دلدوم أوصلك آخر الخرتوم) أو (بلنجة) التى لا نعرف لها أصلا شرق أوسطى.
و بالرغم من أن الأنقاذ جاءت بفلسفة دكتور (كيفوركيان)المتخصص فى حقن البشر المرضى بحقن الراحة الأبدية,ألا أنك كنت مطالب شخصيا بسرد تجربة خاصةتؤكد مخاوفك و تعزز مطلبك للبقاء ضيفا فى بلاد العم سام, فتحول من تحول الى (مراغنة) و (مهديين) و نقاباتيين و توهم البعض من فرط جودة الصياغة المحاماتية أنهم و لامحالة أهل لحقائب الوزارة فى حكومة ما بعد الأنقاذ حتى و لو سميت بالتجمع الوطنى!! و هدرنا جميعا بالبكاء من وجع أكتشاف الظلم الذى حاق بنا و نحن فى غفلة,و خرجنا فى تظاهرات عارمة,نغنى (كوانج كوى), و نهتف بأن (نحن الطيور ايها الأنسان) فى لحظات طيورية نادرة.
جاء الموعد لمقابلة المحامى, و بعد أن طمأننى على سير الطلب على ما يرام, طلب منى أن أوفر له الأدلة (قصاصات جرائد,بيانات امم متحدة, و حرب الجنوب ) و حينما عجزت عن أجابة طلبه أمتدت يده الى درج أسفل, و أخرج لى مستنسخات عن قوائم صحفيين أعتقلتهم السلطات فى السودان, و أكد لى عظم جدوى أن يكون لى زملاء أو حتى معارف بينهم, عكفت على القائمة ما وجدت أسما لزميل أو صديق بينهم حتى كدت أن أصيح به (جايب لى أسماء صحفيين من جيبوتى)..حتى أشرق أسم (كمال الجزولى)..تهللت فرحا و قلت للرجل (ينفع أكون بعرف أخوه؟؟) هز رأسه نافيا, قلت (أذن بالحليل) بعرف كمال!!و حملنا صورة (كمال) معنا يوم (الأنترفيو) (كوبى) عن (كوبى) عن (كوبى) , دخلنا مكتب (جودو) , و هنالك قرأت أسم (كمال) مقترنا ب(ديللا) تيمننا بمانديللا و مرة (كماليفارا) تيمننا ب (شى جيفارا)و كذا ( كملاندى) على حس (غاندى) وتحاشيت (ابو كمال) لأن أبو عمار رحمه الله لم يكن (بوبيولار) فى هذه الأصقاع, و هكذا كتب لنا (القرين) و لكمال الجزولى ندين
تاج السر الملك
فيرجينيا 2006
|
