نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > خـــــــالد الـحــــــاج

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-06-2009, 06:01 PM   #[166]
imported_ابومشعل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_ابومشعل
 
افتراضي

[align=justify]مشكلتك التي لا تود الزحزحة منها أنك تعاني من خطأ منهجي كبير في طريقة تفكيرك
ما كنت احسب ان هناك علاقة بين المنهجية الخاطئة وطريقة التفكير حتى تفضلتم علينا بها كمعلومة سنعمل جاهدين على تصحيحها في قابل الايام لكم منا الشكر اجزله .
-- ----------------------------------------------------
واصرارك ليس علي "مبدأ المقاطعة" فحسب بل ووصم غيرك الذين يختلفون عنك في المنهج بكل ما يخطر في بالك من نواقص.
لو تتبعت كل مداخلاتي لم تجد ما ذهبت اليه في استنتاجك باننا رميناكم ( تحديداً ) بتلك النواقص لكنها كانت عموميات ولك ان تجد نفسك حيث تريد منها ، بالرغم من خروجكم عن النص في الكثير من المداخلات لكننا تجاهلنا ما لا يفيد الحوار .
--------------------------------------------------------
أنت تعتقد أن الحكومة كي تصير أكثر ديمقراطية وكي تجيز القوانين الداعمة للحريات لا تحتاج لمن يفاوضها إذ باستطاعتها تقديم ذلك دون مؤتمرات ودون مماحكات سياسية وهذا في منظوري الضعيف سذاجة سياسية وفكرية بالغة وتسطيح ما بعده .
وانت تعتقد ( تارة ) بذهابكم لها في الخرطوم ستعيد لنا ما بخلت به علي السياسيين اجمعين وتارة اخرى تنفي عن مشاركتكم تهمة المفاوض السياسي فايهما نختار ؟؟؟ حتى لا نلج من باب السذاجة الفكرية وبالتالي نوصف بالمسطحين .
-----------------------------------------------------
قلت لك من قبل إن كانت الأمور تقاس بهذه البساطة لماذا لا تدعو هذه الحكومة السيد الصادق المهدي آخر رئيس وزراء منتخب وتقول له "هاك يا سيد الصادق أمسك حكومتك" ؟
وسألتك أليس هذا في استطاعتهم ؟

بحثت الحكومة - وماتزال - تبحث عن من يدلها الى المخرج من ورطتها ولكن في كل مرة كان هناك من يمد لها يده منقذاً طمعاً في مكسب حزبي ضيق او مصالح ذاتيه واخرهم البعض كافراد من منظمات المجتمع المدني .
--------------------------------------------------------
يا سيدي أبا مشعل لماذا تقدم الحكومة تنازلات إن كان شعبها "يفضل المقاطعة" منتظرا أن "تسيح" كقالب للثلج في العراء؟
هل تعلم يا ( زعيم ) بان ما فعلته المقاطعة باسرائيل سياسياً واقتصادياً يفوق ويجاوز في تاثيره كل فعل اقدمت عليه الحكومات والمنظمات العربية مجتمعة حتى الحروب المباشرة ؟؟؟
---------------------------------------------------------- ظلت هذه الحكومة منذ الثالثين من يونيو 1989 وحتى الآن مستمسكة وماسكة بزمام الحكم وقد جربتم "ولا أقول جربنا فأنت المنظر وأنت من يملك الحقيقة اليقين" جربتم كل شيء من مقاطعة إلي حمل السلاح إلي خلق تجمعات ثم تفريعات من تجمعات ثم أحزاب منفردة ثم أحزاب متفرعة من أحزاب وحكومة الجن قاعدة في محلها لا تخاف ولا تختشي فيكم شفت كيف؟
ثم رجعت الأحزاب وتبعها التجمع.. ثم كان تمثيلهم في البرلمان وتسجيلهم فيما يسمي بأحزاب التوالي ... ثم كان الحوار مع حكومة الجن ذاتها أفراد وجماعات ...

هذا كلام جميل يؤكد بان مجاهدات ونضالات شعبنا بجميع تكويناتها لم تذهب سدى بل اتت اكلها وستاتي بالمزيد وبما هو اكثر مما تتصور فقط ساعدوا هذا الشعب البطل والمعلم بشئ من الانضباطية وعدم الاستعجال والهروله افراد وجماعات لان في هرولتكم هذه ما يمد عمر النظام الى ايام هي في عمر الحكومات والدولة سويعات فاصبروا وصابروا فان الفرج قريب .
--------------------------------------------------------
اليوم صارت قبيلة الإعلام وهي التي تبصر وتنقل ولا تفاوض لوزارات أو مناصب دستورية صارت هي القشة التي شقلبت الريكة ؟ فقط لأنها شاركت في حوار أو ملتقي للتفاكر؟
سبحان الله ...

الم اقل لك بانك ( جهجهتنا ) بعدم اختياركم لصفة محدده يمكننا ان نخطابكم بين السياسي والاعلامي والصحفي او ( المالك ) ؟؟؟؟ وعلى ضوء ذلك نحدد هدفكم من المشاركة !
-------------------------------------------------------
إن كانت مشاركة الإعلاميين في مؤتمرالخرطوم هي التي ستطيل عمر النظام فليمد الله في عمر هذا النظام إلي يوم يبعثون .
لن يستجيب الله لدعاء ( المالكون ) لكنه يستجيب لدعاء المظلمومين وهم كثر في وطني .
والان بعد ان منعت الحكومة الايرانية وسائل الاعلام الاجنبية من تغطية التظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية هل استطاعت الحكومة الايرانية ان تمنع الاعلامي الداخلي من ايصال صوته ورفضه واحتجاجه للعالم الخارجي وهنا يكمن الفرق بين الفهم الصحيح للاعلام ودوره المنتظر وتطوره والسيطره عليه وترويضه الى الاعلام التقليدي بمفهوم ستينيات القرن الماضي عندما كان الخبر يساق يوزع ويرسل للصحفيين ووكالات الانباء من خلال نافذه واحدة برؤية واحدة وهذا زمن مضى لكن بعض العقليات لا زالت تسأل عن القيد الصحفي في وقت اصبح فيه الجميع صحفيون او قل اعلاميون بلا قيود .
--------------------------------------------------------
أما حواري معك وقد نبهتك أكثر من مرة يا صاحب علي التزام روح الحوار الطيب وانت ممعنا في تجريحك وفي تجاوزات تجاهلتها أنا بروح طيبة بحكم أني من افترع البوست فصرت كصاحب المنزل لا ينفر من ضيوفه ولا يضيق بهم ، لكنك يا صاحب يبدو عليك استهونتني وماني الزول الهوين والله .
هذا يا صاحب فراق بيني وبين حوارك ولن أرد عليك بعدها أبدا لا بالخير ولا بغيره فاكتب ما بدا لك والسلام .
لم تؤلمني كلماتك القاسية ولا اوصافك السلبيه لشخصي وفهمي وطريقة تفكيري وهذا ما تجنبت الرد عليه طيلة زمن حواري معك ، بقدر ما تالمت لهروبك للامام تاركاً مقعد حوارك خاوياً بالرغم من اني لا استحق تلك ( المقاطعة ) فقد نهيتنا عنها واراك تركن اليها فالذي بيني وبينك عامر اوله حوار واخره محبة وسلام ووئام وان اختلفـنا في ( المنهجيه ) كما ذكرت لكن عشمي في عودتك اكبر ، كيف لا ، فمايزال مقعدك الخالي يناديك لا تنجع وانا اردد لا تنجع وحوارنا يتمتم لا تنجع فارجو ان يجد كل هذا موضع في قلبك الكبير ، فقد تعشم ابليس في جنات الخلد ولم يعمل لها ، لكن عشمنا في عودتك مبني على عهود الحب والاخوة ومبادئ المحاورة والحوار فلا تخذلنا ودعنا نقول يوماً ود الحاج مر من هنا ودع عنك الفراق فماذا نال الطريفي من فراق جمله .
واخيراً لك العتبى حتى ترضى فانت كوطني ماك هوين سهل قيادك او كمال قال
[/align]



imported_ابومشعل غير متصل  
قديم 29-06-2009, 05:09 PM   #[167]
imported_ابومشعل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_ابومشعل
 
افتراضي

[align=justify]في مقال عميق وشيق منشور بموقع سودنايل اليوم الاثنين الموافق 29 - 6 - 2009 م تحت عنوان ( بين مقالين : استلاب جيل ) بقلم الاستاذ / الخاتم محمد المهدي واطلقت عليه مفردة عميق وشيق لانه يوصف الزهنية او العقلية التى يفكر بها ولاة الامر ومن بيدهم الحل والعقد بوطني وهو توصيف - اعتقد انه - مطابق لتلك العقلية او الزهنية بدليل ان كل ما افضت اليه او ما توصلت له من خلاصات لمشكلاتنا - التى هي من صنع ايديهم - كانت هي بحاجة لحلول من مشكلات ننتجت من تلك الحلول المجتزئه والبيئسه لانها غلب عليها طابع الخاص على حساب العام ، مما دعاهم لطلب الحلول الخارجية المعاباة في قوارير او الجاهزة من لدن ( شياطين ) الغرب والشرق من خلال الاتصال او التعاون مع مراكز دراسات عالمية لتزويدهم بحلول لمشكلات محليه فرضوها علينا بحماقاتهم وجلهم بفكر او قيادة دولة بحجم السودان وما يضمه بين جوانحه من اختلاف وتنوع في كل مكوناته ، فتبادر الى ذهني تساؤل كبير عن مغذي قيام ملتقيات اعلامية او غيرها لمواطنين سودانيين مهما بلغوا من المعرفة وعلومها وضروبها من درجات ومن الخبرات ما قامت عليه دول كثيره ما فائدة قيام تلك الملتقيات ومن يقوموا بامر تنفيذها والدعوة اليها يفكرون بهكذا طريقة ؟ طريقة الحلول الجاهزة وحسب الطلب من مراكز الدراسات العالمية ثم يسوقون لنا افكار مختلفة تتحدث عن المشاركة في حل المشكلات المحلية والحلول الوطنية ومحاربة الاستعمار و الافكار الدخيله والمستورده ولا شرقية ولا غربية من شاكلة نصنع مما نلبس ونزرع مما ناكل وما الي ذلك فالي مقال الاستاذ / الخاتم المهدي وهو جزء من المقال الاخير من سلسله مقالات بلغت الثلاثه لكنه الجزء الاهم والذي يخدم وجهة نظرنا حيال الافكار المستوردة
-- ---------------------------------------------
استلاف النجاح
وقرأت في سودانيز أونلاين خيطاً كتبه مكي ابراهيم مكي عن مؤتمر للقيادات الشابة في ولاية كولورادو الأميركية. كتب مكي أن : معهد السلام المستدام الامريكي اقام في الفتره من 29 مايو إلى 7يونيو 2009 مؤتمرا لقيادة سودانية شابة، تحت شعار “قيادة نحو مستقبل مستدام”. ويضيف مكي ان المؤتمر شاركت فيه نخبة من القيادات السودانيه (الشابة)- الأقواس من عندنا- المقيمة في الولايات المتحده الامريكية، وفي المانيا، علاوة على مشاركين قدموا من السودان. وبحسب مكي فقد اقيمت العديد من ورش العمل علي مدار الأيام التسعة, لتطوير وصقل مقدرات هذه (القيادات الشابة) ودفعها في عملية التغير والمساهمة في البناء . ومن خلال هذه الورش تعرف المشاركون علي المتغيرات العالمية (التي تفرض تحولا في حياة الانسان والمؤسسات). الأقواس والتنصيص من عندنا.
ويسرد مكي من ضمن ما تعرف إليه المشاركون في المؤتمر مواداً من قيمة:
ادارة سيكولوجيا التغير علي مستوي الفرد والمؤسسة، والتجارب العالمية في قيادة التغير والاقتداء بالنماذج القيادية الناجحة لترشيد عمليات التغير في بلدانهم ومؤسساتهم؛ وأثر التكنولوجيا علي حياة الفرد والمؤسسة والمجتمع .. وتنمية مهارات المشاركين في مجال ادارة الازمات خاصة في ما يتعلق بدور العلاقات العامه في ادارة الازمات، وتمكين المشاركين وتعريفهم بالاساليب الحديثه المرتبطه بالتعامل مع الازمات حالة نشوءها . وماهي مفهوم الازمه ومراحلها وخصائصها، وما هي متطلبات وعوامل ادارة الازمات والمنهج الاستراتيجي لادارة الازمات ..
ووجدتني أتمتم بيني وبين شاشة الحاسوب: الكترابة! كل ذلك في تسعة أيام فقط؟
فعلى حد علمي أن "إدارة الأزمات" تخصص عال يدرس في مساق أكاديمي فوق الجامعي- إن صحت معلوماتي. وهي:
"إحدى أحد الفروع الحديثة نسبياً في مجال الإدارة، وتتضمن العديد من الأنشطة، يأتي على رأسها التنبؤ بالأزمات المحتملة، والتخطيط للتعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة (...) وتقدم إدارة الأزمات وعيا عاليا بطبيعة التغير والتقلب اللذين أصبحا السمة الغالبة لمعظم بيئات العمل على مستوى العالم بأسره".
وأحسب أنها دراسة تمتد الشهور الطوال (لثلاث سنين مثلاً) تنال بها درجات حسان من طراز الماجستير أو الدكتوراة لمن استطاع إليها سبيلاً. والحال كذلك، فلابد أن المشاركين في المؤتمر أعلاه تلقوا جرعة لا تزيد في مقدارها عن المضمضة.
وبدا لي أن بعضاً مما كتبه مكي من ضمن الخيط لهو منقول بحذفاره وأغلاطه الإملائية من تنوير ما للجنة الشعبية للحوار في كادوقلي- إن كانت هناك واحدة بهذا الإسم أصلاً!
فمكي يقول:
وجسد المؤتمر روح الاخاء ووحدة قيادات شباب الهامش السوداني من الجنوب ودارفور ,, جبال النوبه ,, الشمال ,, وشرق السودان . والنيل الازرق وقد زالت كل الحواجز والفوارق المصطنعه بين ابناء الوطن الواحد . ومهد الطريق لعقد لقاءات ومؤتمرات وورش عمل مماثله وبشكل اوسع .. لمختلف شرائح وفئات المجتمع السوداني التي تجمعها وحدة المصير . والوصول لهدف مشترك يساعد في حللة المشاكل والقضايا المتعلقه بالوطن السودان.
ويضيف:
وامن المشاركين علي بلورة الافكار والتصورات من اجل البناء ودفع عملية السلام بين ابناء الوطن الواحد .. ومواكبة التغيرات وتوحيد رؤاهم وصقل قدارتهم في سبيل تحقيق هذه الاهداف والغايات .
والأكثر من ذلك أنه:
وفي ختام المؤتمر خلص المؤتمرين بعدة توصيات واعداد دراسات لمعالجة الكثيرمن القضايا التي تهم السودان. وتم تكوين لجان فرعية لمواصلة العمل وبلورة الافكار وصياغتها .. واصطحاب التوصيات ...
وذلك من شاكلة ما عهدناه من أدبيات الانقاذ ومشايعيها في تلخيص نشاطهم المدني بين الناس. وفي ذلك أفكار لكتابة تطول، قد نعود إليها إن تيسر في العمر بقية.
وبحسب ما نقله مكي فإن تقديم اوارق المؤتمر وورش العمل طيلة الأيام التسعة، شارك فيها الكثير من الدبلوماسين، واستاذة الجامعات الاميريكية، وفيهم المحامي راندال باتلر مدير معهد السلام المستدام الاميركي، وآدا إدواردز رئيسة مكتب عمدة هيستون- تكساس. ذلك فضلاً عن جون ماري- وزير الخارجية البورندي السابق والاستاذ حاليا باحدي جامعات تكساس، و السيناتور روبرت كروغر السفير الأميركي السابق في بورندي. ومن دونهم أيضاً بحسب ما أورده مكي مصطفى تاميز Mustafa Tameez وهو باكستاني الاصل، يعمل مستشاراً سياسياً واعلامياً وشارك في تنظيم الكثير من الحملات الانتخابيه لمرشحي الرئاسة في أميركا.
ومن بين كل تلك القيادات السامقة لم المح إسماً سودانياً واحداً. بل الأنكى أنه ليس من بين هؤلاء ذي خبرة وصلة مباشرة بأي من أزمات السودان السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ولما كان المعهد المذكور متخصصاً في تسويق حلول أزمات المناطق التعسة، وأولها السودان والعراق، فأحسب أن اهله والقائمين على برامجه نثروا أعواد متخصصيهم، وعجموهم باسنان قوارض، وتخيروا من كنانتهم الأسماء المسرودة بعاليه. ولا املك سوى القفز من المعطيات الحالية إلى استنتاج أحسبه واضحاً قريباً: أجندة الحل والتدريب المطروحة مبنية على نماذج مخبورة في دول ومناطق أخرى، يراد لها أن تتلبس الحالة السودانية فلا يضيق لها كم ولا "زيق" ولا يعتريها زيغ.
ولا اعتراض لدينا على استصحاب الخبرة الأجنبية في التصدي للمشكل الماثل نظرياً أو عملياً، ولا نزايد على أهل المعهد معارفهم الأكاديمية أو العملية. بل الأحرى أن نأخذ أنفسنا بالمسائلة الغليظة عن غياب معاهد ودور علم تتولى تأهيل الشباب بمبدأ "ما حكّ جلدك غير ظفرك". ذلك اننا أخبر الناس بأدوائنا، ومن بيننا انسلّ ذوو علم غزير، لا تكاد تحس لهم نأمة ولا تسمع لهم ركزاً في "كرش الفيل" التي هي عاصمتنا، لكن لهم صيت ذائع وقدر جليل في عواصم أُخر. أما من صمد في ما بين ملتقى النيلين، فإما محمول على الولاء، أو مستثمر للكفاءة في غير محلها.
ومن ثمّ، يجوز لنا أن نقول إن كان ثمة نجاح قد يصادف مثل هذه المجاهدات في استثمار علم غيرنا لحل مشاكلنا، فهو نجاح "مستلف" على أبعد الحظوظ. مستلف لأنه يقايس واقعنا المعقد على معايير تصح في غيره، وقد لا تلائمه. وهو مستلف لأن نجاحه أو فشله معقودان بأصلهما إلى عامل خارجي، يحق له أن يمدد ساقه ويتجشأ بحبور ومتعة أن أدمغة تقطن بنواحي الروكي طوت البحار والوهاد لحل مشكل متأزم في مضارب النوبة وجبالهم. وهو نجاح مستصعب لأن تلك القيادات الشابة تنتظرها أزمة جلل: أن تتجاوز القيادات المشيخية لمجتمعها، وأن تقنعهم بجدوى عتادها المستجلب لحل الأزمة الراهنة، التي هي من صميم إنجازات جيل المشايخ.
وإن صح لنا هنا إعادة الاستشهاد بشهير مقالة علي كرم الله وجهه: "لا تقسروا أبناءكم على آدابكم؛ فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، يصح لنا أن نعلن في وجه جيل المشايخ مقولة العبقري آلبرت آينشتيان من إنه "لا يمكننا حل المشاكل بطريقة التفكير ذاتها التي استخدمناها في خلق تلك المشاكل”.
النار والرماد:
وإن كان في الأمر ثمة عزاء، فهو أن فشل جيلنا الراهن، وفي بلدنا الحالي، وبموقعه المعاصر، هو من ضمن حالة تمرد تنتظم سائر الجيرة الثقافية للسودان في محيطه العربي. فيكفي أن توجه متصفحك إلى أعجوبة العصر محرك البحث غوغل وتكتب في خانة البحث كلمتي: جيل فاشل لتأتيك النتائج من فورك بما يشده فاهك على مصراعيه.
وليس الأمر محض سخط جيل على جيل، مما هو معتاد من تغير الحياة والدنيا. فحتى في البلد العجوز، يعاني البريطانيون من تبعات سياسة حكومتهم التي ارتضوها اقتراعاً. حيث نشرت الديلي ميل مقالاً لاذعاً العام الماضي عن الجيل الفاشل الذي خذلته حكومة العمال الراهنة في بريطانيا. وأسندت الجريدة إلى دراسة حديثة تحذيرات مروعة من مغبة تقصير الحكومة الحالية في معالجة الأمر، راسمة مستقبلاً كالحاً.
على أن أبلغ شهادة تجيء فقط من صميم جيل المشايخ.
هل لنا من بين مشائخ السودان شهادة مثل التي لم يتحرج رجل في قامة فاروق الباز، أحد ألمع المصريين المعاصرين، من أن يصدع بها في مقال بليغ ، من إقراره الصريح بأن جيله فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق آمال الشعب العربي. ويحدد الباز جيله الذي يقصد بأنهم:
... من تتلمذ بالمدارس والجامعات حتى أعلى المستويات في الخمسينات والستينات. اشتمل هذا الجيل على نفر من أكثر الناس علماً ومعرفة وطاقة وإصراراً. بحماس الشباب، لم يكن في نظرنا ما لا يمكن تحقيقه، واحتمال الفشل لم يكن في الحسبان. نظرنا إلى المستقبل وكأنه في يدنا واعتقدنا أننا نستطيع تحقيق رفعة العالم العربي إلى أعلى درجات التنمية البشرية في وقت قريب.
ويلخص الباز أحلام جيله حين وضع أجندته للمستقبل في تلك العقود الغابرة، أنهم كانوا يطمحون إلى تحقيق آمال أربعة: وحدة الدول العربية، ثم تحرير فلسطين، وثالثاً تحقيق العدالة الاجتماعية، واخيراً محو الأمية. ولا يتوارى الباز خلف أية محسنات بديعية وهو يقول دون مواربة: إذا كان جيلي قد فشل في تحقيق الآمال المذكورة، فلا مكان له في قيادة الأمة العربية ويجب أن يتنحى. يلزمنا جيل أكثر حيوية ونشاطاً، أقل سناً يتصف بالشجاعة والقدرة على الريادة لينتشل العالم العربي من الوضع المأسوي الحالي. شق طريق جديد يستلزم رؤية جديدة لجيل شاب. لذلك يلزمنا أولاً أن يعترف جيلي بالفشل ويحدد الأخطاء التي أدت إليه لكي يستطيع جيل جديد نشيط من المضي في طريق آخر... بدلاً من الاعتماد على المؤسسات، كما هي في بلدنا يلزمنا بناء الفرد العربي، الذي يستطيع أن يطور المؤسسات ويقودها خروجاً عن مسارها الحالي.
وإلى أن يتيسر من يعترف بالمشكل أولاً، ويقر بالمسؤولية فيه، ثم يعمد إلى معاضدتنا في حله ثانياً، لنا سخطنا، وقلقنا، وتخيرنا المنافي، عوضاً عن الوطن. وليس مقصدي من هذه المقالة، بأجزاءها الثلاث، النعي على مشايخنا، والتبكيت على كهولنا، وتيئيس شبابنا. ولست أعمد إلى استصدار أحكام صمدية، لا يأتيها الجدل من وراءها، ويتقاصر النقاش من قدامها، تقطع بفشل جيلي فشلاً لا معقب لنجاح من وراءه. بل الصحيح أنها شهادة حق على نفسي وجيلي، قبل أن يتصرم يومه، ويأتيه من بعده من يمرغ به التراب، إن بقى لنا تراب نتمرغ به. ذلك لئلا أن يصدق علينا مثلٌ من فصيح عاميتنا، من عيار: “سرارة اللعوت تتلاقى يوم الموت”. والسرارة هي القرابة. يقول المثل إن قرابتكم كقرابة شجر اللعوت ما تلتقي أعواده إلا عند حرقها بعد قطعها، كذلك انتم لا تلتقون إلا عند وفاة أحدكم في الصلاة عليه. ويضرب في المبالغة في الجفا، نعوذ بالله منه ومن سفره.
قال الوسيم القسيم عمر الطيب الدوش، رحمه الله الرحمة الحقة:
تفضّل ..
يا خفيف الضُل
ورشْرِش صبرَك الباير
وارفَع صوتَك الحنضل
وألعن ما يهمّك زول..
أبوك يا سوق ، سليل الغم
أبو الطوريَّهْ والمنجَل
وخال الرّجْلَهْ عم الدنيا جِد الفِجْلَهْ والفِلْفِل
وشَكْل القُفَهْ والكرتونَهْ والجردَل
والعَن ما يفوتَك زول
من الشارين من البايعين
وجِنْس البِرضَى والبزَعَل
واشْتُم ياخى إيه فضّل؟
ــــــــــــــــــــــ
* للمزيد عن الكاتب و مقالاته، راجعوا موقعه: www.alkhatim.com
[/align]



imported_ابومشعل غير متصل  
قديم 11-07-2009, 08:06 PM   #[168]
imported_ابومشعل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_ابومشعل
 
افتراضي

[color=#808080][align=justify][font=Tahoma]استمعت - كما لم استمتع من قبل - بالمقال الثاني من كتابات الاعلامي الكبير والمفكر العظيم الاستاذ / سالم احمد سالم وهو يبثنا تفاصيل التفاصيل لما دار في الملتقي الثاني للاعلاميين السودانيين بالخارج ، وهي - حسب راي - مادة دسمه تستحق ان يقرائها كل من تابع تداعيات تلك الفعاليه التي نظمتها الحكومة لاهدافها المعلنه والمستتره واجندتها الخاصة منها ، بصرف النظر عن الاتفاق او الاختلاف عليها او المشاركة من عدمها ، الا انها تستحق ان نقف عندها طويلاً ، وهذا وعدنا للاستاذ / سالم ولكن بعد الانتهاء من كامل السلسله .

وهي نقلاً عن موقع الراكوبة .[/align]



--------------------------------------------------------------

[align=justify]مفاوضات صعبة تحت ستار الملتقى الإعلامي (2)

المغازي وراء محاولة طردي من الاجتماعات بواسطة العتباني غازي!
معركة قانون الصحافة .. موافقة بالإجماع .. واعتقال في درج رئيس الحكومة ..

سالم أحمد سالم
باريس
salimahmed1821@yahoo.fr

(أعتذر عن التأخير في الكتابة والنشر بسبب وعكة برد .. زالت أو نحو ذلك!)

قبل أن أغادر باريس إلى الخرطوم للمشاركة في ملتقى الإعلاميين، كنت قد حددت قائمة قصيرة من الأهداف كلها عن العمل الصحافي والإعلامي داخل السودان. ومع أن العنوان الرئيسي للملتقى كان البحث عن "دور متقدم" للإعلاميين في الخارج "لخدمة الوطن" إلا أن بديهيات البحث في دور الكاتب والصحافي والإعلامي خارج السودان، تقتضي قبل كل شيء بحث ومعالجة أزمات الصحافة والإعلام داخل السودان بدء من رفع يد الحكومة القابضة أصبعا أصبعا وإزالة نقاط التفتيش التي تبعثر محتويات العقول وزلزلة الرقابة الأمنية زلزالا شديدا حتى تتهاوى أو نحو ذلك. إذ لا يستوي مع المنطق البسيط أن تبحث الحكومة وتطلب منا أن نبحث معها عن "دور متقدم" للكاتب والصحافي والإعلامي خارج السودان، بينما الصحافة داخل البلاد بين نطيحة ومتردية أو موقوذة ومنخنقة أو ذبيح على نُصُب الشمولية يأكل جثتها سبع الحكومة يقضم حسن بنانها ومعاصم أقلامها!

وفي مبتدأ هذا الجزء من السياق لا ينبغي أن نغفل عن جملة من الحقائق بالغة الأهمية، حقائق شكلت في تقديري الدافع الأساسي للحكومة للدعوة للملتقى وتحويله من ملتقى إعلامي إلى ملتقى تفاوضي مع نخبة من الأقلام السودانية. أول هذه الحقائق أن الكاتب والمفكر والصحافي المقيم خارج السودان يؤدي دوره كاملا تجاه وطنه، أداء كامل الفرائض والسنن والنوافل والمستحبات تكشف عنه يوميا الصحافة العربية والدولية وقنوات التلفزيون الإقليمية والعالمية وشبكات النت. ولا أعدو الحقيقة أن الكاتب والمفكر والصحافي المقيم خارج السودان يبز أقرانه من العرب والأفارقة من حيث أداء دوره في تناول قضايا بلاده وهموم شعبه حتى خلق إعلاما موازيا خطيرا ومزعجا يتسم بمصداقية الطرح وجرأة التناول وعمق التحليل. واليوم أصبح هذا الإعلام السوداني الخارجي الموازي قبلة للمواطن السوداني في الداخل والخارج لاستقاء المعلومة المغسولة عن الدعاية الحكومية أو تلك المبتورة بيد رقيب عتيد، أو من أجل الاستهداء بتحليل علمي معمق عن مجريات الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان. وأصبح الأعلام السوداني الخارجي الموازي من أهم المصادر لوسائط الإعلام العالمي والإقليمي وللمنظمات والهيئات الدولية. ومن المفارقات أن الحكومة السودانية الراهنة قد لعبت دورا أساسيا في بناء وتقوية الإعلام السوداني الخارجي الموازي المناهض لها كمتنفس تلقائي جراء قبضتها القاسية على الإعلام الداخلي، قبضة أوردت الإعلام الداخلي مرتع الهلاك والتخلف، وفوق ذلك أدت إلى فقدان الإعلام السوداني الداخلي المصداقية لدرجة أن المواطن عندما يقرأ خبرا هاما في مطبوعة صادرة في السودان سرعان ما يبادر إلى سؤال نفسه ومن حوله عن هدف الحكومة من وراء سماحها نشر الخبر! لذلك كان لابد من إعلام بديل، وقد كان، وجاء ميلاده إعلاما وفكرا سودانيا خالصا استغنى به السودانيون عن إذاعة لندن وغيرها من المحطات الأجنبية. ويبدو أن التقدم الهائل الذي طرأ على تقنيات التواصل ويناء الشبكات الاسفيرية والاتصال العالمي أضحى خطرا ماحقا على الحكومات التي تحاصر الأعلام الوطني، وقد لعبت هذه الحقيقة دورا حاسما في انتقال المتلقي السوداني إلى إعلامه الخارجي الموازي للتعرف على شؤونه الداخلية! هنا أستطيع أن أقول في جملة واحدة: لقد انتهى عصر قبضة الحكومات على الإعلام وانتهى عصر الإعلام الحكومي الذي كان يفرض هيمنة شمولية على الرأي العام الوطني وتوجهاته ... ولعل دور الحكومة السودانية الراهنة في بلورة وازدهار الإعلام السوداني الخارجي الموازي تذكرني بالقصة المحكية عن الرسام العالمي بيكاسو ولوحته الأشهر "غريشنكا" التي رسمها من وحي فظائع الحرب الاسبانية. تقول الحكاية أن الجنود المدججين اقتحموا مرسم بيكاسو وفتشوه ثم نظروا إلى اللوحة الكبيرة وسألوه: من الذي رسم هذه اللوحة؟ فأجابهم بيكاسو: أنتم!

وعلى نسق العوامل الجديدة التي أضحت تشكل الرأي العام السوداني الداخلي، نجد أن ملايين المهاجرين السودانيين الذين هجّرتهم الحكومات المتعاقبة أصبحوا اليوم يلعبون دورا أساسيا في تشكيل الرأي العام السوداني داخل البلاد بدلا من العكس! فقد جرت عملية تبادل للدور وانتقلت عملية تشكيل الرأي العام السوداني الداخلي إلى المهاجرين بفضل كثافة المهاجرين، وجلهم من أصحاب الكفاءات، وأثرهم على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، ثم عنصر التواصل الاجتماعي بين الداخل والخارج وسهولة الاتصال وفرصة المهاجرين الكبيرة في تلقي معلومات أكثر نقاء عن تلك التي يحصل عليها المواطن داخل السودان من إعلام محلي يتراوح بين إعلام حكومي أو إعلام مدجّن أو مخنوق مبتور، أو إتجار بالإعلام على غرار الاتجار بالفواحش يمارسه سماسرة الصحافة الذين يحصدون عطايا الحكومة وإعلاناتها التجارية الحصرية والإعلانات السياسية مدفوعة الأجر لقاء التلفيق والابتذال وتزوير الحقائق والتجهيل والتبجيل والتدجيل حتى انتفخت منهم الأوداج وكبرت المقاعد وتضخمت الأرصدة.

لا رفث ولا جدال أن الكتاب والمفكرين والصحافيين خارج السودان يؤدون دورهم ويلعبون دورا أساسيا في تشكيل حركة الوعي الاجتماعي والسياسي وتوجهات الرأي العام داخل السودان، طبعا بما لا يحيف بالدور الذي تقوم به بعض الصحافة المحلية وهي معقوفة الذراع. وإذا أضفنا الدور الذي تعلبه المجتمعات المهاجرة، لوجدنا أن عملية تشكيل الرأي العام السوداني الداخلي تكاد تكون قد انتقلت بالكامل إلى خارج حدود السودان!

ربما لم تمسك الحكومة بأعراف سوابق المنطق التي امتشقنا صهواتها إلى ميس هذه الحقائق. لكن لا شك أن الحكومة أدركت أهمية وخطورة الدور الذي يقوم به الكاتب والمفكر والصحافي السوداني المقيم خارج السودان وتأثيراته المباشرة في بلورة وتوجيه الرأي العام داخل السودان. من هنا انطلقت فكرة إيقاظ فكرة الملتقى الإعلامي بعد أن أهملته الحكومة طيلة الثلاث سنوات الماضية. ويتضح لي من المعطيات أن بعض الوزراء والحكوميين قد نظروا إلى معاودة الدعوة على تلك الوجهة التقليدية التي تم بها الملتقى الأول، بينما كان لفريق آخر، وهو الفريق الذي أمر بمعاودة الدعوة وأمسك بكامل خيوطها لاحقا، أهداف أخرى لم يعلن عنها حتى لغالبية أركان الحكومة من النافذين على مستوى القرار. دليلي في ذلك أن رئاسة مجلس الوزراء أشرفت إشرافا مباشرا من خلال الوزير كمال عبد اللطيف على الملتقى وسحبت البساط من تحت الجهات الحكومية الأخرى التي كانت تظن أنها المعنية قبل غيرها بملتقى الإعلاميين وبكل ما يتعلق بالإعلام والإعلاميين مثل وزارة الإعلام وشؤون المغتربين وإدارة الإعلام الخارجي واتحاد الصحافيين، خاصة وأن هذه الجهات الحكومية كانت قد أشرفت من قبل إشرافا مباشرا على الملتقى الإعلامي الأول. لكن رئاسة مجلس الوزراء أسندت لهم هذه المرة فقط مهام تنفيذية وتمويلية ومشاركة طرفية وتشريفية .. وأحيانا تمويهية. وقد استمعت في الخرطوم خلال لقاءات جانبية عديدة إلى امتعاض بعض قيادات الوزارات من انفراد رئاسة مجلس الوزراء بالملتقى، وفي الامتعاض دليل أن رئاسة مجلس الوزراء قد أطبقت بما يشبه الانقلاب على الملتقى وأطبقت الصمت على نواياها. وسوف نرى لاحقا أن شخصية نافذة مثل غازي صلاح الدين كان يغرد خارج سرب الفئة القليلة من أركان حكومته الذين أمسكوا بزمام الملتقى وحددوا أهدافهم منه .. هذه الفئة القليلة قد لا تتجاوز رئيس الحكومة ونائبه والوزير كمال عبد اللطيف.

إذن الحكومة السودانية كانت تدرك سلفا أن الكاتب والصحافي يقوم بدوره، لكنه لا يقوم به في الوجهة التي تريدها الحكومة ولا يشبع عندها غريزة البقاء الشمولي، بل هو حرب على الشمولية. والواقع أن الحكومة السودانية الراهنة ومن قبلها حكومة مايو العسكرية قد أدركتا منذ فترة بعيدة خطورة الدور الذي يلعبه الكتاب والصحافيون في الخارج في عملية تشكيل الرأي العام الداخلي والعالمي والإقليمي. وقد شنت الحكومات العسكرية على مدى عقود طويلة الحروب وراء الغزوات على معاقل الفكر والإعلام السوداني المهاجر، لكن بأساليبها وأدواتها القتالية التقليدية التي تستخدمها في الداخل مثل محاولاتها إعادة تشريدهم وقطع أرزاقهم في المهاجر عن طريق أذرع أجهزتها في سفاراتها بالوقيعة وتقارير السوء إلى المؤسسات التي يعملون فيها، وما يحدثك مثل خبير، فقد كنت وربما ما زلت أحد هؤلاء حتى آخر لحظة غادرت فيها باريس إلى الخرطوم وحتى عودتي عندما فقدت سيارتي التي تركتها وديعة عند السفارة السودانية في باريس! لكن كل تلك الأساليب فشلت، بل أدت إلى مزيد من تفاقم العمل الإعلامي والفكري الخارجي المناهض للحكومة. هذا الفشل علاوة على صمود الكتاب والصحافيين جعلا الحكومة تدرك، بعد أمّة، أن لهؤلاء الكتاب والمفكرين والإعلاميين قضية يؤمنون بها ضحوا وارتضوا الغربة من أجلها ورفعوا أسنة أقلامهم دفاعا عنها وهم عنها لا يتنازلون.

مثل هذا الإدراك الذي أزعم أن الحكومة قد توصلت إليه هو مسألة طبيعية ونتيجة حتمية تصل إليها جميع حكومات فرض الهيمنة. ويدفعني سياق المنطق إلى التمادي في التفكير بعقل الحكومة وأزعم أن تلك الفئة القليلة من ناس الحكومة رأت ضرورة التفاوض المباشر مع الأقلام السودانية التي ما فتئت تنادي بالحريات السياسية والاجتماعية وبالتبادل السلمي الديموقراطي لإدارة البلاد وحريات الصحافة والرأي والاحتكام للدستور والقانون وحق الشعب غير المنقوص في اختيار من يتولى إدارة شؤونه. وما يسند مزاعمي ويضعها موضع اليقين أن الحكومة أضحت تواجه استحقاق الانتخابات كأخطر استحقاق تواجهه الحكومة على مدى عقدين كاملين من الحكم الشمولي المنفرد، استحقاق قد ينتهي بها إلى خارج دست الحكم .. وإلى ما قد يستتبع ذلك.

وحتى إذا لم تقتنع الحكومة بعدالة القضايا الوطنية التي يتصدى لها الكتاب والصحافيون في الخارج، فقد كان من البديهي أن يدرك بعض أقطاب هذه الحكومة أن حكومتهم ورثت وتورطت في حرب لن تكسبها لأنها لا تملك أسلحتها ولا تختار ارض معاركها ضد "فصائل" من المفكرين والكتاب والصحافيين أشد خطرا من جميع الجماعات المسلحة، لذلك كان لابد للحكومة من التوصل إلى حل مع هذه الفئة المارقة عن طوع الشمولية! ذلك أن ما تخطه الأقلام السودانية المهاجرة أضحى يشكل في هذا المفصل الانتقالي الانتخابي أكبر هاجس للحكومة بما يفوق قضية دارفور وقرار قاضيات المحكمة الجنائية الدولية. فمن خلال تعامل الحكومة الراهنة مع قضية دارفور نجد أن الحكومة تنظر إلى هذه قضية دارفور باعتبارها "قضية إقليم" يمكن التعايش معها ومع تفاعلاتها وقابلة للحل التفاوضي، وأنها قضية لا تهبش مركز السلطة. وفي ظني أن الحكومة ظلت تدفع بقضية دارفور نحو المستقبل حتى تحقق من القضية الفائدة القصوى في الوقت المناسب. ذلك أن الاتفاق مع حركات دارفور من شأنه أن يشرعن استمرار الحكومة بمواثيق دولية مثلما فعلت اتفاقات نيفاشا، وبذلك تقلب الحكومة الطاولة في وجوه الذين ينادون بإجراء الانتخابات! زد على ذلك أن العمليات العسكرية للحركات الدارفورية المسلحة تكاد تكون معدومة الأثر، طبعا باستثناء غزو العدل والمساواة لأم درمان وتخوف الحكومة في الدفع بعمق القوات المسلحة. ودون أن نتوغل في تفريعات قضية دارفور نكتفي بالقول هنا أن زعامات الحركات الدارفورية انكفأت على الإقليمية وعجزت عن طرح القضية على المستوى الوطني الشامل بتقديم التحول الديموقراطي على مطالب الإقليم مثلما فعل الدكتور جون قرنق ونجح في ذلك. فقضية دارفور إذن لا تشكل بهذا المنظور الحكومي خطرا مباشرا على استمرارية الحكومة في الحكم، برغم كونها عنصر ضغط دولي وإقليمي وصل بالحكومة إلى عتبات المحكمة الجنائية الدولية. وبهذه المقاربة يتأكد أن ما تكتبه الأقلام السودانية في الخارج وما يقوم به الإعلام السوداني الخارجي الموازي أضحى يستهدف مركز عصب وعظم استمرار الحكومة ذاتها بتأثيراته المباشرة في تشكيل الرأي العام الداخلي في وقت يطرق فيه استحقاق الانتخابات بعنف على باب السودان ويقلق مضجع الحكومة. لذلك قلت أن ما تكتبه الأقلام السودانية في الخارج وما يقوم به الإعلام السوداني الخارجي الموازي أشد خطرا على الحكومة من قضية دارفور وتداعياتها. ولذلك كان لابد من التفاوض مع "فصائل" الكتاب والصحافيين والوصول معهم إلى نقاط التقاء قد تكون مرحلية في حال لم تؤمن الحكومة بعدالة قضاياهم الوطنية .. وطبعا المرحلي يقابله مرحلي!

ويبدو أن هدف الحكومة التفاوضي من الملتقى الإعلامي قد غاب أو تم تغييبه عن غالبية أركان الحكومة ربما خشية إعاقة مسار التفاوض من قبل بعض الأطراف الحكومية المتشددة التي لا ترى طريقا إلا طريق المضي قدما في الهروب إلى الأمام بفرض الشمولية رغم أنف استحقاق الانتخابات مثل نافع علي نافع الذي لا يؤمن باستحقاق الانتخابات، وإن آمن له لا يرضى منها بغير الفوز! كذلك، ومن خلال متابعتي لمعظم ما كتب عن الملتقى الإعلامي يتأكد أيضا أن الهدف التفاوضي من الملتقى قد غاب أيضا عن الأقلام التي شاركت أو لم تشارك في الملتقى، فندلق حبر كثير على الهوامش دون المتون .. والغريب أن بعض الأقلام المشاركة كانت موضع تباحث وتلميحات قامت بها أطراف حكومية بارزة تحت غطاء اجتماعي سواء في قندهار أو غيرها من معالم الخرطوم الجديدة ومطاعمها الشعبية السياحية! ولا أزعم أنني كنت أدرك سلفا نية الحكومة في التفاوض معنا، لكنني كنت متأكدا أنني جئت للملتقى للتفاوض مع الحكومة حول قضايا الحريات الإعلامية وإبطال قانون الصحافة والمطبوعات وإلغاء الرقابة على الصحف لكونها قضايا إعلامية، لكنني لم أكن على قدر من التفاؤل حول استجابة الحكومة. لكن كلمات الحكومة في الجلسات الافتتاحية وكلمة رئيس الحكومة وما تضمنته هذه الخطابات من رسائل تصالحية واعترافات كانت تنم صراحة عن رغبة في التفاوض. لكن الذين حشدتهم أجهزة السفارات تحت غطاء مهنة الإعلام أكلوا القشرة ورموا البرتقالة فأفسدوا جزء من خطة حكومتهم وبددوا على الصحافيين والإعلاميين مكاسب واختراقات كانت في قيد الإمكان! ورمة أخرى تتأكد الحكمة أن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل. وبرغم كل ما يرد في هذا السياق من مقتضيات التحليل العلمي، فإنني، وبالأصالة عن نفسي، أثمن عاليا المنحى التفاوضي الذي انتهجته الحكومة، أو قل فئة منها، مع "فصائل" الكتاب والصحافيين والمفكرين السودانيين في حال أن مضت الحكومة قدما وأردفت القول بالفعل البائن للناس أجمعين.

كانت أهدافي محددة بدقة ووضوح:

أولا: خوض معركة قانون الصحافة والمطبوعات ضمن مجهود الصحافيين داخل السودان، ووضع ثقل الكتاب والصحافيين المشاركين إلى جانب الصحافيين في الداخل،

ثانيا: الجلوس إلى أعضاء المجلس الوطني مع صحافيي الداخل لأن مشروع القانون مر من وراء الصحافيين إلى المجلس الوطني، إذ لا يقبل العقا والعدل مناقشة قانون بواسطة مؤسسة مفترض أن تكون تشريعية قبل عرض مشروع القانون على الفئة التي سوف يطبق عليها القانون، وهي فئة راشدة وليست فئة مجرمة يتنزل عليها قانون جنائي.

ثالثا: مواجهة الجنرال صلاح قوش حول الرقابة التي تفرضها أجهزته على الصحافة، واستنطاقه عن الجهة التي أمرته بتطبيق الرقابة. وإذا كانت الجهة هي المجلس الرئاسي حسب ما سمعنا، سوف نطلب لقاء بالمجلس الرئاسي لأن مسألة الرقابة على الصحف ليست بالأمر الهين أو البسيط.

رابعا: مطالبة الحكومة السودانية برصد ميزانية عاجلة وكبيرة للإنفاق على تدريب وتأهيل الصحافيين والإعلاميين السودانيين داخل وخارج السودان. وضعتُ مسألة إنفاق الحكومة على تأهيل الكوادر الصحافية والإعلامية ضمن أجندتي لأن التدريب حق من حقوق هذا القطاع المهني، ولأن كل الدول الديموقراطية في العالم تولي القطاع الإعلامي عناية خاصة برفعه إلى أعلى مصاف المهنية لأنه قطاع يؤثر تأثيرا مباشرا وخطيرا على المجتمع من خلال خطاب يومي، والأهم من ذلك معالجة التدني المهني الذي يعيق أداء الصحافة السودانية.

هكذا حدثتني نفسي غير الأمارة بالسوء بهذه الأهداف قبل أن أتوجه للخرطوم. كذلك قلت لنفسي أن مدخل أزمة الصحافة السودانية سوف يفضي بنا مباشرة إلى البحث مع الحكومة في قضايا السودان السياسية التي ظللنا نكتب عنها أحيانا بالهدواة ومرات بنصال الأقلام للوصول إلى جسم الحكومة الحي، وهي قضايا الحريات العامة السياسية والاجتماعية والشروع في الدخول في بدايات تحول ديموقراطي جاد يسبق قيام انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يفوز فيها من بفوز لا يهم. نعم البحث مع الحكومة في قضايا الإعلام كان بالتأكيد سوف ينتهي بنا إلى بحث أمهات القضايا لأن الإعلام كما أفهمه هو محور الارتكاز والقطب الأعظم الذي يدور بذاته حول نفسه وتدور حول قطبيته كل أفلاك ومقتضيات الحرية والديموقراطية والتطور الحضاري. فلا حرية ولا تحول نحو أي شكل من أشكال الديموقراطية ولا انتخابات نزيهة قبل أن يدور محور الإعلام حرا بذاته وحول ذاته، ولا تطور حضاري بدون هذه الحزمة المتجانسة من الحريات، أو هكذا ينبغي أن يفهم الجميع. بل أمضي إلى القول الجازم أن التطور الحضاري لن يتحقق في أي بلد ومجتمع، حتى تحت حكم شمولي، بدون حرية كاملة غير منقوصة للصحافة ووسائل الإعلام .. لذلك تصطدم الأحكام الشمولية بالحريات إذا فهمنا أن التطور الحضاري يختلف كلية عن التطور الغوغائي الذي أشرت إليه. والإعلام في معناه العريض الذي أقصده هو تنسم وامتلاء رئة المجتمع بهواء الحرية الذي يبدأ شهيقه وزفيره من الحوار البسيط بين شخصين يستطيعان الحديث بغير همس أو خوف، ثم يتصاعد مفهوم الإعلام ليمر بالصحف والمجلات والقنوات بما فيها التلفزيون والإذاعة حيث تقبع مدرعتان تحرسان لسان الحكومة وحنجرتها وهما يضاهيا لسان وحنجرة غوبلز.

لمجمل المعطيات وغيرها مما لم نقصصه هنا وضعنا الأولوية لقضايا الإعلام والصحافة الداخلية أولا لأن تطويرها وتحريرها جزء من رسالة كل كاتب وصحافي وعاقل، ثم لأننا كنا نفهم سلفا أن دور الصحافي والكاتب المقيم خارج السودان يمر في جزء عظيم منه من خلال قنوات الإعلام والصحافة داخل السودان، ولابد أولا من فتح هذه القنوات. زد على ذلك أن الصحافة والإعلام داخل البلاد تظل ناقصة البنيان المهني ومثقوبة السقف الفكري بدون عطاء الكاتب والمفكر والصحافي المقيم خارج السودان، خاصة وأن السودان يعيش أسوأ هجرة للكفاءات والعقول في هذا المضمار. فالكاتب والمفكر والصحافي المقيم في الخارج جزء لا يتجزأ من الصحافة والإعلام وحركة الفكر في البلاد، وقضية الصحافة في السودان هي قضيته وضمن أسباب خروجه من بلاده، ولم نكن بحاجة إلى من يحاضرنا في هذه البديهيات .. أو أن يلقي الضو في أمنيتنا ..

بمجرد أن وصلت الخرطوم قدمت أجندتي للوزير كمال عبد اللطيف (مناقشة مشروع قانون الصحافة، الجلسة المشتركة مع المجلس الوطني، الجنرال قوش، التدريب). أما مقابلة قوش فقد كانت ضمن أجندة لقاءات الملتقى .. لكن الجنرال قوش راغ عنها وعنا ولم يعد إلينا بعجل حنيذ أو حتى بدجاجة منتوفة الريش نازفة منزوعة المنقار تعتب على ساق واحدة برغم الرسائل الكثيرة الشفهية والمكتوبة والساخرة أحيانا التي كنت أبعثها له من خلال عيونه وآذانه المنتشرة بيننا كالفراش المبثوث. وأما بالنسبة للتدريب فقد ورد بوضوح في التوصيات وقد تركت مذكرة تفصيلية طرف الوزير كمال عبد اللطيف، وسأعود إلى ذلك لاحقا عندما أكتب عن "معركة التوصيات" التي كادت أن تتسبب في انهيار الملتقى، واسمحوا لي أن لا اقطع السياق عن مشروع قانون الصحافة ..

غازي وأنا

في الطريق إلى الخرطوم، تشاء الصدف أن نلتقي في مطار القاهرة الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث ونستغل معا نفس الطائرة المصرية إلى الخرطوم. وفي مقهى مطار القاهرة تحدثنا تحديدا عن مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الذي قدمته الحركة الشعبية للحكومة واتخذ سبيله إلى المجلس الوطني عجبا! حيث أكد الباز للحضور أن مشروع القانون فعلا لم يعرض على الصحافيين. ثم شرحت للحضور فكرتي عن ضرورة عقد جلسة مشتركة بين الصحافيين في الداخل والخارج وبين المجلس الوطني حتى يستمع أعضاء المجلس لآراء وملاحظات الصحافيين. لكن كان رأي الباز الاكتفاء بإجراء لقاءات جانبية مع بعض الأعضاء المؤثرين في المجلس، لكني لم استسلم لفكرة الباز وأضمرت في نفسي ضرورة الاجتماع مع المجلس لأنها تكسب النقاش طابعا رسميا علميا وليقرر بعدها أعضاء المجلس ما هم مقررون.

انتهت جلسات الملتقى وجلست أنا على حال من عدم الرضا لأنني لم أجد ردا حول طلب الجلسة مع المجلس الوطني، فقد انهدم ركن آخر في خطتي بعد أن غاب الجنرال قوش ولم نتمكن من مواجهته حول الرقابة المضروبة على الصحف. وعلى غير موعد تلقيت مكالمة هاتفية من الوزير كمال عبد اللطيف يبلغني فيها أنه وجه رسالة لرئيس المجلس الوطني مرفق معها توصيات الملتقى، وأنني سوف أشارك في جلسات الكتل البرلمانية للبحث في مشروع القانون. وقبل الاجتماعات تحدثت ومحمد عتيق مطولا مع الدكتور محي الدين تيتاوي نقيب اتحاد الصحافيين ومحمد السيد أمين الاتحاد حول أهمية الاحتفاظ بأعلى سقف فوجدناهما على نفس الروح برغم ما سمعته عن موالاة اتحاد الصحافيين للحكومة! والحق يقال كانت لهما مداخلات قوية أثناء اجتماعات الكتل البرلمانية. كانت الجلسات برئاسة الدكتور غازي صلاح الدين بوصفه ممثل الكتلة الأكبر .. وتكلم غازي، كما لم يتكلم زرادشت! فقد صب غازي جام حديثه حول فرض المزيد من الضوابط على الصحافة .. كأنه قد بقيت مساحة لضوابط جديدة .. وضرورة إقرار المواد التي تتيح مصادرة المطابع ودور النشر ومعاقبة الصحف والصحافيين وفرض العقوبات المالية والحبس، وزاد عليها من عنده الكثير من توابل القمع والتخويف والتغريم والتجريم. وقدم د. غازي العتباني دفوعات غريبة "لتمكين" رأيه في مواجهة الملاحظات التي أبداها بعض النواب عن الحركة الشعبية والتجمع. واتبع الدكتور غازي أسلوبا غريبا غير حصيف في إدارة الاجتماعات. إذ كلما أوشكت الآراء على الاتفاق على غير الوجهة التي يريدها، فرض غازي على الاجتماع الانتقال إلى المادة التالية .. والأعجب أنهم كانوا يوافقون!

كان لابد لي من الكلام، وقد صوبت مداخلاتي على نقاط محددة:

أول النقاط التي طرحتها: أن مجلس الوزراء قد أقر مشروع القانون بقرار بتوقّيع رئيس الجمهورية بتاريخ 19 مارس 2009. أما ديباجة مشروع القانون فقد كانت عبارة عن شهادة صادرة من وزارة العدل بتاريخ 12 أبريل 2009 ممهورة بتوقيع عبد الباسط صالح سبدرات يشهد فيها سبدرات (أشهد أن وزارة العدل أعدت صياغة مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009)! طبعا إذا نظرنا إلى التاريخين نجد أن رئيس الجمهورية قد وقع على مشروع القانون في 19 مارس قبل أن يصل النص من وزارة العدل إلى مجلس الوزراء لأن وزارة العدل أعدت النص في شهر أبريل، وشهر مارس يسبق شهر أبريل إن لم أكن من الخطائين! وأن وزارة العدل قد أعدت مشروع القانون في 12 أبريل بعد أن وقع عليه رئيس الجمهورية في 19 مارس 2009 .. أو أن رئيس الجمهورية قد وقّع على قانون غير الذي شهد وزير العدل بإعداده، وهو بالضرورة مشروع قانون آخر خلاف مشروع القانون الذي تم عرضه على المجلس الوطني ويختلف كلمهما عن مشروع القانون الذي وقع عليه رئيس الحكومة .. أو أن وزير العدل قد أعد مشروع قانون أخر لم يتم عرضه بعد على مجلس الوزراء .. إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا يقبلها العقل ولا علم التقويم. لكن الأقرب إلى المنطق أن شهر أبريل أصبح قبل شهر مارس حسب تقويم هذه الحكومة! أما إذا أردنا معرفة الحقيقة، فعلينا أن ننظر إلى مشروع القانون، فإذا وجدنا أن قميصه قد قُدَّ من دُبُر فقد صدق وزير العدل وهو من الكاذبين! صبرا، فهذه ليست النهاية. فإدارة التشريع قد أرفقت مع مشروع القانون مذكرة أبدت فيها ملاحظاتها على مشروع القانون بتاريخ 3 ديسمبر 2008 .. ياتو مشروع قانون؟ الذي صادق عليه رئيس الجمهورية بتاريخ 19 مارس 2009 قبل أن يصل من وزارة العدل، أم مشروع القانون الذي صاغته وزارة العدل بتاريخ 12 أبريل 2009 بعد أن وقع عليه رئيس الجمهورية في 19 مارس أم مشروع قانون خامس؟ وأرجو أن لا أكون قد تسببت لكم في نوزيا أو لاق جِتْ أو دوار بحر أو ما ينجم عن ذلك!

طبعا قبل الجلسات كنت قد قرأت مسودة مشروع القانون، ونظرت إلى هذه البديهيات التي قد لا ينتبه إليها الناس عادة في مثل هذه المجامع. عرضت ملاحظتي حول التواريخ باختصار ليس كالذي ذكرت فوق والتمست من الاجتماع أن يصحح ذلك ولو على الورق مداراة للفضيحة! الملاحظة حققت الهدف لأنها أصابت المدافعين عن مشروع القانون بشلل في العزيمة وبفقدان الحجة، الأمر الذي مهد لنا والزملاء لطرح الملاحظات والتعديلات بشيء من القبول العام .. لكن ملاحظتي أثارت غضبا صامتا عند الدكتور غازي صلاح الدين العتباني .. سوف ينفجر لاحقا ..

النقطة الثانية: قلت لا توجد في الدول الديموقراطية قوانين للصحافة على شاكلة هذا القانون الذي يقيد مهنة الصحافة ويجرم الصحافي ويصادر المطابع ويغلق الصحف ودور النشر. هناك قوانين تحمي الصحافي مثل قانون البطاقة الصحافية الذي يخول الصحافي دخول المرافق العامة والحصول على المعلومات، والقوانين التي تمنع اعتقال الصحافي أثناء تأدية واجبه المهني إلى غير ذلك من الإجراءات التي تسهل مهمة الصحافي. لذلك لابد من إلغاء مشروع القانون جملة وتفصيلا ..

النقطة الثالثة: شرحت فيها قدر فهمي العلاقة التجارية التعاقدية العادية التي تنشأ بين الصحيفة أو دار النشر وبين المطبعة، وأن هناك فقرة ثابتة في جميع عقود الطباعة ترفع عن المطبعة أي مسؤولية أو مساءلة قانونية تجاه النص المطبوع. لذلك ليس من حق أحد مصادرة أو محاكمة أو تغريم مطبعة بسبب نص ورد في مطبوعة طبعتها المطبعة.

النقطة الرابعة: طالبت بنقل القيد الصحافي من مجلس الصحافة إلى إتحاد الصحافيين أو نقابتهم لأنه لا يستوي وضع القيد، الصحافي طبعا، في يد جهاز تنفيذي، ثم لأن أهل الصحافة أدرى بالموضوع، مع إلغاء المبلغ المالي الكبير الذي يدفعه الصحافي للحصول على القيد.

النقطة الخامسة: قلت أن الغرامات المقترحة في مشروع القانون عبارة عن تدخل مخل في أعمال القضاء وبالتالي تخالف الدستور المخول للقانون المدني والجنائي. وإذا كان ولابد من قانون للصحافة، يجب أن يتقدم أصحاب العلاقة والمتضررين للقضاء للفصل وتحديد العقوبة أو التعويض أو خلافه.

النقطة السادسة: منع حبس أو احتجاز الصحافي إلا بعد الرجوع إلى الاتحاد أو النقابة

النقطة السابعة: إلغاء كل أشكال الرقابة على الصحف (حسب ما ورد في توصيات الملتقى)

ولا يفوتني في هذا المفصل أن أذكر للأمانة مطالبة الدكتور تيتاوي برفع يد وزير ووزارة الإعلام عن العمل الصحافي باعتبار أن الوزارة جهاز تنفيذي لا ينبغي أن تخضع له الصحافة، بل ينبغي أن يكون أداء الوزارة تحت رقابة الصحافة. وللحقيقة فقد وجدت التعديلات التي اقترحناها استحسانا وقبولا من غالبية أعضاء الكتل البرلمانية. كما أثار أمين اتحاد الصحافيين نقاط جوهرية قوية دفاعا عن المهنية والحريات الصحافية .. خلافا لدكتور غازي صلاح الدين العتباني الذي انفجر عنه غضب عنيف دفنه وراء الإجراءات بغية طردي من الجلسات عندما قال لي: أنا لم أتلقى خطابا أو تفويضا أو ما يفيد بالسماح لك بالمشاركة في الجلسات! فقلت له: نحن يا دكتور غازي لم نحضر هنا لندعي ما هو ليس من حقنا .. هناك خطاب موجه من حكومتك لرئيس المجلس الوطني بهذا الخصوص، هل وصلك؟ قال لا لم يصلني. ولحسن الحظ فقد حمل لي الدكتور تيتاوي نسخة من الرسالة دفعت بها إليه وقلت له تفضل هذا خطاب حكومتك. وقد قوبل تصرف غازي العتباني بعدم ارتياح صامت باستثناء عبارات احتجاج من محي الدين تيتاوي. طبعا فهمت أنا كما فهم الجمع أن الغضب الذي سيطر على الدكتور غازي العتباني ومحاولته الاحتماء خلف الإجراءات لطردي من الاجتماعات يعري نضوب الحجة والرأي عند الرجل، لذلك لا أعتب عليه .. ولحسن حظه لم تكن معه سيخة!

بعد نهاية تلك الجلسة، وضمن حركة دؤوبة بين الأطراف والكتل، توجهنا محمد عتيق وأنا إلى مكتب الدكتور هاشم الجاز أمين مجلس الصحافة وناقشناه مليا ومطولا حول ضرورة نقل القيد الصحافي إلى اتحاد الصحافيين، فوجدنا منه قبولا تاما ومساندة للفكرة. وفي الاجتماع الثاني أعلنت للاجتماع موافقة مجلس الصحافة على نقل القيد إلى اتحاد الصحافيين .. ويبدو أن الخبر قد باغت الدكتور غازي وربما غيره، فاقترح غازي إبقاء "ضوابط" السجل في يد مجلس الصحافة والمطبوعات .. تاني ضوابط؟ .. لكن أحدا لم يؤيد اقتراح الدكتور غازي. انتهت الجلسات، وبعد يوم عدت إلى مبنى البرلمان وسلمت مقرر الصياغة نسخة موجزة بالتعديلات التي اقترحناها .. وبقينا في انتظار ما سوف يقرره المجلس لاحقا. وبعد بضعة أيام أخبرني محي الدين تيتاوي أن المجلس الوطني قد وافق على جميع التعديلات التي اقترحناها وأجاز القانون بالإجماع. ولا شك أنني فوجئت، لكنني سعدت بالخبرية التي جاءت متناقضة جملة وتفصيلا مع الطرح الذي جمعه الدكتور غازي صلاح الدين رئيس كتلة الأغلبية .. ما سبب هذا التحول من النقيض إلى النقيض؟ سوف نفتش عن تلك الفئة القليلة التي أشرت إليها ..

ذكرت ما ذكرت من تفاصيل قد تكون طويلة أولا لتوضيح بعض الملابسات التي صاحبت اللحظات التي سبقت صدور القانون، ثم لأنني كلفت بالدفاع عن توصيات الملتقى، وساحة المجلس الوطني كانت الساحة المناسبة للقيام بالمهمة حتى لا يقر المجلس مشروع القانون على تلك الشاكلة المعيبة، فتصبح المعالجة أو الجراحات البلاستيكية في حكم المستحيل. أما إسهابي في تفاصيل ما بدر عن الدكتور غازي فهي أبعد ما يكون عن شخصنة الأمور أو القدح في الشخصية، على هذا الصعيد الشخصي له مني كل الاحترام وأتمسك بالاحترام والنقاش الموضوعي الذي نتبادله كلما التقينا في باريس. لكنني ذكرت ما ذكرت لأن الرجل تصدى للعمل العام ومن حق المجتمع أن يعرف كيف تدار الأمور وبمن تدار. ثم إن تشدد الدكتور غازي في حقوق الصحافة والصحافيين ورفضه لكل التعديلات، ثم يأتي مجلسه الوطني ليقرر ما يناقض تماما مواقف الدكتور غازي ويوافق المجلس على معظم التعديلات ويجيز مشروع القانون بالإجماع، بما فيهم صوت د. غازي نفسه، دليل قاطع أن الدكتور غازي صلاح الدين كان أيضا يغرد خارج سرب تلك الفئة القليلة من حكومته، تلك الفئة التي انتزعت ملتقى الإعلاميين وحولته إلى لوحة خلفية للتفاوض مع نخبة من الأقلام السودانية. كما يجيء التحول المباغت الذي طرأ على موقف أعضاء الحكومة داخل المجلس، بما فيهم د. غازي نفسه، دليل أكيد أن هنالك آلية أخرى توجه أداء المجلس، فبقي د. غازي على قديم مرتكزاته وفجر في خصومة الصحافة حتى باغتته تلك الآلية، أو بالأحرى تلك التعليمات! فقد كان من المفترض أن يجاز القانون بجميع أصوات المجلس باستثناء صوت الدكتور غازي. ولو كان بالسودان صحافة وإعلام حر لما أحوجني إلى سرد التفاصيل ولخرج كل ذلك إلى الملأ في حينه .. خذ مثلا التلفزيون كان منتظرا يتسكع خارج القاعة التي كنا نجتمع فيها، وبمجرد أن خرج المجتمعون تسلطت الأضواء على وجه غازي صلاح الدين ومدّت سبائط المايكروفونات إلى فم غازي صلاح الدين وحده لا شريك له في حق التصريح ! فإن كان هذا هو الإعلام فإنّا به كافرون.

لا شك أن قبول الحكومة للتعديلات وإقرار القانون المعدل بالإجماع يأتي في معطى التفاوض الذي أشرت إليه. فالحكومة ترى أنها قدمت تنازلا كبيرا بموافقتها على التعديلات، وهذا دائما شأن الحكومات الشمولية حيث ترى أنها قدمت لك تنازلا وهي تقر بحق من حقوقك سبق أن انتزعته منك عنوة! فليكن ذلك، وليكن للحكومة ما أرادت. وبما أنني لا أتحدث بإسم الصحافيين، سوف أكتفي بدعوة الكتاب والصحافيين إلى اعتبار ذلك تنازلا كريما من الحكومة، لكن في تقديري، الشخصي أيضا، أن الكتاب والوسط الصحافي لن يوقع على هذه الجزئية من الاتفاق بصورة نهائية ما لم يوقع رئيس الحكومة أولا على القانون ووضعه موضع التنفيذ وإلغاء الرقابة عن الصحف إلغاء لا رجعة عنه وإطلاق حريات الرأي والتعبير، ثم ما يستتبع ذلك من حريات سياسية واجتماعية .. وسيك سيك معلق فيك هذه المرة يا الوزير كمال عبد اللطيف! حِلّها وهات التوقيع وارفع الرقابة! (الذين حضروا الجلسة الختامية لملتقى الإعلاميين يعرفون مغزى هذه العبارة) ولمن لم يحضر فقد قال لي الوزير كمال من على المنصة (.. ويا سالم سيك سيك معلق فيك .. فايزين فايزين ..) ويقصد أن حزبه سوف يفوز في الانتخابات .. فالعبارة كانت موجهة لي والرسالة كانت موجهة لنافع علي نافع .. أو هكذا فهمت أنا.

نعم لم نفتح عكا ولم نطلب من أحد أن يصفق لنا، ولسنا أبطالا ولم نقم بعمل بطولي نستحق عليه لقب البطل أو ننال عليه شيئا من هذا .. أو حتى من تلك السامقة الرويانة "قصبة مدالق السيل" .. وقد نعلم أيضا أن قانون الصحافة فيه الكثير من الهنات كالتي في التوصيات، لكنها هنّات أصبح الآن في قيد الإمكان معالجتها إما عن طريق تقديم مقترحات تعديلات للمجلس الحالي، أو الطلب من المجلس المنتخب الآتي لا ريب فيه بإلغاء القانون جملة وتفصيلا. نعم لقد قام الصحافيات والصحافيون والكاتبات والكتاب في الداخل بفرضي العين والكفاية وبالدور الأساسي وبمجاهدات تظل محل فخر لكل من امتشق قلما بحقّه أو عمل بالصحافة عن جدارة وشرف وكتب بتجرد دون أن يزدرد ريقه لمواعيد المناصب أو يبخس غيره من طرف خفي. ولا شك أن مجاهدات من بالداخل قد تناغمت وتكاملت مع ما يقوم به أخوات وإخوة لهم خارج البلاد، حيث شارك صحافيو وكتاب الخارج في معركة الحريات مشاركة لا ينكرها إلا جاحد لفضل ربه. فقد قام الصحافيون والكتاب في الخارج بنقل وقائع معركة الحريات الصحافية للمجتمعات السودانية في الداخل والخارج وللرأي العام العالمي والإقليمي بعد أن أصبح إعلام السودان الخارجي الموازي مصدر المعلومة والخبر والقوة الضاغطة، ولولا هذا النقل لما كان التفاعل الحاصل. كان لابد لي من تبيان هذا التكامل والتعاضد ووحدة القضية والهدف بين الصحافيين والكتاب في الداخل والخارج لكي نقول أنهم جميعا سويا قد أقاموا البنيان، وكل ما قمنا به أثناء وعشية الملتقى الإعلامي أنهم أسندوا إلينا شرف وضع تلك اللبنة الناقصة في مكانها .. لم يحن وقت التصفيق بعد، والقواعد لم ترفع عن البيت بعد، والمعركة لازالت مفتوحة، فمن كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له.

ونواصل حول معركة التوصيات التي كادت أن تؤدي إلى انسحابنا وإلى فشل الملتقى

سالم أحمد سالم

باريس

يوليو 2009
[/align]



imported_ابومشعل غير متصل  
قديم 05-08-2009, 03:08 PM   #[169]
imported_ابومشعل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_ابومشعل
 
افتراضي

[align=justify]موروثنا المحلي من الامثال والحكم غني بالعبارات البسيطه في صياغتها وتراكيب مفرداتها لكنها كبيرة في معانيها وذات مدلولات عظيمة ومعبرة عن الحالة التي قيلت في سياقها وبالتالي تغنيك مشقة البحث عن تدبيج الكلام ونظمه شعراً او نثراً لتوصيل فكرة او معلومة .

وقول بليغ كالمثل القائل ( ساعدوه ، في قبر ابوه ، دس المحافير ) يختزل كل ما خطه الكاتب الكبير الاستاذ / سالم أحمد سالم - المقيم بباريس - والذي ترأس احد الجلسات الهامة للمؤتمر الثاني للاعلاميين بالخارج وبالرغم من ان المؤتمر نظمته الحكومة الا ان هناك اطراف وجهات عده - يحسبون عليها - حاولوا جاهدين افشال المؤتمر للحفاظ على مصالحهم الخاصة كما ذكر الكاتب ، فانطبق عليهم المثل القائل ( ساعدناهم في دفن ابوهم دسوا المحافير ) ولله في خلقه شئون ، اللهم احفظ لنا تراثنا من العابثين ونجنا والوطن من كيد الكايدين امين .


المحافير : لابناء العاصمة وضواحيها هي ادوات الحفر للمقابر وغيرها .
------------------------------------------------------------------
المقال نقلاً عن الراكوبة

مفاوضات صعبة .. بعد هزيمتها في الخارج، خلايا الحكومة تستهدف الملتقى (3)


مفاوضات صعبة .. بعد هزيمتها في الخارج، خلايا الحكومة تستهدف الملتقى (3)

أرادت الحكومة التواصل مع الكتّاب، فنشأ "تحالف الخلايا" ونشبت "معركة الجسر" !!

حكوميون سرّبوا الإشاعات للمواقع .. والمعارضون قدموا خدمة جليلة ومجانية لأعدائهم !

الملاسنة بين الشريكين مطلوبة .. والانفصال يؤذن بثلاث حروب متزامنة ..

مساومة اتحاد الصحافيين في قضية لبنى مدعاة للرثاء وتكشف عجزه عن خدمة حكومته !

سالم أحمد سالم
باريس

Salimahmed1821@yahoo.fr

أتناول في هذا الجزء الثالث من السياق جلسة الملاسنة بين شريكي الحكم وما سبق ورافق تلك الجلسة التي أُسنِدَتْ لي رئاستها قبل أن أصل إلى الخرطوم. فقد فحص كل شريك كنانته وتخيّر أفضل سهامه ورمى به الشريك الأخر، فكان الدكتور غازي صلاح الدين عن الحكومة، وكان بيتر أدوك عن الحركة الشعبية. بالتأكيد لن أسرد هنا "ما ظهر" من وقائع الجلسة، فهي وقائع أضحت في حكم المعروفة نشرتها الصحف وبثتها التلفزيونات والإذاعات ووكالات الأنباء. لكنني سوف أكشف بعض الوقائع غير المعروفة لتعرية "ما بطن" وراء الكواليس والضمائر. كما سوف أسخّر جانبا من الوقائع لمقتضيات التحليل. وأول ما أتناوله بالتعرية ذلك المكر الذي مكره رهط من خلايا الحكومة في الخارج بغية إفشال جلسة الشريكين.

والخلايا هي خلايا حكومية خارج السودان كوّنتها حكومة مايو 1 وطورتها الحكومة الراهنة لمحاربة الأقلام السودانية المهاجرة نسبة للدور الخطير الذي تلعبه هذه الأقلام في حركة الوعي. وفي إطار هذه الحرب، وقبل أسابيع من انعقاد الملتقى الإعلامي، قامت بعض هذه الخلايا بعملية تدبير مسبق لإفشال جلسة الشريكين باعتبار أنني سوف أرأس الجلسة! لكن توجهات حكومتهم التي كشفت عنها الدعوات ثم أكدتها الساعات الأولى للملتقى، دفعت هذه الخلايا إلى أحداث تغيير كبير في خطتها والتنسيق مع خلايا الداخل لإفشال الملتقى كله بدلا عن إفشال جلسة واحدة! ولعلي أكشف في السياق أن "تحالف الخلايا" يعمل الآن بجد واجتهاد للحيلولة دون تنفيذ التوصيات التي خرج بها الملتقى الإعلامي .. أي نعم! قد يبدو غريبا ومتناقضا أن تعمل بعض خلايا الحكومة على تدمير ملتقى دعت له حكومتهم، لكن ذلكم هو الواقع الذي نعمل على كشف ملابساته ونزيل ما بدا تناقضا.

وخسارة الحرب الالكترونية:

كما أشرت في الجزء السابق، فقد خسرت الحكومتان الحروب الباطنية المنظمة التي ظلتا تشنانها ولسنوات طويلة ضد الكتاب والمفكرين والصحافيين السودانيين في الخارج. حروب التقطت لها الحكومتان الساقط عن متاع المجتمعات السودانية وعينتهم ضمن أطقم سفاراتها وقنصلياتها وأسست لهم الجمعيات وبذلت لهم سخي بالأموال ورفيع المناصب، وهي تعيينات تجاوزت فيها الحكومتان كل الأسس والأعراف الإدارية والأخلاقية. وطبعا لم تدخر شبكات الخلايا الخارجية أسلوبا باطنيا قميئا إلا وسلكته لإيقاع أقصى الضرر بالكتاب والصحافيين السودانيين بالخارج. وبرغم كل المبذول ما كسبوا لحكومتهم حربا وما زادوا حكومتهم إلا خبالا. فقد خسروا المعارك وكل الحرب، وجاءت الخسارة مركّبة. فقد فشلوا في قمع "فصائل" الكتاب والصحافيين، علاوة على أن أساليبهم القذرة حرضت الكتاب والصحافيين نحو إجراء المزيد من جراحات التشريح الفكري والسياسي لكينونة الحكومة .. وبدون بنج كمان!

بعد الخسارة كان من المفترض أن تسحب الحكومة الراهنة خلاياها الميتة عديمة النفع. لكن بدلا عن ذلك أمدت الحكومة خلاياها بتقنيات الحاسوب لعلها تجد في حرب الحواسيب فيروسا من نصر! فكان "الجهاد الالكتروني" وكانت تلك "الرسائل القذرة" التي كانت ترد إلى العناوين الالكترونية للكتاب والصحافيين السودانيين بالخارج. وبدلا عن تمديد أنابيب الصرف الصحي في عاصمة البلاد، مدت الحكومة أنابيب الأموال لخلاياها الخارجية لتأجير المرتزقة من قراصنة الحواسيب لاختراق المواقع الأسفيرية "هاكرز" وتزوير اليوتيوب القذرة للنيل من أعراض نساء السودان الطاهرات كالذي تعرضت له الكاتبة عزاز شامي على يد امرأة من هذا الرهط يكاد الحاسوب وفعلها ينطقان باسمها .. بيان عيان! وطبعا كغيري من الأقلام السودانية بالخارج كان بريدي الالكتروني يتلقى خلال الأعوام الماضية رسائل قذرة من هذا الرهط والخلايا كلما نُشر لي تحليل سياسي أتناول فيه سياسات الحكومة. أما لجهتي فقد كنت أمارس حقي الطبيعي والقانوني وأردّ على رسائلهم بأقذع منها حتى يعلموا أننا "نجهل فوق جهل الجاهلينا" ونبزّهم أيضا حتى في هذا المضمار!

وقد ظنت خلايا الحكومة المكلفة إيذاء الكتاب والصحافيين أن بإمكانها الاختباء بإرسال رسائلها عبر أجهزة وسيطة بعضها من دبي تصل عن طريق كندا، ثم أميريكا والخليج وأخريات تمر عن طريق السودان وأوروبا. لكن كان قد فات على هؤلاء أن التطور المدهش الذي طرأ على تقنية الحواسيب يزودنا بانتظام ببيانات مفصلة عن المصادر بما في ذلك "بصمات الأجهزة" التي انطلقت منها الرسائل القذرة مهما بلغ عدد الأجهزة الوسيطة والتعقيدات البرامجية! وفي حوزتي اليوم غلّة لا بأس بها من أسماء وعناوين ومواقع عمل وسكن وأرقام هواتف والـ IP لأعضاء هذه الخلايا، وقد بعثنا لهم برسائل "مباشرة إلى حواسيبهم" فكفوا عن التمادي خوفا. ونظل نكف أيدينا عنهم لعلهم لا يضطروننا لنشرها بثبوتيات دولية يأخذ بها القضاء خارج السودان خاصة وأن بعض الرسائل انطلقت عن أجهزة في مقار ومساكن تابعة للحكومة السودانية وتم شراؤها بفواتير حكومية.

ومرة أخرى، وبرغم خسارة الحرب الالكترونية، بقيت الخلايا الخارجية في وظائفها تطلق بين الفينة والأخرى برسائلها النتنة المفضوحة فقط من أجل مخادعة حكومتهم من أجل الاستمرار في الوظائف وقبض الأجور والتمتع بالامتيازات، لذلك بدت رسائلهم وتهكيراتهم مثل طلقات متقطعة بلا هدف تصدر عن فلول متقهقرة في نهاية حرب خاسرة. ورائحة الرسائل النتنة ظلت تدل على مكان الجثة المتفسخة فتتعرف عليها كلاب الحاسوب المدربة بسهولة ويسر! نعم أسهبت في هذه النقطة، لكنني لم أخرج عن النص! فقد كانت رئاستي للجلسة هي دافعهم الرئيسي لتدمير الجلسة باعتباري أحد هؤلاء الكتاب الذين أشبعوا سياسات الحكومة نقدا وتفنيدا. ثم إن خسارة الخلايا لحرب الخارج جعلتهم يأملون في كسب معركة ولو صغيرة في الداخل! لذلك، وقبل الوصول للخرطوم، كانت شبكة الخلايا الخارجية قد أكملت تدبير إفشال الجلسة وتم توزيع الأدوار خلال اتصالات هاتفية عابرة للقارات أنفقوا فيها أموال طائلة بين الخليج والسعودية، خاصة دبي حيث أحد الذين تولوا كبرها، إلى كندا إلى طرابلس إلى ولايات أميريكية عددا وغيرها طرائق قددا. كان حلم الخلايا الخارجية إفشال الجلسة، ثم التمتع بعطلة في الخرطوم مدفوعة الأجر كثيرة الشواء والعوازيم.

لكن يبدو أن نوايا الحكومة من الملتقى الإعلامي الثاني جاءت مباغتة لحسابات الخلايا الخارجية فأصبها الذعر. فقد وجهت الحكومة الدعوة إلى نخبة من أولي العزم من الكتاب والمفكرين والصحافيين السودانيين الذين عارضوا بأقلامهم سياسات الحكومة معارضة مريرة وأشبعوها نقدا. ومما زاد في كُربة الخلايا الخارجية أن الحكومة وجهت الدعوات بصورة مباشرة دون المرور عبر خلاياها الخارجية كما جرت العادة. كما رفضت الحكومة الانصياع للفيتوهات والكروت الحمراء التي استخدمتها الخلايا الخارجية والسفراء لمنع مشاركة بعض الكتاب والصحافيين، وتباطأت بعض السفارات في تسليم الدعوات والتذاكر، أو على الأثل هذا ما حدث معي في باريس، حتى أنني مع اقتراب الموعد اضطررت أن أهاتف السفير الذي قال أنه لا يعلم شيئا عن الموضوع، وسوف يسأل! وحتى تلك الموظفة السودانية التي قالت لي "تعال بكرة" لولا أن مرّ القنصل في تلك اللحظة وأخذ جواز سفري ووضع عليه التأشيرة. وقد بلغ علمنا أن مكالمات هاتفية مطولة قد جرت من باريس وغيرها من أجل أن تختصر الدعوة على القوائم التي تقدمها السفارات فقط، لكن المحاولة لم تثمر، ولو أنها فتحت الثغرة التي تدفق منها غير الإعلاميين إلى الملتقى تحت ذريعة تحشيد مؤيدي الحكومة! وقد بلغ علمنا هنا في باريس أن التباطؤ والمعاكسات تتم بتعليمات مباشرة من مطرف الصديق في رئاسة الوزارة. هذه التفاصيل في تقديري على جانب من الأهمية لأنها تعري الأساليب التي تطبخ بها الأمور في مطابخ الحكومة الخارجية .. لمن ألقى السمع وهو شهيد!

وفوق كل ما أصاب الخلايا من كُربَة وحيرة، لم تقتصر دعوة الحكومة لنا لمجرد المشاركة بالحضور، بل قدمتنا الحكومة لرئاسة الجلسات وقيادة المداخلات. باختصار كان لدعوة الحكومة لهذه الأقلام وقع الصدمة في أوساط هذه الخلايا الخارجية في كل العالم. فمن واقع تجربتي الشخصية، أحسست بوقع الصدمة في نفوس ونظرات بعض موظفي وموظفات السفارة السودانية في باريس وكأن الحكومة قد أتت شيئا فريا وهي تدعوني للملتقى وتلتمس مني، كمان، رئاسة الجلسة الأهم في الملتقى! .. ويقيني أن الحالة كانت عامة في غالبية سفارات وقنصليات السودان!

وصلت الوفود الخرطوم ووقع الرجز على خلايا الحكومة في الخارج وأشياعها في الداخل! فقد أعلنت الحكومة موقفها الرسمي على لسان الوزير كمال عبد اللطيف الذي قال أن حكومته ترحب بالمعارضين قبل المؤيدين، إلى غير ذلك من الثناء الذي كاله الوزير بغير حساب على الأقلام السودانية الناقدة لسياسات الحكومة. كان من البديهي بعد ذلك أن تستوثق الخلايا الخارجية أن حكومتهم تسعى من خلال الملتقى الإعلامي إلى تضييق الفجوة بينها وبين الأرقام الصعبة من الكتاب والصحافيين في الخارج والتوصل معهم إلى نقاط إن لم تكن قواسم مشتركة. وطبيعي أن تخاف الخلايا الخارجية على وظائفها وامتيازاتها فيصيبها بالهلع وتدور أعينها خارج محاجرها. فقد استشعر هؤلاء أن تقارب حكومتهم مع الكتاب والصحافيين والمفكرين السودانيين بصورة مباشرة سوف يلغي دورهم ويعري عريهم ويسحب عنهم بسط الأرصدة وبساط السجاجيد العجمية والزرابيّ المبثوثة و"مزايا" الخادمة السيريلانكية اللّدنة .. وقد قيل هنديّة والله أعلم!

معركة الجسر!

بعد خطاب الحكومة وترحيبها بنا، كان من المفترض أن تسبح الخلايا الخارجية مع تيار حكومتها. لكن علينا أن نتذكر دائما أن المصلحة المادية الشخصية البحتة هي الدافع الوحيد لانخرط هذه الخلايا في خدمة هذه الحكومة، وقد قال أحدهم بذلك صراحة، حيث لا يخفي هؤلاء تقبلهم على وبين سرر الحكومات والزعماء حسب سوق العرض والطلب، ولهم في المدح معلّقات من الشعر تبزّ تسوّل المتنبّي! إنهم مجرد مرتزقة يبيعون كغيرهم من الجماعات الطفيلية الملتصقة بهذه الحكومة، انفضّوا ونفضوا عنها أيديهم متى ما انفض سامرها. لذلك تميل زواياهم تلقائيا ودائما في ناحية مصالحهم مع هذه الحكومة أو مع غيرها. لذلك، عندما استيقنتها أنفسهم أن حكومتهم تبني من الملتقى جسرا للتواصل المباشر مع الأقلام السودانية في الخارج، وأن الحكومة قد لا تحتاج لخدامتهم متى ما نجحت في تشييد الجسر، كان من البديهي أن يتجه تدبير هذه الخلايا نحو استهداف الجسر ونسفه، أي نسف الملتقى الإعلامي كله. فالهدف إذن هو ضرب أي محاولة تقدم عليها حكومتهم للتقارب مع الكتاب والصحافيين السودانيين في الخارج. ولذلك لم تعد المعركة عندهم مجرد إفشال جلسة واحدة، بل ضرب الجسر كله .. هي "معركة الجسر" إذن!

حلف الخلايا !:

ثم إن خلايا الخارج لا تعمل لوحدها، بل لها امتداداتها و"عروقها" من الخلايا الداخلية في أروقة الحكومة ذات الصلة بالإعلام في الوزارات وأجهزة أمن الحكومة والإدارات واتحاد الصحافيين ومجلس الصحافة والمطبوعات وبعض الصحف السودانية. فالخلايا الداخلية بدورها كانت تخشى على مكتسباتها عندما استشعرت أن حكومتهم "رحبّت أكثر من اللازم" بالأقلام المهاجرة وتفكر في بحث أمر عودتهم للبلاد. إذن فقد أصبح الملتقى الإعلامي ذلك البعبع الذي يهدد مصالح كل الخلايا الداخلية والخارجية المرتبطة بالإعلام. ومن هنا تضاعف التنسيق بين خلايا الداخل والخارج أضعاف عما هو قائم أصلا ونشأ بينها تحالف قوي له هدف محدد. ولما لم يكن في حوزة أعضاء تحالف الخلايا "درهم شجاعة" لمجابهة حكومتهم وصرفها عن هذا التوجه "الغريب" كان من البديهي أن تستخدم الخلايا المتحالفة نفس أساليبها الباطنية التي مردت عليها في حربها الفاشلة ضد الكتاب والصحافيين، لكن هذه المرة لنسف الملتقى الإعلامي الذي دعت له حكومتهم. بهذا الأسلوب الباطني ضمن حلف الخلايا استهداف الملتقى وفي نفس الوقت عدم تضرر روابطه ومصالحه مع الحكومة ولي نعمته! برافو ..

بموجب الحلف، قامت خلايا الخارج والداخل بحركة نشطة ودؤوبة لإفشال الملتقى بالهمس والدس إلى أقطاب الحكومة وإفشال الجلسات والتهكم من صحافيي الخارج ونفث الحملات الناعمة المنظمة لتبخيس الأقلام المشاركة ومنع عملية التواصل بين الصحافيين والكتاب من الخارج مع صحافيي الداخل. ولا شك أن الحكومة نفسها تعلم الكثير مما ذكرته أنا هنا، وقد أشار الوزير كمال عبد اللطيف إلى ذلك صراحة في معرض حديثه عن الدور السالب الذي بدر عن بعض السفراء. لكن ما قد لا تعلمه الحكومة أن تحالف خلايا الخارج والداخل كان وراء الساقط من الكتابات في المنابر الأسفيرية الكثيفة التي قدحت في الملتقى وأقطاب الحكومة الذين أشرفوا عليه ومحاولة النيل من الأقلام المشاركة ووصفها بالسقوط في مستنقع الإنقاذ إلى غير ذلك. طبعا لم تكن خلايا الحكومة لتجرؤ على الكتابة بأسمائها، لذلك أوكلوها إلى غيرهم واستغلوا بعض كتاب المنابر الذين لا يدرون المقاصد الفعلية من وراء التسريبات التي كانت تصلهم من "أصدقائهم" من خلايا الحكومة! كما قام التحالف بتسريب جميع الشائعات مثل شائعة تقاضي المشاركين لمبالغ مالية وبيوت فخيمة ونمارق مصفوفة إلى غير ذلك من مخرجات خيال الخائف ..

هذه الحقائق التي مشيت بنفسي على تضاريسها وتفاصيلها إبان أيام الملتقى وبعدها تضعنا أمام جملة من المفارقات. أول مفارقة فقد كان للملتقى معارضون من داخل الحكومة هم خلايا الحكومة ذاتها في الخارج والداخل. والملهاة في المفارقة أن هؤلاء كانوا ألد الخصام للملتقى وعملوا بفاعلية وعن قرب وحرية على نسف الملتقى من الداخل! بالمقابل فقد كان من الطبيعي والصحي أن يكون للملتقى معارضون من خارجه، أولئك الذين كتبوا عن المتقى ما لم يكتبه مالك في الخمر! لكن نعثر في جوف هذه الحقيقة على مفارقة ثانية هي أن معارضي الملتقى من خارجه، شعروا أم يشعروا، قد اصطفوا في صف واحد مع خلايا الحكومة المناهضة لهم أصلا وحملوا معهم ذات المعاول لهدم الملتقى وإن اختلفت النوايا والأهداف! ذلك أن كتابات معارضي الملتقى من خارجه بررت كل ما نسجه تحالف الخلايا الحكومية، فخدموا بذلك مصالح هذه الخلايا خدمة كبيرة ومجانية! وتفضي بنا المفارقة إلى مفارقة أخرى هي أن أشد الكتاب نقدا لسياسات الحكومة هم الذين بذلوا الجهد وانتهوا بالملتقى إلى ما أحرزه من حوار جريء ومكثف ومواجهة الحكومة بأخطائها وعيوبها والخروج بالملتقى بتلك التوصيات (بصرف النظر عن أي تحفظات قد يلقيها أحد على وجه هذه التوصيات حتى ترتدّ عمياء!) وإذا كان معارضو الملتقى من خارجه قد وضعوا أوزار الحرب بنهاية الملتقى، فإن خلايا الحكومة في الداخل والخارج مازالت تضع العراقيل والعصي في الدواليب لمنع تنفيذ التوصيات حتى لا يكون للملتقى أي أثر يذكر ويصبح أثرا بعد عين ويلحق بأخيه طيب الذكر الملتقى الأول ويدفن إلى جواره في مكان مجهول! وفي حال عجز تحالف الخلايا عن محو آثار الملتقى، فالخطة البديلة هي استلاب التوصيات وتحويلها إلى مصلحة هذه الخلايا وطرد قبائل الصحافيين عن حياضها.

العودة إلى بيتر وغازي وتلك الملاسنة! :

وفي إضاءة هذه المعطيات نقرأ سجالات الملتقى الإعلامي الثاني وجلساته ومؤامراته، وحتى صفقاته السرية التي نضحت حروفها .. وعليه نعود إلى السيدين بيتر وغازي وقد " خليناهم متمحنين" في أعلى هذا السياق!

كان برنامج الملتقى مرصوصا رصا محكما متلاصق الحلقات بحيث لا يترك لنا فرصة للحركة خارج السير المتحرك! جلسة في ذيلها جلسة ثم زيارات وسفر قاصد وغير قاصد. وضمن ذلك البرنامج المشحون، كان عليّ الإعداد للجلسة الأولى في اليوم الثاني، تلك الجلسة التي دارت رحاها بين الدكتور غازي صلاح الدين عن حزب المؤتمر الوطني، أي الحكومة، وبين بيتر أكود وزير التعليم العالي عن الشريك الحركة الشعبية. لقد كان من البديهي أن أدرك مثلما أدرك غيري أنها الجلسة الأهم في الملتقى أولا لأنها بين الشريكين، وثانيا لأن "المقابلة" تتم في زمن غلب فيه طعم المرارات على طعم "حلاوه شراكه" حتى رفع الشريكان كتاب نيفاشا على أسنّة رماح الخلافات. والواقع أنني لم أكن مهموما بمسألة إدارة الحوار، فذلك أمر درجت عليه سنوات طويلة وأنا أدير عربا أشاوس يتأنقون في أفخم البدل الباريسية ويتبادلون السيكار الكوبي الفاخر والبسمات والأنخاب والكافيار ويا زلمي والكرافتات الحرير وهم يخفون الخناجر وراء ظهورهم "يستاب" بعضهم بعضا .. ولم أكن أنا بمفازة من تلك النصال بسبب لوني هذا الأسمر الجميل، فجميعهم كانوا "بروتس" يتحينون الفرص لغرس كل خناجرهم في ظهري دفعة واحدة، أو نهشي كصيب من ذئاب، لكنهم بعد حين استدركوا بأنني أفضل لهم من بعضهم لبعض. (بالمناسبة كلمة "يستاب" التي وردت في هذه الفقرة ليست كلمة عربية، لكنني قمت بتهجينها وتصريفها هكذا من عندي من اللغة الانكليزية stab ومعناها يطعن، وذلك حتى تستقيم الموسيقى لأن "يستاب" التي اخترعتها تجيء على وزن يغتاب .. فالغدر بالخناجر يكون من الخلف وكذا الغيبة والفتنة التي هي أشد من القتل .. !). كذلك لم تكن المشكلة في تنفيس محاولة إفشال الجلسة، خاصة بعد أن وضحت شخوصها ومعالمها، لكن في كيفية إبطال المحاولة دون أن يشعر الحاضرون بذلك أو على الأقل دون أن تؤثر على سير الجلسة ..

أنا ممتن لتلك الرسائل القذرة التي كانت ترد إلى بريدي ومحتويات تلك الرسائل لأنها وضعت في يدي أول الخيط الذي تتبعته فهداني به الله إلى كامل حلقات محاولة إفشال الجلسة! .. ثم هناك من "يأتيك بالأخبار من لم تَبِعْ له" "ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ" أو ربما تلتقط عبارة من هنا أو تلاحظ همسا بعيدا من هناك، ثم عليك بعد ذلك أن تضع المعطيات في مختبرك العقلي .. وبعد داك إنت وشطارتك في التحليل والاستقراء وقراءة السلوك وربط الوقائع حتى تصل إلى ما سوف يكون بما هو كائن! .. وما أن افتتحتُ الجلسة حتى وصلتني العديد من المذكرات يطلب أصحابها طرح الأسئلة والمداخلات، ومن بينها تعرفت على مذكرات أعضاء الخلية المكلفة إفشال الجلسة، فقلت لنفسي: لقد بدأت اللعبة إذن! لم أحرمهم مطلقا من فرص طرح الأسئلة وإبداء الملاحظات، لكنني اتبعت "طريقتي" من أجل الحفاظ على سيرورة الجلسة وحمايتها من التخريب المبيّت. لذلك كل من أعطيته الفرصة من أعضاء خلية التخريب كان يقف مبلوع اللسان فلا يسعفه عقله إلا بكلام مهزوز يستهجنه الحضور الكريم .. أو كمثل ذلك الفتى الذي وصلتني ورقته فباغتته الفرصة فوقف معتذرا عن طرح أي سؤال فجلس كيوم ولدته أمه! والواقع أنني لم استمتع باللعبة لأنهم كانوا مثل من يلاعبك الشطرنج وأنت تعرف نقلاته الأربع القادمة!

على أن أخطر ما فعلوه أنهم حاولوا شق الجلسة إلى شقين متضادين، شمال البلاد ضد جنوبها، وذلك من خلال التصفيق والهتاف لحديث الدكتور غازي صلاح الدين بما يشبه تكريس الانفصال من داخل تلك القاعة. وفعلا انجذب غير المتمرسين وراء ذلك الإسفين. وقد ألهمني الله أن "أعالج" ذلك التوجه البغيض بوسيلتين: أولا أن أقول للحضور: "إن الصحافي والإعلامي هو تيرموميتر لقياس الحقيقة، فإذا ارتفعت درجة حرارته السياسية لم يعد أداة صالحة للمهمة، فمن أراد أن يعبّر عن موقف سياسي عليه أن يمارس حقه خارج هذه القاعة" وأظن أن العبارة قد أتت بمفعولها لأنها وضعتهم أمام محك إما أن يكونوا إعلاميين أم لا. وبما أنهم تنكروا في لباس الإعلاميين، فقد توقفوا عن الهتاف والتصفيق! أما الوسيلة الأخرى فقد أعطيت المزيد من الفرص للصحافيين والإعلاميين من بنات وأبناء الجنوب لمزيد من التوازن وفقع المرارة. فعلوا كل ما بوسعهم لإتلاف الجلسة، حتى محاولتهم البائسة لإحداث "جوطة" موزعة على أركان القاعة لم تتجاوز المقاعد التي كانوا يجلسون عليها، حتى اضطر أحد الذين تولوا كبرها مغادرة القاعة وهو كظيم، فمضت فيهم السنّة ومضت الجلسة كما شاهدها الجميع كأفضل ما تكون الملاسنة بين الشريكين وكأقوى ما تكون المداخلات واحترافية الأسئلة. ولعلني انتهز المناسبة لأقول للذين جاءوا لتهنئتي بعد الجلسة من الحضور بأنكم أنتم كنتم سر نجاح الجلسة!

الطفيليون والكفاءة .. ولبنى أحمد حسين!

أوردتٌ ما بعض ما صاحب تلك الجلسة لتوضيح ما خفي خلف أستارها، وأيضا من باب نقل التجربة لا أكثر لأننا لا نبحث عن مجد شخصي في حيث لا يكون. أما إذا توخينا الحكمة من مجمل ما سبق، فلابد أن نطرح السؤال: لماذا تحتفظ الحكومة بهذه الخلايا الميتة التي تضرها ولا تنفعها بل وتعمل ضدها؟ لا أظن الحكومة قد طرحت السؤال على نفسها. وإذا حاولنا أن نجيب، فالإجابة طويلة، لكن وجيز الإجابة أن من عيوب الشمولية أنها لا تستقطب الناس بالفكرة، بل بالمصالح. لذلك تضم إلى صفوفها في ما تضم المنافق والطفيلي وهي تعلم بنفاقهم لأنها تعطيهم المقابل المادي والمنصب لقاء انضمامهم إليها! مثلا الحكومة تعلم أن بعض أعضاء الخلايا التي ذكرنا يقبضون إلى اليوم مبالغ مالية من دول أوروبية، كندا مثلا، لقاء احتيالهم على هذه الحكومات بأنهم ضحايا تعذيب هذه الحكومة لهم! لذلك عندما تملأ الحكومة مرافق الحكومة بهؤلاء المنافقين والطفيليين، وهم بالضرورة من عديمي الكفاءة، لابد أن يتم ذلك على حساب الكفاءات التي يطالها سيف العزل وبطش التشريد. وهكذا رويدا رويدا تنحسر الكفاءات وتسيطر اللاكفاءات. وبعد فترة تلتفت الحكومة الشمولية يمينا ويسارا فلا تجد من دونها أو معها إلا مثل هذا البغاث والغث بينما انحسرت عنها الكفاءات. هنيهة أخرى وتقع كل الحكومة الشمولية في قبضة هؤلاء فيصيرون هم الحكومة وهم المتحكم في مفاصلها. وحتى النذر القليل من العقلاء داخل الحكومة الشمولية يصبحون مثل رؤوس أشجار غارقة في طوفان كمثل حال النخيل في بحيرة سد مروي. وطالما أن المصلحة الذاتية هي الدافع، لذلك لا تتورع هذه الخلايا عن ضرب توجهات حكومتها في سبيل مكاسبها الفردية فلا تستطيع الحكومة أن تحرك ساكنا. وطبيعي أن يستشري سوء الأداء وعدم المسؤولية ويعم النفاق وعمد الاكتراث وعبارة ياخي سيبك!

ليس ذلك فحسب، بل نجد أن عديمي الكفاءة يتضافرون لسد أي فرصة قد ينفذ منها صاحب أو صاحبة كفاءة، فهناك أيضا مرحلة اسمها مرحلة إغلاق الطرق أمام الكفاءات تأتي بعد مرحلة طرد الكفاءات .. وما حدث في الملتقى الإعلامي يقع ضمن حرب الكفاءات عندما تضافرت خلايا الداخل والخارج وأغلقت المنافذ أمام الكفاءات الإعلامية رغم أنف حكومتهم نفسها التي أرادت أن تجعل من الملتقى جسرا للتواصل مع الكفاءات السودانية. ثم تستكمل الخلايا المتحالفة عملية الإغلاق بمساعيها الجارية لنسف التوصيات. ولم نذهب بعيدا حول موضوع الكفاءة؟ فالمساومة الفطيرة التي طرحها اتحاد الصحافيين لمعالجة قضية الصحافية السودانية لبنى أحمد حسين تدعو للرثاء. فمن المفترض "جدلا" أن يتمكن هذا الاتحاد من معالجة القضية طالما اسمه اتحاد الصحافيين وليس اتحاد مهنة أحرى! إذ ليس معنى أن تكون مع الحكومة أن تقف مع أخطاء فاحشة ومميتة. فقد عجز الاتحاد عن خدمة قطاع الصحافيين مثلما عجز عن تقديم خدمة للحكومة. ونتيجة لذلك استفحلت القضية وطبّقت الآفاق ووضعت الحكومة في خانة صعبة .. فما الفائدة المرجوة إذن؟ هذا ما يدفع الصحافيين إلى خلق أجسام موازية لخدمة قضاياهم المهنية .. لذلك ومن أجل ذلك أوصى الملتقى وبشدة على ضرورة تدريب وتأهيل الصحافيين في السودان ورفع كفاءاتهم.

وعلى ذكر الكفاءة لن يفوتني أن أثمن عاليا الدور الذي قامت به أميره الطويل في الإعداد الجيد لتلك الجلسة وغيرها من الجلسات، طريقتها في الأداء تعطي الأمل بأن عرقا من الكفاءة ما يزال ينبض في هذا الوطن برغم عمليات تجفيف الكفاءات الجارية على قدم وساق! ولا شك أن تبديد الكفاءات السودانية بطردها إلى المهاجر أو تشريدها عن محل خبراتها هو السبب الوحيد الذي يقعد بالسودان سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفنيا وإقليميا ودوليا. تقعد الأوطان عندما تسود حالة اللاكفاءة. إن نظرة واحدة للإعلاميين الذين حضروا وشاركوا في الملتقى دليل فاقع على نزيف العقول والخبرات الذي أصاب السودان في هذا المجال، وعلى ذلك قس كل باقي المجالات والتخصصات. ولو كنت محل هذه الحكومة لبذلت كل الأموال واستدنت ورهنت من أجل إعادة توطين الكفاءات السودانية المهاجرة وتوظيف الخريجين كأروع ما يكون الاستثمار بدلا عن مثل هذه السدود التي تعيق معدلات النمو الاجتماعي والاقتصاد وتفتك بالبيئة بما يتطلب نفقات جديدة لإصلاح ما يمكن إصلاحه مما أفسدته السدود. لكن تخاف الحكومة من الكفاءات لأن الكفاءات سوف تحل مكان الغث من أهل الولاء الطفيلي وتلك الخلايا الميتة التي ذكرنا. شكرا أميره. وأتمنى أن لا يؤلب عليك ما ذكرت حَمَلَة أختام طرد وتهجير الكفاءات! وفي سيرة الكفاءة لابد أن أذكر الشاب محمد يحي الذي أشرف بمهنية عالية وذاكرة حاسوبية بشرية واسعة استوعبت مواعيد وجداول وأسماء وحجوزات سفر جميع الوفود مع عديد شركات الطيران إلى أربع رياح الأرض. له الشكر من الجميع.

طلب بث الجلسة:

الجميع كان يتوقع حوارا قويا بين الشريكين، لذلك بعثتُ إلى الوزير كمال عبد اللطيف باقتراح عبر معاونيه بأن يتم نقل الجلسة مباشرة على الهواء بواسطة التلفزيون السوداني حتى يشاهدها الشعب السوداني. لم أخفي مبررات الاقتراح، حيث قلت أن الشعب السوداني لم يشهد حوارا سياسيا ولا ديموقراطيا صريحا منذ أمد بعيد، ثم من حق الشعب السوداني أن يعرف مجريات الأوضاع السياسية لأنه المعني بها أولا وأخيرا، والحوار بين الشريكين هو الفرصة الأنسب لكي يتعرف الشعب على حقيقة أوضاع البلاد السياسية وانعكاساتها على أوضاعه المعيشية ومستقبل أولاده. كذلك من بين فوائد النقل المباشر إبعاد مقصات المخرجين الذين سوف يجيرون الجلسة لمصلحة الطرف الحكومي، وكذلك حتى يعلم الشعب أننا جئنا من أجل طرح جاد لقضاياه وأزماته وليس كما قال المرجفون من أهل المدينة وخارجها.

نداء إلى رئيس الحكومة:

من هنا وعلى الهواء مباشرة أتوجه بالطلب باتخاذ قرار يقوم بموجبه التلفزيون والإذاعة بنقل حي ومباشر لجميع جلسات المجلس الوطني. نعم نعلم أن المجلس الوطني معيّن وغير منتخب، لكن ذلك لا يسقط حق الشعب السوداني في أن يعرف، على الأقل، ما يتم باسمه. قرار النقل الحي للجلسات سوف يشكل أول قطرة في خريف تحول ديموقراطي هادئ ومرن لأنه يعطي الشعب الحق الأول وهو حق المعرفة. هذا الحق سوف يؤذن بنشوء حوار اجتماعي موضوعي حول القضايا الوطنية. قد نعلم أن إدارة التلفزيون والإذاعة سوف تسوق الحجج وراء البراهين للحيلولة دون ذلك، لكن أثق أن المواطن سوف يجد المتعة والعبر والطرفة في نقل الجلسات حية بأفضل مما يجده في البرامج الحالية بصرف النظر عن نوعية كلام أعضاء المجلس الوطني. ومن قبل ومن بعد فإن الله يأمر بذلك: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل إلى آخر الآيات الكريمة.

انتهى النداء ونواصل ..

الترشيح للمداخلات .. والرفض بهز الأصبع !:

موضوعية الأسئلة المطروحة وحيويتها وقوة المداخلات كانت تشكل عندي أهم عناصر نجاح الجلسة. لذلك، وقبل يوم من موعد الجلسة، شرعت في انتخاب وإجراء اتصالات ببعض الصحافيين والكتاب المعروفين من الشمال والجنوب لترتيب أسئلتهم ومداخلاتهم. من ضمن هؤلاء كان الكاتب مصطفى عبد العزيز البطل الذي عندما حدثته حرك إصبعه في علامة رفض قاطعة وهو يقول لي: "لا لا .. لن أشارك .. لقد عرضوا علي رئاسة جلسات وغيره لكنى رفضت" والواقع أنني استغربت رفض البطل المشاركة انطلاقا من فهمي أن المشاركة في مثل هذه "الأجواء" لا تكون بمجرد الحضور، لكنها بالقول وإبداء الرأي وتفعيل الحوار، ومع ذلك احترمت للبطل حريته المكفولة أصلا وموقفه الذي تمسك به على مدار كل الجلسات الأخرى. لكنني حتما سأعود إلى ما كتبه الأستاذ البطل حول التوصيات.

والواقع أنني لجأت إلى شبه انتخاب أولي ومسبق للمتداخلين في جلسة الشريكين بعد أن تبين لي الضعف الذي اعترى المداخلات والأسئلة التي طرحت في جلسات اليوم الأول، علاوة على جحافل المدعوين من الخارج من غير الإعلاميين. أما ما طرحه بعض المشاركين في لقاء رئيس الجمهورية، باستثناء بعض الأسئلة القليلة كالتي طرحها خالد الحاج عن سد مروي، فحدث ولا حرج! فقد انتزع الهتّيفة اللقاء وحولوه إلى مظاهرة رخيصة ما جئنا لمثلها أبدا .. حتى تلك المرأة القادمة من ليبيا والتي شقت بصدرها الجمع والصفوف لتقف أمام رئيس الجمهورية وتلقي في وجهه ما ظنّتْ هي أنها قصيدة وظنّت أنها تمدحه فيها في عملية استنساخ فاشلة لطريقة المؤتمرات الشعبية الليبية التي يحضرها العقيد القذافي .. حتى كدت أنهض وأنتزع الورقة من يدها لولا أن تداركتني رحمة من ربي، فكفى بها من الناس استهجانا .. وعشمي أن يكون رئيس الحكومة ضمن الذين استهجنوا ذلك الفعل الذي يمرق بالحدث عن مظانه. ونسبة لضعف وفجاجة الطرح في ذلك اللقاء، فقد طفق الوزير كمال عبد اللطيف يستصرخ الجمع أن يرفعوا درجة حرارة الأسئلة! ذلك لم يكن في قيد الإمكان لأن فرص الحديث كانت تعطى ضرب لازب للأيادي المرفوعة التي كانت تبتغي "التسميع" دون انتخاب مسبق للذين كان في وسعهم الارتقاء بمستوى الحوار.

ملاسنة ديموقراطية مطلوبة! :

"وزنة" الجلسة بين الشريكين كانت تحتاج إلى ميزان من ذهب! فمعدلات الحساسية المفرطة بينهما كانت أعلى من معدلات الرطوبة النسبية في بلدان الخليج! حتى مسألة أيهما يبدأ الحديث كانت مشكلة انتبهت لها قبل يوم من موعد الجلسة! فاحتكمت إلى عامل السن. وقبيل الجلسة شاورت د. غازي وبيتر أدوك في الأمر فوافقا، وأعدت التأكيد في بداية الجلسة من على المايكروفون فوجدنا أن بيتر أكبر من غازي، فأعلن غازي موافقة سريعة أن يبدأ بيتر الحديث .. ولعلها كانت أسرع موافقة تصدر عن الدكتور غازي صلاح الدين .. طالما المسألة جابت ليها كبر وصغر! وليت كل منازعات الشريكين تحظى بمثل تلك الموافقة السريعة. وبسبب هذه الحساسية المفرطة كان عليّ أن أحدد مسبقا الوقت المتاح لكل منهما بالدقيقة والثانية! لذلك كنت أثناء الجلسة أبعث لكل منهما بمذكرات مسبقة حول الدقائق المتبقية له، ثم أعلن ذلك من المايكروفون.

ومن باب التوثيق والتذكير أشير أن السيد بيتر أدوك افترع الملاسنة بهجوم مركز على مواقف المؤتمر الوطني من التحول الديموقراطي وعرقلة إجازة القوانين والانتخابات وإجازة القرارات بميكانيكية أغلبية المؤتمر الوطني داخل المجلس الوطني، أيهما داخل الآخر سيان، والعبارة الأخيرة من عندي! ثم جاء دور الدكتور غازي صلاح الدين الذي لم يكتفي بالرد على النقاط التي فصلها السيد بيتر، بل مضى غازي إلى توجيه ضربات محكمة إلى سياسات الحركة الشعبية في الجنوب والشمال مثل الفشل في إجازة القوانين في الجنوب، والدور المزدوج للحركة الشعبية بين "معارضة يوم وحكومة يوم" إلى أن يكشف غازي عن جملة المبالغ التي تلقتها الحركة الشعبية من قسمة الثروة والتي بلغت على حد قوله ستة مليارات من الدولارات، ثم تساءل غازي عن حظ التنمية في الجنوب من هذه المبالغ. النقطة الوحيدة التي اتفقا حولها كانت أمكانية حل نزاع آبيي دون اللجوء إلى القضاء الدولي. فقد قال بيتر أدوك أن عرض مسألة ابيي علي محكمة لاهاي مضيعة للوقت والمال، وكان من الأفضل تركها لشيوخ الدينكا والمسيرية فهم الأقدر علي حلها. وعقّب غازي بالقول أنهم أرادوا ذلك أيضا .. طيب مشيتو لاهاي ليه؟

وبرغم ما تخلل الجلسة، لكنها أفرزت العديد من العبر. أولا المجابهة والملاسنة في حد ذاتها أمر مطلوب كواحدة من أهم أدوات الأداء السياسي، إذ لا ينبغي أن يتوخى الناس حديثا لطيفا في معترك السياسة. النقد والنقد المضاد هي السمة الغالبة على كل مداولات البرلمانات الديموقراطية، كالبرلمان الفرنسي، ثم البريطاني الذي يظن من يشاهده أن العراك بالأيدي واقع لا محالة، أو كما كتب خالد الحاج عن حوار غازي بيتر ""وفي كثير من الأحيان انتابني الشعور أن المسألة ستتحول إلي عراك بالأيادي!" زد على ذلك أن المواجهة بين الشريكين قد كشفت للرأي العام السوداني والعالمي مدى غور الخلاف بين الشريكين وخطورة ذلك ليس على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي فحسب، أو حتى انفصال الشمال عن الجنوب، بل خطورتها على بقاء السودان نفسه ضمن خارطة العالم. فمن الجائز جدا أن يتم تكريس انفصال الشمال عن الجنوب، أو الجنوب عن الشمال سيان، في معطى موقف أحمق أو من باب رد فعل من أحد الشريكين لا أكثر من ذلك ولا اقل أو بتوجيه استفتاء تقرير المصير أو تزويره أو بنيّة مبيّتة من زمان! .. وما دار في برلمان الجنوب قبل شهر كاد أن يضع المسألة برمتها على شفا جرفٍ هارٍ.

فالمشكل الأكبر أن الانفصال سوف لن يعني أبدا أن يذهب كل فريق بنصفه. الانفصال سوف يشكل بداية ثلاث حروب طاحنة متزامنة تزيل السودان كله عن الخارطة العالمية، ولن تنجح كل قوات الأمم المتحدة والأرض جميعا في وقفها أو محاصرة انتشار نيرانها. فهناك حرب شمال جنوب لابد أنها مندلعة حيث سوف تتحول تخوم الفصل إلى جرح فائر بالماء، ثم هناك الحروب الإثنية الجنوبية الجنوبية التي سوف لن يفلح أحد في منعها أو كبحها، ثم الحروب الواسعة التي سوف تندلع في الشمال من أقصاه إلى أقصاه. وحدهم المرضى والحالمون في الغيبوبة هم الذين يظنون أن فصل الجنوب سوف يمر على سلام من بعده يحكمون. انفصال الجنوب هو نهاية ما يعرف اليوم بالسودان، بعدها لن تجد الحركة الشعبية ولا المؤتمر الوطني ولا سائر ما يسمى بالأحزاب في السودان أرضا تقف عليها ناهيك عن بلد تحكمه أو تحلم بحكمه، اللهم فاشهد. ومن هذا الفهم جاءت توصية الملتقى حول ضرورة معالجة نقاط الخلافات بين الشريكين.

قد يبدو غريبا أن يطبع التوتر العلاقة بين شريكين كلاهما شمولي يسترهب الناس بعتاده ويتقاسمان عش الشراكة بالرضا وصداق قسمة الثروة حسب قسيمة نيفاشا. أعتقد أن التوتر يعود في الأساس إلى سببين أولهما عدم توصل الحكومة والحركة إلى "لغة حوار" مشتركة يفهم بها كل طرف "مضامين" حديث الطرف الآخر .. ولا أعني عربي جوبا الذي يفهمه الطرفان! والتوصل إلى هذه اللغة المشتركة يقتضي أن يتعرف كلاهما على مكنونات الخصائص الاجتماعية والسلوكية والتاريخية التي تنبثق عنها "لغة" الطرف الآخر وتعابيره وصوتياته ولغة الجسد. وأما السبب الآخر فهو خوف الحكومة من تنتهي ورطة نيفاشا والتحول الديموقراطي إلى فك قبضتها عن الشمال. والواقع أن الحركة الشعبية تخاف من نفس المآل جنوبا، لكن المقاومة العنيفة التي تبديها الحكومة للتحول الديموقراطي والاحتكام للدستور منحت الحركة الشعبية غطاء آمنا من النيران الكثيفة، فلم تعد الحركة الشعبية مضطرة لإعلان مناهضتها للتحول الديموقراطي. كما أن النيران الكثيفة التي تطلقها الحكومة على المطالبين بالتحول الديموقراطي سمح للحركة الشعبية الوقوف عن بعد من مرمى مع المطالبين بالحريات والديموقراطية، لكن في الشمال فقط! تماما مثل موقف الشريكين من مشروع قانون الصحافة. فقد ظلت الحركة الشعبية تنادي بحريات الصحافة حتى مسكتها الحكومة متلبسة بتقديم مشروع قانون الصحافة كأسوأ ما تكون القوانين المناهضة لحريات الصحافة والرأي. فأمسكت الحكومة بمشروع الحركة وهرعت به إلى مجلسها الوطني لإجازته باعتباره مقدم من الحركة الشعبية!

قانون الصحافة والمطبوعات .. تاني!

بوصفي رئيسا للجلسة لم يكن من حقي التداخل في الحوار، بل إدارته، فهناك فرق! وفي معرض حديثه عن سرعة بت حكومته في إقرار القوانين، قال د. غازي أن مشروع قانون الصحافة والمطبوعات في منضدة مجلس الوطني وستتم مناقشته في غضون أسبوع! قلت في نفسي الله الله طيب نحن جينا ليه؟ بقيت بضع دقائق من الزمن الرسمي للجلسة، لكن قلت لا بأس من بضع دقائق زيادة لمشروع قانون الصحافة الذي قطعنا فيافي السماء لأجله. لذلك طلبت "توضيحا" من الدكتور غازي وقلت له أن ما سمعناه رسميا أن القانون قد تم سحبه عن منضدة المجلس وأنت تقول ما يخالف ذلك، يرجى توضيح ذلك. أكد غازي أن مشروع القانون موجود ولم يسحب وسوف تتم مناقشته في الموعد المحدد. وهنا طلب السيد بيتر أدوك فرصة للرد وقال أن مشروع القانون قد تم سحبه، ليرد غازي لا لم يُسحب .. لا بل سحب .. لا لم يسحب. وبين سحب ولم يسحب أنهيتُ الجلسة!

انتهت الجلسة نعم، لكن من تلك اللحظة انتابني وغالبا غيري هاجس كيفية اللحاق بالمجلس الوطني قبل أن يجيز مشروع القانون بشكله ذاك العصملي المعيب. حاولنا أن نرتب جلسة مع د. غازي وكان وسيط الاتصال أميره الطويل. إلا أنها قالت لي لاحقا عبر الهاتف أن الدكتور غازي اعتذر. اتصلت بمحي الدين تيتاوي رئيس اتحاد الصحافيين، فلم يكن يملك من مثل هذا الأمر شيئا. لكن في موازاة ذلك كنا على اتصال مكثف بالوزير كمال عبد اللطيف وسكرتارية مكتبه حتى أفاء الله علينا بمكالمة منه للمشاركة في اجتماعات الكتل البرلمانية وخطابه الموجه لرئيس المجلس مع توصيات الملتقى حسب ما شرحت ذلك في الجزء الثاني من هذا السياق.

كلام الصورة والحوار الصعب!

نشرت بعض المطبوعات والمواقع صورة لي أثناء الجلسة وأنا أميل برأسي ناحية الدكتور غازي صلاح الدين. الصورة تبيّن، لكل من ألقى البصر وهو شهيد، أنني كنت في حديث جانبي مع الدكتور غازي، لكن ذهب بعض أهل الغرض إلى تفسير الصورة بأنني أحني رأسي وأتبادل الابتسام مع غازي صلاح الدين! ويا له من مرض وغرض .. أولا ما المانع من تبادل الحديث والابتسام مع د. غازي؟ ثم أنا بفطرتي الربانية أبتسم في وجه محدثي مهما كانت قوة النقاش، ومن يشاهدني على الفضائيات يلاحظ ذلك خلال نقاشات صعبة، وتلك من نعم الله التي يصطفي بها بعض عباده. فالوجه العبوس القمطرير لا يعني قوة الحجة ولن يكسبها قوة، وطيف الابتسامة ينم على الأقل عن الوثوق ونشاط العقل واستعداده لاستمرارية الحوار. لذلك كنت مبتسما برغم صعوبة الموضوع الذي كنت أتحاور فيه مع الدكتور غازي صلاح الدين وخطورته على استمرارية ونجاح الجلسة. وقد ملت ناحية د. غازي برأسي حتى لا يلتقط الميكرفون كلمة أو عبارة من ذلك الحوار القصير جدا والخطير على مسار الجلسة.

فعلى حين غرّة قال لي الدكتور غازي بصوت هامس ومهذب أنه سوف يغادر الجلسة! انتظرت بضع ثوان قبل أن ألتفت إليه متسائلا بعيوني عن السبب. وعندما أراد الحديث أدرت رأسي على تلك الهيئة حتى لا يلطش المايك نتفة من الحديث. وأردف د. غازي هامسا مهذبا: عندي جلسة مجلس وزراء ولابد ألحقها" أدركت لحظتها أن مغادرة الدكتور غازي سوف تحطم الجلسة تماما ولابد من إبقائه حتى النهاية مهما كان! نظرت إلى الساعة الكبيرة أمامنا وقلت للدكتور غازي وأنا أبتسم وأتحاشى المايكروفون: "الجلسة أصلا بدأت متأخرة تلت ساعة .. بعدين يا دكتور ده أهم ومجلس الوزرا ملحوق! " ولعلني الآن انتهز فرصة الكتابة وأشكر الدكتور غازي الذي استجاب وواصل.. وقد لاحظت بعدها أن الدكتور غازي قد نسي تماما حكاية مجلس الوزراء وتجاوز الزمن الممنوح له! بالمناسبة أنا لم أشاهد الصورة المذكورة، أرجو ممن يجدها أن يرسلها على عنواني الالكتروني!

ونواصل مع خفايا معركة التوصيات التي كادت أن تؤدي إلى فشل الملتقى في لحظاته الأخيرة والناس جلوس داخل القاعة في انتظار تلاوة التوصيات!

سالم أحمد سالم
باريس

يوليو 2009
sacdo
نشرت بتاريخ 04-08-2009





Powered by Copyright © dci.net.sa
Copyright © 2007 www.alrakoba.com - All rights reserved
[/align]



imported_ابومشعل غير متصل  
قديم 05-08-2009, 07:14 PM   #[170]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

شكرا أبا مشعل فقد أنصفتني بجلبك مقالة الأستاذ سالم أحمد سالم من حيث تعلم ولا تعلم ..

اقتباس:
بموجب الحلف، قامت خلايا الخارج والداخل بحركة نشطة ودؤوبة لإفشال الملتقى بالهمس والدس إلى أقطاب الحكومة وإفشال الجلسات والتهكم من صحافيي الخارج ونفث الحملات الناعمة المنظمة لتبخيس الأقلام المشاركة ومنع عملية التواصل بين الصحافيين والكتاب من الخارج مع صحافيي الداخل. ولا شك أن الحكومة نفسها تعلم الكثير مما ذكرته أنا هنا، وقد أشار الوزير كمال عبد اللطيف إلى ذلك صراحة في معرض حديثه عن الدور السالب الذي بدر عن بعض السفراء. لكن ما قد لا تعلمه الحكومة أن تحالف خلايا الخارج والداخل كان وراء الساقط من الكتابات في المنابر الأسفيرية الكثيفة التي قدحت في الملتقى وأقطاب الحكومة الذين أشرفوا عليه ومحاولة النيل من الأقلام المشاركة ووصفها بالسقوط في مستنقع الإنقاذ إلى غير ذلك. طبعا لم تكن خلايا الحكومة لتجرؤ على الكتابة بأسمائها، لذلك أوكلوها إلى غيرهم واستغلوا بعض كتاب المنابر الذين لا يدرون المقاصد الفعلية من وراء التسريبات التي كانت تصلهم من "أصدقائهم" من خلايا الحكومة! كما قام التحالف بتسريب جميع الشائعات مثل شائعة تقاضي المشاركين لمبالغ مالية وبيوت فخيمة ونمارق مصفوفة إلى غير ذلك من مخرجات خيال الخائف ..

اقتباس:
والواقع أنني لجأت إلى شبه انتخاب أولي ومسبق للمتداخلين في جلسة الشريكين بعد أن تبين لي الضعف الذي اعترى المداخلات والأسئلة التي طرحت في جلسات اليوم الأول، علاوة على جحافل المدعوين من الخارج من غير الإعلاميين. أما ما طرحه بعض المشاركين في لقاء رئيس الجمهورية، باستثناء بعض الأسئلة القليلة كالتي طرحها خالد الحاج عن سد مروي، فحدث ولا حرج! فقد انتزع الهتّيفة اللقاء وحولوه إلى مظاهرة رخيصة ما جئنا لمثلها أبدا .. حتى تلك المرأة القادمة من ليبيا والتي شقت بصدرها الجمع والصفوف لتقف أمام رئيس الجمهورية وتلقي في وجهه ما ظنّتْ هي أنها قصيدة وظنّت أنها تمدحه فيها في عملية استنساخ فاشلة لطريقة المؤتمرات الشعبية الليبية التي يحضرها العقيد القذافي .. حتى كدت أنهض وأنتزع الورقة من يدها لولا أن تداركتني رحمة من ربي، فكفى بها من الناس استهجانا .. وعشمي أن يكون رئيس الحكومة ضمن الذين استهجنوا ذلك الفعل الذي يمرق بالحدث عن مظانه. ونسبة لضعف وفجاجة الطرح في ذلك اللقاء، فقد طفق الوزير كمال عبد اللطيف يستصرخ الجمع أن يرفعوا درجة حرارة الأسئلة! ذلك لم يكن في قيد الإمكان لأن فرص الحديث كانت تعطى ضرب لازب للأيادي المرفوعة التي كانت تبتغي "التسميع" دون انتخاب مسبق للذين كان في وسعهم الارتقاء بمستوى الحوار.
شكرا أستاذي سالم أحمد سالم علي مقالة شحمانة .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 05-08-2009, 07:58 PM   #[171]
imported_ابومشعل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_ابومشعل
 
افتراضي

[font=Tahoma][align=justify]اقتباس :
شكرا أبا مشعل فقد أنصفتني بجلبك مقالة الأستاذ سالم أحمد سالم !
ولا شكراً على واجب يا صاحب ، فلسنا في وارد الصراع لتسجيل انتصارات متوهمه ولا نبحث عن امجاد شخصيه من خلال حوارنا ، لكننا نتنافس في ماذا ؟؟؟ نعم نتنافس ... في خدمة الامة .
ثم انك كريم ونحن نستاهل يأخي .



اقتباس :
شكرا أستاذي سالم أحمد سالم علي مقالة شحمانة .

لنا عودة كاملة الدسم بعد زوال ( الشحم ) وظهور اللحم من وليمة الاستاذ / سالم احمد سالم فله منا التحية والتقدير والعلم بالانتظار . [/align]
[/font]



imported_ابومشعل غير متصل  
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 11:56 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.