[rams]https://www.youtube.com/watch?v=Hcr-GRf1TY4[/rams]
[COLOR="Blue"]
زاد الشجون : حِمل على كتِف السنين
محمد الأمين يصدح بزاد الشجون ، من نفائس الشاعر فضل الله محمد .
لفافة حنين في زمن تحترق النفس من ضيق ما بها .
الدنيا مطلع ثمانينات القرن الماضي ، كريح لولبية . تزحف
الكائنات من حولنا ببطء والدُنيا تُسرِع الخُطى .
على سرير الراحة والاستشفاء في بدء المساء ذات يوم كنت هناك .
يدخلان عليَّ :
هي كزهرة تتلوى بلا عِظام تفوح من حولها روائح الطفولة المنطلقة .
هو بوسامته وبسمته يُورق بلُطف . متأنق يُمسك يديّ ، فسرت مودته
إلى القلب فنبض بشدة .هنالك مقعدان لم ينتبها لهما فسرير مرقدي إلى نفسيهما كان أقرب .
في فُسحة المكان جلسا جواري ، يُمنة ويُسرى . كأنني على قارب ملائكي ،
يحملاه آلهتا الجمال والمحبة .
الليل ودود .. نسمة يانعة ونشوة تسري في العِظام . وددت لهذا اليوم أن يمتد ليأخذ من مُقبل أيامي ، ويفرحنا الليلة .
هذه الليلة كحُلم العبقري .. لا تُشبه أيامي .
إنه أشبه بعِيدٍ فرِحت به السماوات ، حين أحضر هُو وصلات الكهرباء . من مأخذٍ في داخل غرفة الضيوف مدّ حبال الاتصال . على منضدة صغيرة جَلست آلة التسجيل بيننا . قبل البدء تحلَّقا حولي ، وأنا في وَهني ومن حولي نضارٌ صارخ ومحبة للكون ترفُل في حُلل المجد الذي لا تعرفه الدنيا من حولنا تلك الأيام :
صداقة تنضح ألفة ومحبة وتُفسح للأرواح الحالمة أن تطوف من حولنا .
بدأت المُقدمة الموسيقية لزاد الشجون لفنان السودان والموسيقار الرائع ( محمد الأمين ) :
كأنك خارج من محبس سنوات سِجنٍ طويل أنت فيه المظلوم ، ونزلت إلى مسبحٍ لتغتسل . ماؤه من النيل العذب وقد نقَّته سُبل الحضارة من دنس الكائنات غير المنظورة . اليوم تغطس يا ( مانديلا ) العَصر ، قادم أنتَ من الكهف الأسود ثم إلى الشمس المُشرِقة .
بدأت مياه الموسيقى تُغسل البشرة من تعب العُمر . ينفتح الوجدان مُتصالحاً مع الدنيا أن العالم مهما قست أحجاره ، فنباته الأخضر دوماً يبث إكسير الحياة ويتألق الوجدان متلوناً . رغوة تخرج من دفق المشاعر . تآلفت كائنات الطرب الداخلي وسط فرحة غامرة . برهة ثم تحِس خيطاً رفيعاً من حُزن تسلل من بين ثنايا النص الشعري . علمت من بعد أن النص ظلَّ في خلوة الموسيقار الفنان (محمد الأمين ) عدة سنوات ، قبل أن ترى الأغنية النور . ظل هو في معبده الموسيقي يقرأ النص حرفاً حرفا ، كلمة إثر كلمة ، وبيتاً إثر بيت . كانت حزمة مشاعر غريبة التكوين ، يأبى النص الموسيقي إلا أن يحيط بها . انتظر الفنان الرائع رنين الخواطر من وسط الحُجُب ، بين يديه عُود أوتاره تآخت مع أوتار ( الجيتار ) فتخلَّقت خُلاسية نغمية متفردة . لا تعرف وأنت بين سحر الكلمات و عمق الحس الموسيقي ، أأنتَ في حضرة الفرح أم أنتَ مُعلق بمشجب الأحزان ، أم أنك مسحور بنص شاعر كذوب أمسك بخيوط دُنياك يُراقص أحلامك ، قرأ مرآتك ورأى جسدك عارياً من كل زيف . عَرِف الفجوات المظلمة في عوالمك العاشقة حين تعثرت الخُطى ، فبدت الدنيا تبسط من جنانها المورقة ويتساقط الورق الأصفر هُنا و هُناك وقد انتهى عُمره .
من شفاهٍ تكاد تبوح بالمحبة ، لكنها تقف في منتصف الطريق . تصمت الكائنات كلها تنتظر . الفراشات مُعلقة بأجنحتها في الهواء كأنها صور ضوئية . النسمة تكلست و تساقطت شُهب الذكريات ، والخيال معلق بين بحار العيون المتلألئة و شفاه ترِف حيرى .
كانت عيناها تقول :
ـ لولاك يا عبد الله ما أقبلت الدُنيا عليَّ من بعد فقدك من جديد . لا أعرف كيف أرد لك هذا العرفان النبيل ؟ .
قالت بفرح جمَّل وجنتيها :
ـ اسمع هذه الأغنية فيها من صفاء النفس ، واختلاط الأشياء ، وعمق الإحساس الكثير ..نُهديها لكَ اليوم .
انكفأ الماضي ، كقدر به كنوز العصر الخرافي القديم . تجلت صورتها من وسائد الفرح . وردة فضفاضة ضاحكة للدُنيا ، ريَّانة بالحياة . مرسومة على نضار يفتح القلب الصغير حين تنهد من حُب النظرة الأولى ، وشقاوة الزمن الجميل وعشق الصبا وألوانه الصافية . نزفت الذاكرة خُطانا لبوابة العُشاق أول مرة . لم أكن أعرف طعمه أو لونه أو روائحه . كانت النفس قطعة من حجر على ربوة الدُنيا ، ثم استحالت بفضل من أحببتُ تماثيل رُخام مُبدعة تُزين الحدائق و المُروج . ثم سكبت علينا الدُنيا غسيلها المُر ، وانطوى العِشق على لفافة ، وبهدوء غادر دون ألمٍ ، ولم يزل في الكأس باقٍ .
أهي الأيام تورق من جديد ؟ . أهي الدنيا تنـزعك من كُرسي العِشق وصولجانه ، وتهبط بكَ إلى طرقات العامة ؟. أهي الدنيا تلُفكَ في خصر راقصة تذوب حُسنا ؟ . أهي الدنيا تُبيعك الأنجم ليلاً ويُشرق عليك الصباح .. كلام الليل يمحوه العِشق المُغادر !. هاهي لُفافة العِشق لم تَزل حية ، ومن بين الرماد نهضت من جديد .
هزتني دروب أغنية ( زاد الشجون ) وحواريها ، وأتعبني النص ولم يزل :
ما افتكرت الحظ يساعد عمري يورق من جديد
من بعد فُرقتنا ديك
مين كان بيفتكرك تعود ..
كنتَ بحتاج ليك بشدَّة
وإنتَ عني بعيد
ما في عِيشة بلاكْ بِتبقى
. . . . . . . .
يكاد ندى الدمع يطفر من العيون .
عبد الله الشقليني
24/09/2005 م
ـــ