سَكنت الريح
[align=center] سكنت الريحُ .[/align]
سكنت الريح ، وغرد عُصفور بأغنية غزل ثم أعقبها بأخرى . يقولون للعصفور أكثر من مائة لحن يستدِّر به عطف المعشوقة ! . أعجب من نفسي كل العَجب وأنا الناطق أحرفاً وكلاماً وأعرف لُغة وأخرى ، أقف أتسول الذاكرة أن تُسعِفني بحلو الكلام في مواقف العِشق . كلِص يرتبك عند المساءلة ،تهرب اللُغة الداجنة ، وتهبط عليّ كلمات لا أدري من أين أتت تحصب رأسي كحجارة لاحِس لها ولا طعم .
صدق الشاعر عالم عباس حين أباح أن كلام العِشق يعصف به واقع ما تعود إلا الجفاء والغِلظة . إن حاولت وجدت نفسك كأنك ممثل مبتدئ في مسرحية لا تعرف لُغتها جيدا . قلت لنفسي أنا أكتب مشاعري أكثر دقة مما أقول . أهو تفاوت التجريب أم أن اللهفة خصماً على اللُغة ؟ . تحجب المشاعر المُتقلِبة دفق الكلام المعسول فيخرج باهِتاً رمادي الملامِح .
أوحى إلينا الشاعر ما أوحى . أغلال تلتف حول معاصمنا من هول ما نصنع : نُميد البناء الفاخر إذ شيدته المحبة ونُشيِّد كُوخاً لا يصمُد وسط الريح . ما أسكَتَ النبض الجميل إلا العاديات بحوافرها تطأ الغض ، فتَعمل فيه عَمل الكَواسِر.
قلت لنفسي ربما لم نتعود نحن الحديث الناعم ، فأهل الدُنيا من حولنا يتدفق من حديثهم حلو الكلام في كل سانِحة يخاطبون بعضهم . ينشرون العِطر بين الكلمات ، وينقُشون الحلي على أطراف الأحرف حتى ينشرِح الابتسام في الأوجه التي أغضبتها الدُنيا . يفوح بُهار الإنسانية وتشتعِل الرغائب ، تشرب الحليب البِكر من الطبيعة . ربما البيئة عندنا أقسى أو أن الطقس و البُساط الأخضر لديهم أكثر رحمة يُغلِف الرؤية ، ويُطلق عنان الخيال .
قلت نتتبع أثر العادة ، ونرى كيف جففت النداوة ، فوجدت أن العَادة قد حجَّرت أنفسنا . أبين الحجر القاسي والحجر الأقسى تجري المياه وتبتني الجذور للنبات حياة جديدة ؟ .
تُفرِد سيدة الجمال يدها ، وتتتبع أنتَ الخيوط تربط خلايا بشرتها فبصركَ كشاف ماهر . يتتبع نظرك الأظافِر سُبحان من نسجها . تُمسِك باطن الكف فيندلق الحنان دفّاقاً . أي قصيدة شِعر وأي لُغة تصِف رائحة الجسد ، وقد فاحت الذكورة والأنوثة خلقاً جديدا .
إيّـاك سيدي نَقصد أن تأخُذ من البُهار الطيِّب ، ترُش حلاوة الطرب من فوق صحائف الكلام . هو يُغري ويُجَمِل ويتجَمل به الآخرون .تخيَّل أنكَ تدخُل بيتاً من زُخرُف ، أرائكه والوسائد تُغريك أن تكون سعيداً بين شرائح الصَحو وأطياف الأحلام . لن تعوي الريح وأنت تبتني الأحلام مُمسِكاً يدها ، صولجان ومَلك في الزمان وملِكة . تخطوان إلى جَنة النفس على درج حريري ناعِم . قريبة هي لمن يرغب ، بعيدة لمن لا يعلَم . الخير يرفع أشرعته ، لا مال أنتَ في حاجة إليه ولا سيارة فارهة تأخُذك في نُـزهة ، فنُـزهة القلوب طعمها أَحلى . يقول أكرم القائلين : إن القلوب إن كَلت عَميت . اعمل واستريح واستطعِم وقُل خير الكلام فإن المحبة تأخذ من طيب الحديث الثمر ، ومن حلاوة الأحرف النغم الودود . عندها تسكُن الريحُ ويبدأ العالم الجميل .
عبد الله الشقليني
22/10/2005 م
|