الأخ الأستاذ عجب الفيا
يعني بعد ما (دخنا) في موضوع ( فصحى وعامية ) رجعت لينا لجمال محمد أحمد، ويا دوب إتذكرت سؤالي.
وقبل أن أغادر موضوع فصيح وعامي وبمناسبة (الفزع) التي تقولها العامة في السودان، أعطيك مثالين لما يقوله أهلنا في شمال السودان:
يستعملون الفعل (نتق) بنفس المعنى الذي ورد في القرآن. يقولون : نتق فلان الشئ ، أي جذبه وقلعه، ويقولون في (الغلوطية) لمن لا يعرف لهجتهم : (جر جاو انتقوا ارمو).
ويقول تعالى في محكم تنزيله : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظُلّة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون )
سورة الأعراف – الآية 171
كادت تندثر هذه الكلمة في شمال السودان. الآن يستعملها الكبار أو الزول الذي نقول عليه في لهجتنا (لكِّي)، كالذي يستعمل عبارات مثل : (تحرو لي بدو بار شئ)، أو عبارات مثلما جاء في نكتة فرقة الهيلاهوب: (مرقنبو قرنبو).
يقولون في شمال السودان (حكّت بروكا "بروكها" ) عندما يشتد الأمر ويدلهم الخطب، وتعني نفس المعني الذي جاء في قول الشاعر :
فأقعصتهم وحكت بركهـا بهـم وأعطت النهب هيان بن بيـان
أتفق معك في الثلاثة: الطيب صالح، وجمال محمد أحمد ، ومنصور خالد
وأضيف الى القائمة : علي المك، وعبد الله علي أبراهيم، وإذا عدنا الى الوراء نذكر معاوية محمد نور وحسن نجيلة. ولا ننسى البروفسر عبد الله الطيب. ففي مرشده الكثير من الامتاع حتى لغير أهل اللغة والأدب وأنا منهم. اعتدت أن أفتح أي جزء من أجزاء المرشد الخمسة وأقرأ كيفما اتفق فأجد المتعة (أفعل ذلك أيضا مع قاموس عون الشريف). وقد أغراني (بوستك) عن (الأرض اليباب) بالرجوع كثيرا الى المرشد وقراءة مقارنات عبد الله الطيب و شعر الانجليز. حتى في كتابيه الصغيرين : (من نافذة القطار) و (من حقيبة الذريات)، وفيهما سيرة حياته (مثل أيام طه حسين) ، تستمتع بأسلوبه الذي شبهه دكتور الحبر يوسف نور الدائم باسلوب المبرد في الكامل. هنالك سخرية عميقة في كتاباته. وتعلم أنه رثى جمال محمد أحمد في كتابه (ذكرى صديقين) في قصيدة طويلة بها 84 بيتا. أوردت جزءا منها في (بوست) الأستاذ الشقليني قبل أسبوعين عن جمال محمد أحمد، وأوردت حديث الطيب صالح عن جمال في نفس البوست.
(استبعدت الروائيين من هذا التفضيل والاختيار، لأني فهمت من حديثك أن الأمر لا يعنيهم)
لكن بعد كل هذه (الفصاحة) لم أقرأ لجمال محمد أحمد الا (سالي فو حمر) قبل أكثر من ربع قرن. لم يصادفني خلال اجازاتي في السودان شئ من مؤلفاته في المكتبات.
أما محمود محمد طه، فلم أقرأ له كثيرا، لأني لا أحب السياسية. هو مفكر وفيلسوف أكثر من أنه سياسي.
أنا أكره كل ما يتعلق بالسياسة وأتمثل قول بعضهم مثل البريطاني سير برنارد انجهام الذي قال:
عندما يأخذ الساسة في الحديث عن التكافل والرحمة أتحسس محفظتي للاطمئنان عليها.
وأعتقد أن الامام محمد عبده قال:
لعن الله الساسة ولفظ السياسة وساس يسوس.
وقال الملياردير البريطاني جيمس جولد سميث:
الساسة أرذل الأنواع المتدنية من الجنس البشري التي عرفتها في حياتي الطويلة.
( ليس كل الساسة بهذا السوء والتعميم غير صحيح، ففي الساسة النزيه والوطني والذي يستطيع التضحية من أجل مبادئه السامية)
ثم تأمل هذا الحديث عن السياسي ديفيد لويد جورج – زعيم حزب الأحرار ورئيس الحكومة البريطانية الأسبق. وصفوه بأنه رجل نصفه مهرج كوميدي ونصفه قطاع طرق. وقيل عنه أنه يفكر بفمه. وقالت أحداهن انه لا يرى حزاما أمامه الا وسدد ضربة تحته. قال عنه الرئيس الآخر للحكومة البريطانية ستانلي بولدوين: أنه مزج بين ما هو حقيقي وما هو مزيف وأخرج من المزيج ما هو ممكن. قال أحدهم أنه كان بوقا عاليا وشاعرا كلاسيكيا بقدمي عنزة وزائرا نصف بشري من غابات ويلز المليئة بالجن.
محمد أحمد محجوب وصف السياسة في السودان فقال انها : سحلب وطحلب.
لعلها الآن أسوأ من ذلك.
قرأت تصريحات د. الترابي لقناة العربية قبل يومين، فأسفت كثيرا لما آل اليه حال السياسة في السودان. كيف يصدر هذا الكلام الخطير من هذا الرجل. أعتقد أنه آخر من يتكلم عن هذه الأشياء. أصبح حالنا مثل (شفع) الكورة في الميدان، يقول الواحد: (يا فيها يا أطفيها).
لهذا أكره السياسة.
وأرجو أن تقبل مرافعتي في هذا الشأن وأنت أديب وقانوني.
أعتذر أيضا لكل اخوتي الذين يشتغلون بالسياسة.
تحياتي .
|