موجع هذا الرحيل المباغت
حين زرتك بالمستشفى، ولم يسمح لي بالدخول، تركت أسطراً خجلى، على أمل أن أعودك وقد انقضت تلك الحراسة المتشددة عنك وما يزعمون من عناية مركزة( وما هي إلا محبس لطير طليق، لا يزيده إلا انعزالاً قاتلاً)!
لم أعد
حاولت الهاتف بعدئذٍ مرات، ولم أفلح
قلت لنفسي ستطيب وتصحو ويغلبك الشوق إلينا ، إذا أرخى المرض قبضته عنك ونامت عنك النواطير!
كانت روحك تشرئب لغير لقائنا وإلى موعد آخر، أكثر حضوراً وإعظم مشهداً وأنبل فقداً!
كنت تترصد الموت وتضرب معه، معاً موعداً للقاء والرحيل!
لماذا بالذات والتحديد، هذا السابع من فبراير!
لماذا،معا، اخترتما يوم التشظي هذا ويوم الفرقان، يوم الهول ويوم الحزن الأعظم؟
لماذا يا خالد، آثرت الهروب من المعركة ونجوت بروحك وكنا قد عهدناك مقاتلاً صنديداً، ومناضلاً شرساً في دأب النمل وشراسة النحل وصبر الأنبياء ؟
أهو الملل، أم اليأس أم العجز؟ وما كان أي من هؤلاء بقادر أن يطاولك؟
آثرت أن تمضي في صمت ولا تشهد جنازة الوطن الممزق وهو يشيع إلى مصير قاتم الظلمة، ومن حول بقاياه ترانيم الجماعة الذين يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، من شريكي جريمة الاغتيال وشهود المذبحة!
يا لخيبة جيلنا الذي فته العجز وهو يرى ما يرى ثم يبكي...، وها أخواتنا وأمهاتنا يقلن شامتات فينا....
(فابك مثل النساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه مثل الرجال)
آثرت ألا تشهد هذا اليوم
تتدثر (سودانيات) بالسواد، وأنت تغادرنا إلى عالم الخلود
ستبقى في ذاكرتنا، اختلفنا أم اتفقنا، ذلك الخالد الذي ألفناه وأحببناه وربما اختلفنا معه ولكن بمحبة وبصدق, وباحترام.
تركت تراثاً وأثراً نتكشفه ونكتشفه كل يوم، ونذكر بك أياماً جميلات في (سودانيات)، ملؤها المحبة والتآصر والإبداع والأدب الرفيع.
وحين تفرقت السبل ب(سودانيات)، وانفرط العقد، بقي دائماً، للصلح مجال وللمودة طريق ولتطييب الخواطر محل!
الآن تغيب، بلا أمل في اللقاء في هذه الفانية، ونشهد أنك كنت تبادرنا بالزيارة والسؤال، وتضفي علينا من إنسانيتك وثوريتك وحماسك لهذا الوطن ونضالك المشهود
الآن وأنت تغيب، ويغيب لبعض الوقت وجهك الحبيب، في كالحات أيام الحداد الوطني هذا، نعاهدك بأننا سنتذكرك قريباً حين يهل علينا طلائع النضال من بين جحافل هذا الشعب الأبي، مبشرين بالانعتاق وبالحرية، الثوار الذين يخرجون من رحم التقانة المدهشة من الفيس بوك وسودانيز اونلاين وسودان فور اول وسودان راي والراكوبة،
الطلائع التي ستطيح بالمومياءات والديناصورات وكناسات التخلف والقهر والاستبداد، يومها، ستبتسم في قبرك وتقول، كما تردد دلئماً، (هلا ابتكرت لنا كدابك حين بأس اليأس معجزة، تطهرنا بها وبها تطهر أرضنا من رجسها حتى تصالحنا السماء وتزدهي الأرض الموات)
وعندئذٍ، سنضع زهور السلام والثورة على قبرك ونقول لك، نم هانئاً، فما قد غرست من بذور النضال والثورة وحب الوطن الواحد المتوحد قد أينعت وازدهت وربت وانبتت من كل زوج بهيج.
العزاء الحار لأسرتك الحبيبة، وعلى تاجها أم العيال الصابرة المحتسبة
والعزاء للأحباب في سودانيات ومعتصم، وعكود
والعزاء للوطن، والذي حمله خالد في جوانحه إلى آخر رمق!
هاأنذا أعزيكم في خالد
فمن يعزّيني فيه؟
طبت حياً وميتاً أيها الإنسان الجميل،
وداعاً خالد الحاج....
وياله من وداع بئيس!
عالم عباس /اتحاد الكتاب السودانيين