" .. أنظر يمينا . هناك . أين غابة الطلح الكثة التي كانوا يلعبون فيها أيام الطفولة ؟ رائحة البرم ، زهر الطلح ، خصوصا أيام الفيضان . وهناك عند منعطف الدرب حذاء الجدول الكبير ، كانت تشمخ شجرة حراز ضخمة معرشة ، تلمع ثمارها الصفراء كأنها حلقان الذهب . ذلك الماء كان له طعم آخر . بلا غطاء ذلك السبيل ، عليه قرعة تتارجح فوق الماء ، تضرب فم الزير يسرة ويمنة ، يشرب منه الغادي والرائح . من اقامه ؟ لا احد يذكر . ولكنه لم يعدم احدا يملؤه صباح مساء . طعم الجلد المدبوغ ، طعم الماء في القربة المدلاة من الشعب في سقيفة جده . وطعم ماء النيل ايام الفيضان ، طعم الاخشاب المبتلة ، وارواق الشجر ، والطين . طعم الموت . صافي في اماكن الرمل ، عكر في محلات الطين . "
من الصفحة الاولي من رواية " مريود" للطيب صالح .
|