نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > عجب الفيا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-2006, 06:37 AM   #[16]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي


الإضراب عن ذكر العرب


تتألف قصيدة الارض الخراب من اربعمائة وثلاثة وثلاثين سطرا وتضمنت اشارات واقتباسات من اكثر من ثلاثين اثرا ، قديما وحديثا . بعض هذه الاقتباسات وضع كما هو في لغته الاصلية ، بين ثنايا القصيدة . وقد جعل اليوت هوامش ، في نهاية القصيدة اثبت فيها بعض المصادر التي استوحي منها بعض معانيه وصوره الشعرية . الا ان هذه الهوامش قد خلت تماما من ذكر اي مصدر او مؤثر عربي او اسلامي في القصيدة .

يقول الدكتور عبد الله الطيب في مستهل دراسته : " أولا : لفت نظري ان تعليقات اليوت التي جعلها في ذيل منظومته المسماة الارض القفر – خالية من الاشارة الي العرب وما يمت الي العرب وما العرب يمتون اليه – القرآن مثلا والاسلام – مع ان هذه التعليقات ذات حظ وافر من الحرض علي اظهار المعرفة العريضة والاطلاع الواسع وبعض الغلو في ذلك حتي لتوشك ان تشمل أكثر أمم الارض ولغاتها وآدابها الحاضرة والغابرة ."


ومبعث هذا الاستنكار من وجهة نظر الدكتور عبد الله ، هو ان الارض الخراب احتوت علي اقتباسات من شعراء انجليز فيها ذكر واضح الي العرب الا ان اليوت لم يشر الي ذلك في هوامش القصيدة حتي لا ينكشف امر اخذه من المصادر العربية .
يقول : " لفت نظري ان اليوت ضمن منظومته ، اشارة الي شىء من شعر وليم وردورث الرومانتيكي الانجليزي الكبير .. واشارة الي شىء من شعر ولتردي لامير من شعراء هذا القرن الشديدي التاثر بالرومانتيكية . ولم يذكر في تعليقاته شيئا يدل علي هاتين الاشارتين .. ان ذكر العرب الذي اضرب عنه اليوت كل الاضراب له ورود واضح في اصل الأشارتين .. " .
ويعزي الدكتور كتمان اليوت واضرابه لذكر العرب الي " الشعور الصليبي الموروث والتعصب الديني والتعصب العنصري وبعضه مرده الي الزهو والغرور والاعتداد بالانتماء الي حضارة اليونان والرومان واوربا والسوربون واكسفورد والاستنكاف عن ان ينسب الي الرومانتيكية لادعائه الانتساب الي الكلاسيكية ..".

ورد ذورث والرمال العربية :-

كان الشاعر الإنجليزي الكبير وليم وردذ ورث Wordsworth قد أشار إلى ذكر العرب في قصيدة (الفتاة الحاصدة) the solitary Reaper حيث يصف غناء تلك الفتاة الريفية وهي تحصد ,بأنه أشجي من صوت البلبل وهو يغني لمسافرين في جوف الصحاري العربية . يقول :

Behold her, single in the field
Reaping and singing by herself,
Alone she cuts and binds the grain
And sings melancholy strain,
O listen ! for the vale profound
Is overflowing with the sound
No nightingale did ever chant
More welcome notes to weary bands
Of travellars in some shady haunt,
Among Arabain sands
,

أنظر إليها في الحقل وحيدة
تحصد وتربط حزم بنفسها
وتشدو بأغنية حزينة
آلا فأسمع فالوادي العميق
يفيض مفعماً بالنغم
ما غني أبداً بلبل
نغمات أطيب لجماعات مضناة
من المسافرين في ظل مكان ما
بين الرمال العربية .

وعبارة " الرمال العربية " هي الاشارة التي يري الدكتور عبدالله الطيب ان اليوت اخذ منها ، كلمة صحراء ، في قوله : " ومضي البلبل يملأ الصحراء بصوت لا يغتصب " الوارد في الجزء الثاني من قصيدة الارض الخراب ( لعبة شطرنج ) حيث يصور الشاعر سيدة ارستقراطية تعيش في ترف باذخ لكنها تحس الملل والفراغ ورتابة الحياة ، وتزين غرفتها مجموعة من اللوحات التشكيلية بينها تماثلين ذهبيين لإله الحب (كوبيد) وتمثال منقوش لدلفين حزين وصورة مطرزة لفلوميلا " الاسطورة" التي إغتصبها زوج شقيقتها الملك فحولتها الآلهة إلى بلبل أو عندليب يملأ الغابات تغريداً.
يقول اليوت واصفا لوحة فلوميلا المعلقة في غرفة تلك السيدة :

Above the antique mantel displayed
As though a window gave upon the sylvan scene
The change of philomel, by the barbarous king
So rudely forced, yet the nightingale
Filled all the desert with inviolable voice
And still she cried, and still the world pursues
' Jug Jug' to dirty ears


وفوق المدفأة العتيقة
علقت صورة فلوميلا وقد تحولت إلى بلبل
بعد أن إغتصبها بوحشية الملك البربري
فبدت الصورة كنافذة مطلة علي منظر غابي
لكن البلبل مضي
يملأ الصحراء بصوت لا يغتصب
ويظل يصيح، وتظل الدنيا تطارد
زقزقة صفيره إلى الآذان القذرة

وقد جاء في الإسطورة اليونانية أن تيروس ملك تراقيا إغتصب فلوميلا شقيقة زوجته برونكة ، وقطع لسانها حتى لا تبوح بما حدث لها ثم حبسها في الغابة. لكنها تمكنت من خياطة صورة مطرزة تحكي قصة إغتصابها وأرسلتها إلى إختها لتخبره بما جري علي يد تيروس. وما أن علم الملك بذلك حتى هجم للإنتقام من زوجته وأختها لكن الآلهة حولت فلوميلا إلى بلبل يغرد في الغابات تعويضاً لها عن لسانها المقطوع وحولت شقيقتها برونكة - زوجة الملك - إلى سنونو يأتي في الربيع.

يقول الدكتور عبد الله الطيب : " استبدل اليوت قول وردذورث ، الرمال العربية ,بقوله ، كل الصحراء ،وما قوله كل الصحراء الا كما لو قال رمال العرب او الصحراء العربية . واستبدل اليوت قول وردزورث : لجماعات مضناة weary bands بقوله :للآذان القذرة durty ears وشبه الصياغة ودليل الاخذ في النص الانجليزي واضح جدا . "
ولكني لا اظن ان اليوت أقحم إسطورة فلوميلا إقحاماً فقط ليصرف الأنظار عن ورد ورث ورماله العربية ، كما يظن الدكتور الفاضل ذلك . انما لقصة فلوميلا دلالة رمزية مهمة تصب في خدمة الثيمة الرئيسية للقصيدة . يقول ثاوسام : " ان إغتصاب فلوميلا وتحويلها إلى بلبل أو عندليب، يرمز الي ممارسة الجنس بلا حب في الارض الخراب " والي اغتيال البراءة .
اما كلمة ( الغابة ) الواردة في الاسطورة لم تستبدل الي صحراء اعتباطا وانما اتي بها الشاعر ، كنوع من المفارقة الاسلوبية ، لتعزز حالة التصحر والجفاف التي ضربت الأرض الخراب أو العالم المعاصر كما يراه هو. فبدلاً من أن يقول:
"ولكن البلبل يملأ الغابة بصوت لا يغتصب "
قال:
" ولكن البلبل يملأ الصحراء بصوت لا يغتصب"
Yet the nightingale filled the desert
with inviolable voice
أتي الشاعر بكلمة (صحراء) ليخلق بها نوعاً من المفارقة الإسلوبية ، حيث تتحول الغابة التي كانت تملؤها فلوميلا غناءًها إلى صحراء والآذان التي كانت تطرب لسماع فلوميلا أصابها التبلد بسبب الجفاف العاطفي والروحى الذي عم سكان الأرض الخراب.
أكثر من ذلك أن كلمة صحراء يمليها المناخ العام للقصيدة التي تتحدث في كل جزء من أجزائها عن الجفاف والقحط والعقم، وخاصة في الجزء الخامس منها حيث يصف الشاعر رحلة البحث عن الخلاص عبر الأرض الخراب بقوله:

Here is no water but only rock
Rock and no water and the sandy road
Sweat is dry and feet are in the sand


لا ماء هنا إنما صخر
صخر ولا ماء والطريق الرملي
والعرق الجاف والأقدام التي تغوص في الرمال


كذلك يري عبد الله الطيب ان اليوت اخذ الاشارة الي غناء البلبل في قوله :
And still she cried, and the world pursues
'Jug Jug' to dirty ears,
ويظل البلبل يصيح وتظل الدنيا تطارد
زقزقة غنائه إلى الآذان القذرة

من قول وردذورث حيث يقول : " جاء فيه بحكاية الصوت زق ، زق ليوهم بانه يشير الي سكشبير ومعاصره لكثرة ورود هذه الحكاية في أشعارهم ويصرف الاذهان عن محاكاته لوردورث كما بينا من قبل . "
ولكن southam يري ان اليوت استعار الاشارة الي غناء البلبل: زق ، زق ( ) من قول جون ليللي (1554-1606) بمسرحية الكسندر وكامبسب، مستلهماً قصة فلوميلا واغتصابها علي يد تيريوس :-

O' it's the ravished nightingale
Jug, Jug, treues


آهْـ للعندليب المغتصب
يصيح: زق ، زق ، زق تيريوس

ويضيف ثاوسام ان شعراء العصر الأليزابيثي شكسبير ومعاصروه يشيرون بها إلى تغريد البلابل والعصافير. كما انه يرمز بها أحياناً في معنـي غليظ إلى العملية الجنسية . ولا يخفي ان اليوت وقد أتي بها هنا في اشارة إلى إغتصاب تيريوس لشقيقة زوجته فلوميلا.

ولتر دى لامير والجزيرة العربية :

وكان الشاعر الإنجليزي ولتر دي لامير قد أشار إلى ذكر العرب في مطلع إحدى قصائده- ( جزيرة العرب ) بقوله :-
Far are the shades of Arabia
Where princes ride at noon
بعيدة هي ظلال جزيرة العرب
حيث يركب الأمراء في الظهيرة

يقول دكتور عبد الله الطيب أن اليوت ضمن قصيدته شيئا من قول دي لامير هذا ثم تعمد إغفال الإشارة إليه في الهوامش وذلك في قوله :

Where fishermen lounge at noon,
where the walls of Magnus Martyr hold
Inexplicable splendour of lonian
white and gold,


حيث يستريح بائعو السمك عند الظهيرة
حيث جدران كنيسة الشهيد ماغنس
تتجلي منها روعة لا تفسر
من بياض أيونيا وذهبها

يقول عبد الله الطيب أن اليوت : " استبدل عبارة دى لامير – ظلال جزيرة بعبارته هو – جدران كنيسة ماغنس الشهيد . واستبدل لفظ الامراء بقوله صائدو الحوت وقول دي لامير – يركب بقوله – يستريح واحتفظ بلفظ نصف النهار – وهو وحده كاف في النميمة بالمحاكاة . وكرر اليوت لفظ – يترنم به كما تري .."
" .. حذف اليوت اللفظ الدال علي العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة ماغنس الشهيد وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة والتر دي لامير . ولا يخفي ان الجدران وثيقة الصلة بالظلال . "

المطلع علي قصيدة ( الارض الخراب ) يجد ان اليوت جاء بذكر كنيسة ماغنيس في معرض وصفه لأبرز معالم مدينة لندن حيث كان يتأمل لندن ويصفها بمدينة الوهم والضباب لأنه يري الناس والأشياء فيها مجرد أشباح تنساب أمامه بلا معني وبلا رابط يجمع بينها . تكرر ذلك في القصيدة اكثرة من مرة ، المرة الاولي جاءت في الجزء الأول من القصيدة حيث يقول :-

مدينة الوهم
تحت الضباب الأسمر في فجر شتائي
علي جسر لندن تدفقت جموع غفيرة
لكثرتهم نسيت أن الموت حصد أعداداً كبيرة
ينفثون آهات قصيرة متقطعة
وقد ثبت كل ناظريه أمام قدميه
وإنحدروا صعوداً ثم هبطوا شارع الملك وليم
حيث أجراس كنيسة سانت ماري وولنوث
تدق التاسعة.


يتكرر المشهد في الجزء الثالث من القصيدة ، حيث يخيل الي الشاعر ، كأنما المدينة معلقة بين الأرض والسماء ، تتهاوى أبراجها ومبانيها وتذوب في الضباب . وهو هنا لا يري لندن المدينة فحسب ، بل يري من خلالها كل الحضارات السابقة التي سادت ثم بادت :
أية مدينة هذه وراء الجبال
تتصدع أبراجها المتداعية
وتنفجر في الهواء البنفسجي
أورشليم ، أثينا ، الإسكندرية
فيينا ، لندن
وهم.

إلا أن هذا الإحساس بالفراغ والعدم واللاجدوى يفارق الشاعر في بعض الأحيان ويحدث ذلك عندما يستمع إلى الموسيقي أو يتأمل الإبداع الفني متجلياً في أي فن من الفنون الجميلة الأخرى .
ففي المقطع الذي يقول دكتور عبد الله الطيب أنه نظر فيه إلى قول ولتر دي لامير - يحس الشاعر بنشوة الحياة وقيمتها حينما يتناهى إلى سمعه نغمات مندولين عذبة تنبعث من حانة بشارع التيمز الأسفل جوار كنيسة القديس ماغنس . يقول في الجزء الثالث :-

O city city, I can sometime hear
Beside a public bar in lower Thames Street
And a clatter and chatter from within
where fishmen lounge at noon
where the walls of Magnus Martyr hold
Inexplicable splendour of lonian
white and gold,


آهْـ أيتها المدينة
أنني لأسمع بجوار حانة بشارع التيمز الأسفل
أنات مندولين عذبة
والصخب واللغط من داخل الحانة
حيث يستريح بائعو السمك عند الظهيرة
حيث جدران كنيسة الشهيد ماغنس
تتجلي منها روعة لا تفسر
من بياض أيونيا وذهبها

وكانت كنيسة القديس ماغنس من أبرز معالم مدينة لندن الأثرية ، وقد أشار اليوت في الهوامش إلى أنها كانت من الروعة بمكان حيث أن تقريراً كتب عام 1920م بخصوص هدم 19 كنيسة قد أوصي بالإبقاء عليها هي وكنيسة سانت مارى ولنوث لقيمتهما الفنية الخالدة .
وتقع كنيسة الشهيد ماغنس ( ) علي شارع التيمز الأسفل جوار جسر لندن ، وقد بناها الفنان المعماري السير كرستوفر رن (1631-1723) .
بمحلة بلنقيت Billingsgate ويوجد سوق للسمك بالقرب من كنيسة الشهيد ماغنس والي ذلك أشار اليوت بقوله " حيث يستريح بائعو السمك عند الظهيرة " الذي يقول الدكتور انه اخذه من قول دي لامير .
لا شك انه هنالك شبها قويا في الصياغة بين القولين المشار اليهما وربما يكون اليوت نظر في قول دي لامير و ربما يكون ذلك قد رشح الي ذاكرته الجمالية بصورة غير واعية وكثيرا ما يحدث ذلك عند الشعراء . ولكن هل ذلك يرقي الي السرقة بحيث يمكن القول ان اليوت تعمد اخفاء الاشارة في هوامشه الي جزيرة العرب بسبب كراهيته للعرب وتعصبه الديني الصليبي علي النحو الذي انتهي اليه عبد الله الطيب في قوله :

" حذف اليوت اللفظ الدال علي العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة ماغنس الشهيد وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة والتر دي لامير . ولا يخفي ان الجدران وثيقة الصلة بالظلال . والفرار عن جزيرة العرب ان يك بعضه صادرا عن تعصب ديني او عقابيل شعور صليبي مما يدعو الي التماس ملجأ عند الكنيسة اذ لا يخفي ان ظلال جزيرة العرب لا تخلو من معني ظلال سيوف محمد وصلاح الدين والاسلام والجهاد ."


يتواصل


المصادر :

1- الفتنة باليوت خطر علي الادب العري - دكتور عبد الله الطيب - مجلة الدوحة 1982
1- The students Guide to the selected Poems of T.S.Eliot, southam, Faber and Faber, London ,Six Edition 1994
.
2- The Waste Land and other Poems. T.S.Eliot, Faber and Febar, London 3 rd ed.1995
3- في الادب الانجليزي الحديث - لويس عوض - الهيئة المصرية للكتاب 1990 -



التعديل الأخير تم بواسطة عجب الفيا ; 05-02-2006 الساعة 10:46 AM.
عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-02-2006, 07:43 AM   #[17]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي


اليوت والقرآن الكريم :

لم يتوقف اليوت عند حدود السرقة والاخذ من الشعر العربي القديم – علي حسب الدكتور عبد الله الطيب - وانما نظر في ترجمات القرآن وضمن قصيدته (الأرض الخراب) شيئاً منه .
يقول اليوت في الجزء الاول من القصيدة :

Son of man,
You can not say or guess, for you know only
A heap of broken images
Where the sun beats,
And the dead tree give on shelter
And the cricket no relief,
And the dry stone no sound of water
Only there is shadow under this red rock
Come in under the shadow of this red rock
And I will show you fear in a handful of dust

يا ابن آدم !
أنك لا تعرف إلا كوماً من الصور المهشمة
حيث الشمس تلفح
والشجرة اليابسة لا تعطي ظلاً
والجندب لا يبعث علي الراحة
والحجر الجاف لا ينبجس منه الماء
لا يوجد إلا ظل تحت هذه الصخرة الحمراء
تعال معي تحت هذه الصخرة الحمراء
وأنا أريك الخوف في قبضة من تراب !

في قوله Son of man اي يا ابن ادم او ابن الانسان ، يحيلنا اليوت في الهوامش الي العهد القديم من سفر حزقيال بالعهد القديم من الكتاب المقدس ، حيث ترد هذه العبارة بكثرة . ولكن الدكتور عبد الله يري ان احالة اليوت الي العهد القديم لا ضرورة لها والقصد بها التعمية والتضليل لاخفاء سرقة قوله : " والحجر الجاف لا ينبجس منه الماء "
And the dry stone give no sound of water
من القران الكريم . يقول :

" أحالنا اليوت علي سفر حزقيل اول الاصحاح الثاني .. وهذه الاحالة لما هو ظاهر من عدم الحاجة اليها لا تخلو من تعمية وتضليل . وكاد السارق ان يقول خذوني مرات . ذلك بانه في سفر حزقيل في الاصحاح نفسه بعد الذي فيه – ورد ذكر تمرد بني اسرائيل وقسوة قلوبهم .. لكن هذا التشبيه وهذه العبارة نفسها لم ترد بهذا اللفظ وهذا البيان التصويري في سفر حزقيل الذي احالنا عليه تعمية وتضليلا فيما نرجح ، اذ لا ريب انه اخذها من القرآن ، وتراجمه كثيرات - لانها واردة في خبر تمرد بني اسرائيل : " (( ثم قست قلوبكم بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وأن من الحجارة لمـا يتفجر منه الأنهار وأن منها لما يشقق فيخرج منه الماء )) – سورة البقة 75 "

ولكن فكرة انبجاس الماء من الحجر موجودة في التوراة بنفس المعاني الورادة في القرآن . جاء بالعهد القديم - الإصحاح السابع عشر - سفر الخروج:
" لما بلغ الظمأ من بني إسرائيل ما بلغ في رحلة التيه عبر صحراء سيناء ، أوحي الله إلى موسى أن أضرب بعصاك الصخرة علي جبل سيناء . فلما ضرب موسى بعصاه الصخرة، إنفجرت منها المياه فسقت قومه حتى إرتووا جميعاً"
وقد صاغ القرآن الكريم هذا الخبر في أكثر من آية . قال تعالي:
" وإذا إستسقى موسى لقومــه فقلنا أضرب بعصاك الحجر فإنفجرت منه إثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم ، كلــوا وأشـربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين" - البقرة- الآية (60).
ورد أيضاً في قوله تعالي :-
" وأوحينا إلى موسى إذ إستسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر فإنبجست إثنتا عشر عيناً قد علم كل أناس مشربهم وظلننا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى" - الأعراف - الآية (160).
ولا عجب في هذا التشابه بين بعض نصوص الكتاب المقدس و الآيات القرآنية .فقد أقر القرأن بما جاء في الكتب السماوية السابقة له وصدقه . قال تعالي :
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه".- المائدة -48
وقال تعالي:-
" إن هذا لفي الصحف الأولي، صحف إبراهيم وموسى" – الاعلي –

كذلك ألمح اليوت إلى قصة تفجير موسى للماء من الصخر في الرحلة الصحراوية عبر الأرض الخراب والتي وصفها في الجزء الخامس بقوله:-
Here is no water but only rock
Rock and no water and the sandy road
If there were water and no rock
If there were rock and also water

لا ماء هنا إنما صخر
صخر ولا ماء والطريق الرملي
لو كان هناك ماء ولا صخر
لو كان هناك صخر وماء

وتعد كلمة (صخر) من أكثر المفردات حضوراً لا في الأرض الخراب فحسب، بل في كل أشعار اليوت تقريباً. فهي إضافة إلى أنها توحي بالجفاف والعقم إلا أن لها بعداً روحياً آخر يتمثل في رمزيتها إلى الكنيسة عند المسيحيين . ورد عندهم ان السيد المسيح قال لتلميذه بطرس: "أنت الصخرة وعلي هذه الصخرة سأبني كنيستي"

كذلك يري الدكتور الفاضل ان اليوت اخذ عبارة : " لا يغتصب " الواردة في قوله : " ولكن البلبل يملأ الصحراء بصوت لا يغتصب"
Yet the nightingale filled the desert
with inviolable voice
والذي مر بنا في الحديث عن وردذورث والرمال العربية ، يقول انه اخذها من القرآن :
" شبه اليوت صوت بلبله بالعذراء الحاصدة المتوحدة .. ونقل عذرية الحاصدة التي لا تنال لتوحدها وبداوتها الي الصوت نفسه فزعم ان له عذرية سرمدية لا يستطاع نيلها بغصب وطمث ، لا يطمثها أحد ، لا أنس ولا جان كحور الجنة . وأزعم ان اليوت لا يخلو ان يكون نظر في قوله الي هذا المعني القرآني – قال تعالي في سورة الرحمن في وصف الحور العين : " لم يطمثهم انس قبلهم ولا جان ، وذلك ان ترجمات القران في اللغة الانجليزية وغيرها من لغات اوربا كثيرة والاطلاع عليها واسع . "

ولكن لا اظن ان مفهوم العذرية خاص فقط بالشعوب العربية والاسلامية ، وفي المسيحية يكفي ان العذراء اسم مريم والدة المسيح . والاغتصاب معروف كذلك وهو من مستلزمات العذرية وليس مقصورا علي اللغة العربية او لغة القرآن وحسب . وكلمة inviolable اي لا يغتصب او لا يطمث او لا يدنس او لا يمس ، موجودة في اللغة الانجليزية .ولم توجد فقط مع ترجمات القران الكريم .


انتهي بحمد الله ،

________________

* استعنا في ترجمة الشواهد الشعرية من اليوت بعدة ترجمات منها ترجمة عبد الواحد لؤلؤة وترجمة الدكتور لويس عوض اضافة الي الترجمات التي اوردها الدكتور عبد الله الطيب لبعض الشواهد التي استدل بها في بحثه
________________

عبد المنعم عجب الفيا
دبي - 4 فبراير 2006





عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-02-2006, 08:00 AM   #[18]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الاعزاء

معتصم الطاهر

خالد الحاج

الشقليني

ابو ذر بابكر

حنينة

والي كل الاصدقاء والاعضاء الكرام

في انتظار ملاحظاتكم تصوبياتكم اراءكم



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-02-2006, 06:21 PM   #[19]
haneena
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية haneena
 
افتراضي

Salam Agab Alfaya
your post is a very delicious meal, but as well heavy and rich
apology for no arabic which makes it even more difficult to comment
but, Iam enjoying reading

by the way
??Where is Mohammed Ahmed
This talented colleague has not shown up for a long time
We used to enjoy his particpations and discussions so much

I take this opportunity, if you don't mind ,to ask for him

Will be back once Arabic is within my full reach



التوقيع: Life is all about choices
haneena غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-02-2006, 08:36 PM   #[20]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

طبعآ يا منعم أعلنها في البداية "داوية" أني أجهل عن أليوت بصورة تجعلني مؤهل للمشاركة في هذا البوست "الشحمان" والتعبير لأخينا منعمشوف. ولكني قرأته كذا مرة ومشيت "لقوقل" -عليه رضوان الله تعالي-وبحثت لأجد متعة إضافية . وسأورد هنا بعض نتائج بحثي عساها تضيف .


عن الأرض اليباب في (The Burial of the Dead) تقول ماريي ريسل* :

أن أليوت أقتبس من الكتاب المقدس ( the desert will soon be replaced by something better)
والكتاب المقدس يضع "أمل" في تحويل هذه الأرض الغفراء (اليباب) إلي "أرض الميعاد" بينما نجد أليوت يشير إلي حديقة (Garden) هذه الحديقة تجسد عند أليوت حياة بلا محبة (lifeless love) وأن المؤمن
(protagonist) في النهاية لا يحس بشيئ سواء خواء والطبيعي ان يعيش المحبة المطلقة.


وهذه الإشارة عزيزي منعم ذكرتها أيضآ الناقدة أيمي نيكولس (Amy Nichols ) وتقول :


[align=left]
اقتباس:
In "The Burial of the Dead," Eliot refers to passages from the Bible. These biblical references should give hope in The Waste Land which is otherwise dominated by the theme of alienation.
[/align]
(يقتبس أليوت من الكتاب المقدس وهذا الإقتباس يمنح الأمل في الأرض اليباب (Waste Land ) ولكنه يذهب به نحو العدم (الإنعزال).


وتسترسل في شرح الفكرة :

[align=left]
اقتباس:
The biblical references are juxtaposed to Eliot's actual text. The biblical references tend to bring the reader closer to an understanding and comfort in the text, but Eliot pushes the reader into further alienation by confusing the true meaning of the biblical passages with his own disillusionment
[/align]

وتقول أن أليوت يتقصد خلق الحيرة للقارئي مستخدمآ توهوماته الشخصية لتحوير المعني في إقتباسه من الكتاب المقدس.


وإيرادي للنموذجين هنا حتي أشير إلي منحي آخر ليس بعيدآ عن جو القصيدة العربية في منطقة كانت تعلم عن المسيحية وتعاليمها مما جعل المنبع الذي تأخذ منه القصيدة العربية القديمة وأليوت من ناحية أخري واحد.



* ماري روسيل (Mary Russell ) ناقدة أمريكية.

* الترجمة إجتهاد مني وهو إجتهاد شخص غير متخصص.



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-02-2006, 05:35 PM   #[21]
عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سيدنا في معبد الشِعر المُقارَن
أديبنا الفخيم
الفيا .
أي بحر صحبتنا في قارِبك ، كُنا نظُنها
نُـزهة نَمرح فيها ، وإذا عُود السارية يصبِح
قصبة يحملها الريح ..
أمواج من حولنا . ليست الدهشة وحدها
تُمسك بأذرعتنا ، بل اليمُّ الذي أبحرنا
أعمَق ، وضفائر حِبالنا تحتاج الريح أن تستريح ،
حتى نتفقد المؤن والصحاب .
لقد مكرت علينا كأنك تقف بنا على مشارف
ضاحية مقال أو قَطف من قصيدة ،
لكننا الآن أمام سجادة زاخرة بنقش فارد الجناح .
مُثقل بالرؤى . فادِح الجمال . بقدر ترفقك
بأديبنا عبدالله الطيب ، بقدر ما تُسبقك محبتَك
أن يكون الخلاف مؤسساً على قيم صبرت عليها
صبر الحصيف ، وأخذت بحُضن عبدالله الطيب
كأنك تستسمح أن يُغفر لك مَجده أن تبوأت
شأواً يليق بعظمة الخلاف ، وتأسيسه على القرائن
والحِجج البائنة .
ونحن في المُنعطفات ، كأننا نختار بين ( فُومها )
و ( عدسها ) من القص القرآني .
دعنا نقرأ على سعتنا من الوقت ، فمادتك
تُجبرنا أن نفخر بأن قلمك قد تنضد ،
ونَعُمت تلك الفُسحة السماوية
بكتابتك الراقية .
شكراً لك وسنعود ،

ربما من قبيل الإخراج مراجعة مواضع
حركات التشكيل على الأحرُف ، فقد
كان الأديب عثمان حامد سليمان والأديب
مُحسن خالد دوماً يُذكراننا بأن النصوص
المُتقنة التشكيل ، مدعاة للفخر حين يصل
النص لمراميه كامِلاً ،فربما نهض النص
كمادة للتدريس ، ونرى أن تكون
مُبرأة من الهنات ، وهذا السفر يستحق
أن ينـزل تلك المنـزلة .




التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2006, 02:56 PM   #[22]
Dr. Mohammed Hassan
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ عجب الفيا
السلام عليكم ورحمة الله
اثناء بحثي عن قصيدة الارض اليباب للشاعر ت.س.اليوت وجدت هذه المقالة فرأيت ان تمر عليهاولك الود



المدينة والانسان في الشعر الحديث
بقلم: شاكر حسن راضي

يشكل موضوع المدينة والإنسان جانباً مهماً من جوانب الشعر الحديث. فالمدينة بصورتها المادية والأدبية تهيمن على البيئة الحديثة، وهي سبب وعرض من اعراض الامراض الحديثة، والمدينة هي الخلفية التي تنتج الإنسان المعاصرة هي خشبة المسرح التي يتحرك عليها. ويقال ان الحداثة في الشعر بدأت عندما أصبحت المدينة جوهر مادتها.
وقد سعى الشعراء بعد ان داهمهم «مرض الحياة الحديثة» كما يقول ارنولد، إلى الشفاء والعزاء من خلال اللجوء إلى الطبيعة. ومع ذلك، يجد الشاعر الحديث نفسه في مواجهة مباشرة مع المدينة. فالجدل الدائر حول أزمة «التمدين» كانت ولا تزال مسألة مركزية في الكثير من الدراسات الأدبية والسوسيولوجية.
وتعود الأزمة جذورها إلى اعماق التاريخ. فالإنسان ظل يعيش في مجاميع صغيرة مع ابناء جلدته. ومع ظهور الزراعة وتدجين الحيوان، استقر الناس وتطورت الحاجة إلى المدن لحماية منتجاتهم واملاكهم من الغزاة اذ ان مفهوم المدينة لدى الاغريق مثلاً كان يعني «قلعة» Citadel. ويعرفها ابن خلدون «1332 ـ 1406م» على انها «مساكن تستخدمها الأمم عندما تصل إلى هدف الرفاة المنشود».
ويرى المحدثون ان المدينة هي «مجموعة أفراد يسهمون في مثال ذي نظام عقلاني». وهكذا فان ابتداع المدينة يشير إلى جوانب الوجود المختلفة والى جوانب الحياة باعتبار المدينة مكاناً للبقاء وعنصراً مؤثراً في التاريخ وموئلاً لابداع الفرد.
ويرتبط هذا الطموح بالطبيعة الروحية للمدينة في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية اذ ان كل مدينة سبقت مرحلة المكننة والتحديث كانت مقدسة إلى حد ما. ويقول توينبي «المدينة ليس مجرد مستوطنة دائمة للإنسان بل مكان مقدس حيث عبدت الحضارات القديمة آلهتها».
ولم يحدث تغيير جوهري في بنية المدينة ووظيفتها الا بعد الثورة الصناعية. اذ برزت مجتمعات وقيم جديدة وولدت حضارة جديدة. وصار بالامكان الحديث عن «عصر المدن الكبيرة» بعد هذا التحول.
فلم تعد المدينة هي السوق أو المركز المقدس فحسب بل اصبحت مركز الانتاج والتصنيع والتجارة. اذ ادت عملية التصنيع وادخال طرق المواصلات والاتصالات الجديدة إلى احداث ثورة قلبت كيان المجتمعات وغيرت مناهج الحياة في مختلف مناحيها. وبالتالي أصبحت هذه المراكز الصناعية «حالة ذهنية ومجموعة تقاليد وعادات ومواقف وعواطف منظمة» ضمن اطار معين كما يرى ليونيل ترلنج. وقد اصبحت مركز الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية الذي يجتذب الاطراف البعيدة إلى مداره.
اذن، ادى الانفجار التكنولوجي الذي تلا الثورة الصناعية ادى إلى انفجار مماثل ومواز في المدينة ذاتها وجعل من المحتم ان تكون الحضارة الجديدة حضارة «مدينية» الأمر الذي جعلها مشكلة القرن العشرين.
وتنعكس نتائج هذا التمدين في صورة الانسان «المقزم» الفاقد لاحساسه الاجتماعي، الذي تتفرد به قوى التكنولوجيا وتستعبده وتحوله إلى حفر لاهوية له. فقد اكتسبت الحواجز الجديدة هيمنة مطلقة على النشاطات الاتصالية والثقافية: فهي مركز صدور الصحيفة والكتاب والافكار الجديدة وباختصار فقد أصبحت «مراكز عواصف الحضارة» كما يقول مالكولم براد بري مؤلف كتاب «الحداثة».
وفي عالم متمدين يجد الفنان نفسه حبيس روح البيئة الحديثة، روح التكنولوجيا والماكينة والكمبيوتر. ولقد كانت هناك دائماً علاقة وطيدة بين المدينة والادب. وبما أن المدينة هي مركز الثقافة والتجارب الجديدة والحركات الأدبية والفنية، يجد المثقف نفسه منجذباً اليها بفعل عملية الجذب والنبذ مما يمنح الشاعر والرسام والمثقف عموماً مواضيع ومواقف صارت متجذرة في عمله. ويشكل هذا الشد والجذب حالة من التوتر والتفاعل الديناميكي.
ويجسد الشاعر الامريكي توم ليرد مثلاً خصائص متوارثة في المدينة الحديثة في هذه الابيات:
اذا ما زرت مدينة أمريكية
ستجدها غاية في الجمال
ولكن احذر شيئين اثنين:
لا تشرب الماء
ولا تتنفس الهواء!
فالشعراء اذن ومنذ بداية الثورة الصناعية، يركزون على البراءة المفقودة والفساد الزاحف على كل مناحي الحياة. فالجمال الظاهري لا يمكن ان يخدع الشاعر الذي يدرك خطورة الحياة في مدن ملوثة.
وقبله قدم وليم بليك صورة قاتمة عن المدينة الصناعية في قصيدته «لندن» «1794» التي كانت احتجاجاً على البؤس والخواء الروحي الذي خلقته قيم الحضارة الجديدة. فيما ركز شاعر الطبيعة وليم وردزورث على مشكلة اغتراب الشاعر وسط حشود السابلة في قصيدته الطويلة «المدخل» «1805»:
كم مرة، وانا وسط تلك الشوارع المكتظة بالناس، اسير إلى أمام مع الحشد، واقول لنفسي «وجه كل من يمر بي سر غامض».
فالمدينة تغرّب الانسان عن الارض وعن فضائل العائلة القديمة وتقتلعه من جذوره وتحيله إلى مجرد مخلوق ميكانيكي. فهو محكوم بما يسميه الشاعر الايرلندي لوي مكنيس «1907 ـ 1963» «بسلطان وسائل الإعلام». ويأتي خلاف الشاعر مع المدينة من احساسه العميق بالغربة التي تكمن وراء الكثير من الامراض النفسية الحديثة. وقد عالج شعراء القرن التاسع عشر هذا الامر بجدية اذ شهدوا ذلك التضخم والتورم المرضي وهو يكبر امام عيونهم كأنه وحش كاسر. ففي قصائد ماثيو ارنولد مثلاً نجد ادانة مستمرة لحالة الاغتراب والازدواجية الناجمة عن التصحر الروحي في السهول التي «تعح بالمدن» حيث يحيا الناس في مستوطنات بشرية في «سجن مبهر».
وقد سبق بودلير غيره من الشعراء في معالجة موضوعة المدينة في الشعر. اذ مهد الطريق أمام شعراء القرن العشرين للتعامل مع الصورة الجديدة للمدينة التي تستحيل في «أزهار الشر» «1867» إلى «واحة للرعب». وكان بودلير هو الذي علم اليوت استخدام المدينة موضوعاً في الشعر. ففي «نقد الناقد» يقول اليوت «ان بودلير هو الذي علمني كيف يمكن ان تكون تجربة مراهق في مدينة صناعية مادة للشعر» وان بودلير هو المسئول عن انتشار «اسطورة المدينة». وتوج قصيدة «الارض اليباب» «1922» بالكثير من صور المدينة الحديثة الملونة بالضباب الاصفر الذي يحوم فوق لندن والشوارع الخبيثة والمطاعم الرخيصة والشوارع الخلفية المخيفة والنسوة «اللائي يذهبن ويجئن يتحدثن عن مايكل انجلو».
ان مشكلة الشاعر الحديث هي مواجهة هذه الحاضرة التي لا حدود لها والامساك «بجزء من ذلك التدفق المليء باليباب» ليحقق أهدافه مستقلاً قوتها دون الاستسلام لها. وهكذا كان القلق الدائم والخوف من دمار شامل يشكل موضوعاً مركزيا في الأدب الحديث. ويصبح الرأي القائل بأن الحاضر هو ارض يباب وان الحضارة محكومة بالزوال، هو الاسطورة المهيمنة. وكما يقول الناقد ليونيل ترلنج «ان السمة المميزة للأدب الحديث هي ذلك الخط المرير من العداء للحضارة الذي يسري في الأدب الحديث».
ومن هنا تكون الاعمال الابداعية الحديثة والمعاصرة هي اصوات احتجاج ضد حضارة «تربي الكلاب اكثر من الأطفال» كما يقول الباحث الامريكي لويس ممفورد، حضارة لا تكثرت بالقيم الاخلاقية والروحية والفنية. فالفنان الحديث ينظر إلى المدينة على انها هاوية وان الفرد يشكل مأزق الحياة المعاصرة: فهو الانسان الكتلي، المنقطع عن الماضي وعن آصرة العلاقات الانسانية، انسان قلق وخائف، تستعبده وسائل الإعلام وأجهزة الحاسوب. هذا هو المواطن النموذجي للحواضر الكبيرة.
فالإنسان المعاصر، فناناً كان ام عاديا، هو جزء لا يتجزأ من هذه الماكينة الهائلة التي تجبره على استبدال ضحكته الصادقة بابتسامة مصطنعة، وكلامه المفيد بدردشة تافهة وألمه الحقيقي باليأس.
ماذا يتبقى للشاعر؟
احياء الاحاسيس المفقودة وتذكير ابناء جلدته بحقيقة انهم مازالوا احياء وانه من الحري بهم استعادة انسانيتهم واكتشاف ينابيع نهر الحياة. الا ان هذا الموقف يعتمد على رؤية الشاعر للمدينة فالشاعر اليوناني «كفافي» «1863 ـ 1933» مثلاً يجد في «المدينة» «1912» ان الإنسان مقدر عليه العيش في المدينة وليس أمامه أي مخرج:
قلت.. سأذهب إلى مكان اخر، بحر آخر
أجد مدينة اخرى أفضل من هذه
لن تجد مكانا آخر ما، بحرا آخر ما.
ستتبعك المدينة وستمشي في ذات الشوارع ستنتهي دائماً في هذه المدينة... وتشيخ مفي نفس المحلة من ناحية اخرى، يجمع اليوت الصورة الكابوسية «للمدينة الوهم» مع كل عملية التعقيم لكل ما هو عضوي وانساني. فهو يستكشف المدينة من الداخل ليكشف عن قذارتها وخوائها الروحي وظلمتها دون الوقوع اسير ضبابها البني. فهو يجعل من لندن رمزاً لكل المدن، عالماً مصغراً، لأن كل المدن في جوانبها الجمالية المميزة وفي مصيرها المحتوم متشابهة:
وبهذه الطريقة ينفي اليوت امكانية وجود «مدينة شاعرية» ويطمح إلى خلق «مدينة الله» وفق تصور القديس أوغسطين، مدينة يسكنها ملائكة لم يهجروها مع «ابليس»مؤسسة المدينة الدنيوية، مدينة، يسكنها اولئك الذين يؤمنون بملاذ الخلاص الاخير الكامن في ايمان اليوت الكاثوليكي بالصدق والطيبة والايمان، والعطاء.
وفي مرحلة لاحقة يردد و. هـ. اودن «1907 ـ 1973» صدى بودلير، في قصيدته «بروكسل في الشتاء»حيث يرى اودن المدينة «عاهرة قاسية القلب مستعدة لامتاع من يدفع اكثر». وفي قصيدة «عصر القلق»«1984»يستخدم اودن رمزاً غير مألوف ليعكس غربة الإنسان وانقطاعه عن جذوره:
يستقبلهم القلق مثل فندق كبير
الفندق هنا هو نقطة التقاء أهل المدن، عابري السبيل الذين لا جذور لهم. وفي فترة متأخرة من حياته يكشف اودن في «مدينة دون اسوار»«1969»ان اسوار التقاليد قد تهاوت وان الانسان المعاصر صار ضحية لا محال، وان لارجاء له في علاج سيما وانه صار «انسان الجملة»مثله مثل اي سلعة اخرى. وفي عصر الكمبيوتر، قد يستبدل آدم وحواء، مواطنو مدن الاسفلت، بهذه الماكينة التي ستتولى الكثير من وظائفهما اليومية:
يقول أودن «قريباً قد تطرد الحاسبات من العالم كل الناس باستثناء النخبة الذكية القليلة».
وفي «العصر الذهبي» «1972» يأسف اودن على عصر كان الشعراء حلموا به، عصر لم يأت بعد ولن يأتي:
يحدثنا الشعراء عن عصر الهناء الخالص
عصر الذهب، عصر حب، ووفرة وبساطة
لكن وآسفاه
جاء يمضي
جاء السحرة
باردون وعجزة
يحيلون النهار رماديا
وقد مات
العصر الذهبي



Dr. Mohammed Hassan غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2006, 03:56 PM   #[23]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الحنينة
الف شكر علي المتابعة والاهتمام واتمني ان تكوني حصلت علي مفتاح الكتابة بالعربي حتي تتحفينا بملاحظاتك الثاقبة

الاخ محمد احمد موجود وقد بلغته تحياتك وتحيات الاصدقاء ووعد بالظهور



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-02-2006, 10:27 AM   #[24]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

العزيز خالد الحاج
شكرا علي هذه المساهمة التي اشرت فيها الي خاصية اسلوبية تعد اميز الخواص البلاغية لنهج اليوت في كتابة الشعر الا وهي خاصية الاقتباس والتضمين او التناص حسب تسمية الحداثيين .
كما وردت الاشارة في صلب الدراسة ان اليوت اقتبس او ضمن اكثر من ثلاثين اثرا في قصيدته ، تراوحت بين الاساطير والديانات القديمة والسماوية الي النصوص الادبية المعاصرة .
بالنسبة للكتاب المقدس يحيلنا اليوت في هوامش القصيدة اكثر من مرة الي التوراة . في الجزء الاول وحده : " دفن الموتي " يحيلنا اكثر من مرة الي العهد القديم .
ولكن المهم في خاصية الاقتباس عند اليوت انه لا يبقي علي النص المقتبس كما هو ، بل يعدل فيه بما يلائم غرضه البلاغي .
بالنسبة لعنوان الجزء الاول THe Burial of the Dead
يقول صاحب مرشد الدراس لقصائد اليوت : ان مراسيم دفن الموتي تسمي في الكنيسة الانجيليكانية
The Order for The Burial of The Dead



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-02-2006, 10:57 AM   #[25]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشقليني
لكننا الآن أمام سجادة زاخرة بنقش فارد الجناح .
مُثقل بالرؤى . فادِح الجمال . بقدر ترفقك
بأديبنا عبدالله الطيب ، بقدر ما تُسبقك محبتَك
أن يكون الخلاف مؤسساً على قيم صبرت عليها
صبر الحصيف ، وأخذت بحُضن عبدالله الطيب
كأنك تستسمح أن يُغفر لك مَجده أن تبوأت
شأواً يليق بعظمة الخلاف ، وتأسيسه على القرائن
والحِجج البائنة .

اديبنا الرقيق عبد الله الشقليني
المسكون بجمر الشعر
دائما تجعلني اقف قليل الحيلة امام صندل كلماتك
وقلمك السامق

وهنا لا يسعني الا ان اشكرك علي حسن الظن فالكتابة عن منارة مثل عبد الله الطيب يحفها الاغواء وحظوظ النفس وصغائرها وسوف اخذ هذه شهادة منك بالتوفيق في هذا الامتحان ،
فانا لا املك الا ان انحني حاسر الراس اجلالا واحترما لاستاذ الاجيال عبد الله الطيب .
نسال الله ان ينزل علي قبره شابيب الرحمة والمغفرة بقدر ما قدم الي بلده من علم ومعرفة
ملاحظتك عن التشكيل مهمة جدا جدا لكن يا سيدي ما زالت غير قادر علي محو اميتي الالكترونية والكمبيوترية

وفي انتظار المزيد



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-02-2006, 09:02 PM   #[26]
3mk-Tango
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية 3mk-Tango
 
افتراضي

هنا امام محراب العلماء ..لا يسعنا الا التامل وتسطير الاعجاب

تشكر يا عبدالمنعم ... قد لا نصل الي مقامك في التحليل والنفس الطويل
ولكن تاكد اننا نفهم ما تكتب ونستطيع ان نميز جماله وقيمته ..
لك الود وربنا يديك العافيه ...



التوقيع: كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة ..

..الامام النفري ....
3mk-Tango غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-02-2006, 08:44 AM   #[27]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Dr. Mohammed Hassan
وقد سبق بودلير غيره من الشعراء في معالجة موضوعة المدينة في الشعر. اذ مهد الطريق أمام شعراء القرن العشرين للتعامل مع الصورة الجديدة للمدينة التي تستحيل في «أزهار الشر» «1867» إلى «واحة للرعب». وكان بودلير هو الذي علم اليوت استخدام المدينة موضوعاً في الشعر. ففي «نقد الناقد» يقول اليوت «ان بودلير هو الذي علمني كيف يمكن ان تكون تجربة مراهق في مدينة صناعية مادة للشعر» وان بودلير هو المسئول عن انتشار «اسطورة المدينة». وتوج قصيدة «الارض اليباب» «1922» بالكثير من صور المدينة الحديثة الملونة بالضباب الاصفر الذي يحوم فوق لندن والشوارع الخبيثة والمطاعم الرخيصة والشوارع الخلفية المخيفة والنسوة «اللائي يذهبن ويجئن يتحدثن عن مايكل انجلو».
يا اهلا وسهلا بالدكتور محمد حسن والف شكر علي هذه المساهمة القيمة
واسف للتاخير في الرد لاسباب لوجستية متعلقة بالنت .
موضوع المدينة والمدنية هو الثيمة التي يدور حولها الشعر الحديث وصحيح ان بودلير له الريادة في ذلك
وتي اي اليوت معجب جدا ببودلير وخص له اكثر من مقالة .
واقتبس منه في قصيدة الارض الخراب مرتين الي درجة انه ضمن احد هذين الاقتباسيين باللغة الفرنسية كما هو .

هنالك ملاحظة هو ان كاتب المقال اخطا في حديثه عن " والنسوة اللائي يتحدث عن مايكل انجلو " .
هذه الصورة وردت في قصيدة : " اغنية العاشف ج. بروفروك "
ولم ترد قصيدة الارض الخراب ، او اليباب كما ذكر الكاتب .



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-02-2006, 10:11 AM   #[28]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة 3mk-Tango

ولكن تاكد اننا نفهم ما تكتب ونستطيع ان نميز جماله وقيمته ..
لك الود وربنا يديك العافيه ...
عزيزي تنقو
لا شك في ذلك وهذا هو مصدر فخري
فلا قيمة لكتابة تتعالي علي القارىء
ولا فائدة في كتابة لم يتجاوب معها القاريء
كم انا سعيد بهذه الشهادة



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-02-2006, 11:22 AM   #[29]
محمد ابراهيم قرض
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

عجب ...
كلاما جميل و نضما كتر ...
بس عايزنك تقوم شوية تقبل على ناس المنتدى ديل
و تهريهم بالنقد ... واحدين شعراء و واحدين بتاعين خواطر ..
و واحدين كبكبة و ريدة سااااكت ...
دحين أبدأ لينا بمعتصم الطاهر ده ..
قول بسم الله !!!



محمد ابراهيم قرض غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-02-2006, 09:33 AM   #[30]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الاخ محمد ابراهيم قرض
الف مرحب بالطلة وشكرا علي الزيارة والمتابعة
واهنيك علي المجهود المقدر

ناس معتصم الطاهر ديل خليهم ساي ليهم يوم
افتهم ليك فتة !!

تحياتي الي معتصم وكل المبدعين في هذا الحوش الانيق بدون فرز



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 05:36 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.