:: كــاتب نشــط::
|
ملائكة الفِكر و شياطين و الشِعر
ملائكة الفِكر و شياطين الشِعر
... صديقتي الحبيبة , خضراء وارفة , شهباء , تصفو حين يغشاها النسيم , أترنم تحتها و أغني بصمتي الطويل , تراودني براءة الأطفال و فضولهم , يتعب جسدي من الحركة و أنا ساكن ٌ , صامت ٌ كمثل حركة العروس و هي في كرسيها ليلة زفافها , ربما تزورها قبائل الملائكة , و تتعاطف سحريا مع الكون و جزيئاته ,
و تدرك الكون بمثقاب خلية و مسبار شعيرة تتصفحه كمثل متصفح النسيج العالمي. فهي صامته و أنا صامت و لكننا نحكي لبعضنا و نبث أشجاننا , و لكن يأتيني النسيم باردا ً لا أعرف كيف اعبر عن فرحي فأعرف ان الله قد رضي عني فأسكنني ذات جنة سفلية من التراب و الطين, كان موج الغبطة و السرور يحرك حاجزي لينحسر للقلب كي يتمدد و للرئة كي تستوعب تسارع الدم و الهواء. كنت لا أرى بعيني و لا أحس بجسدي , تركت دفاتري و أقلامي دونما أذكر كيف , فدثر الصمت المكان , و زادت هواجس الفكر و الشعر, تقطر الوجد أشواقا ً , تبدلت ملامحي و جسدي إلى دمية معبرة , فنطق السحر بعد عسر يسير و تلى على الأفق غمام العاشقين , و العينان تنظران من بعيد إلى عالم الصلصال تفوح رائحته أحيانا تقطع علي ّ متابعة النقاء , يتجادلون مع الطين و الصلصال , و تندلع ألهبة الأرض فتطبخ الصلصال , و لكن سرعان ما تنحسر عيناي عن أسوار الطبيعة , تعود مرة أخرى لخلق ٍ صامت , تتجاذبه عوالم السحر اللامرئية , أذوب في لحظات عشق ٍ لا أعرف ما مداها , و مروج حس ٍ لا أعلم منتهاها , بدأت أسمع أجراس الفكر البعيدة
ما بين الطيوف و الواقع , متشحة بثوب وَجَدتْ فيه الرياح مسكنها , و غياب لا يعي معه الجسد قشرة الأرض , و ممالك ككون سليمان تأتمر له و تنتهي , تخافه و تحبه , تتحول ظلال الشجيرات من حولي و أعوادها كأعواد سحرة موسى , تتلقفها نظراتي , فبهت العالم الذي كنت أتبوأه بين صلصالي و دمي , وفجأة تعبدت إلى ذهني و مخيلتي طرقات و قناطر سحرية حَمَلتْها لي بوادر النسائم المسائية , عندما انحرفت الشمس إلى خلف شفق ذاك اليوم , كان الهبوط إلى حيث الجسد , فحينها سمعت و رأيت ضجة العصافير الجميلة الرقيقة , ما أجملها من ضجة تسلمني إلى حيث كنت أهيم , فلم تكن ببعيدة عن أحوالي . و مرة أخرى جاءتني خيوط حناجر عذبة , تتشح بها ذؤابة النسيم , و ترقص لها أدُمة القشرة و هي تتصدرها مياه الجداول , أصوات السلسبيل تختلط فيها أصوات الصادقين من النساء و الرجال , و طقوس الغرف تجلب لي همس الروح لحاسة الشم . أسمع طرقات الأنامل على حافة جلد (الطار) و كثير من الناس قد فارقوا ممالك الطين و مسالكها متجهين صوب (المادح) عبقري الصوت , الذي يشبهه الناس بكل الأصوات العبقرية و بينما أنا كذلك و أنا على أعتاب أن أفارق الهيام , لسعتني نملة صغيرة , ففارقت روحي صويحباتها , خَلعَتْ أثواب الطهر لتخرج للناس بثوب الخديعة. و لكنني انتفضت من الخوف , حشرة صغيرة و لكن لسعتها سامة , حاولت أن اخرج هربا منها من مقامي تحت ظل شجرة (الكِتِر) و لكنها بكل شر مستطير شدت قميصي من الخلف , نظرت خلفي وجدتها شوكة لعينة , فتراها فعلت بقميصي ما فعلته امرأة العزيز بيوسف , لم ترحمني عيون الناظرين و لا نظرات الحكام. فانا عندهم مجرم أمارس الذكر تحت هذه الشجيرة , و لكنهم لم يسجنوني كما فعلوا بيوسف بين قطبان أربعة , بل سجنوني بنظرات الرجال و النساء , فأعادوني إلى ملة الشعر و الكتابة , و حينها فقط تلمست القلم و الورق و نظرت للناس فوجدتهم يتبعونني بنظرات فائقة الدهشة , و عندها فقط ضحكت ضحكة طويلة و تيقنت أنها مؤامرة بين النملة و الشيطان , أسلمتني إلى أحضانه , لأكتب شعرا يرقص هو على حواشيه , و بعد ميلاد القصيدة أحسست بجسدي كعصف مأكول , أو كامرأة ما تزال تحت تأثير المخاض تتسارع ضربات قلبها و هي لا تستطيع إن تنظر لوليدها و هي مغشي عليها , فانفض سامري , فتبدلت نظراتي للناس من حولي و الأشياء , اكتحلت عيناي بدهشة كدهشة بلقيس ببلاط سليمان و أنا انظر لقصيدتي و كأنها لا تشبه مدارك الملائكة و لا منازلهم , و لكنني أعيد قراءتها كلما حنت روحي لذكر الملائكة , هربا من حصون الشيطان و أسواره الشائكة , و لكنني في كل مرة أقع تحت قبضته عندما اكتب قصيدة أخرى , و دائما ترحل بي طيور سليمان و حشراته و جنه من حصن الملائكة إلى دكة الطين و النار.
أحمد يوسف حمد النيل – الرياض
8/7/2007م
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد يوسف حمد النيل ; 14-07-2007 الساعة 12:57 PM.
|