الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-2016, 09:49 PM   #[1]
imported_رأفت ميلاد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_رأفت ميلاد
 
افتراضي حورية

حورية

أنزوى الرضى داخل المركبة الضخمة جالساً على الأرض يراقب الأجساد المتلاطمة بضجر. همه ألا يسقط عليه أحد وتمنى أن يتخلص من جلده لكى لا يحس بالأجساد التى تلاصقه. الجميع يشب للنظر للخارج والبحث عن شيئ يرافق صوت الإنفجارات التى لا يعلم أحد مصدرها. خلو الطريق من كل شيء لا يدخل الطمأنينة فالجزع من أي لحظة ظهور خطر غير منتظر ولا سيما السماء تلمع تضيئ الأرض مما ينبئ بالخطر المتربص. الرضى غير مكترث بالخطر المحدق مثل ما تضايقه هذه الأجساد وهذه الأنفاس. فى وسط هذا التلاحم التقت عيناه بالسعدى واقفاً فى الجزء الأمامى من الحافلة بهدوء يرمقه بنظرة كلها صمت. وضع رأسه بين رجليه ويداه تحميه من أعلى وتكور فى فزع ونسى كل ما حوله وهو يتمتم فى فزع. لم يحس بترنح المركبة ولا صراخ الناس ولم يسمع الارتطام المدوى.
أفاق برعب وهو يصرخ فامتدت إليه أيادى كثيرة تكبله وصوت فى أذنه يحسه كالصراخ. قليلاً قليلاً بانت له نبرات الصوت المتكرر بتصميم:
- قل (سيرا يا شي)
تمعن فى وجه الرجل وهو يردد خلفه وفى كل مرة يرى وجهه أكثر وضوحاً. صار يردد بدون انتظار تلقينه حتى يستوضح وجهه جيداً حتى صار وجه السعدى واضحاً تماماً تعلوه ابتسامة صافية. تأمله ينظر إليه بطمأنينة وقد استكان تماماً. غفا قليلاً وقام فزعاً وصار يردد ما لقنه له السعدى. هدأ وتلفت حوله يبحث عنه فى الوجوه الصامتة التى كانت ترقبه فى حذر وفضول. نظر الى رجل جلس أمامه يقبض على يد أبنته المستلقية على فراش أبيض كأنه يقبض على الرعب فيها. سأله عن السعدى فكان جواب الرجل صمت وتحفر وازدادت يده تشبث بيد أبنته.
تيقن أنه فى مستشفى بعد أن جال ببصره فى كل أنحاء الغرفة فكشف عنه الغطاء وتفحص قدميه وحركهما وتحسس جسمه كله. نجح فى الوقوف بسهولة متجاهلاً تحفز الرجل الى أمامه وتحرك بخطى ثابتة مغادراً ولم يعارضه أحد وربما تنفسوا الصعداء بخروجه.
طرقات المدينة ممتلئة بالناس فرحين يهللون كاد يسأل أحدهم ولكنه تراجع لا يهمه الأمر ولكنه تيقن أن أيام الخوف قد ولت؛ جال ببصره فى المكان حتى تجمعت أوتار بوصلته فسلك طرق ضيقة يعرفها جيداً متفادياً المرور بالأمكنة المأهولة فكانت الظلمة له خير رفيق.
وصل الى سكنه ذو الغرفة الواحدة وعندما شرع فى تحرير مزلاج الباب أقشعّر كل جسده وتملكه شعور قوى بمجهول ينتظره فى الداخل. دلف الى الغرفة وجدها كما تركها ولم يفارقه شعوره بأن هناك ما لا يألفه يعم المكان. غفا نائماً بعمق كما لم يفعلها فى القريب. أرتخى جسده بخدر تمطت له كل خلاياه تلتها دغدغة ناعمة تسرى فى جسده وكما أنامل ناعمة تندس فى أدفأ الأماكن بجسده ولفحته أنفاس حارة على وجهه فهب مذعوراً وتلفت فى الغرفة وقد صار طلاؤها هلامى يميل الى الاحمرار وتضيء بلون فضى باهت وقد ترتبت بذوق مريح وأضيفت تماثيل تكاد تنطق بالجمال والإتقان. فجأة سمع الرضى طرق قوى على باب الغرفة فقفز وفتح الباب ولكنه أرتد منه مقفول بصفعة داويه. حاول فتحه مرة أخرى هارباً وقد لحظ شبح السعدى فى الخارج فى اللحظة القصيرة التى أرتد فيها الباب. كان الباب موصودا تماماً. أصبح السعدى فى الخارج ملاذه وكما فى المستشفى صار يردد فى همس متوتر
ـ سيرا يا شى .. سيرا يا شى .. سيرا يا شي
صارت الأشياء فى الغرفة كأنها تهتز. ألتفت فى ذعر ولسانه ما أنفك من ترديده بتواتر وصوته أصبح أقوى. تحركت كل محتويات الغرفة وتصدعت التماثيل وتطايرت الأشياء الصغيرة فى الهواء واندفع بعضها نحو وجه. أغمض عينيه ولم يتوقف عن الترديد حتى هدأ الكون من حوله. فتح عينيه بحزر وخوف كبيرين. وجد التماثيل قد اختفت تماماً وزال اللون من الحوائط وقد تحطم تماماً كل ما فى داخل الغرفة. امتدت يده الى الباب فأنفتح معه بسهوله. لم يجد السعدى فى الخارج وشرع فى الهرب غير مهتم بالبحث عنه.
هام الرضى فى الطرقات لا يملك نقوداً وتملك منه الجوع والعطش. قادته قدماه الى نزل متوسط الحال فدخل عله يظفر بجرعة ماء يطفئ ظمأه. تقدم منه عامل الفندق بهمة وترحاب وصافحه قائلاً :
ـ غرفتك جاهزة يا سيدى
أرتقى بحزر خلفه سلم عتيق ولكنه نظيف بكساء عجمى قديم بهتت ألوانه. الغرفة فسيحة ولها مخدع عريض وبجانبه مائدة مغطاة بطبق حلزونى مصنوع من جريد النخل ومنسوج بخيوط ملونه تشابك شرائح الجريد بعناية تضيف له رونق. وقف الرجل مبتسماً وقال له:
ـ سأتركك يا سيدى ترتاح وقيمة الغرفة جاهزة عندى ويمكنك تسديدها متى تريد.
خرج الرجل فوقف الرضى فى حيرة ولكنه يحتاج لبعض الراحة فحزم أمره أن يستغل الحال الراهن وليجدث ما يحدث. تقدم الى المائدة وروى ظمأه من كوب من العصير البارد. أشتمّ رائحة طعام فأزاح الطبق من على المائدة فوجد تحته شواء طازج وبجانه قطعة خبز شهية وإناء به حساء تلوح منه أبخرة معلنةً عن دفئه. ألتهم الرضى الطعام على عجالة وحالما استلقى على المخدع داهمه نعاس فغرق في أعماقه. تنبه الرضى منزعجاً وكان جسده كان قد أستعاد حيويته. سحب يده التى كانت تحت الوسادة وهو نائم فتلمس جسم صلب. أخرج يده ممسك بذلك الشيء وإذا هى حافظة نقود منتفخة بالمال؛ فتحها وأفرغها على اللحاف فكان مبلغ من المال لم يحوز بمثله طوال حياته. سمع طرقاٌ على الباب فأخفى المال بسرعة تحت الوسادة. بدون انتظار إذن فُتح الباب ودلفت فتاة يانعة تغطى شعرها بشال عتيق وتلبس ثوب قديم لكنه نظيف يلتصق بجسدها ويكشف عن مفاتن تختفى خلفه. أقفلت الباب برفق واستدارت وتلاقت أعينهما فشهقت بفزع. وقالت برجاء وبكلمات متلعثمة :
ـ أغفر لى يا سيدى لم أحسب أنك هنا. أنا عاملة فى النزل وعلىّ الاعتناء بغرفتك. إذا سمحت لى فقط بتنظيف المائدة وأخذ الأوانى.
أومأ إليها بالإيجاب وقد سرى فى جسده اقشعرار اشتهاء سرعان ما طرده. صار يراقبها وهى بخفة تنظف المائدة وتجمع الأوانى وتغطيها بالطبق. بعد حملهما وضعتهما مرة أخرى وتوجهت نحو المخدع وهى تبتسم كأنها تحصل على إذنه . شرعت تجذب الغطاء لإزالة آثار النوم عليها. وهى بصدد ترتيب الوسادة رأت المال تحتها فقفزت حتى كادت تصطدم فيه فسندها بيديه فتخلصت منه برفق ولم تبتعد كثيراً وقالت له بصوت متهدج:
ـ تملك مال وفير يا سيدى فهلا وهبتنى بعض المال فأنا فى حاجة حرجة وسأكون مخدومة لك
كأنها ندمت على تصرفها طفرت دمعة من عينها وهمت بالهرب. أستوقفها ودس يده تحت الوسادة وأخرجها ممسكاً ببعض الوريقات ودساها فى يدها. تمتمت بكلمات شكر وهى تنظر الى الأرض وانسحبت صوب الباب. عند الباب ألتفتت إليه وقرأت رغبة متوسلة فى عينيه. عادت بنظرها الى الباب وهى ممسكة بالمزلاج دون أن تسحبه برهة كأنها تحزم أمرها. أسقطت المزلاج تؤمنه من الداخل وعادت صوب السرير دون أن تنظر اليه. أندست تحت الغطاء كاملة وبتحركات تابعها بكل ذرة من كيانه تخلصت من كل ملابسها العلوية ودفعتها الى الأرض ولم تظهر منها إلا كفة يدها عندما شرعت فى التخلص من القطع التحتية أصابه ارتعاش كالحمى وأندس معها تحت اللحاف ويده تبحث تساعدها فى خلع آخر قطعة. دون أن يتحرر من كل ملابسه ألتحم الرضى معها وغاب معها فى شبق متعطش وهو فى ذروته أخرج رأسه من تحت الغطاء يبحث عن بعض الهواء فوقعت عيناه على السعدى ووجهه ملتصق بزجاج النافذة ينظر إليه بعين كلها شفقة. ظل وهو يفرغ شبقه بتنهدات متقطعة يتابع وجه السعدى ينسحب من على النافذة حتى أختفى تماماً. أتاه صوتها من تحت الغطاء قائلة :
ـ لن تراه بعد الآن فلقد أصبحت ملكى
قفز من الفراش كمن لدغته حية فالصوت يألفه كثيراً. خرجت هى من تحت الغطاء أمرأة أخرى يعرفها جيداً. طاح الى الخلف وأسقط المائدة خلفه وسقط من فوقها. ارتدت ملابسها بتأنى وتقدمت نحو الباب وهى تنظر إليه مبتسمة. عندما وصلت الباب وصلتها تمتمته (سيرا يا شي) فضحكت بصوت غنج عالى وقالت له:
ـ هذه غرفتك والمال مالك وستحصل على كل ما تريد وأنت ملكى.
خرجت المرأة وودعته بابتسامة ذات معنى مغلقةً الباب خلفها برفق. رغم مغادرتها أمامه كان يحس بوجودها معه فى المكان وكانت رسالتها وصلته جلية فكف عن ترديد المعوزة وهو يرى أوراق النقود تغطى اللحاف تعيده لتلك الملحمة التى لم تهدأ أنفاسه كاملة منها بعد. تخيل زوال كل هذا كما حدث فى غرفته القديمة فصمت تماماً.
غسل الرضى جسده بماءٍ دافئ كأنه تخلص من عبء كان يحمله. عندما خرج وجد باب الخزانة الخشبية موارباً فتحه فإذا بها مليئة بملابس بديعة فتأكد من وجودها معه فى المكان ولكن تجاهل ذلك تماماً. أختار الرضى أول جلباب أمامه وبقليل من التأنق خرج من الغرفة. فى ردهة النزل هرول له صاحب النزل مهللاً ودعاه الى مجلسه سدد له الرضى حساب الغرفة لشهر قادم فحاول الرجل أن يقلل له من التكلفة فدفع بإصرار القيمة كاملة. قضى أمسيته متسكعاً حتى قادته قدماه الى مقهى على شاطئ النهر.
جلس الرضى يحتسى كوب من القهوة برشفات قصيرة متواصلة. طاف فى خياله طيف والدته وضحكتها الرنانة وصوتها الشجى. تبسّم وهو يراها تطارده فى لهو. وهو يحاورها يرتطم بوالده القادم لتوه من الخارج الذى يتصنع القبض عليه وهو يهرب منه.
دار فى خياله تحذير والده الغاضب وهو يؤكد له سيكون تحت طائلة العقاب إذا أقترب مرة أخرى من بيت السعدى. كان معجب بالسعدى وطريقة قيادته لدابته فى اعتداد ونيله احترام أهل القرية وكلمته مسموعة لا يخالفها أحد أقرب الى الطاعة. منزله بحوائط عالية غير طبيعة دور أهل القرية ويبتعد قليلاً عن المساكن. عند النظر اليه من بعد تطل منه أشجار عملاقة لا يراها الناظر من قرب. على مساحة أرضه الزراعية لديه غرفة واسعة حولها زرع أخضر كثيف وهوائها نقى بارد لوقوعها بجانب مجرى المياه الرئيسى. هناك يستقبل الناس ويقيم ولائمه التى يحرص أن يحضرها كل أهل القرية بعيداً عن منزله الذى لم يراه أحد من الداخل.
فى الخفاء هناك همس حول السعدى فلا يدرى أى إنسان فى القرية من أين أتى ومتى أتى. يؤكد البعض أن مسكنه هذا منذ مئات السنين وهو مقترن بزوجة من الجن. يسخر آخرين من هذه القصص ويؤكدون هو جندى هارب من الحرب بعد أن سطا على غنائم ضخمة هى سبب غناه. ولكن الكثيرين يؤكدون أنه فقيه صالح ومنزله صومعته التى يتقرب منها للإله. ما كان إنسان فى ضيقة إلا ووجده على أعتاب منزله ويمنّ بيمينه دون أن تدرى يساره. وذهب البعض الى أكثر من ذلك بأنه يشفى المريض ويبصر الأعمى.
القصة التى لا يخوض فيها الجميع جهراً عن جماعة من الأغراب ظهروا فى القرية وصاروا يضايقون الجميع ويحتسون الخمر فى الطرقات ويعتدون على النساء؛ أشتكى له القوم فوعدهم خيراً. فى تلك الليلة لم تنم القرية من صرخات الذعر والألم والإستنجاد ولم يجرؤ أحد مغادرة منزلة. فى الصباح خارج القرية كانت أجساد الغرباء ممزقة كان حيوان ضارى قد فتك بها. تحت رعاية السعدى تم دفنهم فى أماكنهم وتساوت عليهم الأرض. تلك المساحة صارت معزولة ونبتت عليها أشجار شوكية كثيفة يتعذر إختراقها.
فى صباه كان مشغول بهذه القصص عن السعدى ومنزله خلف القرية يستحوذ على خياله. حاول مرة مع بعض الصبية تسلق جدار منزل السعدى وتم ضبطهم من بعض الأهل القرية بعد أن أفشى سرهم صبى منه تملكه الخوف. سلموهم الى ذويهم بصمت ولم ير والده يوماً غاضب مثل ذلك اليوم وهو يقبض عليه وأياديه ترتجف وهو يتوعده.
شب قليلا عن الطوق وأصبح يميل الى الوحدة منذ تلك الحادثة. فى اليوم التالى لذلك الحدث جلس متخفياً يراقب جمع من الناس يحلّقون حول السعدى. فجأة رفع السعدى نظره إليه مباشرة فأرتعبت مفاصله وقام متعثراً يركض. منذ ذلك اليوم تحاشى مقابلة السعدى ومال الى العزلة.
إنشغاله بذلك المنزل الكبير لم يفارقه ويراه كل يوم فى منامه ويتجول فى ردهاته الواسعة ودهاليزه الكثيرة. تنتهى أحلامه دائماً عند أمرأة تجلس على مقعد وثير فى آخر الردهة نصف جالسة ونصف مستلقية؛ يراها من الخلف وشعرها مسدل على ظهرها كثيف وحالك السواد. يقترب منها فى حذر فتحس بوجوده وهى ملتفتة اليه يصحو من منامه بانزعاج.
خلف منزل السعدى نبع ماء تغطية حشائش عملاقة لا يعرف أحد من أين تنبع المياه وكل مساحة النبع لا يتعدى عمق قدم إنسان وفى الطرف الآخر من المنزل يُسمع خرير الماء ولا يراها أحد؛ من مكان النبع لا تظهر جدران المنزل ومغطاة تماماً بأشجار كثيفة متشابكة. يقصد الرضى ذلك النبع مع آخرين يتركون بهائمهم تأكل وترتوى من ذلك النبع.
فى يوم غفا الرضى فى مكان منعزل عن الآخرين تاركاً بهائمه سارحة فى النبع. صحى فزعاً بيد تلامسه ولكنه لم يجد أحد بجانبه؛ عندما وقف على قدميه وجد الجميع قد انصرفوا وتبقى وحده. والشمس تميل الى الغروب بدأ فى جمع بهائمه وفطن لإختفاء إحداهن؛ تلفّت حوله فوجد المعزة عالقة بين الأشجار لا تجد طريقها للخروج. توقفت عن الحركة عندما رأته وصارت تصدر أصوات كأنها تنبؤه بمكانهما ولكنه تعثر فى الوصول إليها. ألتف حول الأشجار خائضاً فى الماء حتى يدخل بينها كلما وجد فجوة لذلك مقتفياً أثر البهيمة بصوتها فانزلقت قدمه فى حفرة عميقة وحاول التشبث ببعض الأغصان ولكنها تكسرت على يده وهوى داخل الحفرة وابتلعته المياه. صارع وقاوم تيار قوى يجذبه الى الأسفل حتى انهارت قواه فكتم أنفاسه وترك نفسه مع التيار حتى لفظته المياه خارجاً كأنه يسقط من عُلى. أعاد أنفاسه بشهيق عالٍ وجلس يجمعها حتى هدأت. تلفت حوله فكأنه داخل الحلم. نفس الحيطان ونفس الدهاليز. وقف على قدميه فقادته بشعور العارف بين الردهات. قبض أنفاسه وهو فى طريقة فى الردهة التى تجلس فيها المرأة. تسمر عندما رآها مستلقية. تقدم ببطء نحوها وفجأة ألتفتت إليه ليس كما فى الحلم. بُهر أمام وهج عينيها التى برقت تطالعه. وقفت أمامه شبه عارية يغطى صدرها خصلات شعرها الغليظة ويستر أسفلها قطعة شال بلورى تلتف حول خصرها متدلياً شرائح تغطى أفخاذها. لا تشبه أى أمرآة رآها من قبل. اقتربت منه المرأة تنظر اليه بحنق قائلة:
ـ ما الذى أدخلك هنا أيها البائس وكيف لم أحس بك.
نظرت إليه بتفحص قائلة
ـ أنت نفس ذلك الصبى. أذهب أمامى
حاول الفرار ولكنه تسمر فى مكانه. دفعته برفق ولكنه ترنح بصدمة هائلة. واصلت دفعه أمامها حتى سقط فى جب وأغلقت الباب خلفه. جلس على قرافيصه وعيناه على الباب المغلق وقد تملك منه رعب جبار. انفتح الباب ودلف منه السعدى فى خطوات متأنية ولم يتوغل كثيراً وقف ينظر إليه كأنه يتأكد منه وكانت نظرته ملؤها الحسرة أكثر من الغضب فيها.
قفل السعدى راجعاُ مغلقاُ الباب خلفه. ظل ساكناً يرمق الباب المغلق. دخلت المرأة ودعته للخروج فلم يتحرك من مكانه. بدعوة من يدها كان فى قبضتها خارج الجب. قادته أمامها الى غرفة لم يراها فى أحلامه. قبضت المرأة بوجهه بكلنا يديها وقالت له:
ـ مصيرك قد أرتبط بى وسنلتقى
فتحت باب آخر داخل الغرفة نظر خلاله ولم يرى سوي نور ساطع كالبرق يتلألأ وقبل أن تترتب أفكاره دفعته خارجاٌ. لم يتمكن من الصراخ وقع تحت أرجل وضوضاء وصياح وهو جالس على الأرض فأخذ بيديه يتراجع بذعر الى الخلف فأصطدم برجل. أمسك الرجل بتلابيبه ورفعه عالياً وأنتهره:
ـ ما هذا وماذا تريد هل أنت تنوى سرقتى؟
هزّ رأسه بعنف نافياً. لم يضيع معه الرجل زمن فأطلقه بفظاظة وعاد الى ما كان يفعل فيه. هرب الرضى وهو يتفادى أجساد الناس بلا هدى وأرتطم برجل جالس أمامه نفر من الناس ينتظرون. لم يلتفت الرجل احتجاجات المنتظرين أو يتذمر لارتطام الرضى له. قال الرجل دون أن يرفع رأسه:
ـ أسمك
قبل أن يفيق من دهشته رفع الرجل له عيناه وأنتهره:
ـ أبكم أنت؛ ما هو أسمك
ردد الرضى أسمه ثلاثياً وهو يكاد يبكى. لم يهتم له الرجل فقط أشار له بالدخول قبل أن يبدأ بكتابة أسمه منادياً الذى يليه. تقدم بحزر فى ردهة طويلة فقابله رجل آخر وأشار له أن يتبعه. ذهب معه الى غرفة مصدعة أمامها حفرة عميقة وقال له مشيراً بيده الى الغرفة :
ـ قبل نهاية اليوم أريدها خالية وكل ما فيها ألقيه فى هذه الحفرة وإياك والتلكوء
ذهب الرجل ووقف الرضى وحده فى اندهاش وحيرة وخوف. دخل الى الحجرة ووجدها بلا سقف ومليئة بأحجار ضخمة يتخللها حديد صلب وقطع غليظة من الحديد والأخشاب. تقدم الى أقرب حجر منه وحزم أمره على حمله. تفاجأ له بين يديه كقطعة من الورق. بحث عن آخر أضخم منه وتعجب بأن الحال نفسه. أنهمك فى حمل الأحجار وكل البقايا وإفراغها فى الحفرة. فى ساعة زمان كانت الغرفة فارغة من محتوياتها تماماً. أجلس الرضى نفسه بإنهاك خلف نافذة مشرعة وقبل أن يلتقط أنفاسه دخل عليه الرجل فهب فزعاً. جال الرجل بنظره فى الغرفة باندهاش فى عينيه وسأله منفعل :
كيف فعلت ذلك هل فعلت ذلك منفردا؟
جن جنون الرضى وهرب محتمياً بالحائط. شعر الرجل أنه أخاف الفتى وأخذ فى تهدئته. سأله:
ـ تناولت إفطارك
أشار الرضى برأسه بالنفى. طلب الرجل من الرضى أن يتبعه وعندما لم يتحرك ذهب إليه وربت على كتفه مشجعاً وقاده معه. أجلسه على طاولة فى مطعم بالقرب المكان وطلب له طعام. جلس قبالته والرضى ينظر الى الطعام لا يجرؤ الاقتراب منه. هب الرجل ليزيل عن الرضى الخوف وقال له:
ـ حالما تنتهى من طعامك تجدنى فى الداخل
بعد ذهاب الرجل فكرالرضى جدياً فى الهرب ولكن الطعام أمامه والجوع يفتك به فتناول وجبته كاملة وهدأت نفسه قليلاً. فكر فى أين يذهب وهو لا يعلم أصلاَ أين هو فتذكر معاملة الرجل الرقيقة له فقرر أن يذهب وربما علم منه شيئاً. قابله الرجل باشاً وأشار له لكى يتبعه. فى موقع آخر فى مكان محفور على الأرض شرح له أن يواصل الحفر على نفس العمق فى خط مستقيم. بعد أن أتم شرحه بتأنى قال له :
ـ عرفت أسمك الرضى يمكنك أن تنادينى حامد وأنا رئيس العمال هنا. غداً تحضر لى مباشرة وليس من الضرورى تسجيل أسمك فى الخارج.
أردف وهو منصرف :
ـ لسنا فى عجالة فلا تهلك نفسك فى العمل.
حمل الفأس فوجده خفيف طائع فى يده؛ ضربه على الأرض فابتلعته كله دون جهد وانفتحت معه دون جذب. ربط الأمر بتلك المرأة وهى كانت تمسكه كفأر وتدفعه أماها يكاد يطير فى الهواء. تذكر الدهشة فى وجه حامد وهو يدخل الغرفة التى قام بنظافتها فقرر أن يخفى عنه هذا المس الذى أنتقل إليه من تلك المرأة فربما قتله أو حرض الناس عليه إذا علم بذلك وصار يعمل فى هدوء وإتقان.
تملك الرضى إحساس بأنه ممسوس من الجن فأخافه ذلك الإحساس ونفرّه. أصبح يجتنب تلامسه مع أى إنسان فينقل له العدوى. وجده حامد نائم أمام مكان العمل فى اليوم التالى ربت عليه بلطف ولكنه هب فزعاً مما أفزع حامد نفسه. بعد أن طمأنه أخذه المطعم وطلب له كوب حليب ساخن. بعد أن شعر حامد بالاطمئنان يسرى فى الصبى سأله:
ـ أليس لك دار تأوى إليه
أجابه الرضى بالنفى بهزة من رأسه. صمت حامد برهة وسأله :
ـ أليس لك عائلة
أومأ الرضى بالإيجاب. ولكنه تعجب فى نفسه وقد نسى أسم والده تماماً ولكن صورة النعمة والدته عالقة فى ذهنه
تابع حامد:
ـ وأين عائلتك الآن؟
بعد صمت مرتبك همس الرضى:
. أمى فى القرية
أطمأن حامد لسماع صوته أخيراً فواصل يسأله :
ـ أين قريتكم
صمت الرضى وهو لا يعرف أين قريتهم ولم يغادرها من قبل. كان حامد يرقب كل خلجاته فقرأ الحيرة فى وجهه. تجاهل صمته عن سؤاله وأردف :
كيف وصلت هنا؟
هب الرضى كالملدوغ وتراجع الى الوراء. أحس بخطر آت من خلف أسئلة حامد. فجع وملأته الظنون أن حامد يعلم شيء عنه وهو يتربص له ويريد أن يوقعه فى أى خطأ للنيل منه. أندهش حامد من أرتباك الرضى وخوفه المفاجئ. أشارله حامد بالجلوس ووعده بأن لا يعود مرة أخرى لسؤاله. لم يجلس الرضى فقام حامد بهدوء وقال له :
ـ عندما تهدأ تعرف أين تجدنى.
تحرك خطوتين وتوقف ملتفتاً إليه قائلاً :
ـ أعدك لن أعود لأسئلتى مجدداً وثانياً أنا أملك غرفة مستقلة تناسبك فيمكنك الحصول عليها وخصم إيجارها من عملك معى.
صار الفتى بين الحيرة والشك يراقب حامد حتى أختفى داخل المبنى. جلس وأحتسى باقى الحليب فى الكوب وصمم الذهاب الى حامد ويتركه فى أول بادرة أخرى.
***
صرخت النعمة وهى تجد الرضى جالس على السرير يطالعها بابتسامة غريبة وقد تدلى لسانه من فمه ويسيل منه لعابه وعينية زائغتين كأنه ينظر خلالها.
مر عام منذ وجد حامد أبنه الرضى غارقاً فى النبع خلف منزل السعدى. حمله وقد جن جنونه وبمجهود موتور أفرغ الماء من جوفه فشهق الرضى عائداً ولكنه سكن فى نوم عميق.
الرضى لم يكن غائب تماماً فى ثباته كانت النعمة تستطيع إسناده وتجلسيه وإطعامه. ليلاً تنوم بجانبه وتفيق كثيراً على همسات تصدر منه فى نومه. تصنتت النعمة عن قرب من فم الرضى ولكنها لم تفهم شيئاً مما يهمس به. صوته متقطع وكأنه يتحدث بلغة أخرى. أحيناً تحسه فى خوف وهلع وأخرى تتعجب له وهو يئن من اللذة كأنه يضاجع أنثى. تواظب على تنظيفه وتحس بسكون جسده بارتياح وهى تصب عليه الماء وتتلألأ عيناه كأنه سيفيق. يخصص حامد يومياً فترة من زمنه لزيارة الرضى ويطلب من النعمة أن تتركهم وحدهم. كان يتلو عليه كل ما تعلمه من المشايخ والسحرة الذى عرضه عليهم ولكن يحس بتشنجات تعترى جسده وضيق فى أنفاسه فيتوقف فوراً. صاريتحدث معه فى أشياء عادية منها ما يطلق أساريرة ومنها يثير غضبه وتصدر منه تشنجات قيتحول فوراً الى حديث آخر.
حكت النعمة لزوجها خلجاته فى الليل ولكنها أخفت عنه شبق الجنس الذى يعتريه. لتعجبها عندما يسكن فى تلك النوبات وتعمد لتنظيفة لا تجد شيى تقرغ منه ولكن توجد أثار ممارسة بدأت لها حقيقية وذلك ماجعلها تحجم عن الحديث الذى يخيفها وبعيداً عن التصديق.
قبل أن تفوق النعمة من صدمتها قام الرضى متعثراً كطفل فى طور حديث فى السير فسقط عدد من المرات محطماً ما حوله. حولت النعمة الإمساك به فكان يهب ثانية فتسقط من هول إندافعة. وهو يحطم مدخل البيت ويصدر أصوات غريبة أقرب للنحيب تشبثت به تحول دون خروجه فدفعها متخلصاً منها فسقطت بقوة وإرتطم رأسا بمنضدة صغيرة أثناء سقوطها وغابت عن الوعى.
***
عاد الرضى فتبعه صاحب النزل هاشاً ولكنه أوقفه بإشارة من يده وأعتلى الدرج الى غرفته. وجد الغرفة غارقة فى صمت كأنها قبو لا تصلها ضوضاء الخارج. أشتم رائئحة بخور تعبق فى المكان وحيطانها تشع بذلك الضوء الخافت. تمدد على السرير بترقب وعيناه مفتوحتان. سرى خدر فى جسده وهو يحس بجسم ناعم يزحف عليه حتى لفحته أنفاس على وجهه فإغمض عينيه وهو يحس بسقوظ فى بئر عميق ببظء شديد. وعندما تم إلتصاق تام أحس بحسد فوقه ويدان تتوقانه. فتح عينيه فوجدها كاملة تتلاحق أنفاسها فإغلق عينيه وذاب معها تماماُ.
جلست بجانبة لا تخفى إستعجابها وقالت له:
ـ كنت أراقبك طوال الوقت ولم أكن أتوقع أن تستسلم لى بهذه السهولة.
أبتسم وهو يداعب شعرها وقال فى نفسه:
ـ سأصبر حتى تستسلمى لى أنت.
و قال يخاطبها:
ـ ما مصير السعدى؟
أكفهرت وردت عليه حاسمة:
ـ السعدى أختار مصيره بنفسه.
تجاوز عضبها وواصل فى هدوء:
هل لديك أسم؟
قهقهت عالياً وقالت له :
ـ نحن ليس لدينا أسماء فسمينى كما تحب
رد عليها:
ـ من أنتم ؟
تجاهلته تماماً وهى تحاول تنفذ الى عقله ولا تفلح فواصل حديثه دون إلحاح وقد أحس بارتباكها:
ـ سميتك حورية
فغرت فاها وقالت له:
ـ أهكذا ترانى
أبتسم لها فتسللت له فلم يفعل شيئاً سوى مداعبة شعرها وتركها تفعل ما تريد.
***
أستيقظت النعمة فزعة تصرخ:
أين الرضى؟
هرول حامد وأمسك بها قبل أن تسقط على الأرض وهى تغادر الفراش. أجلسها وحاول تهدئتها قبل أن يخوض فى غياب أبنه. عندما أطمئن عليها ذهب يبحث عن الرضى الذى كأن الأرض انشقت وابتلعته. خطر لحامد النبع فجن جنونه وتذكر الحادث القديم. وصل حامد النبع ووقف يلتقط أنفاسه وعيناه تجولان فى المكان. وقع نظره على الأشجار الكثيفة كأنها تهتز؛ خاض المياه على عجل فوجد الأشجار الضخمة قد تحطمت فروعها كما أصابتها صاعقة من السماء. تسلل وسط الحطام ووجد الرضى بلغ حائط منزل السعدى وجلس على الأرض منهك وعيناه ذائغتين وجلبابه تمزق تماماً. أقترب منه ببطء ووضع يده على كتفه فهب الرضى بهلع وألتصق على الحائط والرعب يخرج من عينيه. صار حامد فى حيرة بين تبدل هيئة أبنه كالمسخ وبين الأشجار المحطمة كما أقتحمها مارد. أخذ يلاطف الرضى كطفل ويسهب معه فى حديث حنون حتى أرتخى تشنجه ولكن حالة الحزر والتأهب تلازمه. قال حامد :
ـ هل أنت جائع
أومأ الرضى برأسه بالإيجاب
مد حامد يده للرضى ليقوده ولكنه رفضها بخوف. تركه وسار أمامه ويلتفت له يشجعه حتى تابعه الرضى فى رحلة مضنية وصلا المنزل مع حيرة الناس فى الطرقات الذين تجاهلهم حامد تماماً. أشار حامد بيده للنعمة بالدخول.
أعتاد حامد أن يعيد أبنه للمنزل فى كل يوم يخرج منه وينبه على النعمة حازماً ألا تعترض طريقه فى الخروج. صارت النعمة قلقة بعيدة عنه فى المكان ولكنها حوله ولا ترقبه ولا تعمد الى نظافته إلا بعد أن يهجد تماماً. تشعر بأن صب الماء عليه بكثرة يريحه. فى ليلة ممطرة صحبتها عاصفة قوية ورعود صاخبة تحول الرضى إلى ركن قصى من الغرفة وسكن فى رعب حقيقى. أصابت صاعقة جدار الغرفة التى يحتمى بها الرضى. جن جنون النعمة وصارت تقتلع حطام الغرفة من عليه وسحبته الى غرفتها فاقد الوعى. ظلت ترقبته بقلق وبالها مع غياب زوجها فى هذه العاصفة. فجأة أهتز جسم الرضى برعب وهو يحاول فتح عيناه. ثبتته على المخدع بكلتا يديها ويكل قوة تملكها. بدأ الرضى يتمتم بكلمات مهزوزة وبدأ جسده فى الهجود حتى هدأ تماماً وصارت همساته أكثر وصوحاً. مالت النعمة بأذنها قرب من شفتي الرضى حتى كادت تلامسها. استبانت من الكلمات بجهد كأنه يقول (سيرا يا شي) . هجد بعدها فى نوم عميق فذهبت تحضر له طعام وهى مجهدة. من مكانها كانت تسمع همهمته وفجأة صرخ وغادر المنزل. لم تستطيع تركه فذهبت تتبعه والأشجار والطرقات خالية وآثار العاصفة فى كل مكان. رأته يدخل أطلال القصر القديم فى طرف القرية. أنقبض قلبها وذلك القصر أعتادت منذ طفولتها تسمع عنه أنه مسكون بالجن وتروى عنه كثير من القصص. تبعته حتى دخل الغرفة الوحيدة التى لم تنهار من القصر. عندما طال إختفائه تقدمت وقلبها وجل للدخول خلفه ولكن باب الغرفة كان موصد تماماً.
عادت الى المنزل تستنجد بزوجها حامد ولكنها لم تجده. أصبحت قلقة لاختفاء حامد وقلبها معلق بالرضى وسط تلك الحطام. صارت تطهو طعام وتأخذه معها كل يوم وتجلس خارج الغرفة لعل الرضى يخرج إليها. جلست يوماً والحنين يغمرها بجانب الغرفة وصارت تشدو بإحدى الأغنيات المحببة لقلب الرضى فى طفولته. فجأة أنفتح باب الغرفة وخرج الرضى يهمهم وجلس يالقرب منها. صارت تغنى له وتطعمه فى فمه فكان يأكل فى شره ويضحك بصوت أجش. داومت النعمة على زيارة الرضى والغناء له وضمنت الكلمات التى حفظتها من همهمات الرضى (سيرا يا شى) لكل مقطع من أغنياتها علها تسعده. كانت تحس بإهتزاز بعيد فى الأرض أثناء غنائها.
****
أنتبه الرضى وحورية بين أحضانه الى ذلك الصوت الملائكى ينساب الى داخل الغرفة. هب الرضى واقفاً ونظر من النافذة ولم ير أحداً. توجه الى باب الغرفة فتشبثت به حورية تمنعه ولكنه تملص منها تحت سحر ذلك الصوت وخرج وهى تصرخ ألا يفعل. خرج ووجد امرأة فى ملابس رثة وشعر مثل الثلج تغنى وتنظر إليه كأنها تنتظره. جلس بجانبها بانجذاب وأخذت تطعمه فى فمه. صار وجود المرأة فى الخارج مثار خلاف بين حورية والرضى. فى يوم وحورية تطارح الرضى الغرام وتحاول إلهائه عن صوت الغناء أرتجت كل الغرفة وأصاب حورية الغثيان. تكرر الأمر عدد من الأيام حتى فاض بحورية فصاحت بالرضى :
ـ هذه المرأة يجب أن تموت :
تعجب الرضى وأنتهرها
. لماذا تموت فهل تغيرين من أمرأة فى مثل عمرها؟
صاحت به حورية :
. يجب أن تموت فهى تؤذينى كثيراً
قال لها محذرا :
ـ إياك وأياك التعرض لهذه المرأة
قالت له:
ـ بل ستموت وأنت من سيقتلها من أجلى فنحن لا نقتل
كاد أن يقول لها من أنتم ولكنه أحجم وواجهها:
ـ إذن ماذا من الذى غدر بالسعدى أليس أنتى
ردت صارخة وكان الغرفة أهتذت مرتين وفقدت توازنها :
ـ السعدى هو الذى أختار مصيره برفضه الإنصياع لأوامرى. ما بعد تركته فلقد عاش معى مئات السنين فعاد الى التراب الذى أتى منه.
صرخ فيها:
ـ وما هى أوامرك له. هل كانت أن يقتلنى؟
صرخت:
. نعم أنا لا يرانى شخصان فمن بعده لم يتبق لى إلا أنت. الأن سأتركك وسأجد من يقتلك ويحل مكانك:
صاح بغضب :
. لا أنتى من ستموتين
وطفح يصيح لها وقد أحكم يديه على عنقها :
ـ سيرا يا شى ـ سيرا يا شى ـ سيرا يا شى
تزلزلت الأرض وتحطمت حوائط الغرفة وتطايرت الأشياء حولهما بإنهيار الحائط وقفت النعمة مشدوهة وهى ترى الرضى يصارع فى خيال. انضمت له وتأكدت من همهماته فانضمت له تنادى (سيرا يا شى) .. تحطم كل شيء إلا حورية التى كانت ترمقه بغبن بأعين محمرة. فجأة أنضم لهم السعدى وهو يصيح:
ـ كاتا فاي زيى واقاى جاهنما ـ كاتا فاي زيى واقاى جاهنما
تحول الرضى يردد تلقينه بتعثر حتى أصابه فصرخت حورية وانهارت وصارت تذبل وهى تنظر للرضى بتوسل. قبل أن تهمد تماماً توقف الرضى فصاح له السعدى :
ـ لا تتوقف أو سوف تندم
أشار له بيده وهو يرقب حورية ساكنة تماماً بين ذراعية وسكن الكون من حوله فتلفت يبحث عن المرأة وهى على الأرض تحمى نفسها بيديها. تبينها وقد تحول شعرها الى الأسود بقليل من الشيب. وهو يتبنها فهى صورة من أمه ولكن قد خطت السنين فيها. قال لهما متسائلاً :
ـ أماه
فتحت النعمة عينيها على النداء كمن فاق من كابوس. وجدت الرضى أمامها وقد عادت إليه حيويته ونضارته. كادت أن ترمى بنفسها عليه ولكنها فوجئت بالمرأة المسجية بين يديه فصرخت بخوف وقالت له :
ـ من هذه يا الرضى
قال لها وحورية تتململ بين ذراعيه :
ـ هذه زوجتى يا أمى
طلب الرضى من والدته التى كانت تموت رعباً تنظر الى حورية أن تذهب الى البيت وسيلحق بها فى جنح الظلام فرفضت بإصرار أن تفارقه. قرأ فى عينى والدته لهفتها عليه وخوفها أن تفارقه فأبتسم لها وحاول يجذبها إليه ولكنها ابتعدت رافضة تنظر الى حورية نائمة على أرجله. تجاهل الأمر وسألها كيف وجدته فهاله الأمر أنه كان طوال الوقت معها. سألها عن أبيه فبان القلق فى عييئيها وقالت له:
ـ والدك أختفى منذ العاصفةٍ
سألها
ـ أى عاصفة
قالت كأنها تنعش ذاكرته :
ـ هو نفس اليوم الذى أتيت فيه أنت هنا بعد العاصفة
صمت لحظات وقال:
. ألم تبحثين عليه
قالت يحزن :
ـ لم أكن أستطيع تركك وأنت ..
أحجمت أن تحكى له عن حالة الغياب والذهول التى كان يعيشها.
صمت أمام صمتها وكأنه تمنى أن يجد عندها إجابة وقال:
ـ ماذا حل بالسعدى
نظرت له بريبة واهتمام وهى نفسهما تحاول استيعاب الطلاسم التى حولها وقالت:
ـ من هو السعدى
نظر لها بدهشة قائلاً :
ـ السعدى يا أماه. صاحب المنزل بالقرب من النبع.
زاد تخوفها وقالت له :
ـ يا بنى لا يوجد منزلاً بجانب النبع سوى أطلال هذا القصر القديم الذى نحن فيه الآن
فقد الرضى تركيزه وهو ينظر لوالدته فى حيرة وسألها:
ـ متى وكيف تهدم هذا القصر؟
نظرت إليه فى حيرة أكبر قائلة :
ـ يا بنى منذ وعيت أنا الدنيا هذا القصر أطلال هكذا ولا يعرف أحد له تاريخ
صمت الرضى وحورية نائمة كالطفل على فخذه وفكر فى نفسه
ـ حسناً فعلت ولم أسمع لنصيحة السعدى فهى لديها كل الأجوبة
فكر فى نفسه بأنه لم ير يوماً حورية نائمة أنها أجمل الآن أو ربما لم يتوانى له أن يتأملها من قبل. كيف سيكون حال والدته عندما ترى عينيها المتوهجتين فهما الجزء المخيف فيهما الذى يفرقها عن الإنسان؛ هما جميلتان ولكن ذلك التوهج يضيف لها شر مكنون. وهو غارق فى تأملاته استلقت والدته على الأرض على جنبها فطنها نائمة. جاءه صوتها :
ـ السعدى سمعت عن أحاجيه من جدة أمى وأنا طفله
أنتبه إليها الرضى بكل جوارحه وصمت ينتظرها أن تواصل وبعد صمت قالت:
ـ لا أذكر يوماً بأنى حكيت لك عنه فمن أين أتى الى مخيلتك
تأكد بأن أمه لن تستوعب الذى يحدث فآثر ألا يخوض معها فى شيء وسألها :
ـ هل تذكرين هذه الأحاجي
بعد صمت كأنها تبحث عن السعدى فى ذاكرتها قالت:
ـ كنت صغيرة وبالكاد أتذكر الآن ملامح جدتى. ولكن أذكر أن السعدى طفل غرق فى بئر وبحث الناس عنه داخل البئر ولم يجدوه ونٌسجت الأحاجى على ظهوره فى أماكن متفرقة وأزمان مختلفة وأنقذ الكثيرين من الغرق والحريق ومن فتك اللصوص والحيوانات الضارية.
صمتت قليلاً وأردفت كأنها تؤجل الحديث وقالت له
ـ سأحكى لك كل ما أتذكر من أحاجيه
صمت و قبل أن يحاول تشجيعها أن تواصل سمع انتظام أنفاسها وهى تغط فى النوم. لم يذق النوم تلك الليل وقبل بزوغ الفجرأيقظ والدته وحمل حورية وذهبوا الى المنزل.


أجلس الرضى والدته وركع عند قدميها وقال:
أريد أن تحكى لى الكثير ولكن الآن أريد أعرف أين والدى. أحكى لى عنه آخر أحداث صارت معه قبل خروجه من المنزل. لا تهملى أى جزء وأوصفى لى العاصفة كيف كانت وما حدث فيها. نظرت إليه فى ارتياب وكانت قد أفاقت من النوم قبله وأعدت الإفطار فقالت له:
ـ أجلس وتناول إفطار
أردفت:
ـ حالك اليوم لا يعجبنى ثم يمكنك أن تسأل أباك بنفسك لقد خرج قبل قليل وسيعود فى مواعيده
تركته بهدوء ودخلت غرفته لإصلاحها وهى تمتم:
ـ متى تتزوج وتريحنى
شب واقفاً مستعداً لهول الصدمة التى ستكون فيها والده عندما ترى حورية وتتذكر أحداث الأمس. وتقدم مسرعاً ولكن رأى والدته خارجة مبتسمة وتنظر إليه وبدعابة قالت له:
ـ نظمت اليوم غرفتك؛ هل هذا تهرّب من سيرة الزواج.
فغر الرضى فاه عندما عاد للغرفة لم تكن بأى حال التى تركها. حورية مستلقية على السرير وتنظر له بشماتة. وهو يتلفت حول بانبهار لجمال الغرفة وقال لها:
ـ لقد أشفقت على أمى حين تراك
ضحكت وقالت له:
ـ أمك لن ترانى إلا إذا أردت أنا ذلك
قال لها :
ـ لكنها بالأمس قد رأتك واليوم كأنها لا تذكر شيئ
قالت له وهى تنظر فى عينيه بقوة كأنها تنفذ الى داخله
ـ لقد أحدثت أنت فجوة ونقلتنى الى عالمك بعد أن كنت تعيش فى عالم مزدوج
صمتت برهة قبل أن تستمر كأنها لا تستطيع التمهل:
ـ لماذا لم تقتلنى
نظر إليها ملياَ ثم قال:
ـ كنت أراك فى أحلامى قبل أن أدخل القصر
ردت عليه وقد تملكتها الحيرة:
دخولك الى القصر هو الذى يحيرنى وما يحيرنى أكثر أننى لا أستطيع أن أقرأ ما يجول فى خاطرك وأنا معك الآن أعرف أين والدتك وماذا تفعل وفيما تفكر ولكن معك الأمر يختلف.
استطردت متحدية:
ـ أنت أتيت بى لعالمك ولا يمكننى العودة أصبحت مملوكة إليك ولكنى لن أخضع لك
قال ضاحكاً:
ـ لقد تعودت أنت تكونى المالكة لا بأس لن أسعى لامتلاكك وأنتى حرة فى البقاء معى أو فى أى مكان تريدين
نظرت إليه بارتياب وقالت :
ـ حاول مع أمك أن تعرف عنها أكثر عن جدتك التى كانت تحكى عن السعدى. سأساعدك بجلاء ذاكرتها. هنا يوجد سرك وأنت تتوق لمعرفته أيضاُ أوليس كذلك !
أضافت لكى تزيده اهتماما :
ـ طريق القصر الذى دخلت منه أنت هو نفسه الذى أتى بالسعدى. لا يعثر عليه إنسان.
نظر إليها بتعجب وقال لها:
ـ هل تعتقدين ..
نظرت إليه وكلها فضولا ووقالت:
لست متأكدة من شيء. أنتم البشر تعيشون فى أضيق حيز فى هذا الكون لذا وحدكم الذين يمتلكون الإستقرار لضيق الحيز الكونى. الكثيرون التائهون فى الكون العريض يحسدونكم على هذا الحيز الضيق وطريقة تفكيركم الإبداعية. كلنا فى طريق الفناء رغم طول أعمارنا فنحن لا ننجب مثلكم. كان يمكن الإنصهار معكم ويولد جيل يملك قدراتنا ويرث منكم الإنجاب ولكن تمقتكم كل الكائنات فأنتم الكائن الوحيد الذى يقتل ويؤذى ويستبيح حق غيره.
لم يعير الرضى حديثها اهتمام فى وصفها للإنسان بقدر ما أثاره وصف الكون الواسع ووجود مخلوقات أخرى فسألها بفضول:
هل أستطيع أنا أن أرى هذا الكون
أجابته بصدق:
لا أدرى. السعدى كنت أستطيع قراءة كل خلجة من خلجاته ولكنى لا أدرى من أنت.
أسعده ذلك الحديث وشعر بالسيادة عليها والإمتلاك ولكنه ضمر أن يتم ذلك برضاها حتى يضمن إخلاصها خاصة هو الذى بدأ يقرأ أفكارها ويعرف أنها تضمر الهروب منه ولكنها شغفة به وتشغلها شخصيته المستعصية عليها.
***
فى اليوم التالى والرضى جالس مع وادته يتناول إفطاره وهو يتأملها وقد زحفت بها السنين. قرأ أفكارها وهى متردده فى الحديث معه وتفاتحه بحوجتهم له فى العمل وقد أنهك العمر والده. كاد يبتسم لوداعة أمه وحيائها وترددها فى طرق الأمرفبادرها بالحديث.
ـ يا أمى لقد وجدت عملاً فى المدينة مع تاجر كبير واتفقت معه أن أبدأ معه غداً. لما أخبركما أنت ووالدى حتى يتم الأمر تماماً. شرطى معه أن يمولنى بالمال خصماُ على عملى معه حتى أضمن راحتك وأبى فى غيابى.
بين دهشتها أدخل يده فى جرابة وأخرج حافظة النقود تلك وأخرج منها كل المال فتحولت دهشة أمه الى رعب. فبل أن تفيق دس النقود تحت وسادتها وغيّر الحديث وقالُ:
ـ رأيت يا أمى حلم يقلقنى وقد تكرر الحلم فقلت يمكنك مساعدتى فى حل طلاسمه.
فطبت النعمة حاحبيها وبان عليها القلق. قبل أن تتفوه بكلمة بادرها:
ـ عندما كنت صغيراً رويت لى بعض أحاجى جدتك الكبيرة عن شخص أعتقد أسمه السعدى
فى تلك اللحظة كانت حورية خلفها ووضعت راحتيها على رأسها قشرعت النعمة تحكى كما النائم توصف جدتها. شعر السعدى أن حورية كأنها تقبض الزمن من تلاليبه مستمدة ذلك من رواية النعمة. فاجأها الرضى بالخروج من نفسه هلامياً وأشار لها بالإستمرار وأنه سيأتى معها. رغم المفاجأة تمالكت حورية نفسها وهى تلتحم تماماٌ بالزمن فألتحم بها غاص فيها فأصابتهما نشوة واختفت كل معالم الكون إلا منهما. صارا ملتحمين وهى تدور فى خفة خلفه مرة ومرة تغوص فى أعماقه محلقين فى ما لا نهاية بخدر ونشوى. فجأة إفترقا بما يشبة السقوط . تمالكت نفسها وأحتوته بذرعيها وهبطا على أرض صلبة.
الأرض صلبة كالصخر تحت أقدامهما مغطاة بلحاف من رمل على مد البصر كأنه يهرب من وقع أقدامهما بخيوط طويلة تقودهما خلفها. على مرمى البصر كوخ يتراءى بين السراب الذى يتمدد كأنه بحار معلقة فى السماء. إنقشعت لهما الرؤية عند الكوخ فظهر على سهل أخضر وتغطيه تماماُ نباتات متسلقة كأنها بها حياة كأنها تسلقته تلك اللحظة. تقدم الرضى بحذر تتبعه حورية. داخل الكوخ توقف الرضى ينظر إلى امرأة تجلس على وسائد جلدية ضخمة ويجلس بجوارها السعدى ينظران إليه بهدوء كأنما هما فى انتظاره. المرأة ينساب شعرها المتجعد الذى يميل الى الاصفرار أكثر منه للمشيب ليستقر على كتفيها يرسمهما وينساب على ظهرها وأماها كدثار من موج البحر. تقاطع وجهها دقيقة وكأنها منحوتة من البرونز فى لمعانها. عندما دلفت حورية تبدلك ملامح المرأة رفعت ذراعها المترهل من وسط الشعر قائلة:
ـ دورك معنا معنا أنتهى هنا.
صاح الرضى بها:
ـ لا إنها معى
ألتفتت إليه بجمود حازم وبنظرة ناهية وعادت بها الى حورية التى تسمرت تماماً. أرتمى الرضى بكل ثقله بينهما ممسكاً بيد المرأة بعيداّ عن حورية. قاومته المرأة وعيناها تتوقد شرراً ولكنه تثبث بها حتى ألتصق بها فدوى إنفجار تحطمت له جدران الكوخ وتتطايرت النباتات المتسلقة العملاقة كأنها تصرخ. وهاجت الرمال مثل ثعابين تمخر الأرض. أرتمت عليه حورية وأحكمت قبضتها به وقفزت به الى أعلى داخل دوامة ضوئية صنعتها وآخر صوت نفد الى سمعه كان صوت السعدى يصرخ:
ـ لقد قتلتها .. قتلت أمك التى فضلتك علىّ
كلما قلّ دوران الفجوة الضوئية كلما عادت الحياة تدب فى جسد الرضى وعندما توقفت تماماً عادت له الحياة بدوار فى رأسه وتملك منه وعندما انقشعت تماماً كانا فى غرفة والدته حيثما تركاها. كانت مستلقية فى وداعة وعادت كما عرفها فى طفولته بذات الجمال والنضارة. أنزعج الرضى لسكونها وحاول أن يوقظها ولكنها كانت قد غادرت تماماً. أرتمى عليها الرضى وهو ينحب ويقول فى صوت واهن:
ـ لقد قتلتك بيدى يا أمى
ألتفت بعنف الى حورية ولكنه لم يجدها وقد تبخرت تماماً
***
بعد دفن والدته ذهب الرضى الى القصر القديم وتوغل بين أطلاله وأخذ يحطم حوائطه العتيقة بقبضته حتى أنهار تماماً. خرج هائماً وفى منتصف الليل قفل الى منزله فوجد والده فى انتظاره بيده حزمة النقود التى وجدها تحت وسادة النعمة. جلس الرضى مطأطئاً وشرح لوالده نفس ما قاله لوالدته عن النقود. لم يجادله حامد وقد حز فى نفسه فراق أبنه بعد يوم من موت زوجته. قرأ الرضى أفكار والده فواصل فى حديثه يطمئنه بمواصلته له وسيرسل له لكى يستقر معه فى المدينة فور إستقراره. قطع الصمت بينهما يسأل والده:
ـ أين أهل أمى يا والدى؟
صمت حامد كأن السؤال أفجعه. جمع شتات ذكرياته وقال:
ـ قابلت والدتك فى المدينة فى بيت رجل ربطنى به عمل. قامت هى بضيافتى وعلمت من الرجل بأنه تبناها وهى طفلة أثر وفاة كل ذويها الذين جرفهم السيل. حادثة السيول التى أجتاحت المدينة كانت غريبة عن أهلها ولذا أصبحت ذكرى وميقات يجنحون إليه. النعمة وجًدت مع الناجين ولم يعرف لها أهل. ذلك الرجل تبناها أطلق عليها إسم النعمة. طلبتها من الرجل ولم يتردد فى تزوجى منها. بعدها رجعت الى المدينة ولم أجد له أثر ولم يهدينى أحد الى مكان انتقاله.
طلب من والده وصف ذلك الرجل ربما أهتدى إليه فضحك والده شارحاً له طول زمان تلك الحادثة واستحالة أن يكون الرجل على قيد الحياة. شعر بتركيز والده فى التفكير فظهرت فى مخيلته صورة السعدى. شعر بالدوار فى رأس والده فصرخ بعنف:
ـ هذا يكفى
أستعاد والده توازنه كانه فائق من حلم وسأل الرضى كأنه سمعه يقول شيء. نفى الرضى ذلك وطلب من والده أن يخلد للراحة.
***
تجول الرضى فى المدينة كأنه يعرفها وهو يسير فى حزو النهر وجد مقهى أمامه حديقة. دخل الى الحديقة وهو يعرف أين يريد الجلوس. أرتشف كوب القهوة بتأنى وبإمتاع ومن مجلسه حزم أمره وتوجه الى النزل. قابله صاحبه بدهشة ثم هب بشوشاً لإستقباله. تناول مفتاح الغرفة ورافقه وهو يثرثر حفاوة به وسعادة بمقدمه. كان الرضى صامتاً طيلة الوقت وعند باب الغرفة توقف وطلب من صاحب النزل بنبرة هادئة ملؤها الرضى أن يتركه وحده. أنسحب الرجل مبتسماً ودخل الرضى الى الغرفة وتأملها ملياً قبل أن يستلقى على المخدع الوثير. قال ناظراً الى سقف الغرفة:
ـ أحضرى هنا بجانبى
بعد فترة صمت ألتفت ينظر الى يمينه فظهرت حورية ولكنها لم تبرح مكانها وقالت:
ـ عرفتك تعلم بوجودى طيلة الوقت عندما إنتهرتنى عند والدك.
لم يرد فواصلت قائلة:
ـ لقد نذرت نفسى إليك
لم يرد أيضاً فتقدمت منه وببطء وأسلقت بجانبه ودون أن لها يلتفت إليها قال:
ـ ألا تخافين أن أقتلك
قالت بهدوء وأيضاً دون أن تنظر إليه:
ـ لقد تيقنت أنت لا تقتل فأنت مثلنا
قال والألم يعتصره:
ـ لقد قتلت أمى
قالت له واثقة:
ـ لا. أنت كنت تحمينى ولم تكن تعزم قتلها.
صمت برهة وهو يفكر فى نفسه وقال كأنه يناجى نفسه:
ـ كيف هى قاتلة وقد ذكرت لا يقتل إلا بنو البشر وكيف تكون أمى وتعيش فى شخصين
صمتت حورية وهى لا تجد إجابة ونفس هذه التساؤلات تشغلها.
غط فى النوم بجانبها وهى تنظر فى اللاشيء وتفكر فى وضعها الغريب مع هذا الرجل. وهو نائم تحول على جنبه وسقطت يده على صدرها فأجتاحها إحساس غريب أقشعّر له كل جسدها ولكنها لم تنفر منه. راقبت يده قليلاً وببطء وضعت يدها عليها وصارت تدلك عليها بإبهامها حتى تسلل النوم الى أجفانها.

جفلت حورية فزعة من نومها. راقبها الرضى وهى تلتقط أنفاسها والرعب مرسوم على وجهها. أقترب منها وجلس بقربها وهو يحاول قراءة أفكارها. ألتفتت إليه وقالت:
ـ هل سمعت منى شيئ فى منامى
قال لها بهدوء:
ـ نعم سمعتك ورأيت حلمك ولكننى لم أفهم شيئاً
جفلت ونظرت إليه برعب وقالت:
ـ هل تقرأ أفكارى
قال لها بدون أكتراث:
ـ أجل أقرأ أفكارك ولنى لا أفهمها. أحكى لى ربما أساعدك
قالت له:
ـ والدك لم تمت تماماً وتسعى لنزع جسدى منى لأضيع عنك
قال:
ـ لا أفهم
زفرت بعمق ونظرت له هنهية وحزمت أمرها وقالت:
. نحن مخلوقات ضوئية نجوب الكون دون توقف ومحظوظ من وجد مخلوق يحتضر وتملك جسده.
فغر فاه وقال لها:
ـ هل أنت فى جسد أنسان رحل
قالت بضيق:
ـ لا نحن لا ندخل جسد إنسان وقد شرحت لك لماذا. أنا فى جسد خارج الجيز الذى تعيشون فيه.
مدت يدها وأزاحت شعرها عن أذنها قإذا بها مدببة نحيلة وطويلة. كشفت له عن ظهرها فهو مغطى بقشور رخوة تشبه قشور الأسمك برسم بديع وألوان زاهية.
بكل إندهاش قال لها:
ـ فكيف تختارين أنت. أعنى أنت أنثى فماذا إذا كان الجسد لذكر.
ضحكت من جهله ولكنها قررت أن تحصر الحديث قدر إستيعابه البشرىفقالت:
ـ نحن ليس لدينا تصنيف ذكر وأنثى وفقط أنا روحها الجديدة فلا يهم نوع الجسد. أمنحها عقلى وتمنحنى مشاعرها وأحاسيسها.
أردفت مسرعة تضع حداً للحديث:
ـ سوف أشرح لك مطولاً ولكن الآن نحن فى أزمة. أمك لا تسطيع أن تقتلنى وهى خارج جسدها ولكنها ستضع العراقيل أمامك لتقتلنى أنت. سيكون خيارك بين غضبها على بنى البشر؛ ستقتلهم بسيول وبراكين وزلازل؛ وبينى أنا.

يتبع ...
كان الله طول فى العمر



التوقيع: رأفت ميلاد
[align=center]
[frame="7 80"]سـنمضى فى هذا الدرب مهما كان الثمن
الشـهيد سـليمان ميلاد[/frame][/align]
imported_رأفت ميلاد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-08-2016, 11:31 PM   #[2]
اشرف السر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية اشرف السر
 
افتراضي

رأفت ميلاد...
تحياتي...
كتابة جديرة بالاحتفاء..
من القراء أمثالي.. ومن جهابذة النقد...
أخذني النص الى عوالمه البهية والغامضة والمشوقة...
------------

بجد كتابة تستحق التهنئة
وتبغر الواحد....
ولازم.. شفت لازم تواصل الكتابة بنفس واااحد........

محتفي بالنص وسأوزعه في أنحاء السايبر



التوقيع:

اشرف السر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2016, 08:43 AM   #[3]
imported_رأفت ميلاد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_رأفت ميلاد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اشرف السر مشاهدة المشاركة
رأفت ميلاد...
تحياتي...
كتابة جديرة بالاحتفاء..
من القراء أمثالي.. ومن جهابذة النقد...
أخذني النص الى عوالمه البهية والغامضة والمشوقة...
------------

بجد كتابة تستحق التهنئة
وتبغر الواحد....
ولازم.. شفت لازم تواصل الكتابة بنفس واااحد........

محتفي بالنص وسأوزعه في أنحاء السايبر
حبيبنا ود السر الأعظم
المشكلة فى النفس الواحد قبل نقلها من هنا دعنا معاّ تنقيتها من الأخطاء الإملائية والنحوية والزهايمرية
كبيتا كلها كوبى بيست من أجل ذلك
محبتى



التوقيع: رأفت ميلاد
[align=center]
[frame="7 80"]سـنمضى فى هذا الدرب مهما كان الثمن
الشـهيد سـليمان ميلاد[/frame][/align]
imported_رأفت ميلاد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 11:41 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.