نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > بركة ساكن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-12-2006, 08:02 AM   #[1]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي عاشق : إلي حنينة


أستاذي العزيز جلال الجميل
أولا اسمح لي أن ابدأ خطابي هذا بقول – تعلم – انه مأسور عندي (قال سيدنا معاوية الي ابنه يزيد، يا بني من حاول خداعك فأنخدعت له، فقد خدعته ) أستاذي، لقد انشغلت كثيرا عنك ولكن تعذرني دائما لعلمك بمشاغل الجندية وغلبتها الكثيرة، ولكني سأواصل ما بدأته في رسائلي السابقة واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فأنت فوق كل ذلك أستاذي ولكني ارفض بشدة بل أقولها لك صراحة أنني لا أتسامح في أن تنظر إلى تركي للمدرسة وانخراطي في صفوف الكلية الحربية مرحلة جديدة في تطور شبق القتل عندي. وكما عبرت عن ذلك في رسالتك الأخيرة بالقول ( حيث تتاح لك بشكل منظم قتل شخص ادمي بدمه و بلحمه، بدلا من قتل الكلاب والقطط والأشجار والتي كنت تسلخها من قشرتها وتدعها تموت تدريجيا في ألم تستمتع به دائما). هذا يا أستاذي يجانب الحقيقة، بل هو محض افتراء فدخولي للكلية الحربية كان دافعة وطني من الدرجة الأولي فأنت تذكر – بل شرحت لنا ذلك عدت مرات في الفصل – حوادث ديسمبر 1959م والذي أسمته الصحافة بديسمبر المشئوم كما قلت لنا بفمك، حيث أحاط الأعداء بالبلاد، من أمريكيين وإسرائيليين من جانب وما يدعمان به المعارضة الليبية بقيادة الخائن معاوية الدكين، وكوبيين وسوفييت من جانب آخر وهما كما يعرف الجميع يقفان بكل وقاحة مع الحزب البائد أو ما يسمي بحزب العمال بقيادة ذلك الكافر أبو روف سليمان. ولا أحد ينسي ما تقدمه العراق وسوريا والقاهرة لليسار ماديا ومعنويا واستخباراتيا وتذكر كيف انحاز الشارع كله – بما فيه أنت – في لحظة واحدة، لحظة صدق وطنية غالية الي الحكومة الوطنية متمثلة في شخص الرئيس مؤيدة له كحاكم أوحد للبلاد وقائد نهائي أبدي للجماهير، ولست وحدي من ترك المدرسة وانضم للجيش، آلاف مؤلفة من الشباب والعمال وكبار الموظفين وأساتذة الجامعات المنعمين تركوا مكاتبهم المكيفة والوجبات الساخنة واتجهوا الي جبهات القتال في الشرق والغرب والجنوب والشمال، حيث كانت البلاد في حالة حرب مع الكثير من دول الجوار وكثير من المتمردين العملاء المحليين، إذا كان هذا هو الحال مع المواطنين – بالتأكيد كانت هناك قلة ضئيلة تمثل طابورا خامسا، فئة خائنة أتذكر – كيف تتهمني بشبق القتل لكوني وقفت مع الحق!!
حسنا كما كتبت لك سابقا، الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وسأبرر لك كل الأشياء من وجهة نظري أنا أيضا وسوف لن تظلمني، أول شخص قتلته، ولو أن كلمة قتلته بما فيها من قسوة لا تعبر عما فعلت به بالضبط، إلا أن قاموسي اللغوي – عكسك تماما- ليس به كلمات أخري أكثر تعبيرا، المهم أنا متأكد بعدما تقرأ خطابي هذا، ستجد كلمة أبلغ و أدق. كان أسيرا هزيلا، في الواقع لم نهتم باسمه فليس للأسري أسماء، قبض عليه عساكري بعد معركة حامية الوطيس، خرجنا منها منهزمين، وبينما كنا ننسحب فارين – وأنا أكتب بالصراحة التي علمتني اياها أي اكتب الأشياء كما هي – إذا بنا تعثر علي هذا الأسير مختبئا في خندق صغير وقد فوجئ بنا، رفع يديه مستسلما مستأمنا علي حياته، طبعا مقابل التخلي عن حريته، فأمرت بتقييد يديه وحراسته وأخذه معنا أسيرا، ولكن كنا مرهقين ومنهكين من الجري فوق الصخور والأعشاب الشوكية، وصندوق الذخيرة الأخير والوحيد يهد أكتاف العساكر ويتعبهم، فكر رقيب عجوز – دائما ما أنسي أسمه – بأن نفك وثاق الأسير ونحمله صندوق الذخيرة ونتركه يمشي أمامنا، هكذا كان سلفه يفعلون بالأسري في الحروب، وكان دائما يقول – الأسري ديل ما ينفعوا لشيء غير استعمالهم كحمير، كانت فكرة صائبة وموضوعية اثني عليها الجميع، وأنا لست إلا واحدا من الكتيبة، فربطنا صندوق الذخيرة علي ظهره بحبل يمر تحت إبطيه، ولو أن الأسير كان هزيلا إلا أن بعظمه قوة بغل، ربما وهبها الخوف له، الخوف من الموت، لأنه إذا فشل في حمل الصندوق، يعلم تمام العلم انه ميت لامحالة، فإذا لم يصلح لشيء من الأحسن (يتفسح). في الحقيقة كان المشي علي الأشواك وبقايا الشجيرات والأعشاب الكثيفة متعبا عندما أجبرنا عدة مرات علي خوض برك الطين ومره أخري أجبرنا علي طلوع جبل صغير، وكان من حقه أن يتعب ضعف بل أضعاف تعبنا نحن، طلب أن نسمح له بأخذ بعض الراحة لأن الحبل الذي أدمي كتفه وإبطيه أصبح لا يطاق وقال....
– الحبل قاعد يضبحني ضبح.
فانتهرته بلهجة عسكرية آمرة أن يجد في السير..
- وإلا.
كان يمشي كالسكران، يشوت الحجارة ببوته ويخوض الوحل يقع، يرفعه العساكر علي قدميه، يقع، يرفعوه، نهدده يقع ويقوم مثل السكران أخيرا أتكوم تحت شجرة مانجو كبيرة واخذ يشخر من التعب مثل الثور المذبوح، العرق يملا ملابسه كلها أما وجهه كأنه جمام ولكن الغريبة فمه جاف وأبيض، كان شكله مزريا وقبيحا وبدا يؤثر علي نفسيات العساكر فقلت له:
- قوم ولا نملاك نار!!
وشلته جندي في بطنه لحكمة كان يعرفها العساكر بان الشلوت في البطن مفيد للرأس القوي.
ضربة عسكري همام آخر علي وجهه لحكمة أخري لا أعرفها أنا. وصرخ واحد في أذنيه لحكمة عادة لا يفصح عنه ضباط الصف. وعندما تكلم قال:
- الموت أحسن.. احسن الموت... انتو بشر ولا حيوانات!!
وهنا لابد أن أستخدم سلطتي العسكرية وإلا تعطلنا عن الإنسحاب وربما يلحق بنا العدو، فأمرت بالعد من واحد الي عشرة كفرصة أخيرة له في أن ينهض ويشيل صندوق الذخيرة وينسحب معنا الي أقرب نقطة ارتكاز وإلا أمطرته بالرصاص.
واخذ واحد من الضباط المشهود لهم بالأمانة والصدق يباشر مسألة العّد، بينما جلس البقية يستطلعون وهم يشاهدون الموقف عن كثب وأعرف أنهم خائفين، وكل واحد منهم في سره يحمد الله انه لم يكن في محل الأسير. والذي أصبحت حياته الآن بين رقم ما وعشرة. أما هو فبدا وكأنه ذهب في غيبوبة عميقة ودائرة من النعاس يصعب الإنفكاك عنه مستهينا بالتهديد.
- ثمانية، تسعة، عشرة.
فصرخت فيه منفعلا
- يا وسخ.. خذ..
طاخ، في منتصف رأسه تماما – إطلاق الرصاص في منتصف الرأس أصبح سمة مميزة لأسلوبي في الإعدام الشرعي. نعم، العبارة المناسبة أو البديلة القتل هي [الإعدام الشرعي ]، وجدتها،لقد كنت دائما تثني علي أسلوبي الأدبي في الإنشاء ولكن الجندية لم تترك شيئا في الرأس – حسنا، لدهشتي، ودهشة جميع العساكر وربما لدهشته هو نفسه أن نهض ومشي سبع خطوات عسكرية سريعة ومقنعة لحد بعيد، ثم وقف للحظة طويلة وممطوطة وقفة مرعبة وصامتة، صمت حقيقي، ثم بدا وكأنه بصدد أن يلقي تحية عسكرية للواء عظيم غير مرئي قبل أن يسقط فجأة، سقطة عسكرية بارعة علي وجهه ويموت، منهيا بذلك عرضا جنائزيا جميلا، انفجر الجميع بالضحك في لحظة واحدة، هي اللحظة ذاتها – اسمح لي أن اكتب كل شيء – التي تبلل فيها سروالي بسائل حار خرج في لذة مجنونة ورجفة لا توصف، اعترف انه موت ممتع وبهيج أيقظ في نفسي لذة قديمة منسية ولكنها ليست كشهية سلخ لحاء الأشجار ولاصب الماء الحار علي النمل أو قتل القطط حتى لا يلتبس عليك الامر.
أستاذي العزيز جلال.
في الواقع لم أحس ولو للحظة عابرة بالندم، حتى عندما عبثنا في جيوبه ووجدنا صورا لأفراد أسرته وصورة اتفق الجميع علي أنها زوجته أو خطيبته أو حبيبته أو حتى داعرة ما له علاقة حميمة بها، سيدة طويلة لها ضفائر مسدلة علي كتفيها، ترتدي فستان قصير يظهر ساقها وردفيها – ما أزال احتفظ بالصورة وعندما نلتقي اسألني أن أريك إياها.واتضح لنا انه شخص مثلنا له من ينتظره ويحبه وربما هو عائل لأسرة كبيرة،بالرغم من ذلك كنت أتمني وبكل صدق أن يحيا مرة أخرى فأقتله. إذا كان باستطاعته القيام بذلك الاستعراض الممتع مرة أخرى. أن يجعل جنازته تمشي مشيتها العسكرية الفريدة، ما الذي يجعلني اندم علي قتله!! لقد استخدمت حقا مشروعا تجاهه، فقتل الأسير أمرا مشروعا وخيارا جائزا لا اختلاف عليه، وهو نفسه اختار الموت بقوله (الموت احسن ) ولقد اساءنا واصفا ايانا بالحيوانات أيحق له أن يصف الإنسان الذي كرمه الله بالحيوان ؟ وفوق ذلك كله أعطيناه فرصة كافية للتراجع عن إصراره علي البقاء تحت شجرة المانجو وذلك بالعد من واحد الي عشرة ذلك زمنا كافيا لشخص يواجه الموت لكي يتخذ قرارا في صالح بقائه حيا!!
أستاذي العزيز،
أنا حينما أصوغ هذه المبررات أريد أن أؤكد لك شيئا واحدا وهو أن قتلي لهذا الآسي ليس أشباعا لغريزة حيوانية دنيئة أجدك تتهمني بها من وقت لآخر أن قتلي الشرعي له ليس إلا تمرينا عاديا وطبيعيا وربما – بشيء من التحفظ – عاطفيا. أضيف أيضا انه بعد موته ارتفعت الروح المعنوية للعساكر وبالرغم مما كانوا يشعرون به من أرق وعطش وجوع، حملوا صندوق الذخيرة علي أكتافهم، وكأنه علبة كبريت فارغة واخذوا ينشدون اجمل المارشات العسكرية وهم يقفزون علي برك الطين ويمشون علي نتوءات الصخر الحادة وبقايا الأشجار الشوكية المتساقطة علي الأرض مثلهم مثل الغزلان خفة ورشاقة وحيوية ؛ خذ الأمر من وجهة نظر عسكرية وجند منسحبين ليس من وجهة نظر أستاذ متقاعد يقضي وقته في حياة آمنة داخل منزله.... وقدر أيهما أفيد ؟!
هل كان علينا أن نتركه عبئا يغرق أنفسنا في طين الإحباط واليأس وربما وقعنا تحت الأسر ؟! لكسله وعدم مبالاته!!
ولو أنني بدأت أحس بالغثيان وربما نتيجة المضايقة التي سببها لي السائل – والذي أخذ يخر علي ساقي – يغمرني شعور أنه سيلان من الدم، كنت أتحسسه بين الحين والآخر بأناملي آخذا عينة منه لأتفحصها بنظرة سريعة ثم امسحها علي بنطلون الكاكي – في الحقيقة ما كنت أري ما بإصبعي – إلا انه، بعد تلك الحادثة نفذت إعداما شرعيا في سيدة وثلاثين رجلا، وكانوا يموتون بصورة لا تتعدي المضحكة العادية والمتعة الجنسية المعروفة، ما عدا رجلا واحدا اسمه تومي مر يستو.
في السابع من مايو 1985 م رقيت الي رتبة عميد وتسلمت قيادة جبهة الحرب الشرقية علي مشارف مدينة تسني الإستراتيجية يحيط بنا جيش المتمردين من جهة الشمال والأحباش من الجنوب والإرتريون من جهة الشرق، يعني كنا في وضعية ما نسميه بالكماشة، وضع مثل هذا يحتاج الي رجل حاسم وشجاع ليس لكي لا يسقط المعسكر فان المعسكر لن يسقط نحن نعرف إستراتيجية حرب العصابات، انهم يهدفون الي تكبيدنا اكبر خسائر ممكنة في الأرواح والعتاد فلو أخلينا المعسكر – وهو اكبر معسكر لنا بالشرق – فانهم لن يستولوا عليه، يجب أن يبقي مصيدة، يجب أن تبقي به آليات ويبقي به عساكر و مؤن كموضوع لشغبهم ولكن علي قائد الجبهة أن يتخذ إستراتيجية دفاعية هجومية، ذات أقل خسائر ممكنة ويسميها العسكريون القدامى (سهر الدجاج ولا نومه)... فإذا هاجمنا العدو ندافع عن أنفسنا وإذا لم نهاجم رميناهم بالمدفعية الثقيلة والمقذوفات الصاروخية ونحن في موقعنا تحت دفاعاتنا، أما جواسيسنا ومصححوا نيراننا فقريبا من مواقعهم، بالتالي جواسيسهم ومصححوا نيرانهم يتسكعون بالقرب منا، لذا عندما قبضنا علي (تومي كر يستو) قرب همدائييت لم يكن سهلا أن نصدق ادعاءه بأنه رجل مريض يبحث عن أعشاب السنمكة، كانت بالفعل لا تنبت إلا علي منخفض صغير قرب المعسكر، وهذا الرجل أدخلني في تجربة غريبة وغامضة ومؤذية جدا مازلت أعاني من آثارها الي اليوم ومازالت تنط الي وعي كلما شرعت في القيام بتنفيذ عملية شرعية، ولو أنني لا أعتبرها سوي مؤامرة بذيئة قام بها الشيطان ضدي انا بالذات - وأنت تعرف مكائده – اقل منها إشارة الآهية ليست في صالحي، بالعكس أنا رجل تقي جدا و أعتبر نفسي داعية ديني أفشى المعرفة الدينية بين من أقودهم، ضف الي ذلك ميولي الإنسانية العميقة – ولقد أبديت أنت ذات مرة ملاحظة تشير الي هذا الامر – ويدل علي ذلك تبرعي السخي المتواصل للمنظمة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، ويدل ذلك إحساسي بالغثيان اثر تنفيذ كل عملة شرعية كما لو أنني ابتلعت ذبابة كبيرة، ويدل علي ذلك بحثي المستمر عن عقوبة اقل من الموت وبإمكانها إسكات الخصم أو تحييده للأبد، ويدل علي ذلك إكتشافي لطريقة سهلة للعملية الشرعية حيث لا يتألم المحكوم عليه كثيرا لأنها تؤدي الي الموت الفوري وهي إطلاق النار في منتصف الرأس بالضبط، وأتمني من منظمات حقوق الإنسان ومن المشرعين الأمريكيين ان يأخذوا بها كأسلوب امثل واكثر إنسانية من غيره في تنفيذ أحكام الإعدام في سجون العالم.
أستاذي جلال،
انا لا احب ان اتحدث عن نفسي كثيرا، فانا من أولئك القلة من الرجال الذين لا يجيدون ولا يحبون ان يعرفهم الناس بواسطة ألسنتهم... فلن أخوض في ذلك دعني أكتب لك عن تلك المؤامرة الشيطانية الغامضة، بقيادة ما يدعي بتومي كر يستو.
جاء حرس الدورية برجل فوق الخمسين بقليل، قالوا أنهم وجدوه يتمشي بالقرب من معسكر همدائييت، وادعي بأنه مريض الخ. وقد تعلمنا من التجربة الا نثق في كل مايقوله المعتقلون ولا حتي في القليل المنطقي منه، قام عساكر الإستخبارات في التحقيق معه مستخدمين – من اجل التوصل للحقيقة – مع العلم بأنها قد تكون في صالحه – كلما تعلموه في الدورات التدريبية وما إستحدثوه هم بأنفسهم. ولكن ظل الرجل علي إدعائه، فاعتبر جاسوس جيد التدريب، فكثير من جواسيس المتمردين يأخذون جرعات عالية ومتقدمة في الخارج ، واعتبر أيضا من ذوي الرتب العسكرية العالية، وجيء به الي كدليل علي اليأس وفقدان الأمل في التوصل علي معلومة مفيدة منه بالرغم من انهم خلعوا ثلاثة من أظافر رجله وثلاثة من أظافر يديه اليسري. وانتزعت كل رموش عينيه حتي بدا شكله مثيرا للإشفاق والضحك معا. سألته:
- انت جاسوس
قال وهو يرتجف من الإعياء
- لا.. انا رجل مواطن عادي، كنت أفتش سنمكة عشان أتعالج بها. وناس الحلة كلهم عارفني.. حلة ضبابين..
- حلة ضبابين المحتلنها المتمردين ؟!
- ايوا.. ولكن نحنا مواطنين ما عندنا أي علاقة بالمتمردين نحن همنا في عيشنا وأولادنا
- كويس.. لو كنت مواطن ماعندك علاقة بالمتمردين ليه ما جيت وإنضميت لجيش الحكومة عشان تحرر بلدك منهم؟!
قال بعد ان بصق في الأرض شي لم أتبينه في حينه ولكني عرفت فيما بعد انها إحدي أسنانه..
- الحرب يقوم بيها العساكر ونحنا المدنيين ما عندنا معرفة في الحرب. نحن للزراعة والحصاد..
انظر يا استاذي جلال الي الموضوعية التي إتبعتها في حواري معه وانظر الي الخبث الذي يجاوبني به، حقيقية يصعب التعامل مع الجاسوس جيد التدريب لأن له مقدرة لا تحدها حدود علي إثبات براءته، مما أغضبني، فشتمته ابشع الألفاظ، وكثيرا ما أشتم الذين بصدد الإعدام حتي اذا ردوا شتائمي، أغضبوني وجدت دافعا فوريا لقتلهم، واكثر ما يؤلم – صراحة يا استاذي – ان يظل المحكوم عليه باردا وطيبا ووديعا وطائعا الي اخر لحظة إطلاق النار عليه، مثل هذا التومبي، اما اذا كان لئيما أحمق متمردا فان قتله أريح للنفس وللضمير واكثر رفعا للروح المعنوية.
فأخذته ومعي حرسي الخاص والذين دائما قربي كظلي، إلي حفريات خارج المدينة تستخدم كدفاعات دائمة، إستخدمتها انا للتنفيذ الشرعي، طلبت منه الإعتراف كطلب أخير، ولكنه قال بفم مرتجف مملؤ بالبصاق الدامي.
- انا مريض جيت أشيل سنمكة وبس.
فعمرت مسدسي كإنذار أخير يعرفه العسكر تماما ووضعت فوهة المسدس في منتصف رأسه، وعندما اضع فوهة مسدسي علي هذا المكان يصعب علي عدم الضغط علي زر اطلاق النار لأنني حينها – وهذا سر أبوح اليك به لاول مرة – احس كما لو كنت في الثانية الأخيرة قبل الإيراق، والعاشق يعرف كما هي حرجة تلك اللحظة وحاسمة يصعب الرجوع عنها او تضييعها، قال ان لديه أطفال صغار وثلاث نساء وانه العائل الأساسي للأسرة لأن إبنه الأكبر سيتزوج قريبا ويرحل عن الأسرة وقال بإستطاعته أي يفعل أي شي أطلبه منه لإثبات برائته قال كل ذلك – علي ما أعتقد – في أقل من ثانية – قلت له ببرود أعصاب
- اعترف بأنك جاسوس أو مصحح نيران.. ولازم تديني دليل قوي علي كلامك ؟! وما عايز منك أكثر من دا.
عندما فقد الأمل قال:
- اذا لا تقتلني.. أعميني. أقطع يدي أو رجلي.. فالموت ما شي ساهل.. الموت ما لعب..
الآن وجدت الكلمة التي بإمكانها إشعال فتيلة الشجار بيني وبينه.
- لعب.. يا وسخ.. تتجسسوا.. وتقول لعب..
وأخذت اركله بمقدمة البوت لكنه ظل باردا، فقط يحاول ان يعتذر وهو يحك مكان الشلوت.. وإفتعلت ايضا من هذه الأخيرة خصاما جديدا وانتهرته في غضب.
- ايوا.. تتلوي زي الكلب.. ياجاسوس يا خائن.. خذ..
وفي اللحظة التي تحركت فيها سبابتي للضغط علي زرار إطلاق النار وجدت نفسي – وهذا ليس حلما ولا وهما ولا تخريفا – وجدت نفسي محمولا علي أسنة رماح حادة توخزني في كل ذرة في جسدي يحملني أقزام بيض لهم أعين لامعة كالمرآة كبيرة ومؤذية. كانوا يسيرون بي نحو بوابة ضخمة صفراء وهي في الحقيقة ليست سوى جمرة كبيرة تستخدم كبوابة للجحيم، وكنت أعرف هذه المعلومات دون أن يقولها لي أحد، كانت مسجلة في ذاكرتي منذ أن ولدت، وعرفت أيضا أنه سيرمي بي في الجحيم الان بعد أن يقرأ ملاك جاء للتو كتابا ضخما مكتوبا عليه بحبر أسود وهو كتاب أسود أيضا، كان يقرأ لي الأعمال الخيرة التي قمت بها قبل أن أحضر الي هذا المكان علي أسنة الرماح وعندما فرغ،كنت اتوقع قدوم ملاك أخر ليقرأ كتاب سيئاتي ولكن يبدو أن ذلك لن يحدث، مما أوهمني بأنه لا سيئات لي، ولكن حينما أغلق كتاب الحسنات وخزني في مؤخرتي ملاك أم شيطان لست أدري، وخزة مازلت أعاني منها الي اليوم – وسأريك موضع الجرح عندما نلتقي – وهي دليل واضح علي أنني لم أتوهم الأشياء. فصرخت بكل ما أوتيت من قوة مما أفزع رجلا وسيما آمنا محمولا علي فراش أخضر بهي علي غيمة صفراء وتحوم فوقه العصافير والفراشات ويتبعه رهط من الحوريات في ذات اللحظة، عدت حيثما كنت سابقا، أقف خلف الجاسوس، واضعا فوهة مسدسي في منتصف رأسه وإبهامي يتحرك نحو ضغط زرار إطلاق النار.
فابتسمت، إبتسامة علي ما أظن كانت كبيرة جدا.. وباردة فابتسمت وأنا احس بوخز الرمح في مؤخرتي ثم، ضغطت علي زرار إطلاق النار.
قل يا أستاذي – هل كان علي أن أحرمه من الجنة وأحرم نفسي!
تلميذك الزين
ملحوظة:
هذا الخطاب مثل الوثيقة الوحيدة التي قدم بواستطها العميد الزين طه للمحكة الدولية في لاهاي لمحاكمته كمجرم حرب.




عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-12-2006, 01:22 PM   #[2]
haneena
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية haneena
 
افتراضي

عبد العزيز بركة ساكن
salam ustaz
I went quickly through this piece
thanks for addressing the issue to myself

I apologise now for an answer
but sure to come back to this

grateful



التوقيع: Life is all about choices
haneena غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-12-2006, 05:02 PM   #[3]
نصار الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية نصار الحاج
 
افتراضي

القاص والروائي المبدع عبدالعزيز بركة ساكن

إنها الكتابة القصصية في أبهى درجاتها وحالاتها
إنه سرد الحكايات حين ينسى القارئ الحد الفاصل بين الواقع والخيال
حين ينسى كل شئ ويظل أسير الكتابة والتفاصيل الحيّة تستدرجه من حقل لحقل
حتى الانتهاء
ليخرج التعبير طواعية : يا لها من قصة باذخة ورائعة .



نصار الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-12-2006, 08:52 PM   #[4]
Aboremaz
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سلام بركة
انا طبعا كالعادة طبعت النص واستمخيت بيه
التضاد بين السائل والمسئول
انحياز المسئول الى الاجوية المغلفة بغلاف ديني لكسب شرعية غير مستحقة
او بالاحرى نقل اجوبته الى قسم الدين السياسي او التوجه الحضاري لكسب الشرعية .
تضاد هذه الاجوبة مع المواطن العادي او حتى المسلم السوداني .
تضاد حاد من الصعب التعبير عنه في كلمات .
لانها ممارسة يومية حاصلة عندنا في السودان.
.
.
واصل ايها الشفيف.
.
.
ابو ريماز



Aboremaz غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 07:18 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.