الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > إشراقات وخواطر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-2005, 11:11 AM   #[1]
معتصم الطاهر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية معتصم الطاهر
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ishrag Dirar


عثمان حمد ..
شكرا كثيفا جدا ..
انتظر معك الاستاذ علي الرفاعي
ولكن ليس تحت الشجرة بل فوقها ....
ودي
أشراق
على فوق الشجرة

انتظرينا نقرأها لأكثر من مرة ..

هذا على الرفاعى
!!!



التوقيع:
أنــــا صف الحبايب فيك ..
و كـــــــــــل العاشقين خلفي
معتصم الطاهر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-12-2005, 02:50 PM   #[2]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

إشراق يا هودج الجمال
خالد يا قيثارة الأدب والفنون

اليباريكم يدخل فراديس الجمال من أوسع أبوابها..
سأدلف مستأذناُ خازن هذا الفردوس .. ماسك مفاتيحه..
الأديب علي،
وأعود بما يعبق في الروح منه،

عكــود



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 10:59 AM   #[3]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

[align=center]كي لا يستيقظ النمل - رواية -الأستاذ على الرفاعي
(2)[/align]


رُضْوَان : نَعَمْ ؛ قَتَلَهَا الطَّيِّب وَدّالسَّخِى .
بَرَكَات : هَذِهِ العَقْرَبُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ؛ فَهِىَ مُجَاهِدَةٌ فِى سَبِيْلِ اللَّهِ ؛ والجَنَّةُ جَزَاءُ المُجَاهِدِيْنَ . هَذِهِ العَقْرَبُ شَهِيْدَةٌ فِى سَبِيْلِ اللَّهِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب بِتَأَفُّفٍ : لَقَدْ أُفْرِغَ الجِهَادُ فِى سَبِيْلِ اللَّهِ فِى هَذَا الزَّمَنِ مِنْ كُلِّ مَعْنَى . ثُمَّ هَلِ المَنُوْفَلِى كَافِرٌ؟ المَنُوْفَلِى مِثْلُهُ مِثْلُنَا يَنْطِقُ الشَّهَادَتَيْنِ ؛ فَكَيْفَ يُدْخَلُ قَاتِلُهُ مِنَ البَشَرِ الجَنَّةَ ؛ نَاهِيْكَ عَنْ عَقْرَبٍ؟ مُنْذُ أَنْ خَلَقَكُمُ اللَّهُ هَلْ سَمِعْتُمْ بِعَقَارِبَ فِى الجَنَّة؟ أَمْثَالُكُمْ يَاوَدّالنَّايِر كَارِثَةٌ عَلَى الدِّيْنِ .. أَمْثَالُكُمْ خَيْرٌ مِنْهُمُ الكُفَّارُ ؛ يَامَعْشَرَ المُجَاهِدِيْنَ فِى سَبِيْلِ مَصَالِحِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ فِى آخِرِ الزَّمَنِ .
كَادَ النِّقَاشُ أَنْ يُؤَدِّىَ إِلَى تَمَاسُكٍ بِالأَيْدِى بَيْنَهُمَا ؛ لَوْلا أَنْ أَخَذَ حَاجُ الفَكِى بَرَكَات وَدّالنَّايِر وَسَارَ بِهِ نَحْوَ بَيْتِهِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثَّرْ فِى مُوَاصَلَةِ المَجْلِسِ لانْعِقَادِهِ ؛ فَأَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى ـ كَعَادَتِهِمْ ـ يَتَعَارَكُوْنَ بِأَفْوَاهِهِمْ كَمَا تَتَعَارَكُ قِطَطٌ عَلَى قِطْعَةِ لَحْمٍ لاتُشْبِعُ نِصْفَ قِطَّة ؛ كَمَا يَقُوْلُ عبدالعَاطِى الَّذِى لَمْ يَشْبَعْ بَعْدُ مِنَ الحَدِيْثِ ؛ فَقَدِ التَفَتَ إِلَى المِيْجَرِ الَّذِى انْضَمَّ إِلَى المَجْلِسِ خِلالَ حَدِيْثِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ التَفَتَ إِلَيْهِ سَائِلاً :
ـ يَاإِلَهِى! أَهَذَا وَدّالنَّايِر أَمْ قَرِيْنُهُ مِنَ الجِنِّ؟
وَحِيْنَ كَانَ المِيْجَرُعَلَى وَشْكِ أَنْ يُجِيْبَ ؛ فَاجَأَهُ صَوْتُ وَدّالعَالْيَابِى :
ـ أَتَقْصِدُ أَنَّ وَالِدَ بَرَكَات قَدْ تَزَوَّجَ قَرِيْنَهُ مِنَ الجِنِّ؟ أَتَقْصِدُ أَنَّ قَرِيْنَ حاج النَّايِر مِنَ الجِنِّ أُنْثَى؟
وِدَاعَة : بَلْ يَقْصِدُ أَنَّ وَدالنَّايِر مِنْ جِنْسِ قَرِيْنِهِ مِنَ الجِنِّ . ثُمَّ يَاجَمَاعَة وَبِكُلِّ أَمَانَة ؛ وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ حَدِيْثِ وَدّالنَّايِر ؛ أَيُّهُمَا لَدَغَ الآخَرَ؟ هَلِ العَقْرَبُ هِى الَّتِى لَدَغَتِ المَنُوْفَلِى ؛ أَمْ أَنَّ المَنُوْفَلِى هُوَ الَّذِى لَدَغَهَا؟ العَقْرَبُ مَظَلُوْمَة .. العَقْرَبُ مَلْدُوْغَة .. لَدَغَهَا المَنُوْفَلِى حَتَّى أَنْسَاهَا أَنَّهَا عَقْرَب .لَقَدْ أَقْنَعَهَا المَنُوْفَلِىعَمَلِيّاً أَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُوْنَ أَىَّ شَىْءٍ غَيْرَ عَقْرَب . بِاللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ بَقِيَتْ فِى الأَرْضِ أَىُّ عَدَالَة؟
لَكِنَّ المَوْقِفَ كَانَ أَكْثَرَ تَعْقِيْداً بَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ حِيْنَ اصْطَفَّ النَّاسُ لِصَلاةِ عِيْدِ الفِطْرِ ؛ إِذْ مَا كَانَ مِنْ بَرَكَات وَدّالنَّايِر إِلاَّ أَنْ أَقَامَ الصَّلاةَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بَيْنَ اسْتِغْرَابِ النَّاسِ وَضَحِكِهِمْ ؛ فِيْمَا سَأَلَ صِبِيْرٌ نَفْسَهُ :"هَلْ أَصْبِحَتْ صَلاةُ العِيْدِ فِى هَذَا الزَّمَنِ فَرْضَ عَيْنٍ ؛ لاتُؤَدَّى إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تُرْفَعَ لَهَا الإِقَامَة؟" هَذَا لايُهِمُّنَا الآنَ ؛ الَّذِى يُهِمُّنَا أَنَّ صِبيْراً وَفِى مَجْلِسِهِمْ ذَاْكَ ؛ نَظَرَ إِلَى مِئْذَنَةِ الجَامِعِ الَّتِى بَدَتْ لَهُ مَائِلَةً بَعْضَ الشَّىْءِ ؛ وَخَاطَبَ الجَالِسِيْنَ :
ـ نُرِيْدُكُمْ أَنْ تَتَنَاقَشُوا بِهَذَا المُسْتَوَى مِنْ غَيْرِ تَشَنُّجٍ ؛ لاكَمَا فَعَلَ وَدّالنَّايِر ؛ فَهُوَ مِنْ فِئَةٍ يَتَشَنَّجُ أَفْرَادُهَا حَتَّى فِى الآذَانِ . وَلَكِنْ قُلْ يَاعَمِّى الخَلِيْفَة ؛ فَقَدْ كُنْتُ أَرَاْكَ طِيْلَةَ الوَقْتِ تَنْظُرُ إِلَى لِحْيَةِ وَدّالنَّايِر ؛ هَلْ أَعْجَبَتْكَ لِحْيَتُهُ الَّتِى تُشْبِهُ عُشَّ الرَّخَمَة؟
وَدّالبَاشْكَاتِب : لِحْيَةُ وَدّالنَّايِرغَيْرُ مُتَجَانِسَة .. كُلُّ شَعْرَةٍ مِنْهَا تُمَثِّلُ عَصْراً مِنْ عُصُوْرِ انْحِطَاطِ الإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ .
حاج الصَّافِى : وَدّالنَّايِر إِنْسَانٌ لايَرَى وَلايُفَكِّرُ أَبْعَدَ مِنْ لِحْيَتِهِ .
المِيْجَر : لِحْيَةُ وَدّالنَّايِر لَيْسَتْ لَهَا أَىُّ عَلاقَةٍ بِالدِّيْنِ .. لِحْيَتُةُ لِحْيَةٌ سِيَاسِيَّةٌ لَيْسَ إِلاَّ .
حاج الخَبِيْر: يَاالمِيْجَر: لَيْسَتْ هُنَالِكَ لِحْيَةٌ دِيْنِيَّةٌ وَأُخْرَى سِيَاسِيَّة . هُنَالِكَ لِحْيَةٌ وَاحِدةٌ ؛ وَهِىَ مِنَ السُّنَّةِ .
صِبيْر : صَدَقَ عَمِّى الخَبِيْر . أَنْتَ يَاالمِيْجَر لاتَكْرَهُ وَدّالنَّايِر مِنْ حَيْثُ هُوَ وَدّالنَّايِر .. أَنْتَ فِى الوَاقِعِ تَكْرَهُ ؛ وَلَدَيْكَ حَسَاسِيَّة ضِدَّ وَحِيَالَ كُلِّ لِحْيَةٍ مِنْ حَيْثُ هِىَ لِحِيَة .
حاج الخَبِيْر : المِيْجَر لَدَيْهِ حَسَاسِيَّة مِنَ اللِّحَى لأَنَّهُ أَمْرَد .
مَرَّرَ المِيْجَر يَدَهُ عَلَى حَنَكِهِ الخَالِى مِنَ الشَّعْرِ ؛ وَهُوَ يَقُوْلُ :
ـ لَقَدْ أَصْبَحَ الدِّيْنُ فِى هَذَا الزَّمَنِ عَبَاءَةً ؛ لاتَدْرِى إِنْ كَانَ مُرْتَدِيْهَا يَحْمِلُ بِيَدِهِ تَحْتَهَا مُصْحَفاً ؛ أَمْ يُمْسِكُ بِزُجَاجَةِ خَمْرٍ . لَكِنَّ الَّذِى أَعْلَمُهُ تَمَاماً هُوَ أَنَّ قَلْبَ وَدّالنَّايْر أَسْوَدُ مِنْ ظِلِّهِ .
صِبيْر : ثُمَّ إِنَّهُ آيَةٌ فِى البُخْلِ ؛ حَتَّى إِنَّكَ لَوْقُلْتَ لَهُ تَعَالَ بُلْ فِى أَنْفِى ؛ لَقَالَ لَكَ بِلاتَرَدُّدٍ إِنَّنِى مُصَابٌ بِحَبْسِ البَوْلِ .
وَدّالعَالْيَابِى : تَنْظُرُ إِلَى حِذَاءِ وَدّالنَّايِر فَتَكْتَشِفَ أَنَّ أَثَرَهُ عَلَى الأَرْضِ أَجْمَلُ مِنَ الحِذَاءِ . تَنْظُرُ إِلَى وَدّالنَّايِر فَتَقْتَنِعَ أَنَّ حِذَاءَهُ أَجْمَلُ كَثِيْراً مِنْ وَجْهِهِ . أَنَا مَانَظَرْتُ إِلَى وَدّالنَّايِر إِلاَّ رَدَّدَتْ أَعْمَاقِى سُبْحَانَ اللَّه يَاودّالنَّايِر.. سُبْحَانَ الَّذِى فِى أَىِّ صُوْرَةٍ مَاشَاءَ رَكَّبَك!)
وِدَاعَة : صَدَقْتَ يَاصِبيْر ؛ فَوَجْهُ وَدالنَّايِر لايَبْعَثُ عَلَى الفَرَحِ .. وَجْهُ وَدّالنَّايِر أَقْبَحُ كَثِيْراً مِنْ أَثَرِ حِذَائِهِ عَلَى الأَرْضِ .
صِبيْر : يَاوِدَاعَة مَاالَّذِى يَرْسُمُ أَثَرَ النَّعْلِ عَلَى الأَرْضِ؟
وِدَاعَة : قَعْرُهُ .
صِبيْر : حَرَام عَلَيْك يَاوِدَاعَة ؛ فَقَدْ ظَلَمْتَ قَعْرَ النَّعْلِ ظُلْماً فَادِحاً بِذِكْرِهِ مَعَ وَجْهِ وَدّالنَّايِر فِى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَدّالعَالْيَابِى : كُلُّ جُمْلَةٍ فِيْهَا ذِكْرٌ لِوَدّالنَّايِر هِىَ جُمْلَةٌ غَيْرُ مُفِيْدَةٍ عَلَى الإِطْلاقِ .
المِيْجَر : لَوْكَانَ وَدّالنَّايِر فِى زَمَنٍ غَيْرِ هَذَا؛ لَجُلِدَ بِسَوْطٍ مِنْ جِلْدِ فَرَسِ البَحْرِ.
وِدَاعَة :الَّذِيْنَ يَسْتَحِقُّوْنَ الجَلْدَ فِى هَذَا الزَّمَنِ ؛ أَضْعَافُ عَدَدِ السِّيْاطِ وَبِجَمِيْعِ أَنْوَاعِهَا فِى كُلِّ أَنْحَاءِ العَالَمِ .
صِبيْر : وَلَكِنْ لاتَنْسَ أَنَّ الغَلَبَةَ مَازَالَتْ لِلسِّيَاطِ .. السَّوْطُ الوَاحِدُ مِنْ جِلْدِ فَرَسِ البَحْرِ ؛ يَكْفِى لِجَلْدِ الآلافِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّوْنَ الجَلْدَ إِلَى دَرَجَةِ الصُّرَاخِ بَلِ البُكَاءُ ؛ وَلايَكُوْنُ قَدْ تَأَثَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَقَلَّ تَأْثِيْرٍ ؛ لافِى مَادَّتِهِ وَلافِى شُعُوْرِهِ نَحْوَ مِنْ يَسْتَحِقُّوْنَ الجَلْدَ بِهِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : عَلَى كُلٍّ؛ السَّوْطُ لَنْ يَنْدَمَ عَلَى جَلْدِ وَدّالنَّايِر بِهِ فِى هَذَا الزَّمَنِ أَوْفِىغَيْرِ هَذَا الزَّمَنِ ؛ وَلَنْ يَخْجَلَ مِنِ انْتِمَائِهِ الأَزَلِىِّ وَالمَصِيْرِىِّ إِلَى فَرَسِ البَحْرِ .
حِيْنَ بَلَغَ الحَدِيْثُ هَذَا الحَدَّ أَحَسَّ حاج الخَبِيْر بِأَلَمٍ كَجَهَنَّمَ فِى ظَهْرِهِ ؛ كَأَنَّمَا أَحْدَثَتْهُ ضَرْبَةٌ هَائِلَةٌ مِنْ سَوْطٍ مَصْنُوْعٍ مِنْ جِلْدِ فَرَسِ البَحْرِ ؛ أَوْسَوْطِ (العَنَج) كَمَا يُسَمِّيْهِ أَهْلُ المَنْطِقَةِ . لَكِنَّ حاج الخَبِيْر رَغْمَ ذَلِكَ قَالَ بِسُخْرِيَّةٍ شَدِيْدَةٍ :
ـ أَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ أَنَّ وَدّالنَّايِر إِنْسَانٌ فَاهِمٌ لِذَا تَحْسُدُوْنَهُ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : فَلْنَفْتَرِضْ أَنَّهُ عَالِمٌ ؛ هَلْ تَعْرِفُوْنَ أَعْلَمَ مَخْلُوْقٍ؟ إِنَّهُ إِبْلِيْسُ ؛ فَهَلْ هُوَ نَافِعٌ؟
حاج الرَّضِى : لَقَدِ اضْطَّرَبَتْ حَيَاتُنَا كُلُّهَا ؛ حَتَّى صِرْنَا نُصَلِّى الظُّهْرَ جَهْراً ؛ وَحَتَّى أَوْشَكْنَا أَنْ نُصْلِّىَ فَرِيْضَةَ الجُمُعَةِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ ؛ وَحَتَّى إِنَّ مُؤَذِّنَنَا قَدْ كَادَ يُؤَذِّنُ لِصَلاتَىِّ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ مُنَادِياً بِأَعْلَى صَوْتٍ فِيْهِ الصَّلاةٌ خَيْرٌ مِنَ النَّوْم .. الصَّلاةٌ خَيْرٌ مِنَ النَّوْم) .. تَشَابَهَ عِنْدَنَا الصُّبْحُ وَالعَصْرُ .. السِّرُّ وَالجَهْرُ .. النَّفْلُ وَالفَرْضُ . لَمْ نَعُدْ نُمَيِّزُ شَيْئاً وَلانُقَرِّرُ شَيْئاً ؛ وَإِنْ قَرَّرْنَاهُ لانَقْوَى عَلَى تَنْفِيْذِه ِ؛ لأَنَّنَا لانَمْلِكُ الإِرَادَةَ الَّتِى نُنَفِّذُهُ بهَا .
المِيْجَر : كَمْ تُرَى عَدَدَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى الَّذِيْنَ سَيُصَلُّوْنَ صَلاةَ الجُمُعَةِ ؛ إِنْ كَانَ مِيْقَاتُهَا السَّاعَةَ العَاشِرَةَ لَيْلاً؟
وَدّالعَالْيَابِى : مُعْظَمُ النَّاسِ يُصَلُّوْنَ الآنَ رِيَاءً وَوَجَاهَةً وَنِفَاقاً .
عبدالعَاطِى : حَسَناً ؛ إِنْ كَانَتْ صَلاةُ الجُمُعَةِ العَاشِرَةَ لَيْلاً ؛ فَإِنَّ الَّذِيْنَ سَيُصَلُّوْنَهَا هُمُ الَّذِيْنَ يُصَلُّوْنَ الآنَ صَلاةَ الصُّبْحِ حَاضِرَةً فِى الجَامِع . وَدّالعَالْيَابِى : أَنَا لَدَىَّ وُجْهَةُ نَظَر ؛ وَهِىَ : إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ الشَّهْرُ الَّذِى نَحْنُ فِيْهِ الآنَ لَيْسَ رَمَضَانَ ؛ وَإِمَّا أَنَّ وَدّالنَّايِر لَيْسَ شَيْطَاناً ؛ لأَنَّ الَّذِى نَعْرِفُهُ أَنَّ الشَّيَاطِيْنَ تُغَلُّ فِى رَمَضَانَ ؛ وَوَدّالنَّايِر مَوْجُوْدٌ بَيْنَنَا الآنَ مِنْ غَيْرِ أَغْلالٍ . بَصَقَ حاج الدُّسُوْقِى عَلَى الأَرْضِ بِكَثَافَةٍ؛ وَقَالَ : (اللَّهُمَّ إِنِّى صَائِم) ؛ وَأُذُنَاهُ تَلْتَقِطَانِ صَوْتَ وَدّالبَاشْكَاتِب :
ـ يَاجَمَاعَة : الشَّيَاطِيْنُ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ : الشَّيْطَانُ وَالمَارِدُ وَالعِفْرِيْتُ ؛ وَالَّذِيْنَ يُصَفَّدُوْنَ فِى رَمَضَانَ هُمُ المَرَدَةُ وَحْدُهُمْ . فَمَثَلاً شَيْطَانُ الإِنْسَانِ أَى قَرِيْنُهُ لايُصَفَّدُ ؛ وَيَظَلُّ يُوَسْوِسُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى فِى رَمَضَانَ ؛ بَلْ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجُنُّوْنَ فِى رَمَضَانَ .
وِدَاعَة : عَلَى كُلِّ حَالٍ لايُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ الَّذِى يُوْجَدُ بَيْنَنَا قَرِيْنَ وَدّالنَّايِر ؛ لأَنَّ وَدّالنَّايِر نَفْسَهُ قَرِيْنٌ .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَظَرَ صِبيْرٌ إِلَى المِيْجَرِ ؛ فَوَجَدَهُ مُسْتَغْرِقاً فِى تَفْكِيْرٍ عَمِيْقٍ ؛ فَخَاطَبَ نَفْسَهُ :"مُجَرَّدُ لاشَىْءٍ يُفَكِّرُ فِى لاشَىْءٍ" . لَقَدْ كَانَا ـ صِبيْرٌ وَالمِيْجَرُـ ظَاهِرِيّاً مُتَضَادَّيْنِ ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ مَصَالِحَ كِلَيْهِمَا لاتَتَعَارَضُ مَعَ مَصَالِحِ الآخَرِ .. رُبَّمَا لأَنَّهُ لاتُوْجَدُ فِى قُوْزْ قُرَافِى مَصَالِحُ ؛ أَوْرُبَّمَا لأَنَّ مَصَالِحَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى مُتَّحِدَةٌ . لَكِنَّ المِيْجَرَ رَفَعَ رَأْسَهُ فَجْأَةً وَسَأَلَ :
ـ مَاهِىَ الحِكْمَةُ فِى خَلْقِ أَهْلِ قُوْزْ قُرافِى؟
وَدّالعَالْيَابِى : الحِكْمَةُ فِى مِثْلِ سُؤَالِكَ هَذَا ؛ ثُمَّ الخُرُوْجُ بِنَتِيْجَةِ أَلاَّ حِكْمَةَ فِى خَلْقِهِمْ .
ضَمْرَةُ الَّذِى انْضَمَّ إِلَى مَجْلِسِهِمْ مُؤَخَّراً : هَذِهِ آرَاءُ مُلْحِدِيْنَ . نَحْنُ قَوْمٌ مُؤْمِنُوْنَ بِاللَّهِ ؛ لَوْظَنَنَّا يَوْماً ظَنّاً قَدْ يَقْرُبُ مِنَ اليَقِيْنِ وَقَدْ يَبْعُدُ عَنْهُ ؛ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْنَا ..لَوْظَنَنَّا أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ خَلَقَنَا ؛ لَكُنَّا أَيْضاً ـ بِالفِطْرَةِ ـ عَبَدْنَا اللَّهَ . كَلامُكَ هَذَا يَاوَدّالعَالْيَابِى كَلامٌ خَطِيْرٌ نَابِعٌ مِنْ غَبَاءٍ أَصِيْلٍ ؛ فَالحِكْمَةُ فِى خَلْقِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى هِىَ نَفْسُ الحِكْمَةِ الَّتِى مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ الإِنْسَانُ عَامَّةً ؛ فِى كُلِّ مَكَانٍ وَأَوَانٍ .. الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِنْسَانٌ . ثُمَّ هُنَالِكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى تَخُصُّكَ أَكْثَرُ مِمَّا تَخُصُّ الإِنْسَانَ عَامَّةً؛ وَهِىَ الاسْتِمَاعُ إِلَى مِثْلِ إِجَابَتِكَ هَذِهِ؛ ثُمَّ التَّأَمُّلُ فِى حِكْمَةِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِ غَبَاءٍ بِحَجْمِ غَبَائِكَ هَذَا .
عبدالعَاطِى : يَاضَمْرَة : لَقَدْ أَسَأْتَ فَهْمَ إِجَابَةِ وَدّالعَالْيَابِى لِسُؤَالِ المِيْجَر ؛ فَهُوَ يَقْصِدُ أَنَّ إِنْسَانَ قُوْزْ قُرَافِى لَيْسَ جَاهِزاً لِلحَيَاةِ وَلامُسْتَعِدّاً لِلمَوْتِ .. خَسِرَ الدُّنْيَا وَمَافَازَ بِالآخِرَة ؛ وَأَنَّ قُوْزْ قُرَافِى هُوَ المَكَانُ الوَحِيْدُ فِى الكَوْنِ الَّذِى اسْتَطَاعَ فِيْهِ الحَيَوَانُ أَنْ يَسْتَأْنِسَ الإِنْسَانَ .
العَوَّامُ الَّذِى لاذَ بِالصَّمْتِ طِيْلَةَ الوَقْتِ : إِنْسَانُ قُوْزْ قُرَافِى ما اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ نَفْسَهُ .
وَدّالعَالْيَابِى : الأَمْرُ أَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيْرٍ ؛ فَالحَيَوَانُ فِى الحَقِيْقَةِ لَمْ يَسْتَأْنِسِ الإِنْسَانَ فِى قُوْزْ قُرَافِى فَقَط ؛ بَلِ اسْتَعْبَدَهُ أَيْضاً . انْظُرُوا إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِى قُوْزْ قُرَافِى .. مُنْذُ طُلُوْعِ الشَّمْسِ وَحَتَّى غُرُوْبِهَا يَزْحَفُوْنَ عَلَى الأَرْضِ يَحُشُّوْنَ القَشَّ لِلحَيَوَانِ .. انْصُتُوا إِلَى أُنْسِهِمْ فِى مَجَالِسِهِمْ ؛ لاحَدِيْثَ لَهُمْ سِوَى الحَدِيْثِ عَنِ الحَيَوَانَاتِ..أَنْسَابُهَا .. أَسْعَارُهَا.. أَخْبَارُهَا الاجْتِمَاعِيَّةُ مِنْ مَوْتٍ وَوِلادَةٍ وَمَرَضٍ وَكَسْرٍ وَسِمَنٍ ولَقَاحٍ . إِنْسَانُ قُوْزْ قُرَافِى أَصْبَحَ أَكْثَرَ بِدَائِيَّةً مِنَ الإِنْسَانِ الأَوَّلِ .. حَصَرَ نَفْسَهُ فِى دَائِرَةِ الحَيَوَانِ ؛ فَانْقَطَعَتْ كُلُّ صِلَةٍ لَهُ بِالعَالَمِ .. لايَسْمَعُ إِذَاعَةً ؛ وَإِنْ سَمِعَهَا سَمِعَ الأَغَانِى فَقَط ؛ وَإِنْ تَجَرَّأْ وَسَمِعَ الأَخْبَارَ فَسَيَفْهَمْهَا عَلَى غَيْرِ حَقِيْقَتِهَا .. لايَقْرَأُ الصُّحُفَ وَلايُشْبِعُ عَقْلَهُ بِأَىِّ ثَقَافَةٍ وَلارُوْحَهُ بِأَىِّ هِدَايَةٍ . لقَدِ انْقَطَعَ إِنْسَانُ قُوْزْ قُرَافِى عَنِ الإِنْسَانِ فِى كُلِّ مَكَانٍ .
ضَمْرَة : وَهَذَا هُوَ سِرُّ سَعَادةِ إِنْسَانِ قُوْزْ قُرَافِى؛ وَصَدَقَ الشَّاعِرُ الَّذِى قَالَ :
ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِى النَّعِيْمِ بِعَقْلِهِ وَأَخُو الجَهَالَةِ فِى الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
وِدَاعَة : إِنْسَانُ قُوْزْ قُرَافِى رُمِىَ بِكُلِّ مَاذَكَرْتُمْ لأَنَّهُ يَحْتَرِمُ البِيْئَةَ الَّتِى أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيْهَا ؛ وَالإِنْسَانُ ابْنُ بِيْئَتِهِ .. البِيْئَةُ مُلْهِمَةُ الشُّعَرَاءِ وَالكُتَّابِ وَالفَنَّانِيْنَ ؛ ثُمَّ إِنَّ فِى ذَلِكَ سِرّاً إِلَهِيّاً عَمِيْقاً ؛ فَالحَيَوَانُ ـ وَخَاصَّةً الأَلِيْفُ مِنْهُ ـ سَيَنْقَرِضُ إِنْ لَمْ يُسَخِّرِ اللَّهُ لَهُ الإِنْسَانَ . فَفِى الأَمْرِ إِذَنْ كُلُّ الاتِّزَانِ وَكُلُّ الانْضِبَاطِ ؛ بَلْ إِنَّ إِنْسَانَ قُوْزْ قُرَافِى يَأْخُذُ مِنَ الحَيَوَانِ أَضْعَافَ مَايُعْطِيْهِ هُوَ لَهُ .
المِيْجَر : يَاوِدَاعَة : لِمَاذَا وُجِدَ الإِنْسَانُ؟
وِدَاعَة : لِيَعْبُدَ اللَّهَ وَيُعَمِّرَ الأَرْضَ .
المِيْجَر : فَإِنْ وَجَدَ الأَرْضَ مُعَمَّرَةً قَبْلَهُ؟
صِبيْر : يَسْخَرُ مِمَّنْ عَمَّرُوْهَا .
وِدَاعَة : يَاوَدّالعَالْيَابِى : تَعْمِيْرُ الأَرْضِ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الإِنْسَانَ عَبْداً لِمَا فَوْقَهَا .
المِيْجَر : إِنَّهَا نَفْسُ الأَرْضِ الَّتِى يُفْنِى الرِّجَالُ أَعْمَارَهُمْ فِى نِزَاعَاتِهَا . وَدّالبَاشْكَاتِب : وَلَكِنْ أَتَدْرِى مَاالسَّبَب؟
المِيْجَر: لا .
وَدّالبَاشْكَاتِب :لأَنَّ الرَّجُلَ بِنِزَاعِهِ عَلَى الأَرْضِ يَعُوْدُ إِلَى أَصْلِهِ ؛ فَهُوَ مَخْلُوْقٌ مِنْ تُرَابٍ . إِنَّهُ يُدَافِعُ عَنْ وُجُوْدِهِ بِمُحَاوَلاتِهِ حِيَازَةَ الأَرْضِ .. إِنَّهُ يُؤَكِّدُ انْتِمَاءَهُ . أَمَّا المَرْأَةُ فَمَخْلُوْقَةٌ مِنْ ضِلْعِ الرَّجُلِ ؛ وَلَيْسَتْ مِنْ تُرَابٍ مِثْلُهُ . صِبيْرٌ سَاخِراً : بِنَاءً عَلَى هَذَا ؛ يَكُوْنُ الرِّجَالُ أَكْثَرَ خَوْفاً مِنَ النِّسَاءِ عِنْدَ رُكُوْبِ الطَّائِرَاتِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : هَذَا إِحْسَاسٌ يَشْتَرِكُ وَيَتَسَاوَى فِيْهِ الرَّجُلُ وَالمَرْأَةُ .
العَوَّام : لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ أَقْدَمَ إِنْسَانٍ عَاشَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ؛ كَانَ فِى قُوْزْ قُرَافِى .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:00 AM   #[4]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

ضَمْرَة : أَنْتَ إِنْسَانٌ ذُوْخُبْثٍ عِلْمِىٍّ ؛ فَمَا قَصَدْتَ بِكَلامِكَ هَذَا إِلاَّ أَنَّ قُوْزْ قُرَافِى هُوَ المَوْطِنُ الأَوَّلُ لِلْقِرْدِ .
العَوَّام : بَلْ قَصَدْتُ العَكْسَ تَمَاماً .. قَصَدْتُ أَنَّ أَصْلَ الإِنْسَانِ إِنْسَانٌ ولَيْسَ قِرْداً .
وَدّالبَاشْكَاتِب : هَلْ تَدْرِى يَاضَمْرَة لِمَ أَنْشَأَ(دَارْوِن) أَصْلاً نَظَرِيَّةَ أَنَّ أَصْلَ الإِِنْسَانِ قِرْدٌ؟
ضَمْرَة : لا .
وَدّالبَاشْكَاتِب : لأَنَّ (دَارْوِن) كَانَ شَدِيْدَ الشَّبَهِ بِالقِرْدِ ؛ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِى تَصْعُبُ مَعَهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ بَدَا قُوْزْ قُرَافِى فِى الدُّنْيَا كَالحَوَصِ فِى العَيْنِ ؛ وَذَلِكَ فِى شُعُوْرِ وَدّالعَالْيَابِى ؛ الَّّذِى اسْتَمَعَ بَعْدَ قَلِيْلٍ إِلَى وَدّالسَّخِى الَّذِى جَلَسَ لِتَوِّهِ يَقُوْلُ لِصِبيْرٍ :
ـ كَيْفَ حَالُكَ؟
فَتَجِيْبُهُ عَيْنَا صِبِيْرٍ اللَّتَانِ كَانَ العَوَّامُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا بِصَفَاقَةٍ أَقْبَحُ مِنْ عَمَلِكَ يَاأَقْبَحَ أَهْلِ الدُّنْيَا) .
لَكِنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ صِبيْرٍ :
ـ لاأَدْرِى حَالِى تَحْدِيْداً ؛ لَكِنَّهُ قَطْعاً أَفْضَلُ مِنْ غَدٍ .
حاج الخَلِيْفَة : حَقِيْقَة حَالُنَا تَغَيَّرَ إِلَى الأَسْوَأِ .. صِرْنَا نَرَى الشَّخْصَ يَتَحَدَّثُ إِلَيْنَا مِنَ (التِّلَفِزْيُوْن) ؛ يَشْغَلُ مَعَنَا نَفْسَ الغُرْفَةِ وَهُوَ يَبْعُدُ عَنَّا آلافَ الأَمْيَالِ ؛ لَكِنَّنَا صِرْنَا لانَرَى أَنْفُسَنَا!
حاج الصَّافِى : هَذَا مَاكَانَتْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْهُ الخَوَاجِيَّة ؛ أَنْ يُصْبِحَ قُوْزْ قُرَافِى مَدِيْنَةً فَنَفْقِدَ أَنْفْسَنَا إِلَىالأَبَدِ .
حاج الدُّسُوْقِى : التِّلَفِزْيُوْن أَفْسَدَ أَوْلادَنَا ؛ فَأَقْلَقُوا رَاحَتَنَا .
وِدَاعَة : لارَاحَةَ لأَهْلِ بَيْتٍ فِيْهِ مُرَاهِقٌ .
حاج الرَّضِى : أَوْمُرَاهِقَة . حاج الدُّسُوْقِى صَدَقَ ؛ التِّلَفِزْيُوْن أَفْسَدَ أَوْلادَنَا وَأَلْهَانَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِى آخِرِ عُمْرِنَا .
حاج الصَّافِى : إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن .
هُنَا سَمِعَ وَدّالبَاشْكَاتِب صَوْتاً قَدِيْماً فِى نَفْسِهِ يَعْرِفُهُ جَيِّداً لَقَدِ انْتَهَى كُلُّ شَىْءٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى .. الأَغْصَانُ أَصْبَحَتْ تَحْتَقِرُ الثِّمَارَ ؛ وَمَاعَادَتِ الثِّمَارُ تَثِقُ بِالأَغْصَانِ ؛ وَنَحْنُ لَسْنَا حُبُوْبَ اللَّقَاحِ ؛ وَقَدْ مَاتَتْ كُلُّ الفَرَاشَاتِ وَالزَّنَابِيْرِ) . ثُمَّ صَوْتَاً آخَرَ قَدِيْماً أَيْضاً نَحْنُ لانَكْرَهُ الثِّيْرَانَ لأَنَّنَا مِنْ فَصِيْلَةِ البَقَرِ ؛ وَلَكِنْ لأَنَّنَا نَخَافُ قُرُوْنَهَا) . لَكِنَّ صَوْتَ وِدَاعَة عَلا عَلَى الصَّوْتِ الَّذِى بِدَاخِلِ وَدّالبَاشْكَاتِب :
ـ قُوْزْ قُرَافِى يَابَلَدَ الغَرَائِبِ وَالعَجَائِب ؛جَاءَ بِنَا القَدَرُ إِلَيْكَ ونَعْلُنَا فِى أَرْجُلِنَا؛ وَسَنُفَارِقُكَ وَأَرْجُلُنَا بِنَعْلِهَا فِى قُلُوْبِنَا .
فَمَا كَانَ مِنْ ضَمْرَةَ إِلاَّ أَنْ قَالَ :
ـ قُوْزْ قُرَافِى حَسْنَاءُ لَيْسَ لَهَا أَىُّ مُحِبٍّ لأَنَّهَا لاتَتَبَذَّلُ ؛ فِى زَمَنٍ يَعْشَقُ فِيْهِ النَّاسُ التَّبَذُّلَ .
قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِى سَاعَتِهِ ؛ وَيعُدُّ الدَّقَائِقَ البَاقِيَةَ لِغُرُوْبِ الشَّمْسِ كَى يَفْطُرَ بَعْدَ هَذَا اليَوْمِ الرَّمَضَانِىِّ الطَّوِيْلِ .
وَفِى بَيْتِهِ أَلْقَىحاج الفَكِى نَظْرَةً عَجْلَى عَلَى جَوَّالاتِ التَّمْرِ القَلِيْلَةِ المَرْصُوْصَةِ بِغَيْرِ تَنَاسُقٍ وَلاانْسِجَامٍ ؛ عَلَى شَقَائِقَ مِنْ سِيْقَانِ النَّخْلِ الَّتِى أُزِيْلَتْ كَرَانِيْفُهَا .. تُرَى مَاهَذِهِ العَلاقَةَ الَّتِى لاتَنْقَطِعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالنَّخْلِ ؛ حَتَّى بَعْدَ جَنْىِ التَّمْرِ وَقَطْعِ النَّخْلِ؟ نَظَر حاج الفَكِى نَظْرَةً عَجْلَى إِلَى جَوَّالاتِ التَّمْرِ .. جَوَّالاتٍ قَلِيْلَةٍ بَدَتْ لَهُ فِى لَحْظَةٍ كَسَنَوَاتِ عُمُرِهِ البَاقِيَةِ ؛ وَقَالَ فِى نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ عَدَّ سِنِيْنَ عُمْرِهِ المَاضِيَةَ كَمَا يَعُدُّ أَحَدُنَا نَوَى تَمْرٍ مُسَوِّسٍ أَكَلَهُ فِى الظَّلامِ :"مَاأَعْحَبَ هَذِهِ السَّنَةَ! أَحَتَّى السُّوْسُ أَصَابَهُ الجُوْعُ ؛ فَأَصْبَحَ يَأْكُلُ نَوَى التَّمْرِ؟! لَقَدْ أَصْبَحَتِ الدُّنْيَا كَأَرْمَلَةٍ خَرَجَتْ لِتَوِّهَا مِنَ العِدَّةِ" . وَلَكِنْ هَلْ فَقَدَتِ الدُّنْيَا زَوْجَهَا حَقّاً؟ هَلْ مَاتَ حَقّاً زَوْجُ الدُّنْيَا؟
(5)
قَالَ الرَّشِيْد وَدّالتُّهَامِى (الرَّشِيْد وَد عُوْد الفَاس) الَّذِى خَرَجَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى مُعْدَماً ؛ وَعَادَ إِلَيْهِ وَفِى نَبَرَاتِهِ رَائِحَةُ البِتْرُوْلِ ؛ وَفِى ثِيَابِهِ إِنْسَانٌ آخَرُ ؛ قَالَ وَهُـوَ يَجْلِسُ بِالحَوْشِ الوَاسِعِ لِعَمِّهِ سِرَاجِ الدِّيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الوَجْبَةِ
الدَّسِمَة :
ـ بِاللَّهِ قُلْ لِى يَاعَمِّى الفَكِى ؛ أَمَا زَالَتْ نَخْلَةُ عَمِّى سِرَاجٍ أَطْوَلُ نَخْلَةٍ فِى البَلَد ؛ مَوْجُوْدَةً حَتَّى الآن؟
حاج الرَّضِى : شَىْءٌ غَرِيْب! تَسَأَلُ عَنْ نَخْلَةِ عَمِّكَ سِرَاجٍ وَلاتَسْأَلُ عَنْ عَمِّكَ سِرَاج؟!
حاج الدُّسُوْقِى : لأَنَّ نَخْلَةَ عَمِّهِ سِرَاجٍ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ مِنْهُ ؛ بَلْ أَنْفَعُ لِعَمِّهِ سِرَاجٍ مِنْ نَفْسِهِ .
حاج الخَلِيْفَة : صَدَقْتَ ؛ عَمُّهُ سِرَاجٌ لَيْسَ فِيْهِ نَفْعٌ حَتَّى لِنَفْسِهِ .
حاج الصَّافِى ؛ الَّذِى كَانَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَمْيَلَ إِلَى الاعْتِدَالِ : صَدَقْتَ يَاحاج الدُّسُوْقِى ؛ بَعْضُ الأَشْجَارِ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ مِنْ أَصْحَابِهَا .
عِنْدَئِذٍ حَمَلَ صِبيْرٌ نَظْرَتَهُ بِإِعْيَاءٍ لِيضَعَهَا بِعَنَاءٍ عَلَى عَمِّهِ سِرَاجٍ؛ بَعْدَ أَنْ قَطَعَتِ المَسَافَةَ بَيْنَهُمَا وَكَأَنَّهَا عِدَّةُ سَنَوَاتٍ ضَوْئِيَّةٍ. نَظَرَ صِبيْرٌ إِلَى عَمِّهِ سِرَاجٍ ؛ فَوَجَدَهُ مَازَالَ عَلَى المَائِدَةِ وَهُوَ يَأْكُلُ بِطَرِيْقَةٍ فَظِيْعَةٍ ؛ إِذْ كَانَ طَقْمُ أَسْنَانِهِ الاصْطِنَاعِيَّةِ قَدْ ضَاعَ مِنْهُ .. رُبَّمَا ابْتَلَعَهُ أَثْنَاءَ أَكْلِهِ . لَقَدْ كَانَ عَمُّهُ سِرَاجٌ يَأْكُلُ بِطَرِيْقَةٍ تُحِسُّ مَعَهَا وَأَنْتَ جَائِعٌ ؛ بِأَنَّكَ قَدْ شَبِعْتَ مَادَامَ الطَّعَامُ يُؤْكَلُ بِهَذِهِ الطَّرِيْقَةِ . وَفَجْأَةً تَذَكَّرَ صِبيْرٌ قَوْلَ عَمِّهِ تَبيْقَ لَهُ ذَاتَ مَرَّةٍ ؛ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ سِرِّ احْتِفَاظِ عَمِّهِ النُّعْمَانِ بِكُلِّ أَسْنَانِهِ عَمُّكَ النُّعْمَانُ مِنْ سُلالَةِ قَوْمٍ يَمُوْتُوْنَ بِأَسْنَانِهِمْ كَامِلَةً لِقِلَّةِ كَلامِهِمْ .. كَثْرَةُ الكَلامِ تُكَسِّرُ الأَسْنَانَ) . وَحِيْنَ انْتَهَى مِنْ كَلامِهِ نَظَرَ صِبيْرٌ حِيْنَذَاْكَ إِلَى أَسْنَانِ عَمِّهِ تَبيْقَ الَّذِى كَانَ يَبْتَسِمُ ؛ فَوَجَدَهَا لَمْ تَنْقُصْ سِنّاً وَاحِدَةً ؛ فَتَأَكَّدتْ لَهُ صِحَّةُ قَوْلِهِ النَّابِعِ مِنْ تَجْرِبَتِهِ فِى الحَيَاةِ . وَحِيْنَ نَظَرَ إِلَى عَمِّهِ سِرَاجٍ مَرَّةً أُخْرَى وَوَجَدَهُ مَازَالَ يَأْكُلُ بِطَرِيْقَتِهِ العَوِيْصَةِ تِلْكَ؛ رَسَخَ فِى نَفْسِهِ أَكْثَرُ صِدْقُ مُلاحَظَةِ عَمِّهِ تَبيْقَ. لَقَدْ كَانَتْ مُنَاسَبَةُ تِلْكَ الوَلِيْمَةِ الَّتِى أَقَامَهَا سِرَاجٌ أَنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ جَدّاً ؛ وَهُوَ الَّذِى لَمْ يَرَ أَبَاهُ نَاهِيْكَ عَنْ جَدِّهِ ؛ وَبِدَوْرِهَا أَصْبَحَتْ قُوْتُ النُّفُوْسِ جَدَّةً ؛ إِذْ هَذَا هُوَ المَوْلُوْدُ الأَوَّلُ ـ وَإِنْ كَانَ بِنْتاً ـ لابْنِهِمَا مَالِكٍ ؛ بَعْدَ سَنَوَاتٍ عَدِيْدَةٍ مِنْ زَوَاجِهِ . مَرَّةً أُخْرَى نَظَرَ صِبيْرٌ إِلَى الجَالِسِيْنَ عَلَى المَائِدَةِ ؛ وَهُوَ يُرَاقِبُ فِى هَذِهِ المَرَّةِ تِلْكَ اليَدَ المَعْرُوْقَةَ الَّتِى تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً كَسِلَةً كَسْلَى بَيْنَ الإِنَاءِ وَالفَمِ ؛ فَعَذَرَ المِائَةَ عَامٍ الَّتِى تَرْقُدُ بَيْنَ الإِنَاءِ وَالفَمِ ؛ وَقَالَ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ يَجْلِسُ قَرِيْباً مِنْهُ إِنْ كَانَ حَادَّ السَّمْعِسُبْحَانَ اللَّه.. كُلُّ شَىْءٍ يَهْرَمُ ؛ حَتَّى عَمِّى النُّعْمَان!) وَحِيْنَ نَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ أَحَسَّ صِبيْرٌ أَنَّ رُوْحَ عَمِّهِ النُّعْمَانِ قَدْ ظَلَّتْ هَائِمَةً فِى هَذِهِ الدُّنْيَا ؛ مُنْذُ أَنْ كَانَ المَسْجِدُ الأَقْصَى القِبْلَةَ الَّتِى يُصَلِّى إِلَيْهَا المُسْلِمُوْنَ . لَقَدْ أَحَسَّ صِبيْرٌ أَنَّ عَمَّهُ النُّعْمَانَ قَدِ اسْتَنْفَرَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ سَنَوَاتِ عُمْرِهِ المَدِيْدِ يَوْماً يَوْمَاً ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ عَمَّهُ النُّعْمَانَ صَبُوْرٌ عِندَ الأَذَى مَلُوْلٌ عِنْدَ النِّعْمَةِ . وَلَكِنَّهُ حِيْنَ تَمَعَّنَ أَكْثَرَ وَرَأَى أَنَّ الجَالِسَ خَلْفَ الإِنَاءِ المَنُوْفَلِى وَلَيْسَ عَمُّهُ النُّعْمَانُ ؛ قَوِىَ يَقِيْنُهُ القَوِىُّ أَصْلاً بِأَنَّ عَمَّهُ النُّعْمَانَ مَازَالَ بِخَيْرٍ . لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ أَمْراً آخَرَ؛ فَقَبْلَ مُدَّةٍ وَحِيْنَ رَأَى المَنُوْفَلِى يُشَقِّقُ بِالفَأْسِ سَاقَ شَجَرَةِ طَلْحٍ فِى بَيْتِ عَمِّهِ النُّعْمَانِ ؛ وَصَوْتُ ضَرْبَةِ الفَأْسِ يَأْتِى أَقْوَى مِنَ الضَّرْبَةِ وَأَعْمَقُ مِنَ الأَثَرِ الَّذِى تُحْدِثُهُ؛ أَدْرَكَ أَنَّ الوَهَنَ قَدْ دَبَّ إِلَى جَسَدِ المَنُوْفَلِى مِنْ بَعْدِ رُوْحِهِ . لَكِنَّهُ حِيْنَ نَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ وَرَأَى الدُّمُوْعَ تَنْهَمِرُ بِغَزَارَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ ؛ سَأَلَهُ :
ـ (مَابِكَ؟)
فَأَجَابَهُ المَنُوْفَلِى :
ـ (إِنَّنِى أَبْكِى عَلَى شَجَرَةِ الطَّلْحِ هَذِهِ) .
حِيْنَذَاْكَ تَعَجَّبَ صِبيْرٌ وَتَسَاءَلَ فِى نَفْسِهِ :"كَيْفَ يَبْكِى إِنْسَانٌ عَلَى شَجَرَةٍ مَقْطُوْعَةٍ أَصْلاً ؛ وَلايَبْكِى عَلَى نَفْسِهِ الَّتِى تُقْطَعُ فِى كُلِّ حِيْنٍ ضَرْبَةً مِنْ بَعْدِ ضَرْبَةٍ؟ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشَجَرَةُ المَقْطُوْعَةُ تُثِيْرُ فِى نَفْسِهِ كُلَّ هَذَا القَدْرِ مِنَ الشَّفَقَةِ ؛ فَلِمَاذَا يُشَقِّقُ بِالفَأْسِ سَاقَهَا الآن؟" ..." رُبَّمَا كَانَتِ الشَّجَرَةُ عَزِيْزَةً عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ" ؛ إِجَابَة وَجَدَهَا صِبيْرٌ حِيْنَذَاْكَ ؛ تُعْفِيْهِ مِنْ تَلاحُقِ الأَسئِلَةِ فيْمَا بَعْدُ ؛ أَوْعَلَى الأَقَلِّ تُوَفِّرُ لَهُ الوَقْتَ الَّذِى يُضَيِّعُهُ سُدًى فِى مِثْلِ تِلْكَ الأَسْئِلَةِ . فَهُوَ لايُهِمُّهُ أَمْرُ المَنُوْفَلِى بِرُمَّتِه ؛ فَكَيْفَ يُهِمُّهُ أَمْرُ التَّسَاؤُلِ عَنْ شَأْنٍ مِنْ شُؤُوْنِهِ؟ لَكِنَّ سُؤَالاً مُتَمَرِّداً شَقَّ عَصَا الطَّاعَة :"أَىُّ نَفْسٍ هَذِهِ الَّتِى لاتُسَاوِى عِنْدَ صَاحِبِهَا شَجَرَةَ طَلْحِ؟" تَذَكَّرَ صِبيْرٌ كُلَّ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عَمِّهِ النُّعْمَانِ الَّذِى كَانَ يَضْحَكُ ؛ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُجَرِّبِ الحُزْنَ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِى حَيَاتِهِ . وَفَجْأَةً مَالَ صِبيْرٌ نَحْوَ العَوَّامِ وَقَالَ لَهُ :
ـ انْظُرْ إِلَى عَمِّى النُّعْمَان ؛ لَقَدْ أَصْبَحَ أَنْضَرَ مِنْ شَقَائِقِ النُّعْمَانِ . انْظُرْ إِلَى عَيْنَيْهِ المَكْحُوْلَتَيْنِ ؛ وَإِلَى قَامَتِهِ كَيْفَ امْتَلأَتْ كَمَا لَوْكَانَ فَتًى فِى الثَّلاثِيْنَ . مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أَنَّ عَمِّى النُّعْمَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لايَسْتَطِيْعُ الوُقُوْفَ لِلصَّلاةِ إِلاَّ بِصُعُوْبَةٍ ؛ يأْتِيْهِ يَوْمٌ يَقْفِزُ فِيْهِ مِنْ غَيْرِ كَلْفَةٍ عَلَى سَرْجِ حِمَارٍ يَنْهَقُ رَغْمَ اللِّجَامِ؟
وِدَاعَة ؛ مُخَاطِباً الجَمِيْعَ : بَلِ انْظُرُوا إِلَى (عَرَفَةَ) أَوِ(السُّرَّتِيَّة) كَمَا يُلَقِبُوْنَهَا؛ فَقَدْ كَانَ فَخِذَاهَا نَحِيْفَيْنِ كَفَخِذَىِّ جَرَادَةٍ خَلَوِيَّةٍ فِى زَمَنِ المَحْلِ .. كَانَتْ تَبْدُو كَنَاقَةٍ عَجُوْزٍ جَرْبَاءَ ؛ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ مَايُسِىءُ إِلَى جِنْسِ الإِبِلِ .. كَانَتْ مِنْ عِصَابَةِ نِسَاءٍ لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ لَهُنَّ رَجُلاً يَقْتُلُ فِى البَيْتِ عَقْرَباً ؛ وَانْظُرُوا إِلَيْهَا الآن ؛ هَلْ تَرَوْنَ امْرَأَةً فِى سِنِّهَا أَجْمَلَ مِنْهَا وَأَتَمَّ صِحَّةً؟
صِبيْر : سَأَحْكِى لَكُمْ شَيْئاً ؛ فَحِيْنَ دَخَلْتُ عَلَى عَمِّى النُّعْمَان بَعْدَ زَوَاجِهِ بِأَقَلَّ مِنْ أُسْبُوْعٍ ؛ وَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِياً عَلَى قَفَاهُ وَهُوَ يَهُزُّ قَدَمَيْهِ مَعَ اللَّحْنِ المُوْسِيْقِىِّ المُنْبَعِثِ مِنَ المِذْيَاعِ الَّذِى وَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ ؛ تَأَكَّدَ لِى أَكْثَرُ مِمَّا كُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّ الإِنْسَانَ حَيَوَانٌ طَرُوْبٌ ؛ وَأَنَّ المُوْسِيْقَى لُغَةٌ عَالَمِيَّةٌ . أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَأَكَّدَ لِى أَنَّ عَمِّى النُّعْمَان مَازَالَ يَسْتَمْتِعُ بِالحَيَاةِ ؛ وَقَدْ بَدَا فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَلَحْنٍ قَدِيْمٍ فِى تَوْزِيْعٍ مُوْسِيْقِىٍّ جَدِيْدٍ .
وَدّالعَالْيَابِى :عَمِّى النُّعْمَان إِنْسَانٌ طَرُوْبُ القَلْب ِ؛ وَصَاحِبُ القَلْبِ الطَّرُوْبِ لايَهْرَمُ أَبَداً؛ لأَنَّهُ لايَمْرَضُ .
فَرَح : بَلْ لأَنَّهُ لايُصَابُ بِالحَسَدِ وَالحِقْدِ وَالضَّغِيْنَةِ .
وَدّالسَّخِى : حَمَانَا اللَّهُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ .
قََالَ وَدّالسَّخِى ذَلِكَ ؛ وَهُوَ يَتَحَسَّسُ مَوْضِعَ قَلْبِهِ تَحَسُّسَ مِنْ لايَثِقُ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ جِسْمِهِ ؛ حَتَّى بِلِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ وَهُمَا أَدَاتَا النَّمِيْمَةِ فِى أَبْنَاءِ آدَمَ . وَدّالعَالْيَابِى :عَمِّى النُّعْمَان لايَهْرَمُ وَلايَمْرَضُ ؛ فَهُوَ حِيْنَ يَيْتَسِمُ تُحِسُّ أَنَّ البَسْمَةَ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ بُصَيْلاتِ شَعْرِهِ .. تُحِسُّ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ فِيْهِ حَتَّى شَعْرُهُ يَبْتَسِمُ ؛ وَمَنْ يَبْتَسِمْ حَتَّى شَعْرِهِ يَطْرَبْ حَتَّى شَعْرِهِ .
وِدَاعَة : وَأَيْضاً يَحْزَنُ حَتَّى شَعْرِهِ .
صِبيْر: عَمِّى النُّعْمَان كَانَ فِيْهِ نَحْسٌ شَدِيْدٌ .. حَظُّهُ فِى الدُّنْيَا كَانَ مِثْلَ حَظِّ المُنَافِقِيْنَ فى الآخِرَة . وَلَعَلَّ هَذَا النَّحْسَ قَدْ فَارَقَهُ الآنَ بِزَوَاجِهِ بِالسُّرَّتِيَّة ؛ بَلْ لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتُصْعِدُهُ عَلَى مَسْرَحِهَا لِيُؤَدِّىَ مَعَ السُّرَّتِيَّة أَمْتَعَ أَدْوَارِهِمَا المُفْرِحَة .
تُرَى مَاذَا سَيَقُوْلُ صِبيْرٌ لَوْنَظَرَ فِى وَقْتٍ لَيْسَ بِبَعِيْدٍ مِنَ الآنَ إِلَى تَوْأَمَىِّ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ وَهُمَا يَرْضَعَانِ ثَدْيَىَّ السُّرَّتِيَّة وَيَنْظُرُ كِلاهُمَا إِلَى الآخَرِ نَظرَاتٍ نَاطِقَةً تَقُوْلُ سَنَرَى أَيُّنَا يَكْبَرُ أَسْرَع) ؛ تُرَى مَاعَسَى صِبيْرٌ أَنْ يَقُوْلَ لَوْرأَى ذَلِكَ؟ بَلْ تُرَى مَاذَا سَيَقُوْلُ لَوْرآهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَلْعَبَانِ؛ كَشِبْلَيْنِ قَدِ التَقَيَا بَعْدَ أَنْ ضَلاَّ طَرِيْقَهُمَا طَوِيْلاً فِى ظَهْرِ حاج النُّعْمَان ؛ الَّذِى كَانَ دَائِمَ الدُّعَاءِ : (اللَّهُمَّ أَرِنِى مِنْ ذُرِّيَتِى مَنْ تَقَرُّ بِهِ عَيْنِى) .
هَكَذَا كَانَ صِبِيْرٌ نَهَاراً بِبَيْتِ عَمِّهِ سِرَاجٍ ؛ أَمَّا مَسَاءً بِفِنَاءِ نَادِى القَرْيَةِ فَقَدْ تَحَوَّلَ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ ؛ وَهُوَ يَجْلِسُ عَلَى الرَّمْلِ مَعَ زُمْرَتِهِ وَيَقُوْلُ :
ـ حِكْمَةُ اللَّهِ يَاجَمَاعَة .. رَبُّنَا أَعْطَى وَدّالبَاشْكَاتِب كُلَّ شَىْءٍ ؛ ثُمَّ عَوَّضَهُ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ لَمْ يَفْقِدْهُ .
ضَمْرَة : كَيْفَ يَفْقِدُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ أَصْلاً؟
العَوَّام : صَدَقَ صِبيْر؛ وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ غَنِىٌّ .
رُضْوَان : الغِنَى الحَقِيْقِىُّ غِنَى الرُّوْحِ وَالفِكْرِ .
وِدَاعَة : بَلِ الفَقْرُ الحَقِيْقِىُّ كَثْرَةُ المَالِ .
وَدّالعَالْيَابِى : وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ غَنِىٌّ فِى رُوْحِهِ وَفِى فِكْرِهِ أَيْضاً . وَدّالبَاشْكَاتِب قَالَ لِى مَرَّةً إِذَا وَلَدْتُ وَلَداً سَأُسَمِّيْهِ الشَّنْفَرَى) .
ضَحِكَ قَاسِمٌ مِنْ هَذَا الاسْمِ ؛ لَكِنَّ ضَمْرَةَ أَرْغَمَهُ عَلَى السُّكُوْتِ وَهُوَ يَقُوْلُ : ـ اسْمٌ شَاذٌّ فِى هَذَا القَرْنِ وَفِى قُوْزْ قُرَافِى .
وَدّالعَالْيَابِى : أَنَا نَفْسِى قُلْتُ هَذَا الكَلاَمَ لِوَدّالبَاشْكَاتِب ؛ فَقَالَ لِى : (فِى هَذَا الزَّمَنِ لايَسْتَطِيْعُ العَيْشَ إِلاَّ قَاطِعُ طَرِيْقٍ .. الحَيَاةُ الآنَ عَقَبَةٌ خَطِيْرَةٌ لايَجْتَازُهَا إِلاَّ قَاطِعُ طَرِيْقٍ هُوَ فِى نَفْسِ الوَقْتِ شَاعِرٌ صُعْلُوْكٌ كَالشَّنْفَرَى) . "لَقَدْ كَانَ الشَّنْفَرَى ـ ثَابِت بن أوس الأزدِىُّ ـ شَاعِراً مُبْدِعاً مَافِى ذَلِكَ أَدْنَى رَيْب ؛ أَبْدَعَتْ قَرِيْحَتُهُ لامِيَّةَ العَرَبِ وَهِىَ وَاحِدَةٌ مِنْ أَعْظَمِ القَصَائِدِ ؛ وَلَكِنْ هَلْ كَانَ الشَّنْفَرَى قَاطِعَ طَرِيْق؟ لَقَدِ اعْتَزَلَ الشَّنْفَرَى مُجْتَمَعَ البَشَرِ إِلَى مُجْتَمَعِ الحَيَوَانَاتِ وَالوُحُوْشِ ؛ لإِيْمَانِهِ بِأَنَّهَا أَكْثَرُ بَرَاءَةً مِنَ الإِنْسَانِ ؛ وَلاتَحْمِلُ ضَغَائِنَ الإِنْسَانِ وَإِحَنَهُ" . هَكَذَا خَاطَبَ ضَمْرَةُ نَفْسَهُ ؛ وَهَكَذَا سَأَلَهَا ثُمَّ أَجَابَهَا . وَقَدْ ظَلَّ رَغْمَ ذَلِكَ يُتَابِعُ الأُنْسَ ..
صِبيْر : فِى الحَقِيْقَةِ الاسْمُ يُؤَثِّرُ كَثِيْراً فِى شَخْصِيَّةِ صَاحِبِهِ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:01 AM   #[5]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

وَدّالعَالْيَابِى : أَتَتَذَكَّرُ يَاصِبيْرُ قَصَّةَ وَدّالبَاشْكَاتِب مَعَ المُرَشَّحِ الَّذِى جَاءَ يَسْتَجْدِى أَصْوَاتَنَا أَيَّامَ الانْتِخَابَاتِ؟
صِبيْر: نَعَمْ أَتَذَكَّرُهَا جَيِّداً ؛ فَقَدْ وَقَفَ وَخَاطَبَ النَّاسَ فِى الجَامِعِ أَصْوَاتُكُمْ أَمَانَةٌ يَسْأَلُكُمُ اللَّهُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَة . يَجِبُ أَنْ تُعْطُوا أَصْوَاتَكُمُ المُرَشَّحَ الأَصْلَحَ) .
فَسَأَلَهُ أَحَدُهُمْ :
ـ (وَكَيْفَ نَعْرِفُ المُرَشَّحَ الأَصْلَحَ؟)
فَأَجَابَهُ المُرَشَّحُ :
ـ (افْتَرِضْ أَنَّكَ كُنْتَ تَنْوِى السَّفَرَ ؛ ووَجَدْتَ عَرَبَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا قَوِيَّة وَجَدِيْدَة وَالأُخْرَى مُهْتَرِئَة وَقَدِيْمَة ؛ فَبِأَيُّهُمَا تُسَافِر؟)
هُنَا وَقَفَ وَدّالبَاشْكَاتِب وَأَفْحَمَ المُرَشَّحَ :
ـ (قَبْلُ النَّظَرِ إِلَى العَرَبَتَيْنِ ؛ أَتَحَرَّى عَنْ سَائِقَىِّ العَرَبَتَيْن ِ: أَيُّهُمَا أَقْدَرُ وَأَبْرَعُ فِى القِيَادَةِ وَأَدْرَى بِالطَّرِيْقِ؟ الكَلامُ كُلُّهُ عَلَى القِيَادَةِ الفَاهِمَة) .
المِيْجَر : وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ قِيَادِىٌّ كَبِيْرٌ؛ حَتَّى إِنَّهُ وَجَمَاعَتَهُ حَارَبُوا الإِمَامَ عِنْدَمَا هَدَّدَ مَصَالِحَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى . سَأَحْكِى لَكُمْ شَيْئاً ؛ فَفِى مَرَّةٍ مِنَ المَرَّاتِ كَانَ وَدّالبَاشْكَاتِب بِالخُرْطُوْم ؛ وَكَانُوا يُلْقُوْنَ القَبْضَ عَلَى كُلِّ مَنْ لاَيَحْمِلُ بِطَاقَةَ إِثْبَاتِ الشَّخْصِيَّةِ ؛ فَسَأَلَهُ رَجُلُ أَمْنٍ أَيْنَ بِطَاقَةُ إِثْبَاتِ الشَّخْصِيَّة؟) فَرَدَّ عَلَيْهِ وَدّالبَاشْكَاتِب بُسُرْعَة : (وَأَيْنَ هِى الشَّخْصِيَّةُ الَّتِى تُرِيْدُ إِثْبَاتَ وُجُوْدِهَا؟)
صِبيْر : حَقِيْقَة لَمْ تَعُدْ لإِنْسَانِ قُوْزْ قُرَافِى أَىُّ شَخْصِيَّة .
وَدّالسَّخِى : وَدّالبَاشْكَاتِب لَمْ يَعْنِ ذَلِكَ ؛ بَلْ قَصَدَ أَنَّهُ هُوَ فَقَط لَمْ تَعُدْ لَهُ شَخْصِيَّة .
قَاسِم : هَذَا جَائِز .
عبدالعَاطِى : رُبَّمَا أَرَادَ وَدّالبَاشْكَاتِب أَنْ يَقُوْلَ لِرَجُلِ الأَمَنِ إِنَّ شَخْصِيَّتَهُ لاتَحتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ ؛ فَهُوَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى لأَنَّهُ يَحْمِلُ البِطَاقَةَ الَّتِى يَحْمِلُهَا كُلُّ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .
فَرَح : وَمَاهِىَ البِطَاقَةُ المُمَيِّزَةُ لأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؟
صِبيْر: السُّخْرِيَّة .
وِدَاعَة : وَهَذَا أَيْضاً جَائِز ؛ فَكُلُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الزَّمَنِ جَائِزٌ وَسَاخِرٌ .
العَوَّام : وَأَنْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا يَاعبدالعَاطِى ؛ قَدْ أَثْبَتَّ أَيْضاً أَنَّكَ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .
ضَمْرَة : إِنْ كَانَ حَدِيْثُكُمْ هَذَا فَلْسَفَةً ؛ فَإِنَّ حَيَاتَنَا لاتَحْتَاجُ إِلَى أَىِّ فَلْسَفَةٍ ؛ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْرَاضاً لِمَا تَتَمَتَّعُوْنَ بِهِ مِنْ سُخْرِيَّةٍ ؛ فَإِنَّ السُّخْرِيَّةَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى العَوَّام ِ؛ وَقَدْ مَلَّ حَدِيْثَهُمْ : يَاعَالَم خَاطِبُوا النَّاسَ بِقَدْرِ عُقُوْلِهِمْ .
صِبيْر : الصَّحِيْحُ أَنْ تَقُوْلَ خَاطِبُوا النَّاسَ بِقَدْرِ عَدَمِ عُقُوْلِهِمْ) ؛ فَعُقُوْلُ أَهْلِ هَذَا الزَّمَنِ أَصْبَحَتْ بِالسَّالِب .
فَرَح : مَالَنَا وَهَذِهِ الأَحَادِيْثِ الَّتِى مَجَجْنَاهَا ؛ وَمَالَنَا ووَدّالبَاشْكَاتِب وَغَيْرِهِ . ضَمْرَة : يَاوَدّالعَالْيَابِى : أَنْتَ قُلْتَ إِنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب رَجُلٌ مُثَقَّفٌ وَذَكِىٌّ ؛ وَهُنَاكَ مَثَلٌ صِيْنِىٌّ يَقُوْلُ إِنَّ السُّنْبُلَةَ المَلِيْئَةَ بَالحَبِّ تَنْحَنِى دَائِماً إِلَى أَسْفَلَ ؛ وَالسُّنْبُلَةَ قَلِيْلَةَ الحَبِّ تَقِفُ دَائِماً إِلَى أَعْلَى) .. الإِنْسَانُ صَاحِبُ الرَّأْىِ وَالعَقْلِ دَائِماً مُتَوَاضِعٌ ؛ وَالإِنْسَانُ الجَاهِلُ دَائِماً مُتَكَبِّرٌ ؛ فَهَلْ وَدّالبَاشْكَاتِب مُتَوَاضِعٌ؟ وَدّالعَالْيَابِى : لاأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا المَثَلُ حُكْماً مُطْلَقاً ؛ فالأَمْرُ يَعْتَمِدُ عَلَى الفَصِيْلَةِ الَّتِى تَنْتَمِى إِلَيْهَا السُّنْبُلَةُ ؛ فَمِنَ الفَصَائِلِ مَاتَتَّجِهُ سُنْبُلَتُهُ إِلَى أَعْلَى وَإِنْ كَانَتْ مَلِيْئَةً بَالحَبِّ ؛ وَمِنْهَا مَاتَتَّجِهُ سُنْبُلَتُهُ إِلَى أَسْفَلَ وإنْ لَمْ تَكُنْ بِهَا حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ . الإِنْسَانُ مِثْلُ النَّبَاتِ فِيْهِ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ ؛ لأَنَّهُ مِثْلُ النَّبَاتِ تَحْكُمُهُ الظُّرُوْفُ حَوَلَهُ .
سَمِعَ قَاسِمٌ كَلامَ وَدّالعَالْيَابِى بأُذُنَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْهُ إِلِى عَقْلِهِ .لَكِنَّ وَدَّالسَّخِى قَالَ: ـ لِلنَّاسِ حُكْمُ الظَّاهِر .
وَدَالعَالْيَابِى : أَجَل ؛ لِلنَّاسِ تَرْجِيْحُ الظَّاهِرِ ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ إِبْطَالُ الحَقِّ . المِيْجِر : وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ لَيْسَ لَهُ قَلْبٌ .
وَدّالعَالْيَابِى : لأَنَّكَ لَمْ تَبْحَثْ عَنْ عَقْلِهِ .
فَرَح : الحَقِيْقَة يَاجَمَاعَة وَدّالبَاشْكَاتِب فَيْلَسُوْفٌ ؛ لَكِنَّهُ بَذِىءٌ .
هُنَا اسْتَشَاطَ وَدّالعَالْيَابِى غَضَباً وَصَاحَ بِحِدَّةٍ :
ـ بَعْرَةُ جَمَلِ مِنْ هَذِهِ؟
لَكِنَّ فَرَحاً لَمْ يُعِرْهُ اهْتِمَاماً ؛ وَأَمْسَكَ عبدالعَاطِى الَّذِى كَانَ يَمِيْلُ إِلَى التَّوَسُّطِ فِى الأُمُوْرِ فِى كَثِيْرٍ مِنَ الأَحْيَانِ ؛ بِطَرَفِ الحَدِيْثِ :
ـ فِى الحَقِيْقَة وَدّالبَاشْكَاتِب فَيْلَسُوْف ؛ وَالفَلْسَفَةُ لاتَخْلُو مِنَ البَذَاءَةِ أَحْيَاناً . صِبيْر : أَنَا شَخْصِيّاً أَسْتَفِيْدُ مَنَ الفَيْلَسُوْفِ البَذِىءِ ؛ لَكِنَّنِى لاأَحْتَرِمُه ُ. وَدّالسَّخِى : لَيْسَ فِى الدُّنْيَا أَحَدٌ يَسْتَفِيْدُ مِنْ وَدّالبَاشْكَاتِب أَوْيَحْتَرِمُهُ ؛ لأَنَّهُ لايَحْتَرِمُ نَفْسَهُ .
وَلَوْلالُطْفُ اللَّهِ لَنَشِبَتْ مَعْرَكَةٌ بَيْنَ وَدَّالسَّخِى وَوَدّالعَالْيَابِى ؛ فَقَدْ نَادَى أَحَدُهُمْ وَدّالعَالْيَابِى عَنْدَ بَابِ النَّادِى فَذَهَبَ إِلَيْهِ ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى ثُلَّتِهِ .
تُرَى مَاذَا سَيَقُوْلُ وَدّالبَاشْكَاتِب لَوْسَمِعَ مَاقِيْلَ فِيْهِ؟ رُبَّمَا مَسَحَ جَبِيْنَهُ العَرِيْضَ بِيَدِهِ ؛ وَقَالَ : (كَمَا أَنَّ النَّوَاةَ لايُمْكِنُ أَنْ تَكُوْنَ إِلِكْتِرُوْناً ؛ فَإِنَّنِى لايُمْكِنُ أَنْ أَكُوْنَ إِلاَّ أَنَا .. أَنْ أَكُوْنَ نَوَاةَ الأَشْيَاءِ فِى قَرْيَةٍ مَيْتَةِ الشُّعُوْرِ) . رُبَّمَا تَرَنَّمَ فِى أَعْمَاقِهِ بِشِعْرِ بَدِيْعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانِى ؛ بَعْدَ أَنْ أَبْدَلَ اسْمَ هَمَذَانَ بِاسْمِ قُوْزْ قُرَافِى :
قُوْزْ قُـرَافِى لِى بَلَدٌ أَقُوْلُ بِفَضْلِهِ لَكِنَّـهُ مـِنْ أَقْبَـحِ البُلْدَانِ
صِبْيَانُهُ فِى القُبْحِ مِثْلُ شُيُوْخـِهِ وَشُيُوْخُهُ فِى العَقْلِ كَالصِّبْيَانِ
غَيْرَ أَنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب لَمْ يَسْمَعْ حَرْفاً مِمَّا قِيْلَ فِيْهِ؛ وَلَمْ يَرْجِعْ وَدّالعَالْيَابِى إِلَى دَاخِلِ النَّادِى ؛ وَقَاسِمٌ يَسْبَحُ وَلايَصِلُ إِلَى الشَّاطِىْءِ ؛ إِذْ كَيْفَ يَصِلُ الشَّاطِىءَ مَنْ هُوَ الشَّاطِىْءُ نَفْسُهُ؟ كَيْفَ يَقِفُ عَلَى الشَّاطِىْءِ مَنْ يَسْبَحُ دَاخِلَ نَفْسِهِ؟ لَقَدْ كَانَ شُعُوْرُ قَاسِمٍ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى ثُلَّتِهِ تُوَاصِلُ أُنْسَهَا ؛ يُضَاهِى شُعُوْرَ دُخَانٍ كُبِسَ فِى زُجَاجَةٍ ثُمَّ قُفِلَتْ قَفْلاً مُحْكَماً . هَذَا ؛ فِيْمَا أَعْمَاقُ مَدَنِى وَدّالعَازَّة تَغْلِى ؛ وَهُوَ يَسْمَعُ رَغْماً عَنْهُ ضَمْرَةَ يَقُوْلُ :
ـ وَدّالبَاشْكَاتِب يُمَارِسُ عَلَيْنَا نَوْعاً مِنَ النَّمِيْمَةِ العِلْمِيَّةِ .. يَنْقُلُ إِلَيْنَا نَظَرِيَّاتِ الآخَرِيْنَ وَأَفْكَارَهُمْ ؛ وَلايَأْتِيْنَا بِأَفْكَارِهِ هُوَ .
وِدَاعَة : وَدّالبَاشْكَاتِب كالمِرْآةِ المُزَيَّفَةِ.. المِرْآةُ المُزَيَّفَةُ تُغَيِّرُ صُوَرَ النَّاس ِ؛ وَوَدّالبَاشْكَاتِب يُغَيِّرُ صُوَرَ الأَشْيَاءِ فِى أَذْهَانِ النَّاسِ . يَاجَمَاعَة وَدّالبَاشْكَاتِب مِثْلُ القِط .. القِطُّ تَرْمِيْهِ مِنْ عَاشِرِ طَابِقٍ فَيَقَعُ عَلَى الأَرْضِ وَاقِفاً عَلَى أَقْدَامِهِ.. القِطُّ لايَقَعُ مَنْ شَاهِقٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَطُّ .
كَادَ العَوَّامُ يَقُوْلُ لَهُمْ إِنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب يَسْتَطِيْعُ إِقْنَاعَكَ بِالشَّىْءِ وَضِدِّهِ ؛ وَلَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ قَائِلا :
ـ وَدّالبَاشْكَاتِب يُحَاوِلُ الجَمْعَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لايُمْكِنُ أَنْ تُوْجَدَ إِلاَّ مُبَعْثَرَةً .. وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ (بَهْلَوَان) يَبِيْعُ لَكَ الحَمَامَ وَهُوَ طَائِرٌ فِى الجَوِّ . وَدّالسَّخِى : وَدّالبَاشْكَاتِب إِنْسَانٌ شِعَارُهُ فِى الحَيَاةِ : (سَنَهِدِمُ المَآذِنَ وَنُحَوِّلُ المَسَاجِدَ إِلَى مَطَاعِمَ) . هَذِهِ هِىَ الحَضَارَةُ الَّتِى يُنَادِى بِهَا وَدّ البَاشْكَاتِب وَأَمْثَالُهُ .. وَدّالبَاشْكَاتِب دِيْنُهُ وَإِيْمَانُهُ الغَرْبُ وَخَاصَّةً الإِنْجِلِيْز .. حَيَاتُهُ شَكْلٌ وحَيَاتُنَا شَكْلٌ ؛ وَأَفْكَارُهُ مُخْتِلِفةٌ عَنْ أَفْكَارِنَا .
صَبيْر : مَرَّةً سَأَلَنِى عَنْ رَأْىِ فِى حَيَاةِ الأُوْرُوْبِيَّيْنَ ؛ فَقُلْتُ لَهُ بِمَنْطِقٍ قَرِيْبٍ مِنْ مَنْطِقِ وَدّالعَالْيَابِى العَالَمُ كُلُّهُ فُقَرَاءُ ؛ نَحْنُ فُقَرَاءُ وَالأُوْرُوْبِِيُّوْنَ فُقَرَاءُ .. فَقْرُنَا فِى أَيْدِيْنَا ؛ وَفَقْرُهُمْ فِى أَرْوَاحِهِمْ وَقُلُوْبِهِمْ) . لَمْ يُعْجِبْهُ كَلامِى هَذَا ؛ لَكِنَّنِى طَيَّبْتُ خَاطِرَهُ قَائِلاً الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ لَنَا وَلَهُمْ مِثْلُ ثَوْبٍ قَصِيْرٍ فِى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ ؛ إِنْ غَطَّيْتَ بِهِ رَأْسَكَ انْكَشَفَتْ رِجْلاكَ ؛ وَإِنْ غَطَّيْتَ بِهِ رِجْلَيْكَ انْكَشَفَ رَأْسُكَ) ؛ فَأَعْجَبَهُ كَلامِى هَذَا وَفَارَقَنِى وَهُوَ يَبْتَسِمُ .
العَوَّام : وَدّالسَّخِى صَدَق ؛ وَدّالبَاشْكَاتِب لايُشْبِهُنَا فِى أَىِّ شَىْءٍ حَتَّى فِى وَجْهِهِ الَّذِى يُشْبِهُ وَجْهَ (رَهْوَنْبِيْز) .
صِبيْرٌ بِاسْتِغْرَابٍ : (رَهْوَنْبِيْز)! وَمَنْ هُوَ(رَهْوَنْبِيْز)هَذَا؟
العَوَّام : رَهْوَنْبِيْز اسْمُ الذِّئْبِ الَّذِى أَكَلَ سَيِّدَنَا يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلام .
صِبيْر : مَتَى صَارَ لِذِئَابِ الصَّحَارَى أَسْمَاءٌ مِثْلُهَا مِثْلُ الكِلابِ الأَلِيْفَة؟
وِدَاعَةُ مُخَاطِباً العَوَّامَ : ثُمَّ يَاعَزِيْزِى الفَاضِل؛ سيِّدُنَا يُوْسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يأْكُلْهُ أَىُّ ذِئْبٍ.. لامِنْ ذِئَابِ الصَّحَارَى وَلامِنْ ذِئَابِ الأَنْهَارِ .
العَوَّام ؛وَقَدْ فَكَّرَ بِسُرْعَةٍ عَجِيْبَةٍ بَعْدَ أَنْ وَجَدَ نَفْسَهُ فِى هَذَا المَأْزِقِ الحَقِيْقِىِّ : ـ إِذَنْ رَهْوَنْبِيْز هُوَ اسْمُ الذِّئْبِ الَّذِى لَمْ يَأْكُلْ سَيِّدَنَا يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلام . ضَحِكَ الجَمِيْـعُ ـ بِمَنْ فِيْهِمُ العَوَّامُ ـ لإِجَابَةِ العَوَّامِ هَذِهِ . لَكِنَّ ضَمْرَةَ تَوقَّفَ عَنِ الضَّحِكِ قَبْلَ رِفَاقِهِ وَخَاطَبَ العَوَّامَ :
ـ لَقَدْ زِدَّتَ الأَمْرَ تَعْقِيْداً؛ فَقَوْلُكَ هَذَا يَعْنِى أَنَّ الذِّئَابَ جَمِيْعاً قَدِ اشْتَرَكَتْ فِى أَكْلِ سَيِّدِنَا يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلام ؛ إِلاَّ رَهْوَنْبِيْز هَذَا .
خَيَّمَ الصَّمْتُ لَحْظَةً إِلَى أَنْ بَدَّدَهُ صَوْتُ وَدّالسَّخِى :
ـ أَنَا لاأَكْرَهُ وَدّالبَاشْكَاتِب بِقَدْرِ مَاأَحْتَقِرُ وَدّالعَالْيَابِى ؛ فَهُوَ يَنْقُلُ أَفْكَارَ وَدّالبَاشْكَاتِب نَقْلاً ؛ وَيُدَافِعُ عَنْهُ وَيَتَشَبَّهُ بِهِ فِى كُلِّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ .
ضَمْرَة : اسْمَعْ ياوَدّالسَّخِى ؛ هُنَاكَ نَوْعٌ مِنَ الطُّيُوْرِ يُصْدِرُ أَكْثَرَ مِنْ صَوْتٍ ؛ إِذْ يُقَلِّدُ أَصْوَاتَ طُيُوْرٍ أُخْرَى يَخَافُهَا اتِّقَاءً لِشَرِّهَا .
المِيْجَر : صَدَقْتَ ؛ وَدّالعَالْيَابِى يَخَافُ مِنْ وَدّالبَاشْكَاتِب وَيُقَلِّدُهُ فِى كُلِّ شَىْءٍ ؛ حَتَّى فِى مُوَاجَهَةِ الإِمَامِ ؛ إِذْ كَانَ أَقْوَى سَنَدٍ لَهُ .
العَوَّام : وَلِمَاذَا حَارَبُوا الإِمَامَ؟
وِدَاعَة : لأَنَّ الإِمَامَ كَانَ يَسْعَى لإِزَالَةِ الفَسَادِ الَّذِى أَلَمَّ بِقُلُوْبِ النَّاسِ . رُضْوَان : كَلامك فِى مَحَلّه ؛ فَالإِمَامُ كَانَ دَائِمَ القَوْلِ دَرْءُ المَفَاسِدِ مَقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَنَافِعِ) .
وَفَجْأَةً ودُوْنَ أَىِّ مُقَدِّمَاتٍ أَلَقَى العَوَّامُ سُؤَالاً لَمْ يَكُنْ مُتَوَقَّعاً فِى تِلْكَ اللَّحْظَة بِالذَّاتِ :
ـ يَاضَمْرَة صِفْ لِىَ الإِنْسَانَ فِى كَلِمَاتٍ قَلائِلَ .
ضَمْرَة : الإِنْسَانُ كَيَانٌ وَبَيَانٌ .
وِدَاعَة : صَدَقْتَ .. بَيَانُ الإِنْسَانِ عَقْلُهُ وَلِسَانُهُ .
العَوَّام : يَاوِدَاعَة ؛ هَذَا عَنِ الإِنْسَانِ البَيَانِ ؛ فَمَاذَا عَنِ الإِنْسَانِ الكَيَانِ؟ وَدّالسَّخِى : أَنَا شَخْصِيّاً لاأَسْتَطِيْعُ وَصْفَ الإِنْسَانِ الكَيَانِ فِى كَلِمَاتٍ ؛ لَكِنَّ الَّذِى أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْهُ تَمَامَ التَّأَكُّدِ أَنَّ وَدّالعَالْيَابِى كَيَانٌ فَقَط .
العَوَّام :أَتَقْصِدُ أَقَلَّ مَنْ كَيَانٍ؟
وَدّالسَّخِى : بِالضَّبْط .
ضَمْرَة : لَقَدْ ظَلَمْنَا الإِنْسَانَ بِوَصْفِنَا لِوَدّالعَالْيَابِى بِهِ .. ظَلَمْنَا الإِنْسَانَ الكَيَانَ البَيَانَ ؛ وَظَلَمْنَا أَيْضاً الإِنْسَانَ البَيَانَ فَقَط ؛ وَأَيْضاً ظَلَمْنَا الإِنْسَانَ الكَيَانَ فَقَط .. ظَلَمْنَا الإِنْسَانَ فِى جَمِيْعِ صُوَرِهِ وَأَطْوَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَمَرَاحِلِهِ .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : وَلَكِنَّ الَّذِى يُحَيُّرُنِى هُوَ اجْتِمَاعُ حُبِّ قُوْزْ قُرَافِى فِى قَلْبَىِّ شَيْخِنَا وَدْجَكُّوْم وَالمَنُوفَلِى ؛ فِى هَذَا الزَّمْنِ الَّذِى أَصْبَحَ فِيْهِ أَهْلُ القَرْيَةِ جَمَيْعاً يَكْرَهُوْنَ قُوْزْ قُرَافِى . وَجَاءَتْهُ الإِجَابَةُ مِنْ ضَمْرَةَ كَأَمْرٍ حَتْمِىٍّ :
ـ نَوْعُ الحُبِّ يَخْتَلِفُ .. المَنُوْفَلِى يَكِيْلُ بِمِكْيَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا ؛ وَشَيْخُنَا وَدْجَكُّوْم يَزِنُ بِمِيْزَانِ عَالَمِ الحَقِّ .. مِيْزَانِ أَهْلِ الآخِرَةِ ؛ وكِلاهُمَا مُخْلِصٌ فِيْمَا يَأْتِى . رُضْوَان : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى المَنُوْفَلِى .. لَقِيْتُهُ مَرَّةً قَبْلَ مَوْتِ وَالِدَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِمَا؛ فَقَالَ لِى لَعَنَ اللَّهُ وَالِدَىَّ .. أَهْمَلانِى صَغِيْراً وأَتْعَبَانِى كَبِيْراً) . المَنُوْفَلِى وَلِىٌّ كَبِيْر .. وَلِىٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَان .
المِيْجَر : وَمَاذَا أَيْضاً عَنْ حُبِّ الإِمَامِ لِقُوْزْ قُرَافِى؟
وَدّالسَّخِى : أَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ يُشْبِهُنِى؛ أَوْبِالأَحْرَى يُشْبِهُ شَخْصاً يُشْبِهُنِى . صِبيْر : كَلامُكَ صَحِيْحٌ ؛ فَأَنَا حِيْنَ رَأَيْتُ الإِمَامَ بِالسُّوْقِ آخِرَ مَرَّةٍ ظَنَنْتُهُ أَنَا . لَقَدْ ضِعْتُ حِيْنَذَاْكَ وَسْطَ هَذَا الكَوْنِ الوَاسِعِ وَالنَّاسِ المُتَشَابِهِيْنَ ؛ وَحَقِيْقَةٌ الدُّنْيَا سُوْقٌ كَبِيْرٌ .
العَوَّام: اللَّهُمَّ لاتَجْعَلْنَا مِنْ تِجَارَةِ السُّوْقِ البَائِرَةِ .
ضَمْرَةَ : وَلَكِنْ لايُوْجَدُ أَحَدٌ يُشْبِهُ الإِمَامَ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:02 AM   #[6]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

وِدَاعَة : إِذَنِ الإِمَامُ أَحَدُ هَذَا القَرْنِ مِنْ بَنِى جِنْسِه ِ. وَبِمَا أَنَّهُ أَحَدٌ ؛ فَإِنَّ اللاَّأَحَدَ لايُمْكِنُ أَنْ يُشْبِهَهُ .. لايُمْكِنُ أَنْ يُشْبِهَهُ إِلاَّ أَحَدٌ مِثْلُهُ وَمِنْ بَنِى جِنْسِهِ فِى نَفْسِ قَرْنِهِ .
رُضْوَان : الإِمَامُ كَانَ يَبْحَثُ عَنَّا؛ وَبِدَوْرِنَا كُنَّا نَبْحَثُ عَنْ أَنْفُسِنَا . وَدّالسَّخِى: الإِمَامُ غَادَرَ قُوْزْ قُرَافِى وَرَائِحَةُ الخَوَاجَاتِ مَاتَزَالُ تُعَسْكِرُ فِى أَنْفِهِ .. خَوَاجَات قُوْزْ قُرَافِى مِنْ أَمْثَالِ وَدّالبَاشْكَاتِب وَأَشْبَاهِهِ .
رُضْوَان : لاأَعْتَقِدُ أَنَّ فِى الأَمْرِ رَائِحَةَ خَوَاجَاتٍ وَلارَائِحَةَ زُنُوْجٍ ؛ كُلُّ مَافِى الأَمْرِ أَنَّ عَقْلَ الإِمَامِ البَاطِنِ تَمَرَّدَ عَلَى حَيَاتِهِ ؛ فَارْتَحَلَ بِجَسَدِهِ عَنْ قُوْزْ قُرَافِى .
يَبْدُو أَنَّ هَذَا الحِوَارَ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِضْوَانَ كَافِياً لِلإِجَابَةِ عَنْ أَسْئِلَةٍ كَثِيْرَةٍ بِشَأْنِِ الإِمَامِ ؛ لِذَا كُنْتَ تَرَاهُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلائِلَ يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ شَيْخِنَا وَدْجَكُّوْم ؛ الَّذِى كَانَ يَجْلِسُ وَكَأَنَّهُ يُصْلِّى بِصَمْتٍ صَلاةً لارُكُوْعَ وَلاسُجُوْدَ لَهَا .. كَأَنَّهُ يُصَلِّى بِقَلْبِهِ . كَانَ شَيْخُنَا وَدْجَكُّوْم يَجْلِسُ عَلَى عَنْقَرَيْبٍ قَصِيْرِ الأَرْجُلِ ؛ وَقَدْ خَاطَبَ رِضْوَانَ بِتَوَاضُعِهِ الجَمِّ :
ـ قُمْ يَارِضْوَانُ مِنَ الأَرْضِ وَاجْلِسْ مَعِىَ عَلَى العَنْقَرِيْب ؛ وَإِلاَّ سَأَنْزِلُ وَأَجْلِسُ مَعَكَ عَلَى الأَرْضِ .
فَكَانَ أَنْ جَلَسَ رِضْوَانُ مَعَ شَيْخِنَا وَدْجَكُّوْم عَلَى العَنْقَرَيْبِ ؛ وَهُمَا يَبْدُوَانِ كَسَنَةٍ كَبِيْسَةٍ وَإِلَى جِوَارِهَا أُخْرَى بَسِيْطَة .. سَنَةٍ بَسِيْطَةٍ قَدْ تَكُوْنُ قَبْلَ الكَبِيْسَةِ مُبَاشَرَةً وَقَدْ تَجِىءُ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً ؛ فَلامَعْنَى لِتَرْتِيْبِ الزَّمَنِ فِى ذَاكَ المَقَامِ . لَكِنَّ مَنْ يَرَاهُمَا عَلَى تِلْكَ الحَالِ يَجْلِسَانِ مُتَلاصِقَيْنِ ؛ يَشْعُرُ أَنَّ المَسَافَةَ بَيْنَهُمَا جِدُّ وَاسِعَة ؛ وَشَيْخُنَا وَدْجَكُّوْم بِصَوْتِهِ الرَّخِيْمِ المُتَأَنِّى يَحْكِى لِرِضْوَانَ :
ـ (رَأَيْتُ فِى المَنَامِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ لِثَلاثَةِ أَسَابِيْعَ مُتَتَالِيَةٍ رُؤْيَا وَاحِدَة : النَّاسُ يَقِفُوْنَ لِلصَّلاةِ صُفُوْفاً وَهُمْ يَتِلَفَّتُوْنَ لِمَنْ يَؤُمُّهُمْ ؛ فَيَأْتِى الرَّسُوْلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يُمْسِكُ بِيَمِيْنِهِ يَدَ الإِمَامِ وَيُقَدِّمُهُ لِلصَّلاةِ بِالنَّاسِ . حِيْنَذَاْكَ أَدْرَكْتُ أَنَّ نَجَاةَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى سَتَكُوْنُ عَلَى يَدَىِّ ذَاْكَ الرَّجُلِ . وَفِى لَيْلَةِ الجُمُعَةِ الرَّابِعَةِ سَمِعْتُ وَأَنَا مُسْتَيْقِظٌ هَاتِفاً يَقُوْلُ : < يَاوَدْ جَكُّوْم : قَدْ أَزِفَ الوَقْتُ .. يَاوَدْ جَكُّوْم : قَدْ حَانَ الخَلاصُ >؛ وَعِنْدَمَا نِمْتُ رَأَيْتُ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُنِى بِالخُرُوْجِ إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ بِالخَلاءِ عَلَى طَرِيْقِ اللَّوَارِى المُتَّجِهَةِ إِلَى أُمْدُرْمَان ؛ حَيْثُ سَأَلْتَقِى بِالإِمَامِ هُنَاكَ وَآتِى بِهِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛ فَعَلَى يَدَيْهِ سَيَقَعُ خَيْرٌ كَثِيْرٌ . فَمَا كَانَ مِنِّى بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظْتُ مِنَ النَّوْمِ إِلاَّ أَنْ خَرَجْتُ إِلَى ذَاْكَ المَكَانِ بِالخَلاء . وَعِنْدَمَا وَقَعَتْ عَيْنَاىَ عَلَيْهِ فِى ذَاْكَ المَكَانِ وَقَدْ نَزَلَ لِحِيْنِهِ مِنْ أَحَدِ اللَّوَارِى ؛ عَرَفْتُهُ لِلتَّوِّ فَأَسْرَعْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ؛ فَنَظَرَ مَلِيّاً فِى وَجْهِى وَسَأَلَنِى :<هَلْ تَعْرِفُ قُوْزْ قُرَافِى؟> فأَجَبْتُهُ بِأَنَّنِى مِنْ قُوْزْ قُرَافِى . فَقَالَ لِى وَالفَرَحُ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ :<إِنَّ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِى فِى المَنَامِ بِالذِّهَابِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَأَنْ أَتَوَلَّى إِمَامَةَ أَهْلِهِ> . وَالَّذِى أُكْبِرُهُ فِى نَفْسِى أَنَّ الإِمَامَ قَالَ لِى فَجْأَةً وَبِاسْمِى :<هَلْ جِئْتَ يَاوَدْ جَكُّوْم لِتَسْتَلِمَ الأَمَانَة؟ أَنَا جَاهِزٌ وَسَأَذْهَبُ مَعَكَ>) .
خَرَجَ رِضْوَانُ مِنْ هَذَا الجَوِّ المُعَطَّرِ لِيَعُوْدَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى جَوِّ قُوْزْ قُرَافِى ؛ فَحِيْنَ كَانُوا يَجْلِسُوْنَ قَرِيْباً مِنَ الشَّارِعِ الرَّئِيْسِىِّ فِى ظِلِّ أَشْجَارِ حَوْشِ البِئْرِ الإِرْتِوَازِيَّةِ ؛ شَاهَدُوا وَدْ عُوْد الفَاس (الرَّشِيْد وَدّالتُّهَامِى) عَلَى البُعْدِ وَهُوَ مُقْبِلٌ نَحْوَهُمْ ؛ فَسَأَلَ وِدَاعَة :
ـ أَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ ظِلُّ الشَّخْصِ أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِه؟ يَاإِلَهِى!
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : قَبَّحَكَ اللَّهُ يَاوَدّالتُّهَامِى ؛ مَااَقْبَحَ خِلْقَتَكَ!
وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُوَاصِلَ أَكْثَرَ ؛ إِذْ سَمِعَ فِى أَعْمَاقِهِ صَوْتَ وَدّالبَاشْكَاتِب : (يَاخَالِقَ الأَشْيَاءِ الجَمِيْلَة : أَنْتَ خَلَقْتَنِى قَبِيْحاً؛ وَلَكِنْ أَجْمَلُ مِنْ كُلِّ الأَشْيَاءِ .. خَلَقْتَ نَفْسِى جَمِيْلَةً .. أَجْمَلَ مِنْ كُلِّ الأَشْيَاءِ المَحْسُوْسَة) . لَمْ يَسْتَطِعْ مَدَنِى وَدّالعَازَّة أَنْ يُوَاصِلَ ؛ فَتَوَلَّى العَوَّامُ عَنْهُ الأَمْرَ:
ـ الرَّشِيْد أَصْبَحَ كَذُبَابَةِ المَطَبَخِ ؛ لايَعِيْشُ إِلاَّ حَيْثُ الدَّسَمِ وَرَوَائِحِ القُدُوْرِ . صِبيْر : نَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الرَّشِيْدِ الَّذِى يُشْبِهُ وَجْهُهُ الكِتَابَةَ بِاللُّغَةِ الصِّيْنِيَّة .. وَجْهٌ كَالطِّلْسَمِ لايَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ قِرَاءَةَ أَعْمَاقِ صَاحِبِهِ . نَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَجِيْئُنَا فِى كُلِّ يَوْمٍ .. المَلارْيَا نَفْسُهَا لاتَجِىْءُ فِى كُلِّ يَوْمٍ . رُضْوَان : أَجَارَكَ اللَّهُ مِنَ المَلارْيَا .. المَلارْيَا لاتُفَارِقُنَا أَبَداً .. المَلارْيَا تَسْكُنُ أَجْسَامَنَا كَمَا تَسْكُنُهَا (الإِنْزِيْمَات) .
تَضَجَّرَ قَاسِمٌ فِى دَاخِلِهِ مِنْ كَلِمَةِ(الإِنْزِيْمَات) هَذَهِ الَّتِى لايَعْرِفُ مَعْنَاهَا ؛ وَالْتَفَتَ نَاحِيَةَ الرَّشِيْدِ فَلَمْ يَقِفْ لَهُ عَلَى أَثَرٍ؛ إِذْ يَبْدُو أَنَّهُ سَلَكَ طَرِيْقاً أُخْرَى بَعِيْداً عَنْهُمْ . لَكِنَّ حَدِيْثَهُمْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيْقاً آخَرَ ..
المِيْجَر : لَقَدْ ذَهَبَتِ الحَيَاةُ فِى قُوْزْ قُرَافِى بِكُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ بِـ (الرُّوْدِشِيْن) . قَاسِم : وَمَاهُوَ(الرُّوْدِشِيْن)؟
العَوَّام : (الرُّوْدِشِيْن) أَيُّهَا المُثَقَّفُ المُغَفَّلُ هُوَ عِلاجُ المَلارْيَا .
صِبيْر : الرُّوْدِشِيْن نَفْسُهُ أَصَابَتْهُ المَلارْيَا فِى قُوْزْ قُرَافِى .
اسْتَغْرَبَ صِبيْرٌ مِنْ عَدَمِ إِصَابَةِ المَلارْيَا لِوَدّالبَاشْكَاتِب حَتَّى الآنَ ؛ لَكِنَّهُ اطْمَأَنَّ إِلَى إِجَابَةٍ وَجَدَهَا كَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا قِرْشاً عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ :"رُبَّمَا لَمْ تُصِبِ المَلارْيَا وَدّالبَاشْكَاتِب بِسَبَبِ أَفْكَارِهِ الغَرِيْبَةِ . آهـ .. هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُصِيْبَ المَلارْيَا نَفْسَهَا بِالمَلارْيَا؟ وَدّالبَاشْكَاتِب هُوَ المَلارْيَا الَّتِى تَخَافُهَا كُلُّ مَلارْيَا" . هَمَسَ صِبيْرٌ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ وَقَدْ حَرَصَ أَلاَّ يَسْمَعَ الهَمْسُ صَوْتَ هَمْسِهِ هَذَا . لَكِنَّ هَمْسَهُ سَكَتَ فَجْأَةً وَصَاحِبُهُ يَرَى وَدّالصَّايِم يَقِفُ أَمَامَهُ كَغَضَبِ الوَالِدَيْنِ ؛ وَفِى رَأْسِهِ عَيْنَانِ كَثَقْبَيْنِ فِى قِرْبَةٍ نَاشِفَةٍ . كَادَ صِبيْرٌ يَقُوْلُ فِى نَفْسِهِ : ؛لَمْ أَرَ فِى حَيَاتِى وَجْهاً أَيْبَسَ مِنْ وَجْهِ وَدّالصَّايِم"؛ لَكِنَّ وَدّالصَّايِم بَادَرَهُمْ :
أَيْنَ المُسَاعِدُ الطِّبِّى؟ نُرِيْدُهُ سَرِيْعاً ؛ فَقَدْ شَجَّ وَدّالسَّخِى رَأْسَ بَرَكَات وَدّالنَّايِر شَجَّةً كَبِيْرَةً بِفَأْسٍ ؛ فِى نِزَاعٍ حَوْلَ حُدُوْدِ الأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِى مَحَاهَا الفَيَضَانُ .
لَكِنَّ أَحَداً لَمْ يُعِرْ حَدِيْثَهُ اهْتِمَاماً وَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ؛ فَانْصَرَفَ وَدّالصَّايِم بِعَصَبِيَّةٍ . أَمَّا المِيْجَرُ فَقَدْ وَجَّهَ حَدِيْثَهُ إِلَى جَمَاعَتِهِ :
ـ سَتَظْهَرُ مَشَاكِلُ كَثِيْرَةٌ عِنْدَمَا تَجِفُّ كُلُّ الأَرْضِ ؛ فَالجُزْءُ البَسِيْطُ الَّذِى جَفَّ أَسَالَ الدَّمَ .
سَكَتَ الجَمِيْعُ لَحْظَةً وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب وَوَدّالعَالْيَابِى؛ اللَّذَيْنِ أَخَذَا مَكَانَيْهِمَا بِالمَجْلِسِ . لَكِنَّ الأُنْسَ مَالَبِثَ أَنِ اتَّصَلَ ..
صِبْير : أَعْتَقِدُ أَنَّ دُخُوْلَ بَرَكَات وَدّالنَّايِر فِى نِزَاعٍ عَلَى الأَرْضِ ؛ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ فِى حَدِّ ذَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ لاشَكَّ فِيْهِ .
وِدَاعَة : كَيْف؟
صِبيْر: أَلاتَتَذَكَّرُ حَدِيْثَ وَدّالبَاشْكَاتِب عَنْ نِزَاعَاتِ الرِّجَالِ عَلَى الأَرْضِ ؛ لأَنَّهُمْ أَسَاساً مِنْ تُرَابٍ؟
العَوَّام : لاأَعْتَقِدُ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ يَاصِبيْر ؛ وَلَكِنِّى أَعْتَقِدُ أَنَّ دُخُوْلَ بَرَكَات وَدّالنَّايِر فِى نِزَاعٍ عَلَى الأَرْضِ ؛ شَهَادَةٌ لاتُرَدُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى الأَصْلِيِّيْنَ .
وِدَاعَة : أَنَا لاأَلُوْمُ وَدّالسَّخِى عَلَى شَجِّهِ رَأْسَ بَرَكَات وَدّالنَّايِر ؛ لأَنَّنِى أَعْتَبِرُ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى جَمِيْعاً مِنَ القُصَّرِ .
وَدّالعَالْيَابِى :عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُجُوْدِ وَدّالنَّايِر بَيْنَنَا ؛ لايَعْنِى أَنَّهُ حَىٌّ . صِبيْر: فَلْنَفْتَرِضْ أَنَّ وَدّالنَّايِر قَدْ مَاتَ مِنْ هَذِهِ الضَّرْبَةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَنْ يُنْقِصَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَاحِداً؛ وَلَنْ يَزِيْدَ أَهْلَ الآخِرَةِ وَاحِداً .
المِيْجَر : أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى مِثْلُ كِتَابِ اللَّهِ .. كِتَابُ اللَّهِ لايَزِيْدُ وَلايَنْقُصُ . فَرَح : حَقِيْقَة لَمْ نَسْمَعْ بِالقُرْآنِ زَادَ أَوْنَقَصَ آيَةً .
ضَمْرَة : يَجِبُ أَنْ تَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ؛ فَالقُرْآنُ سَيَظَلُّ هَكَذَا إِلَى أَنْ يَطْوِىَ اللَّهُ الأَرْضَ بِمَنْ وَمَا عَلَيْهَا ؛ فَهَلْ سَيَظَلُّ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى هَكَذَا؟
(اسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيْم) ؛ عِبَارَةٌ نَطَقَهَا الجَمِيْعُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ ؛ إِلاَّ وَدّالبَاشْكَاتِب وَوَدّالعَالْيَابِى .. وَدّالعَالْيَابِى الَّذِى رُبَّمَا قَالَ فِى أَعْمَاقِهِ :"أَجَل ؛ آيَاتُ القُرْآنِ الكَرِيْمِ هِىَ هِىَ لاتَزِيْدُ وَلاتَنْقُصُ ؛ وَلَكِنَّ مَعَانِيْهَا تَزِيْدُ وَتَتَطَوَّرُ بِتَطَوُّرِعَقْلِ الإِنْسَانِ وَبِالتَّقَدُّمِ العِلْمِىِّ ؛ الَّذِى يَكْتَشِفُ فِى كُلِّ يَوْمٍ شَيْئاً جَدِيْداً يَجِدُهُ الإِنْسَانُ مَدْعُوْماً بِالقُرْآنِ ؛ لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ السَّابِقُوْنَ . أَجَل ؛ مَعَانِى القُرْآنِ تَزِيْدُ وَلاتَنْقُصُ". لَقَدْ قَالَ وَدّالعَالْيَابِى ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ بِالفِعْلِ ؛ لِذَا لَمْ يَسْمَعْ رِضْوَانَ يَقُوْلُ :
ـ لَقَدْ أَصْبَحَ قُوْزْ قُرَافِى وَلاأَحَدَ يَحْمِيْهِ مِنْ أَلْسِنَةِ أَبْنَائِهِ .. قُوْزْ قُرَافِى أَصْبَحَ كَعَيْنٍ لاهُدْبَ لَهَا .
لَمْ يَسْمَعْ وَدّالعَالْيَابِى قَوْلَ رِضْوَانَ ذَاْكَ ؛ إِذْ كَانَتْ فِى دَاخِلِهِ مُجَاذَبَةٌ كَمُجَاذَبَةِ جَمَلٍ يُحَاوِلُوْنَ إِدْخَالَهُ فِى مَرْكَبٍ لِلمَرَّةِ الأُوْلَى فِى حَيَاتِهِ . وَفَجْأََةً ـ وَلِدَهْشَتِهِ ـ سَمِعَ صَوْتَهُ يَنْطَلِقُ رَغْماً عَنْهُ :
ـ كَانَ النَّاسُ فِى قُوْزْ قُرَافِى مُسَالِمِيْنَ ؛ حَتَّى إِنَّكَ لَتُمْسِكُ الطَّائِرَ بِيَدِكَ وَهُوَ يُغَرِّدُ .. أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى لَمْ يَدْخُلْهُمُ الشَّرُّ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَدَخَّلَتْ فِى حَيَاتِهِمْ يَدٌ أُخْرَى خَفِيَّةٌ ؛ يَعْرِفُوْنَهَا حَقَّ المَعْرِفَةِ .
لَوْعَنَّ لِوِدَاعَةَ أَنْ يَحْسِبَ سَنَوَاتِ عُمْرِهِ ؛ لأَحَسَّ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنَّ خَمْسِيْنَ رَجُلاً بَالِغاً سَمِيْناً يَرْكَبُوْنَ عَلَى كَتِفَيْهِِ ؛وَلأَدْرَكَ أَنَّ الزَّمَنَ أَثْقَلُ مِنَ الإِنْسَانِ .. رُبَّمَا لأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ قَبْلَهُ . لَكِنَّ وِدَاعَةَ لَمْ يَحِسِبْ سَنَوَاتِ عُمُرِهِ ؛ وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ أَحَسَّ بِالثِّقَلِ عَلَى كَتِفَيْهِ وَهُوَ يَسْأَلُ :
ـ يَاوَدّالعَالْيَابِى : أَىُّ يَدٍ تَقْصِدُ بِكَلامِكَ هَذَا؟
العَوَّام : طَبْعاً يَقْصِدُ يَدَ الفَاضِل وَدّالبُر ؛ مَنْ تَظُنُّهُ يَقْصِدُ غَيْرَهُ؟
المِيْجَر : مِنْ أَيْنَ لِلفَاضِل وَدّالبُر تِلْكَ العَقْلِيَّةُ المُرَتَّبَةُ الَّتِى يُمْكِنُهُ بِهَا أَنْ يُنِيْمَ قَرْيَةً كَامِلَةً ؛ وَلِيَهْدِمَ هُوَ أَوِالنِّيْلُ الجُسُوْرَ؟
صِبيْر : وَدّالبُر إِنْسَانٌ تَفْكِيْرُهُ مُشَوَّشٌ ؛ فَهُوَ يُفَكِّرُ فِى أَكْثَرَ مِنْ شَىْءٍ فِى وَقْتٍ وَاحِدٍ .
رُضْوَان : ذَلِكَ لأَنَّ شَرَايِيْنَهُ تَجْرِى فِيْهَا كُلُّ فَصَائِلِ الدَّمِ .
عِنْدَ هَذَا الحَدِّ بَلَغَ الضَّجَرُ بِقَاسِمٍ مَبْلَغَهُ؛ وَهُوَ الَّذِى يَكْرَهُ مِثْلَ هَذِهِ الفَلْسَفَاتِ . وَقَدْ كَانَ بِحَقٍّ عَاقِلاً لَمَّا لَمْ يَحْضُرْ بَقِيَّهَ الحِوَارِ ..
صِبيْر : جُنُوْنُ وَدّالبُر جُنُوْنٌ قَدِيْمٌ ؛ فَقَدْ قَالَ لِى عَمِّى تَبيْقُ إِنَّهُ قَدْ جُنَّ فِى نَفْسِ اليَوْمِ الَّذِى دَفَنُوا فِيْهِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان .
عبدالعَاطِى : وَدّالبُر رَجُلٌ أَخْطَأَتْ قَدَمُهُ الكُرَةَ .
هُنَا الْتَفَتَ وِدَاعَةُ إِلَى العَوَّامِ :
ـ أَيَقْصِدُ عبدالعَاطِى أَنَّ الدُّنْيَا كَرَوِيَّةٌ؟
ضَمْرَة : بَلْ يَقْصِدُ أَنَّ الكُرَةَ مُرَاوِغَةٌ مِثْلُ الدُّنْيَا .
صِبيْر : بَلْ يَقْصِدُ عبدالعَاطِى أَنَّ الدُّنْيَا مُرَاوِغَةٌ مِثْلُ الكُرَةِ .
المِيْجَر :عبدالعَاطِى يَقْصِدُ أَنَّ أَقَدَامَ النَّاسِ مَاعَادَتْ تَسْتَطِيْعُ اللَّعِبَ عَلَى سَطْحٍ كَرَوِىٍّ .
ضَمْرَة : فِى الحَقِيْقَةِ كُلُّ شَىْءٍ تَغَيَّرَ حَتَّى كَرَوِيَّةُ الأَرْضِ وَحَتَّى أَقْدَامُ النَّاسِ ؛ لأَنَّ اللَّعِبَ لَمْ يَعُدْ نَظِيْفاً كَمَا كَانَ فِى السَّابِقِ .
هُنَا قَالَ عبدالعَاطِى وَهُوَ يَضْحَكُ بِصَوْتٍ أَقْرَبَ إِلَى الهَدِيْلِ مِنْهُ إِلَى الضَّحِكِ الصِّرَاحِ ؛ فَلَعَلَّ عِبَارَتَهُ الَّتِى أَثَارَتْ كُلَّ هَذَا الحِوَارِ لَمْ تَكُنْ تَعْنِى بِالنِّسْبَةِ لَهُ أَيّاً مِنْ هَذِهِ التَّعْقِيْدَاتِ ؛ إِنَّمَا هِىَ عِبَارَةٌ فَلَتَتْ مِنْ طَرَفِ لِسَانِهِ ؛ وبِطَرَفِ لِسَانِهِ قَالَ :
ـ الَّذِى يَسْكُنُ الفَلَوَاتِ لاتُخِيْفُهُ الخَرَابَاتُ ؛ وَنفْسُ وَدّالبُر فَلاةٌ مِنَ الفَلَوَاتِ . العَوَّام : وَدّالبُر إِنْسَانٌ مَنْبُوْذٌ مِنَ الحَيَاةِ ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسِيْرُ وَيَمْشِى ظِلُّهُ فِى اتِّجَاهٍ مُعَاكِسٍ لِسَيْرِهِ .
هُنَا اعْتَدَلَ وِدَاعَةُ فِى جِلْسَتِهِ ؛ فَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ كَالفِعْلِ المَاضِى .. وَالمَاضِى أَبَداً يَتَنَاقَصُ حَتَّى مَايَبْقَى فِى الذَّاكِرَةِ مِنْهُ شَىْءٌ .. اعْتَدَلَ وِدَاعَةُ فِى جِلْسَتِهِ لِيَقُوْلَ :
ـ حَقّاً لَقَدْ أَغْلَقَ وَدّالبُر قَنَاطِرَهُ فِى وَجْهِ تَيَارِ الحَيَاةِ .. وَدّالبُر رَجُلٌ لاتَتِّسِعُ إِبْرَتُهُ لِخَيْطَيْنِ مَعاً . وَجَدْتُهُ مَرَّةً يَتَفَحَّصُ وُجُوْهَ النَّاسِ بِعِنَايَةٍ ؛ فَسَأَلْتُهُ عَمَّ تَبْحَث؟) فَأَجَابَنِى بِذُهُوْلٍ أَبْحَثُ عَنْ نَفْسِى) .
العَوَّام : أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ وَدّالبُر رَجُلٌ ضَلَّ ـ مِثْلُ كُلِّ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ـ طَرِيْقَهُ إِلَى نَفْسِهِ .
رُضْوَان : ذَلِكَ لأَنَّهُ قَدْ ضَلَّ طَرِيْقَهُ إِلَى اللَّهِ . ضَمْرَة : حَقِيْقَة الطَّرِيْقُ إِلَى اللَّهِ يَمُرُّ بِالنَّفْسِ .
عبدالعَاطِى : وَدّالبُر رَجُلٌ دَخَلَ الدُّنْيَا مِنْ قَفَاهَا .
العَوَّام : بَلْ دَخَلَ الدُّنْيَا بِقَفَاهُ .
صِبيْر : وَدّالبُر كَانَ لابُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الدُّنْيَا بِقَفَاهُ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ .. وَدّالبُر كُلُّهُ قَفَا.
وَدّالعَالْيَابِى : بَلِ الدُّنْيَا كُلُّهَا قَفَا ؛ فَدَخَلَهَا وَدّالبُر مِنْ هَذَا القَفَا .
فَرَح : لَقَدْ لاحَظْتُ فِى وَدّالبُر شَيْئاً غَرِيْباً ؛ فَهُوَ يَنْظُرُ دَائِماً إِلَى الأَرْض . وِدَاعَة : لايَنْظُرُ إِلَى قَدَمِهِ إِلاَّ مِنْ عَلا فَوْقَ رَأْسِه .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:03 AM   #[7]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

ودّالعَالْيَابِى : بَلْ لايَنْظُرُ إِلَى قَدَمِهِ إِلاَّ مَنْ أَدْرَكَ قِيْمَةَ رَأْسِه .
رُضْوَان : سَأَحْكِى لَكُمْ شَيْئاً ..فَفِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَتِ السَّمَاءُ مَسْكُوْنَةً بِالقَمَرِ ؛ فَرَأَيْتُ وَدّالبُر يَقِفُ فِى مُوَاجَهَتِهِ وَهُوَ يُمْسِكُ قَلَماً يُحَرِّكُهُ بِاتِّجَاهِهِ حَرَكَةَ مَنْ يَكْتُبُ ؛ فَلَمَّا كَلَّمْتُهُ فِى ذَلِكَ قَالَ لِىلَقَدْ كَتَبْتُ عَلَى القَمَرِ: تِذْكَار مِنَ الفَاضِل وَدّالبُر) ؛ عِنْدَذَاْكَ أَدْرَكْتُ أَنَّ جُنُوْنَ وَدّالبُرأَكْبَرُ مِنْ عُقُوْلِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى . المِيْجَر : وَدّالبُر مَجْنُوْنٌ وَجُنُوْنُهُ مَجْنُوْنٌ ؛ دَخَلَ الدُّنْيَا عَلَى حِيْنِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا .
"مَاسَمِعْنَا بِمِثْلِ هَذَا مِنْ قَبْلُ .. مَجْنُوْنٌ يَشْهَدُ لِمَجْنُوْنٍ بِالجُنُوْنِ!" هَكَذَا تَحَدَّثَ ضَمْرَةُ إِلَى نَفْسِهِ ؛ لَكِنَّ رِضْوَانَ لَمْ يَتْرُكْهُ يَسْتَرْسِلُ أَكْثَرَ ؛ إِذْ قَالَ : ـ جُرُوْحُ وَدّالبُر لَيْسَتْ فِى جِسْمِهِ ؛ لَكِنَّهَا فِى نَفْسِهِ وَرُوْحِهِ .
وِدَاعَة : وفِى عَقْلِهِ .
العَوَّام : إِذَا وَصِلَتِ الجُرُوْحُ إِلَى عَقْلِهِ فَعَلَيْكِ يَادُنْيَا أَلْفُ سَلامٍ .
المِيْجَر : بَلْ عَلَيْكَ يَا وَدّالبُر أَلْفُ سَلامٍ .
ضَمْرَة : وَرَغْمَ كُلِّ ذَلِكَ يَعِيْشُ وَدّالبُر بَيْنَنَا ؛ فَإِنْ فَقَدْنَاهُ يَوْماً بَطَلَتْ حَيَاتُنَا كُلُّهَا ؛ وَدّالبُر فِى قُوْزْ قُرَافِى مِثْلُ سُوْرَةِ الفَاتِحَةِ فِى الصَّلاةِ .. الصَّلاةُ مِنْ غَيْرِ سُوْرَةِ الفَاتِحَة بَاطِلَة .
وَدّالعَالْيَابِى : وَدّالبُر يَعِيْشُ فِى قُوْزْ قُرَافِى كَذَنْبٍ لايُغْتَفَرُ ارْتَكَبَهُ غَيْرُهُ ؛ فَالذَّنْبُ لايَرْتَكِبُ نَفْسَهُ ؛ إلاَّ إِذَا اعْتَبَرْنَا بَعْضَ الآدَمِيِّيْنَ ذُنُوْباً أَوْبَعْضَ الذُّنُوْبِ آدَمِيِّيْنَ . الذَّنْبُ ضَحِيَّةُ الآخَرِيْنَ الذِّيْنَ لايَسْمَعُوْنَ وَقْعَ خُطَاهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ لاسِيْقَانَ لَهُمْ . وَإِذَا اعْتَبَرْنَا وَدّالبُر ذَنْباً ؛ فَهُوَلا يَدَ لَهُ فِى وُجُوْدِهِ فِى حَالَةِ الجُنُوْنِ تِلْكَ فِى هَذَا العَالَمِ .
رُضْوَان : لَكِنَّهُ لابُدَّ أَنْ يُوْجَدَ ؛ لأَنَّهُ أَخْطَرُ أَمْرَاضِ جِلْدِ الأَرْضِ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ أَحَدُ الفَلاسِفَةِ أَنَّ لِلأَرْضِ جِلْداً وَلِهَذَا الجِلْدِ أَمْرَاضُهُ ؛ وَأَخْطَرُ هَذِهِ الأَمَرَاضِ الإِنْسَانُ .هَذَا مَاذَكَرَهُ أَحَدُ الفَلاسِفَةِ ؛ وَأَنْتُمَ تَرَوْنَ أَنَّ الأرْضَ لَمْ تَسَعِ الإِنْسَانَ وَوَسِعَهَا بِجَهْلِهِ وَأَمْرَاضِه ِ.
وَدّالبَاشْكَاتِب : الأَرْضُ أَشْفَقَتْ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ الأَمَانَةَ عِنْدَمَا عُرِضَتْ عَلَيْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ؛ وَالأَرْضُ تَحْمِلُ الإِنْسَانَ .. أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيْمَ ؛ لَقَدِ انْخَدَعَتِ الأَرْضُ ؛ وَهِىَ تَدْفَعُ الآنَ ثَمَنَ هَذِهِ الخُدْعَةِ .
عبدالعَاطِى : وَأَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى رَغْمَ ذَلِكَ رَاضُوْنَ بِكُلِّ شَىْءٍ .. رَاضُوْنَ بِتَنَاقُضِ الحَيَاةِ ؛ لأَنَّهُمْ مؤْمِنُوْنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَهُمْ فِى النِّهَايَةِ غَيْبِيُّوْنَ؛ وَالإِيْمَانُ الغََيْبِىُّ أَسْمَى دَرَجَاتِ الإِيْمَانِ .
ضَمْرَة : يَاعبدالعَاطِى : إِنْ كَانَ اللَّهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا؟
وَدّالعَالْيَابِى : ولَكِنَّ اللَّهَ سَيَسْأَلُ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى يَوْمَ القِيَامَة يَاأَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى: لَقَدْ كُنْتُمْ فِى الدُّنْيَا عَاطِلِيْنَ ؛ فَفِيْمَ اسْتَنْفَدْتُمُ النَّشَاطَ الَّذِىأَعْطَيْتُكُمُوْهُ؟) وَسَيُجِيْبُ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى مُعْتَمِدِيْنَ عَلَى خُبْثِهِمُ الدُّنْيَوِىِّ الَّذِى لايُجْدِى فِى تِلْكَ الدَّارِ : (رَبَّنَا أَضَرَّ بِنَا طُوْلُ الأَمَلِ وقِصَرُ الأَجَلِ .. رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ) .
وِدَاعَة : بَعْدَ كُلِّ هَذَا الكَلامِ الفَارِغِ المُمِلِّ عَنِ الجِنِّ وَالمَجَانِيْنَ ؛ لَمْ تُجِبْ حَتَّى الآنَ عَنْ سُؤَالِى يَاوَدّالعَالْيَابِى : (مَاذَا تَقْصِدُ بِأَنَّ يَداً خَفِيَّةً ـ رَغْمَ أَنَّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى يَعْرِفُوْنَهَا حَقَّ المَعْرِفَةِ ـ كَانَتِ السَّبَبَ فِى كُلِّ مَا نَحْنُ فِيْهِ الآن؟)
وَدّ البَاشْكَاتِب : وَدّالعَالْيَابِى يَقْصِدُ أَنَّنَا جُبَنَاءُ أَمَامَ أَنْفُسِنَا ؛ وَلَمْ نَسْأَلْهَا مَنْ أَنَامَ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى وَتَسَبَّبَ فِى هَدْمِ الجُسُوْرِ ؛ وَأَدْخَلَنَا فِى كُلِّ هَذِهِ التَّجَارِبِ المُرَّةِ ؛ حَتَّى أَصْبَحَتْ حَيَاتُنَا نَزَّاعَةً لِلشَّوَى؟)
وِدَاعَة : وَمَاهِىَ إِجَابَةُ هَذَا السُّؤَالِ الَّذِى لَمْ نَسْأَلْهُ أَنْفُسَنَا؟
وَدّالبَاشْكَاتِب : إِجَابَتُهُ : (نَحْنُ الَّذِيْنَ فَعَلْنَا كُلَّ ذَلِكَ .. نَحْنُ أَهْلُ هَذِهِ المَنْطِقَةِ بِلااسْتِثْنَاءٍ .. فَعَلَهُ الحَسَدُ والحِقْدُ والضَّغِيْنَةُ فِى نُفُوْسِنَا) .
صِبيْر : لايُغَيِّرُ اللَّهُ مَابِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَابِأَنْفُسِهِمْ .
ضَمْرَة : وَلَكِنْ لِمَاذَا نَسِيْتَ الغِيْبَةَ وَالنَّمِيْمَةَ يَاوَدّالبَاشْكَاتِب؟ اجْلِسْ فِى أَىِّ مَجْلِسٍ لاتَجِدُ سِوَى الغِيْبَةِ وَالنَّمِيْمَةِ ؛ حَتَّى صِرْنَا نَغْتَابُ المَجَانِيْنَ كَمَا كُنَّا نَفْعَلُ قَبْلَ لَحَظَاتٍ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : الغِيْبَةُ والنَّمِيْمَةُ فِى بَعْضِ جَوَانِبِهِمَا إِحْدَى حَسَنَاتِ الفَيْضَانِ .. ظَاهِرَةٌ إِيْجَابِيَّةٌ ؛ إِذْ صَارَ النَّاسُ يَكْشِفُوْنَ الذَّاتَ بِقُسْوَةٍ مِنْ خِلالِ انْتِقَادِ الآخَرِيْنَ إِلَى دَرَجَةِ التَّجْرِيْحِ ؛ مِنْ مُنْطَلَقِ الحُبِّ لَهُمْ .
وَلأَنَّ المَامُوْنَ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئاً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ؛ فَقَدْ كَتَبَ خِطَاباً لابْنِهِ حَسُّوْنٍ خَتَمَهُ بِعِبَارَةِ البَلَدُ بِخَيْرٍ ؛ وَالنَّاسُ مَازَالُوا يَتْلُوْنَ سُوْرَةَ الكَهْفِ نَهَارَ كُلِّ جُمُعَةٍ) . وَلَكِنْ أَحَقّاً مَازَالَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى بِخَيْرٍ؟ هَذَا لايُهِمُّنَا فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ ؛ الَّذِى يُهِمُّنَا أَنَّ ضَمْرَةَ وَهُوَ فِى طَرِيْقِهِ إِلَى بَيْتِهِ أَخَذَ يُفَكِّرُ :"سَامَحَ اللَّهُ النِّيْلَ ؛ وَلاجَزَى خَيْراً مَنْ أَنَامَ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى فِى ذَاْكَ اليَوْمِ المَشْؤُوْمِ . لَقَدْ كَانَتْ لِفَيَضَانِ النِّيْلِ الَّذِى غَطَّى كُلَّ الأَرَاضِى الزِّرَاعِيَّةِ آثَارٌ سَيِّئَةٌ لِلغَايَةِ ؛ إِحْدَى ثَمَرَاتِهَا المُبَاشِرةِ مَجَالِسُِ الغِيْبَةِ تِلْكَ الَّتِى لَمْ يَنْجُ مِنْهَا أَحَدٌ قَطُّ . ذَلِكَ لأَنَّ النَّاسَ قَدْ وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ لاحِيْلَةَ وَلاعَمَلَ لَهُمْ إِلاَّ إِطْلاقَ اللِّسَانِ .. اغْتَابُوا كُلَّ مَنْ وَمَاهُوَ مَوْجُوْدٌ؛ وَمَايُمْكِنُ أَنْ يُوْجَدَ؛ وَمَالايُمْكِنُ أَنْ يُوْجَدَ .. المَرْؤُ أَصْبَحَ يَغْتَابُ حَتَّى نَفْسَهُ لأَنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْهُ .. قَاتَلَ اللَّهُ الفَرَاغَ الَّذِى جَلَبَ لِلنَّاسِ كُلَّ هَذِهِ الآفَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ . لَقَدْ صَدَقَ وَدّالبَاشْكَاتِب حِيْنَ قَالَ لِى مَرَّةً إِنَّ مِقْدَارَ الكَلامِ الَّذِى اسْتَهْلَكَهُ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى فِى الفِتْرَةِ الوَجِيْزَةِ مُنْذُ بِدَايَةِ الفَيْضَانِ وَحَتَّى الآنَ ؛ أَكْثَرُ مِنْ ضِعْفِ مِقْدَارِ الكَلامِ الَّذِى يَسْتَهْلِكُهُ سُكَّانُ قَارَتَىِّ أُوْرُوْبَا وَأُسْتُرَالْيَا مُجْتَمِعِيْنَ فِى عَامَيْنِ كَامِلَيْنِ)" . قَالَ ضَمْرَةُ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ وَفِى نَفْسِهِ أَيْضاً أَضَافَ :"إِنْ كَانَتْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِى الدُّنْيَا حِصَّةٌ مِنَ الكَلامِ مُحَدَّدَة .. إنْ كَانَ النَّاسُ يَتَسَاوُوْنَ فِى حِصَّةِ الكَلامِ .. كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ نَفْسُ حِصَّةِ أَىِّ إِنْسَانٍ آخَرَ فِى الدُّنْيَا ؛ إِنْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى جَمِيْعاً سَيَكُوْنُوْنَ مِنَ البُكْمِ .. حِصَّةُ أَىِّ إِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى سَتَنْفَدُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ عُمُرُهُ العِشْرِيْنَ .. لَنْ تَجِدَ إِنْسَاناً وَاحِداً فِى قُوْزْ قُرَافِى يَتَكَلَّمُ وَهُوَ فِى الثَّلاثِيْنَ مِنْ عُمْرِهِ . لَيْتَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِى الدُّنْيَا حِصَّةً مَعْرُوْفَةً مُحَدَّدَةً مِنَ الكَلامِ؛ إِذَنْ لَكُنَّا ارْتَحْنَا مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى وَمِنْ كَثْرَةِ حَدِيْثِهِمْ" . مَرَّةً أُخْرَى تَحَدَّثَ ضَمْرَةُ إِلَى نَفْسِهِ :"وَلَكِنْ يَاإِلَهِى! أَلا آثَارَ إِيْجَابِيَّةً لِفَيْضَانِ النِّيْلِ هَذَا؟ هَلْ تَخْلُو مَجَالِسُ الغِيْبَةِ تِلْكَ مِنِ انْتِقَادٍ جَادٍّ لِلنَّفْسِ وَلِلمُجْتَمَعِ وَلِلمُمَارَسَاتِ؟ أَلا تُحَاوِلُ مِثْلُ تِلْكَ المَجَالِسِ مُنَاقَشَةَ مَسَائِلَ ظَنَّ النَّاسُ طَوِيْلاً أَنَّهَا عَصِيَّةٌ عَلَى الحَلِّ؟ أَلايُمْكِنُ أَنْ تُسْتَغَلَّ مِثْلُ تِلْكَ المَجَالِسِ لِتَكُوْنَ نَوَاةً لِتَوْحِيْدِ الرَّأْىِ فِى مَسَائِلَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيْهَا طَوِيْلاً .. مَسَائِلَ لَمْ يَجِدُوا مِنْ قَبْلُ الوَقْتَ الكَافِىَ لِمُنَاقَشَتِهَا بِعَقْلٍ مُسْتَنِيْرٍ وَبَصِيْرَةٍ نَافِذَةٍ ؛ أَوْعَلَى الأَقَلِّ لِطَرْحِهَا طَرْحاً جَدِيْداً وَالتَّفْكِيْرِ فِيْهَا تَفْكِيْراً مُخْتَلِفاً؟" هَكَذَا كَانَ ضَمْرَةُ يُفَكِّرُ وَهُوَ فِى طَرِيْقِهِ إِلَى بَيْتِهِ . وَلَكِنْ هَلْ صَدَقَ المَامُوْنُ فِى مَاجَاءَ فِى خِطَابِهِ إِلَى ابْنِهِ حَسُّوْنٍ؟ أَحَقّاً مَازَالَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى بِخَيْرٍ؟
(6)
ضَحِكَتْ إِحْدَى المُمَرِّضَاتِ بِمُسْتَشْفَى مَرَوِىْ وَهِىَ تُحَاوِلُ عَبَثاً إِيْقَافَ المِيْجَرِ عَلَى رِجْلَيْهِ ؛ فَيَئِنُّ أَنِيْناً يَحْمِلُ مِنَ العَارِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْمِلُ مِنَ الأَلَمِ ؛ وَقَدْ تَلَطَّخَتْ مَلابِسُهُ بِبُرَازٍ لَزِجٍ عَفْنٍ . لَقَدْ كَانَ المِيْجَرُ يَشْكُو مِنْ أَلَمٍ فِى ظَهْرِهِ وَكَسْرٍ فِى تَرْقُوَتِهِ ؛ بَيْنَمَا قَاسِمٌ مَايَزَالُ فِى حَالَةِ فِقْدَانِ الوَعْىِ ؛ وَهُوَ يُنَادِى مَوْتَى قُوْزْ قُرَافِى بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِداً وَاحِداً ؛ أَمَّا مَدَنِى وَدّالعَازَّة فَعِظَامُ فَخِذِهِ الأِيْمَنِ تَكَادُ تُرَى ؛ وَمَايَعْتَمِلُ فِى أَعْمَاقِهِ كَانَ جَلِيّاً عَلَى وَحْهِهِ .. لَقَدْ كَانَ وَجْهُهُ يَبْدُو كَوَجْهِ مَنْ بَلَعَ إِبْرَةً عَلَى الرِّيْقِ . كُسُوْرٌ وَجُرُوْحٌ وَخُدُوْشٌ وَكَدَمَاتٌ ؛ وَسِتَّةٌ مِنْ شُبَّانِ قُوْزْ قُرَافِى يَرْقُدُوْنَ رَقْدَةً لاهَوَادَةَ فِيْهَا ؛ وَحاج الدُّسُوْقِى وَبَعْدَ أَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنْ وَجْبَةِ الفَطُوْرِ وَأَمْسَكَ كُوْبَ الشَّاىِ بِيَدِهِ اليُمْنَى؛ يَحْكِى لِقَرِيْبٍ لَهُ مِنْ قَرْيَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ فِى المَطْعَمِ المُلْحَقِ بِمُسْتَشْفَى مَرَوِىْ. وَقَدِ اسْتَغْرَبَ قَرِيْبُهُ ذَاْكَ مِنْ طَلَبِ حَاج الدُّسُوْقِى لِمَزِيْدٍ مِنَ السُّكَّرِوَقَدْ شَرِبَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَا بِالكُوْبِ ؛ لَكِنَّ حَاج الدُّسُوْقِى لَمْ يَتْرُكْ لَهُ حُرِّيَّةَ الاسْتِغْرَابِ ؛ فَقَدْ خَاطَبَهُ :
ـ الفِعْلَةُ الَّتِى فَعَلَهَا وَدّالعَالْيَابِى وَجَمَاعَتُهُ لَيْسَتْ فِعْلَة رِجَال .
ثُمَّ وَاصَلَ بَعْدَ أَنْ ضَحِكَ بِاشْمِئْزَازٍ :
ـ سِتَّةُ رِجَالٍ تُخِيْفُهُمُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَتُرْقِدُهُمُ المُسْتَشَفَى؛ وَالسَّابِعُ الَّذِى تَمَكَّنَ مِنَ الفِرَارِ انْطَلَقَتْ فِى بَطْنِهِ النَّارُ وَشَرِبَ مِنَ المَاءِ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ ؛ مَاكَانَ يَعْجَزُ عَنْ شُرْبِهِ فِى شَهْرٍ كَامِلٍ!
كَانَ عبدالعَاطِى يُتَابِعُ حَدِيْثَ حَاج الدُّسُوْقِى ؛ فِيْمَا عَيْنَاهُ تَحُطَّانِ بِرِفْقٍ عَلَى مُمَرِّضَةٍ رَشِيْقَةٍ تَتَنَاوَلُ فَطُوْرَهَا . وَلَمْ يَلْبَثْ صَوْتُ حَاج الدُّسُوْقِى أَنْ وَصِلَهُ وَاضِحاً :
ـ المَسْأَلَةُ وَمَافِيْهَا أَنَّ هَذَا عَيْبٌ كَبِيْرٌ . سَبْعَةُ رِجَالٍ يَتَهَجَّمُوْنَ عَلَى امْرَأَةٍ غَرِيْبَةٍ فِى آخِرِ اللَّيْلِ وَيُهَدِّدُوْنَهَا لِسَرِقَةِ مَالِهَا ؛ أَلَيْسَ هَذَا عَيْباً مَابَعْدُهُ عَيْبٌ لأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؟
هُنَا عَادَتْ عَيْنَا عبدالعَاطِى ـ وَعَيْنُ عبدالعَاطِى أَبَداً عَيْنٌ زَائِغَةٌ ـ مِنِ اغْتِرَابِهِمَا فِى جَسَدِ المُمَرِّضَةِ المُتَنَاسِقِ ؛ لِيُشَارِكَ فِى الحَدِيْثِ :
ـ الَّذِى وَضَحَ الآنَ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ مُدَرِّبَةُ (كَارَاتيْه) مَاهِرَة .. وَدّالعَالْيَابِى عَدِمَ السِّن ؛ وَفَرَح كَسَرَتْ ظَهْرَهُ ؛ وَالعَوَّام فِى الرَّمَقِ الأَخِيْرِ ؛ وَصِبيْر هَرَبَ ؛ وَلَوْلا أَنَّهَا تَرَفَّقَتْ بِهِمْ لَكَانُوا جَمِيْعاً الآنَ فِى عَالَمٍ آخَرَ .
بَصَقَ حاج الدُّسُوْقِى عَلَى الأَرْضِ وَقَالَ مُخَاطِباً عبدالعَاطِى :
ـ دَعْنَا مِنْ فَلْسَفَةِ أَوْلادِ هَذَا الزَّمَنِ .
وَفَجْأَةً خَاطَبَهُ قَرِيْبُهُ :
ـ أَلا تَعْتَقِدُ يَاحاج الدُّسُوْقِى أَنَّ فِى الأَمْرِ شَيْئاً آخَرَغَيْرُ السَّرِقَة؟
أَطْرَقَ عبدالعَاطِى إِلَى الأَرْضِ وَشَرَدَ بِذِهْنِهِ مَعَ صُفُوْفٍ مِنَ النَّمْلِ طَوِيْلَةٍ ؛ تَحْمِلُ ذَرَّاتِ سُكَّرٍ مِنْ كِيْسِ قُمَاشٍ مَقْدُوْدٍ يُخْفِيْهِ صَاحِبُ المَطْعَمِ فِى صُنْدُوْقٍ مِنَ (الكَرْتُوْنِ) تَحْتَ (التَّرَبِيْزَةِ) الَّتِى يَضَعُ عَلَيْهَا أَدَوَاتِ عَمَلِهِ . وَلَكِنَّ السُّؤَالَ مَازَاْلَ قَائِماً : (هَلْ فِى الأَمْرِ شَىْءٌ آخَرُغَيْرُالسَّرِقَة؟)
لَعَلَّ عبدالعَاطِى لَوْسَمِعَ نُبَاحَ (بُوْنِى) فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَا تَلَكَّأَ فِى الإِجَابَةِ . لَقَدْ عَادَتِ الكَلْبَةُ (بُوْنى) إِلَى الخَوَاجِيَّةِ بَعْدَ طُوْلِ فِرَاقٍ وَتَمَسَّحَتْ بِسَاقَيْهَا عِنْدَ لَحْظَةِ لِقَائِهِمَا ؛ وَالخَوَاجِيَّةُ تَمْسَحُ بِشَوْقٍ عَلَى ظَهْرِهَا ؛ وَقَدْ تَلاشَتِ الفَوَارِقُ بَيْنَ عَوَاطِفِ البَشَرِ وَمَشَاعِرِ الكِلابِ . كُلُّ هَذِهِ الصُّوْرِ وَالحِوَارَاتِ وَالمُمَرِّضَةُ مَاتَزَالُ تَضْحَكُ بِرَثَاءٍ ؛ وَهِىَ تُحَاوِلُ دُوْنَ جَدْوَى إِيْقَافَ المِيْجَرِ عَلَى رِجْلَيْهِ ..تَضْحَكُ بِرَثَاءٍ مِنْ سِتَّةِ شُبَّانٍ جَلَدَتْهُمُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَفَرَّ السَّابِع.ُ وَبِدَوْرِهَا فَرَّتِ الدِّمَاءُ مِنْ عُرُوْقِ المِيْجَرِ وَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ ؛ حِيْنَ رَأَى الخَوَاجِيَّةَ تَقِفُ عِنْدَ سَرِيْرِ مَدَنِى وَدّالعَازَّة وَتَنْحَنِى عَلَيْهِ وَتُوَاسِيْهِ ؛ وَإِنْ كَانَتْ نَظْرَاتُهَا تَقُوْلُ لَهُ لَعَلَّ وَجْبَةَ عَشَاءِ البَارِحَةِ كَانَتْ دَسِمَة) . وَلَكِنَّ وَدّالعَالْيَابِى سَمِعَ صَوْتَهَا وَاضِحاً وَهِىَ تَقِفُ عِنْدَ سَرِيْرِهِ لَقَدْ تَقَدَّمْتُ بِبَلاغٍ ضِدّكُمْ ؛ وَبَعْدَ أَنْ تَقُوْمَ الشُّرْطَةُ بِاسْتِجْوَابِكُمْ وَيَعْلَمَ كُلُّ أَهْلِ المَنْطِقَةِ بِفِعْلَتِكُمْ ؛ سَأَقُوْمُ بِشَطْبِ البَلاغِ) . لَكِنَّ وَدّالعَالْيَابِى حِيْنَ رَأَى الخَوَاجِيَّةَ تَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً نَازِيَّةً بِطَرَفِ فَمِهَا ؛ أَدْرَكَ أَنَّ الحَرْبَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَمَاعَتِهِ سَتَكُوْنُ ذَرِّيَّةً . وَلَكِنَّ السُّؤَالَ مَازَالَ مُعَلَّقاً هَلْ فِى الأَمْرِ شَىْءٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَة؟)
حَسَناً تِلْكَ قِصَّةٌ أُخْرَى؛ اكْتَمَلَتْ بَعْدَ مُنَاقَشَاتٍ طَوِيْلَةٍ بَدَأَهَا رِضْوَانُ مُتَسَائِلاً : ـ هَلْ قَرَأْتُمْ كِتَابَ الخَوَاجِيَّة عَنْ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان؟
عبدالعَاطِى : أَتَقْصِدُ كِتَابَ قُوْزْ قُرَافِى المَنْبَعُ وَالمَصَبُّ؟)
رُضْوَان : أَجَل .
ضَمْرَة ؛ بِنَبْرَةِ مَنْ لايَثِقُ كَثِيْراً بِمَعْلُوْمَاتِهِ الجُغْرَافِيَّةِ : عُنْوَانُ الكِتَابِ يُوْحِى بِأَنَّ مُجْتَمَعَ قُوْزْ قُرَافِى مُجْتَمَعٌ مُغْلَقٌ؛ فَالمَنْبَعُ وَالمَصَبُّ لايَجْتَمِعَانِ إِلاَّ فِى بُحَيْرَةٍ مُغْلَقَةٍ .
المِيْجَر : الخَوَاجِيَّةُ تَعْنِى عَكْسَ ذَلِكَ ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَالمُهِمُّ .. الَّذِى يُحَيُّرُنِى هُوَ إِهْدَاءُ الكِتَابِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى رَغْمَ كُلِّ شَىْءٍ)؛ مَاذَا تَقْصِدُ الخَوَاجِيَّةُ بِهَذَا الإِهْدَاءِ؟
صِبيْر : الخَوَاجِيَّةُ تَقْصِدُكَ بِهَذَا الإِهْدَاءِ يَاالمِيْجَر .
وِدَاعَة : هَلْ تَعْنِى بِذَلِكَ أَنَّ المِيْجَرَ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ؟
صِبيْر : بَلْ تَعْنِى أَنَّهَا تُحِبُّ قُوْزْ قُرَافِى ؛ رَغْمَ وُجُوْدِ أَمْثَالِ المِيْجَرِ فِيْهِ . العَوَّام : الخَوَاجِيَّةُ تَقْصِدُ أَنَّ قُوْزْ قُرَافِى هُوَ بَلَدُ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان رَغْمَ ظُلْمِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى لَهُ ؛ لِعَدَمِ تَقْدِيْرِهِ النَّابِعِ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ شَخْصِيَّتِهِ ؛ أَوْفَهْمِهَا فَهْماً خَاطِئاً .
ضَمْرَة : بَلْ تَقْصِدُ أَنَّ حَسُّوْناً مَاكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى؛ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ .
وَدّالعَالْيَابِى: بَلْ تَقْصِدُ أَنَّهَا تُهْدِى الكِتَابَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛ رَغْمَ مُمَارَسَاتٍ كَثِيْرَةٍ فِيْهِ تُضَايِقُهَا .
وَدّالسَّخِى : بَلْ تَقْصِدُ بِـ (رَغْم كُلِّ شَىْءٍ) أَنَّهَا تُهْدِى الكِتَابَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى؛ رَغْمَ أَنَّهَا لاتَمْلِكُ حَقَّ الكِتَابَةِ عَنْ قُوْزْ قُرَافِى؛ لأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ إِلاَّ أَنَّهَا فِى النِّهَايَةِ قَدْ كَتَبَتْ عَنْه ُ.
فَرَح : بَلْ تَقْصِدُ رَغْمَ تَجَاهُلِ العَالَمِ لِقُوْزْ قُرَافِى الَّذِى أَنْجَبَ حَسُّوْناً . عبدالعاطِى وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى فَرَحٍ : الخَوَاجِيَّةُ تَقْصِدُ رَغْمَ غَبَاءِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؛ لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ العَالَمَ قَدْ خَلَّدَ حَسُّوْناً وتَجَاهَلَهُمْ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:04 AM   #[8]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

وَدّالعَالْيَابِى : وَلَكِنَّ التَّجَاهُلَ لَيْسَ بِدَلِيْلٍ عَلَى غَبَاءِ المُتَجَاهَلِ فِى جَمِيْعِ الحَالاتِ ؛ وَهُوَ أَيْضاً لَيْسَ بِدَلِيْلٍ عَلَى ذَكَاءِ المُتَجَاهِلِ فِى جَمِيْعِ الحَالاتِ . وَدّالبَاشْكَاتِب: أَنْتُمْ جَمِيْعاً لَمْ تَقَرَأُوا كِتَابَ الخَوَاجِيَّة؛ أَوْقَرَأْتُمُوْهُ وَلَمْ تَفْهَمُوْهُ.. قَرَأْتُمُوْهُ بِأَعَيُنِكُمْ فَقَط ؛ فَأَوَّلْتُمُ الإِهْدَاءَ وَلَمْ تَرْبِطُوْهُ بِالمُحْتَوَى .
قَالَ وَدّالبَاشْكَاتِب ذَلِكَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وَدّالعَالْيَابِى ؛ وَعَمَّا قَلِيْلٍ جَاءَهُمْ صَوْتُ المِيْجَرِ وَهُوَ نِصْفُ ضَاحِكٍ :
ـ الخَوَاجِيَّةُ قَالَتْ فِى كِتَابِهَا إِنَّ أَحَدَ الأَفَارِقَة ذَكَرَ لَهَا أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ قَالَ لَهُ بِالحَرْفِ الوَاحِدِ ؛ وَهُوَ يُحَدِّثُهُ عَنْ قَرْيَتِهِ: (لَيْسَ العَالَمُ إِلاَّ جُزْءاً ضَئِيْلاً مِنْ قُوْزْ قُرَافِى) .
وِدَاعَة : أَتُرَى حَسُّوْناً قَدْ صَدَقَ فِى ذَلِكَ؟
العَوَّام : كَلا وَأَلْف كَلا .
ضَمْرَة :الخَوَاجِيَّةُ ذَكَرَتْ فِى كِتَابِهَا أَيْضاً أَنَّهُ مَامِنْ شَخْصٍ قَدْ أَخْلَصَ لِقَرْيَتِهِ؛ كَمَا أَخْلَصَ حَسُّوْنٌ لِقُوْزْ قُرَافِى .
وَدّالسَّخِى : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الخَوَاجِيَّة ؛ فَقَدْ دَقَّتْ فِى قُوْزْ قُرَافِى وَتَداً يَصْعُبُ اقْتِلاعُه ُ.
المِيْجَر : أَلأَنَّ الوَتَدَ قَوِىٌّ وَطَوِيْلٌ فِى بَاطِنِ الأَرْضِ؟
وِدَاعَة: بَلْ لأَنَّ الدَّوَابَ المَرْبُوْطَةَ فِيْهِ ضَعِيْفَة .
قَاسِم : لَقَدْ ظَلَمْتَنَا بِتَشْبِيْهِنَا بِالدَّوَابِ .
وِدَاعَة : بَلْ يَجِبُ أَنْ تَعْتَذِرُوا إِلَى الوَتَدِ لأَنَّنِى ظَلَمْتُهُ .
العَوَّام : حَرَام عَلَيْك يَاوِدَاعَة ؛ فَأَنْتَ تَقْصِدُ أَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَعْتَذِرَ إِلَى الوَتَدِ لأَنَّنَا مَرْبُوْطُوْنَ فِيْهِ ؛ وَنَحْنُ أَقَلُّ شَأْناً مِنَ الدَّوَابِ الَّتِى اعْتَادَ أَنْ تُرْبَطَ فِيْهِ . لَكِنَّ ضَمْرَةَ حَوَّلَ هَذَا الحِوَارَ إِلَى وِجْهَةٍ أُخْرَى حِيْنَ سَأَلَ رِضْوَانَ :
ـ أَلا تَرَى فِى حَيَاةِ الخَوَاجِيَّةِ شَيْئاً غَامِضاً؟
رُضْوَان : لاأَقُوْلُ شَيْئاً غَامِضاً ؛ بَلْ تَنَاقُضٌ وَاضِحٌ . الخَوَاجِيَّةُ حَاوَلَتْ أَنْ تَعِيْشَ بِعَقْلِيَّةِ الإِنْجِلِيْزِعَاطِفَةَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؛ وَهَذِهِ هِىَ مُشْكِلَتُهَا الرَّئِيْسِيَّةُ . ضَمْرَة : هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ لَمْ تَسْتَطِعِ المُوَاءَمَةَ دَاخِلِيّاً بَيْنَ عَقْلِهَا وَعَاطِفَتِهَا؟
عبدالعاطِى : بَلْ يَقْصِدُ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ لَمْ تَسْتَطِعِ التَّوْفِيْقَ بَيْنَ الإِنْجِلِيْزِ وَأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .
رُضْوَان : لاهَذَا وَلاذَاْكَ ؛ بَلْ أَقْصِدُ مَاقُلْتُهُ .
صِبيْر : إِجَابَتُكَ هَذِهِ لاهِىَ أُنْثَى وَلاهِىَ ذَكَرٌ .
العَوَّام : إِجَابَتُهُ إِجَابَةُ فَيْلَسُوْفٍ لايَقُوْلُ الحَقِيْقَةَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْهَا . رُضْوَان : أَتَعْنِى أَنَّنِى لاأُعْطِى إِجَابَةً عَنْ سُؤَالٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ أُفَلْسِفَهَا؟ وَدّالعَالْيَابِى : كُلُّ مَافِى الأَمْرِ أَنَّ العَوَّامَ لَمْ يَعْرِفِ الفَرْقَ بَيْنَ الفَلْسَفَةِ وَالحَقِيْقَةِ ؛ أَوْأَنَّهُ لَمْ يُوْفَقْ فِى الجَمْعِ بَيْنَهُمَا .
رُضْوَان : الَّذِى نَعْلَمُهُ أَنَّ الفَلْسَفَةَ هِىَ حُبُّ الحِكْمَةِ ؛ وَأَنْتَ لاتَحْمِلُ أَىَّ حُبٍّ لأَىِّ شَىْءٍ كَانَ أَوْسَيَكُوْنُ أَوْهُوَ كَائِنٌ ؛ فَكَيْفَ جَازَ لِلنَّاسِ تَلَقِى الحِكْمَةَ عَنْكَ وَعَنْ وَدّ البَاشْكَاتِب؟
ضَمْرَةُ ؛ وَقَدْ تَوَلَّى الإِجَابَةَ عَنْ وَدّالعَالْيَابِى : لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ تَعْرِيْفاً بَالِياً لِلفَلْسَفَةِ ؛ فَالفَلْسَفَةُ الحَدِيْثَةُ تَعْنِى حُبَّ الحَقِيْقَةِ فِيْمَا مَضَى وَمَاسَيَأْتِى وَمَاهُوَ قَائِمٌ بِالفِعْلِ . وَالحَقِيْقَةُ المُقَيَّدَةُ هِى النَّفْسُ الَّتِى يَجِبُ تَأَمُّلُهَا وَالتَّفَكُّرُ فِيْهَا لِلوُصُوْلِ إِلَى الحَقِيْقَةِ المُطْلَقَةِ ؛ وَهِىَ الخَالِقُ الوَاحِدُ لِكُلِّ الأَشْيَاءِ . وَدّالعَالْيَابِى : بِبَسَاطَةٍ يَارُضْوَانُ أَنَا لاأُحِبُّ شَيْئاً ؛ لأَنَّهُ لاتُوْجَدُ فِى هَذَا الزَّمَنِ المُشَوَّهِ حِكْمَةٌ يُمْكِنُ أَنْ تُحَبَّ .
عبدالعَاطِى : هَلْ سَمِعْتُمْ بِأَحْدَثِ تَعْرِيْفٍ فَلْسَفِىٍّ لِلحَيَاة؟
العَوَّام : لا .
عبدالعَاطِى : الحَيَاةُ هِىَ ثَوْرَةُ الطَّبِيْعَةِ عَلَى نَفْسِهَا . وَدّالبَاشْكَاتِب : بَلِ الفَلْسَفَةُ هِى ثَوْرَةُ الإِنْسَانِ عَلَى قَوَانِيْنِ الطَّبِيْعَةِ الَّتِى وَضَعَهَا ؛ أَوْقُلِ افْتَرَضَهَا ؛ الإِنْسَانُ .
نَظَرَ رِضْوَانُ إِلَى إِبْهَامَىِّ وَدّالبَاشْكَاتِب فَوَجَدَهُمَا مُخَصَّرَتَيْنِ؛ وَرِضْوَانُ يَعْرِفُ أَنَّ عَلْمَ الفَرَاسَةِ يُؤَكِّدُ أَنَّ الإِبْهَامَ الَّتِى لَهَا خَصْرٌ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ صَاحِبِهَا وَقُوَّةِ تَرْكِيْزِهِ ؛ فَمَا تَمَالَكَ أَنْ سَأَلَ نَفْسَهُ : "وَهَلِ المَنْطِقُ إِلاَّ بِقُوَّةِ التَّرْكِيْزِ؟" مَرَّةً أُخْرَى نَظَرَ رِضْوَانُ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب ..إِلَى جَبْهَتِهِ الوَاسِعَةِ هَذِهِ المَرَّةِ ؛ وَقَالَ فِى نَفْسِهِ: "صَحِيْحٌ أَنَّ صَاحِبَ الجَبْهَةِ الضَّيِّقَةِ لايَحْفَظُ سِرّاً وَلايَصُوْنُ عَهْداً .. وَدّالبَاشْكَاتِب لايُمْكِنُ أَنْ تَظْفَرَ مِنْهُ بِسِرٍّ وَاحِدٍ وَلَوْ أَمْضَيْتَ مَعَهُ كُلَّ حَيَاتِكَ" . وَمَرَّةً ثَالِثَةً نَظَرَ رِضْوَانُ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب وَلَكِنْ مِنْ ظَهْرِهِ وَهُوَ يَسِيْرُ بَعِيْداً عَنْ مَجْلِسِهِمْ ؛ وَضَمْرَةُ يُحَاوِلُ السَّيْرَ بَعِيْداً عَنْ مَوْضُوْعِ الفَلْسَفَةِ هَذَا فَيَقُوْلُ :
ـ الخَوَاجِيَّةُ تَحَدَّثَتْ فِى كِتَابِهَا عَنْ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ فَقَالَت اجْتَمَعَ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ فِى عَقْلِ حَسُّوْنٍ؛ وَتَعَارَكَا فِى قَلْبِهِ) .
قَاسِم : مَالَنَا وَلِحَسُّوْنٍ؟ حَسُّوْنٌ إِنْسَانٌ انْتَهَتْ خُطُوَاتُهُ فِى الدُّنْيَا .
وِدَاعَة : صَدَقْتَ يَاقَاسِم ؛ لَقَدِ انْتَهَى دَوْرُ حَسُّوْنٍ فِى الحَيَاةِ وَأَصْبَحْنَا نَبْحَثُ فِى الحَيَاةِ عَنْ دَوْرٍ جَدِيْدٍ لَنَا وَلِلأَشْيَاءِ وَالحَوَادِثِ وَالأَشْخَاصِ .
العَوَّام : حَسُّوْنٌ دَخَلَ الدُّنْيَا وَخَرَجَ مِنْهَا ؛ كَمَا يَدْخُلُ لِصٌّ بَيْتاً وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَلايَشْعُرُ بِهِ أَهْلُ البَيْتِ .
وَدّالسَّخِى : لَكِنَّ حَسُّوْناً لَمْ يَحْمِلْ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً .
عبدالعَاطِى : لأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِى الدُّنْيَا شَيْئاً .
ضَمْرَة : حَسُّوْنٌ سَافَرَ لِيَبْحَثَ عَنْ رِزْقِهِ تَحْتَ سَمَاءٍ غَيْرِ هَذِهِ السَّمَاءِ ؛ مُؤَكِّداً بِذَلِكَ عَدَمَ انْتِمَائِهِ .
رُضْوَان : هَذَا الكَوْنُ فَسِيْحٌ وَلَكِنْ فِيْهِ أَشْيَاءُ صَغِيْرَةٌ أَفْسَحُ مِنْهُ .
وَدّالعَالْيَابِى : صَدَقْتَ ؛ الفِكْرُ الحُرُّ أَفْسَحُ مِنَ الكَوْنِ ؛ وَفِى نَفْسِ الوَقْتِ يَضِيْقُ ذَرْعاً بِهِ كُلُّ شَىْءٍ فِى الكَوْنِ .
المِيْجَر : وَلِهَذَا سَافَرَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان مِنْ وَطَنِهِ .
وَدّالعَالْيَابِى : بِالضَّبْط ؛ فَوَطَنُ حَسُّوْنٍ لَيْسَ ضَيِّقاً ؛ فَهُوَ يُسَاوِى مِسَاحَةَ بِرِيْطَانْيَا عَشْرَ مَرَّاتٍ وَتُسْعَ مِسَاحَةِ العَالَمِ بِأَسْرِهِ .
قَاسِم : حَقِيْقَة لِلأَرْزَاقِ أَحْكَامُهَا .
وِدَاعَة : إِنْ كَانَتْ لِلنَّعْجَةِ أَسْنَانٌ عُلْيَا ؛ فَحَسُّوْنٌ مَوْجُوْدٌ .. حَسُّوْنٌ شَخْصٌ لاوُجُوْدَ لَهُ .. إِنَّهُ الشَّىْءُ المَفْقُوْدُ دَاخِلَ نُفُوْسِنَا ؛ الَّذِى يَتَمَنَّى كُلٌّ مِنَّا أَنْ يَكُوْنَهُ.. حَسُّوْنٌ خَيَالٌ صَنَعْنَاهُ وَلَمْ نَسْتَطِعْ كَبْحَ جِمَاحِهِ فِى حَضْرَةِ الوَاقِعِ . صِبيْر : المَامُوْنُ قَالَ لِى إِنَّ حَسُّوْناً قَدْ عَبَّأَ مُسَدَّسَهُ بِكُلِّ طَلْقَاتِهِ وَأَفْرَغَهُ فِى جَسَدِ زَوْجَتِهِ لَيْلَةَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ ؛ أَمَا كَانَتْ تَكْفِيْهِ طَلْقَةٌ أَوْطَلْقَتَانِ؟
وَدّالعَالْيَابِى :رُبَّمَا لِيَغْتَالَ الزَّمَنَ فِى الإِنْسَانِ ؛ وَأَقْدَمُ زَمَنٍ فِى الإِنْسَانِ رُوْحُهُ. رُضْوَان : الغَرِيْبُ فِى الأَمْرِ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ تَحَدَّثَتْ فِى كِتَابِهَا عَنْ كُلِّ شَىْءٍ يَخُصُّ حَسُّوْناً ؛ وَأَغْفَلَتْ أَهَمَّ شَىْءٍ عَنْهُ .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : مَاهُوَ؟
رُضْوَان : سَبَب انْتِحَار حَسُّوْن .
وَدّالعَالْيَابِى : أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ مَايَزَالُ حَيّاً .
عبدالعَاطِى : هَلْ جُنِنْتَ يَارَجُل؟ وَمَاذَا عَنِ الَّذِيْنَ شَيَّعُوْهُ حَتَّى مَقَرِّهِ الأَخِيْرِ؟ وَدّالعَالْيَابِى : الَّذِى انْتَحَرَ لَيْسَ حَسُّوْنَاً وَلَدَ النُّعْمَانِ .. الَّذِى انْتَحَرَ شَخْصٌ آخَرُ يُشْبِهُهُ تَمَاماً . حَسُّوْنٌ ضَالِعٌ بِذَكَائِهِ الرَّهِيْبِ فِى جَرِيْمَةِ قَتْلٍ ؛ بِطَرِيْقَةٍ رُبَّمَا لَمْ يَصِلِ العِلْمُ إِلَى فَكِّ طَلاسِمِهَا حَتَّى الآنَ ؛ وَيَوْماً مَا سَيَعُوْدُ حَسُّوْنٌ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى .
صِبيْر :إِذَا نَبَتَ الشَّعْرُ فِى بَاطِنِ الكَفِّ فَسَوْفَ يَعُوْدُ حَسُّوْنٌ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى.. حَسُّوْنٌ مَاتَ وَشَبِعَ مَوْتاً .
رُضْوَان: أَعْتَقِدُ أَنَّ سِرِّ انْتِحَارِ حَسُّوْنٍ وَالَّذِى لَمْ تَذْكُرْهُ الخَوَاجِيَّةُ فِى كِتَابِهَا ؛ يَرْقُدُ فِى تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ الَّتِى تُشْبِهُ الهَوَادِجَ فِى بَيْتِ عَمِّى النُّعْمَان . وَلِكِنْ كَيْفَ السَّبِيْلُ إِلَيْهَا وَعَيْنَا عَمِّى النُّعْمَانِ لاتُفَارِقَانِهَا ؛ وَمَفَاتِيْحُ أَقْفَالِهَا لاتُفَارِقُ جَيْبَهُ؟
المِيْجَر : المَسْأَلَةُ سَهْلَةٌ لِلغَايَةِ ؛ فَفِى صَبَاحِ كُلِّ جُمُعَةٍ تَأْخُذُ (السُّرَّتِيَّةُ) تَوْأَمَيْهَا لِتَقْضِىَ اليَوْمَ مَعَ أُمِّهَا ؛ وَعَمِّى النُّعْمَانُ لايُفَوِّتُ صَلاةَ جُمُعَةٍ وَاحِدَةً؛ وَفِى الوَقْتِ الَّذِى يَكُوْنُ فِيْهِ بِالجَامِعِ نُنَقِّبُ بَيْتَهُ ؛ فَرُبَّما نَعْثُرُ عَلَى نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنَ المَفَاتِيْحِ وَنَطَّلِعُ عَلَى مَافِى تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ .
وَدّالسَّخِى : وَبَعْدَ انْتِهَاءِ المُهِمَّةِ نَضَعُ الأَقْفَالَ فِى أَمَاكِنِهَا بِالضَّبْطِ وَالمَفَاتِيْحَ فِى أَمَاكِنِهَا بِالضَّبْطِ .
هَذَا ؛ وَقَدْ نُفِّذُ الأَمْرُ كَمَا أُعِدَّ لَهُ لِيَتَّصِلَ الحَدِيْثُ ..
فَرَح : لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُ أَمْراً كَهَذَا .. لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُ أَنْ تَكُوْنَ مَفَاتِيْحُ عَمِّى النُّعْمَانِ غَيْرَ مَفَاتِيْحِ أَقْفَالِ تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ!
رُضْوَان : أَعْتَقِدُ أَنَّ هُنَالِكِ تَفِسِيْراً وَاحِداً لِذَلِكَ .
قَاسِم : مَاهُو؟
رُضْوَان: هُوَ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ قَدْ بَدَّلَتِ الأَقْفَالَ وَاحْتَفَظَتْ بِمَفَاتِيْحِ الأَقْفَالِ البَدِيْلَةِ؛ وَأَرْجَعَتْ إِلَى عَمِّى النُّعْمَانِ مَفَاتِيْحَ الأَقْفَالِ الأُوْلَى الأَصْلِيَّةِ الَّتِى أَعْدَمَتْهَا .
وَدّالسَّخِى : إِذَنْ فِى هَذِهِ الحَالَةِ ؛ فَإِنَّ عَمِّى النُّعْمَانَ قَدْ ظَلَّ يَحْتَفِظُ بِمَفَاتِيْحِ أَقْفَالٍ لاوُجُوْدَ لَهَا حَالِيّاً .
صِبيْر: تَمَاماً .
العَوَّام : تُرَى لِمَ أَقْدَمَتِ الخَوَاجِيَّةُ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ؟
وِدَاعَة : لِتُشَكِّلَ حِمَايَةً لِمُحْتَوَيَاتِ صَنَادِيْقِ حَسُّوْنٍ ؛ فَحَتَّى إِنْ تَمَكَّنَ أَحـَدُهُمْ
مِنَ الحُصُوْلِ عَلَى المَفَاتِيْحِ مِنْ عَمِّى النُّعْمَانِ كَمَا فَعَلْنَا؛ صُدِمَ بِالحَقِيْقَةِ المُرَّةِ كَمَا صُدِمْنَا .
قَاسِم : وَلِمَاذَا تَسْعَى الخَوَاجِيَّةُ إِلَى حِمَايَةِ مُحْتَوَيَاتِ صَنَادِيْقِ حَسُّوْنٍ؟ وَدّالسَّخِى : لِتَنْشُرَ أَبْحَاثَ حَسُّوْنٍ وَعِلْمَهُ الغَزِيْرَ .. رُبَّمَا بِاسْمِ وَاحِدٍ مِنْ بَنِى جِلْدَتِهَا .. رُبَّمَا بِاسْمِ عَشِيْقِهَا أَوْصَدِيْقِهَا .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : هَذَا أَقْرَبُ تَفْسِيْرٍ وَالأَمْرُ وَاضِحٌ .
صِبيْر : أَعْتَقِدُ أَنَّ مُهِمَّتَنَا لَمْ تَنْتَهِ بَعْدُ ؛ فَإِنْ كُنَّا قَدْ خَسِرْنَا الجَوْلَةَ الأُوْلَى .. جَوْلَةَ المَفَاتِيْحِ ؛ فَسَتَكُوْنُ الجَوْلَةُ القَادِمَةُ مَعَ الأَقْفَالِ نَفْسِهَا .
المِيْجَر : أَتَقْصِدُ تَحْطِيْمَ الأَقْفَالِ؟
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : نَعَمْ .
المِيْجَر: لاأُوَافِقُ ؛ فَهَذِهِ الأَقْفَالُ مَتِيْنَةٌ لِلغَايَةِ وَضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَيْهَا تُسْمَعُ فِى آخِرِ قُوْزْ قُرَافِى .
وَدّالسَّخِى : إِذَنْ فِى هَذِهِ الحَالَةِ سَتَكُوْنُ الجَوْلَةُ القَادِمَةُ مَعَ الخَوَاجِيَّةِ نَفْسِهَا وَأَخْذُ المَفَاتِيْحِ مِنْهَا عُنْوَةً .
هَكَذَا نُفِّذَ الهُجُوْمُ لَيْلاً عَلَى بَيْتِ الخَوَاجِيَّةِ ؛ وَابْنُهَا حَاتِمٌ يَسْهَرُ فِى حَفْلِ زَوَاجٍ بِقَرْيَةٍ أُخْرَى . لَكِنَّ الأَمْرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب كَانَ أَهْوَنَ مِمَّا شَاهَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ فَقَدْ كَانَ مَدَنِى وَدّالعَازَّة مَشْغُوْلاً عَنْهُ بِأَمْرٍ آخَرَ فِى غُرْفَتِهِ المُفَتَّحَةِ النَّوَافِذِ نَهَاراً ؛ فَقَدْ كَانَ يُرَاقِبُ عُصْفُوْراً دَخَلَ فِى مَعْرَكَةٍ حَامِيَةِ الوَطِيْسِ مَعَ صُوْرَتِهِ فِى المِرْآةِ ؛ مُسْتَخْدِماً مِنْقَارَهُ وَرِجْلَيْهِ وَجَنَاحَيْهِ . رُبَّمَا لَوْسَمِعَ مَدَنِى بِأَمْرِ تَيْسِ حاج الصَّافِى وَقْتَ أَنْ كَانَ يَرْقُدُ هُوَ بِمُسْتَشْفَى مَرَوِىْ ؛ لَكَانَ أَمْرُ العُصْفُوْرِ أَمْراً جَانِبِيّاً بِالنِّسْبَةِ لَهُ . فَقَدْ نَطَحَ ذَاْكَ التَّيْسُ صُوْرَتَهُ فِى مِرْآةِ دُوْلابِ مَلابِسِ حاج الصَّافِى وَهَشَّمَهَا عَنْ آخِرِهَا ؛ وَلاعَجَبَ فِى ذَلِكَ ؛ فَتَيْسُ حاج الصَّافِى كَانَ تَيْساً يَحِنُّ إِلَى طُفُوْلَتِهِ .. كَانَ يَرْضَعُ المِعْزَ بَدَلاً مِنَ الاطِّلاعِ بِالمُهِمَّةِ الَّتِى خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا! كَانَ تَيْسُ حاج الصَّافِى يَحِنُّ إِلَى الطُّفُوْلَةِ ؛ لِذَا عِنْدَمَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ تَخَطَّاهَا اعْتَدَى عَلَى المَرْحَلَةِ مِنَ العُمُرِ الَّتِى وَجَدَ نَفْسَهُ فِيْهَا ؛ فَكَانَتْ مِرْآةُ دُوْلابِ حَاج الصَّافِى هِىَ الضَّحِيَّةُ الطَّبِيْعِيَّةُ . أَرَأَيْتُمُ الضَّرَرَ الَّذِى يُلْحِقُهُ حَنِيْنُ التُّيُوْسِ بِمَرَايَا الدَّوَالِيْبِ؟! حِيْنَ وَضَعَ وَدّالبَاشْكَاتِب يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَنِ مِنْ نَاحِيَةِ ظَهْرِهِ ؛ الْتَفَتَ إِلَيْهِ مَدَنِى وَكَأَنَّهُ قَدْ عَادَ مِنْ رِحْلَةٍ بَعِيْدَةٍ . وَحِيْنَ نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى وَجْهِهِ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةً قَدْ تَهَشَّمَتْ فِى نَفْسِهِ .. بَدَا لَهُ كَهُدْهُدٍ نَزَلَ عَلَيْهِ المَطَرُ .. هَلْ رَأَى أَحَدُكُمْ هُدْهُداً قَدْ تَعَرَّضَ إِلَى وَابِلٍ مِنَ المَطَرِ؟ هَذَا الهُدْهُدُ الَّذِى أَعَاقَهُ البَلَلُ عَنِ الطَّيَرَانِ ؛ هَلْ نَظَرَ أَحَدُكُمْ فِى عَيْنَيْهِ مَلِيّاً وَرَأَى هَذَا المَزِيْجَ المُؤَثِّرَ مِنَ الحَسْرَةِ وَالحَيْرَةِ وَالخَوْفِ؟ كَهَذَا الهُدْهُدِ كَانَ مَدَنِى وَدّالعَازَّة يَبْدُو حِيْنَ نَهَضَ وَطَرَدَ العُصْفُوْرَ خَارِجَ الغُرْفَةِ ؛ وَبَدَتْ لَهُ صُوْرَتُهُ عَلَى مِرْآةِ دُوْلابِ مَلابِسِهِ وَكَأَنْ لاعِرَاْكَ كَانَ يَدُوْرُ فِيْهَا قَبْلَ لَحَظَاتٍ . وَهَكَذَا الدُّنْيَا مِرْآةٌ كَبِيْرَةٌ تَنْعَكِسُ عَلَيْهَا صُوَرُ النَّاسِ وَالأَشْيَاءِ ؛ الَّتِى قَدْ لاتَكُوْنُ حَقِيْقِيَّةً فِى جَمِيْعِ الحَالاتِ . أَفْسَدَ وَدّالبَاشْكَاتِب عَلَى مَدَنِى وَدّالعَازَّة تَأَمُّلاتِهِ تِلْكَ حِيْنَ خَاطَبَهُ :



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2005, 11:05 AM   #[9]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

ـ يَامَدَنِى : الحَصَادُ لايَكُوْنُ قَبْلَ البَذْرِ . ثُمَّ إِنَّكُمُ ارْتَكَبْتُمْ خَطَأً فَادِحاً ؛ فَبَدَلاً مِنَ التَّهَجُّمِ عَلَى الخَوَاجِيَّةِ لَيْلاً كَانَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهَا المَفَاتِيْحَ وَهِىَ فِى كَامِلِ رِضَائِهَا ؛ إِنْ طَلَبْتُمْ مِنْهَا ذَلِكَ . وَحَتَّى إِنْ كُنْتُمْ لاتَأْمَنُوْنَ جَانِبَهَا ؛ كَانَ يُمْكِنُ لِمَسْأَلَةِ أَقْفَالِ الصَّنَادِيْقِ أَنْ تُعَالَجَ بِطَرِيْقَةٍ أَكْثَرِ سِلْماً مِنْ طَرِيْقَتِكِمْ هَذِه؛ِ إِذْ كَانَ يُمْكِنُكُمْ قَطْعَ تِلْكَ الأَقْفَالِ بِالمِنْشَارِ الَّذِى يُسْتَخْدَمُ لِقَطْعِ الحَدِيْدِ . وَلَكِنْ مَا حَدَثَ حَدَثَ ؛ فَمَا هِىَ خِطَطُكُمُ الآنَ؟ مَاالَّذِى تَنْوُوْنَ عَمَلَهُ؟
مَدَنِى بِعَصَبِيَّةٍ : لابُدَّ أَنْ نَقُوْمَ بِعَمَلِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ لِكَشْفِ هَذِهِ الأَسْرَارِ .. عَمَلِيَّةٍ تَهُزُّ كُلَّ قُوْزْ قُرَافِى .. نَخْتَطِفُ شَيْخَنَا وَدْ جَكُّوْم وَبَشِيْر وَدّالجُزُوْلِى وَعَمِّى النُّعْمَان ؛ لِنَجْعَلَهُمْ يَعْتَرِفُوْنَ مُجْبَرِيْنَ بِكُلِّ مَايَخُصُّ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَانِ .
هُنَا تَنَحْنَحَ المِيْجَرُ الَّذِى كَانَ يَجْلِسُ قَرِيْباً مِنْهُمَا ؛ وَالَّذِى كَانَ فِيْمَا مَضَى يَبْدُو سَمِيْناً كَخَرُوْفِ العِيْدِ ؛ وَأَصْبَحَ الآنَ كَعَظْمٍ فِى خَرُوْفٍ مَيْتٍ . تَنَحْنَحَ المِيْجَرُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب بِزَاوِيَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ ؛ تُضَاهِى فِى ضِيْقِهَا الزَّاوِيَةَ الَّتِى يَنْظُرُ بِهَا ضَعِيْفُ النَّظَرِ وَهُوَ يُحَاوِلُ إِدْخَالَ خَيْطٍ غَلِيْظٍ فِى ثَقْبِ إِبْرَةٍ ضَيِّقٍ . فِى نَفْسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ انْقَضَّتْ عَلَى أَنْفِ وَدّالبَاشْكَاتِب رَائِحَةُ بَوْلِ حِمَارٍ قَوِيَّة ؛ فَخَاطَبَ نَفْسَهُ :"لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى المَنُوْفَلِى .. أَتُرَى هَذَا المَنُوْفَلِى قَدْ بَالَ فِى هَذَا المَكَانِ أَوْقَرِيْباً مِنْهُ؟" لَقَدْ قُلْنَا إِنَّ المِيْجرَ قَدْ تَنَحْنَحَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب نَظْرَتَهُ تِلْكَ الَّتِى وَصَفْنَا مَدْعُوْمَةً بِرَائِحَةِ بَوْلِ حِمَارٍ قَوِيَّة ؛ وَسَمِعَهُ وَدّالبَاشْكَاتِب يَقُوْلُ :
ـ بَلْ نَخْتَطِفُ الخَوَاجِيَّةَ نَفْسَهَا .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : نَخْتَطِفُ ابْنَهَا حَاتِماً وَنَجْعَلُهُ رَهِيْنَةً ؛ فِدْيَتُهُ أَنْ تُزَوِّدَنَا الخَوَاجِيَّةُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَنْ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَانِ عَلَى حَقِيْقَتِهِ .
لَمْ تُقْلِقْ وَدَّالبَاشْكَاتِب العَصَبِيَّةُ الَّتِى تَحَدَّثَ بِهَا مَدَنِى وَدّالعَازَّة ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ تِكَّةَ سِرْوَالِهِ أَطْوَلُ مِنْ حَبْلِ صَبْرِهِ . لـَمْ تُقْلِقْهُ عَصَبِيَّةُ مَدَنِى ؛ وَخَاطَبَهُ : ـ يَامَدَنِى : مَنْ تَأَنَّى نَالَ مَاتَمَنَّى .
المِيْجَر : صَدَقْتَ يَاوَدّالبَاشْكَاتِب ؛ لابُدَّ مِنَ التَّدَرُّجِ فِى هَذَا الأَمْرِ . وَدّالبَاشْكَاتِب : التَّدَرُّجُ فِى الخَلْقِ أَدَّى إِلَى التَّنَوُّعِ فِى المَخْلُوْقَاتِ .
ثُمَّ أَرْدَفَ :
ـ اعْطُوْنِى فُرْصَةً ؛ وَسَتَكُوْنُ النَّتِيْجَةُ لِصَالِحِكُمْ .
وَنَهَضَ وَالمِيْجَرُ يَنْظُرُ إِلَى قَامَتِهِ الطَّوِيْلَةِ ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْرِفُ ـ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدَ حُكَمَاءِ قُوْزْ قُرَافِى ـ أَنَّ الإِنْسَانَ الطَّوِيْلَ مُتَمَهِّلٌ دَائِماً ؛ لايَتَعَجَّلُ الأُمُوْرَ وَلايَتَبَرَّمُ بِشَىْءٍ أَبَداً ؛ أَمَّا قَصِيْرُ القَامَةِ فَقَدْ ضَاعَ حَقُّهُ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا مُتَلاطِمَةِ الأَمْوَاجِ . كَانَ المِيْجَرُ يَنْظُرُ إِلَى وَدّ البَاشْكَاتِب وَهُوَ يَسِيْرُ بَعِيْداً عَنْ غُرْفَةِ مَدَنِى وَدّالعَازَّة ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ عِنْدَمَا كَانَ يَجْلِسُ إِلَى الخَوَاجِيَّة ..
وَدّالبَاشْكَاتِب : كَيْفَ تُفَسِّرِيْنَ الحَوَادِثَ الَّتِى وَقَعَتْ فِى قُوْزْ قُرَافِى مُنْذُ عَوْض وَلَد كُرَاع الفَرْوَة مُرُوْراً بِحَسُّوْن وَلَد النُّعْمَان وَحَتَّى الآن ؛ وَالَّتِى هَزَأَتْ بِكُلِّ المُسَلَّمَاتِ؟
الخَوَاجِيَّة : لَقَدْ تَمَعَّنْتُ فِى خَرِيْطَةِ العَالَمِ فَاسْتَنْتَجْتُ حَقِيْقَةً غَرِيْبَةً ؛ فَقُوْزْ قُرَافِى لايَقَعُ عَلَى أَىِّ خَطٍّ مِنْ خُطُوْطِ العَرْضِ .. قُوْزْ قُرَافِى يَقَعُ عَلَى خَطِّ طُوْلٍ سَاخِنٍ .. قُوْزْ قُرَافِى خَارِجَ المَكَانِ وَ فِى عُمْقِ الزَّمَانِ ؛ وَهَذَا هُوَ سِرُّ مَأْسَاةِ أَهْلِهِ .
سَافَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب بِنَظَرِهِ بَعِيْداً ؛ لَكـِنَّ الخَوَاجِيَّةَ لَمْ تَدَعْهُ ؛ إِذْ قَالَتْ لَهُ : ـ اسْمَعْ يَاوَدّالبَاشْكَاتِب ؛ لَقَدْ آنَ الأَوَانُ لِيُنَقِّبَ شُبَّانٌ مُثَقَّفُوْنَ أَمْثَالُكُمْ صَنَادِيْقَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ لَعَلَّهُمْ يَكْتَشِفُوْنَ شَيْئاً لَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ . وَأَنَا لاأُمَانِعُ أَنْ يَشْتَرِكَ وَدّالسَّخِى وَصِبيْرٌ وَجَمَاعَتُهُمَا فِى هَذَا الأَمْرِ ؛ فأَوَّلاً وَأَخِيْراً حَسُّوْنٌ مِنْهُمْ وَهُمْ قَبِيْلَتُهُ وَعَصَبِيَّتُهُ ؛ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَىِّ أَجْنَبِىٍّ مِثْلِى بِالبَحْثِ عَنْ كُلِّ كَبِيْرَةٍ وَصَغِيْرَةٍ عَنْهُ . وَسَوْفَ أَتَحَدَّثُ مَعَ بَشِيْر وَدّالجُزُوْلِى وَالمَامُوْن فِى أَمْرِ هَذِهِ الصَّنَادِيْقِ ؛ الَّتِى أَرَى أَنْ تُنْقَلَ إِلَى بَيْتِ المَامُوْنِ صَوْناً لِمَشَاعِرِ جَدِّى النُّعْمَان .
بِالطَّبْعِ لَمْ يَشْهَدِ المِيْجَرُ هَذَا الحِوَارَ ؛ وَلَمْ يَشْهَدْ أَيْضاً ـ فِيْمَا بَعْدُ ـ الحِوَارَ الَّذِى دَارَ بَيْنَ المَامُوْنِ وَبَشِيْرٍ ..
المَامُوْن : عِنْدَمَا جَلَسَتُ صَبَاحاً أَشْرَبُ القَهْوَةَ مَعَ عَمِّـى النُّعْمَان قُلْتُ لَهُ :
ـ (يَاعَمِّى النُّعْمَان : طَبْعاً أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ تَقُوْمُ بِدِرَاسَاتٍ عَنْ حَسُّوْنٍ وَأَلَّفَتْ كُتُباً فِى ذَلِكَ ؛ وَقَدْ جَاءَتِ الآنَ خِصِيْصاً لِتُكْمِلَ دِرَاسَاتِهَا الَّتِى لاتَتِمُّ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَقْرَأَ كُلَّ الأَوْرَاقِ وَالكُتُبِ الَّتِى بِصَنَادِيْقِ حَسُّوْنٍ . وَنَحْنُ كَىْ لانُزْعِجَكَ نُرِيْدُ تَرْحِيْلَ هَذِهِ الصَّنَادِيْقِ إِلَى بَيْتِى ؛ وَأَنَا أُعَاهِدُكَ أَلاَّ تَنْقُصَ مِنْهَا وَرَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلايَتَغَيَّرَ تَرْتِيْبُ حَسُّوْنٍ للأَشْيَاءِ الَّتِى بِدَاخِلِهَا . وَيَوْمَ تَنْتَهِى الخَوَاجِيَّةُ مِنْ دِرَاسَاتِهَا نُرْجِعُ إِلَيْكَ الصَّنَادِيْقَ ؛ وَهَذَا عَهْدٌ مِنِّى) .
عَمِّى النُّعْمَان قَالَ لَى :
ـ (الخَوَاجِيَّةُ سَبَقَ لَهَا أَنْ فَتَحَتْ صَنَادِيْقَ حَسُّوْنٍ هَذِهِ) .
أَنَا قُلْتُ لَهُ :
ـ (فِى تِلْكَ المَرَّةِ لَمْ تُكْمِلْ دِرَاسَةَ كُلِّ مَابِدَاخِلِ تَلْكَ الصَّنَادِيْقِ) .
عَمِّى النُّعْمَان نَظَرَ بَعِيْداً دُوْنَ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةٍ ؛ فَسَأَلْتُهُ :
ـ (أَلا تَأْمَنِّى يَاعَمِّى النُّعْمَان؟)
فَقَالَ لِى وَالدَّمْعُ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ :
ـ (يَشْهَدُ اللَّهُ يَامَامُوْن أَنَّنِى قَدْ شَعَرْتُ مُنْذُ أَنْ رَحَلْتَ عَنَّا إِلَى بَيْتِكَ رَغْمَ قُرْبِهِ مِنَّا ؛ أَنَّ ابْنِى حَسُّوْناً قَدْ سَافَرَ بَعِيْداً عَنِّى . وَالآنَ عِنْدَمَا تُحْمَلُ هَذِهِ الصَّنَادِيْقُ ؛ سَأُحِسُّ أَنَّ ابْنِى حَسُّوْناً قَدْ مَاتَ بِالفِعْلِ) .
بَشِيْر : لَقَدْ صَدَقَ عَمِّى النُّعْمان ؛ فَمَوْتُ حَسُّوْنٍ فَاجِعَةٌ لَوْأَصَابَتْ رَجُلاً غَيْرَ عَمِّى النُّعْمَان ؛ لَحَاضَ .. عَمِّى النُّعْمَان رَجُلٌ مَشَى فِى دُرُوْبِ الدُّنْيَا حَتَّى أَوْجَعَتْهُ كَبِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ المَشْىِ وَشِدَّتِهِ .
المَامُوْن : عَمِّى النُّعْمَان رَجُلٌ غَاصَ فِى الحَيَاةِ وَغَاصَتْ فِيْهِ ؛ لِذَا فَقَدْ رَضِىَ فِى نِهَايَةِ الأَمْرِ بِنَقْلِ الصَّنَادِيْقِ إِلَى بَيْتِى ؛ وَأَنْ يُسَلِّمَنِى مَفَاتِيْحَهَا الَّتِى أَخْبَرَتْنِى الخَوَاجِيَّةُ أَنَّهَا لَيْسَتِ المَفَاتِيْحَ الأَصْلِيَّةَ لِتِلْكَ الأَقْفَالِ . إِذْ أَنَّهَا وَحِرْصاً مِنْهَا عَلَى سَلامَةِ مَابِدَاخِلِ تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ ؛ غَيَّرَتْ أَقْفَالَهَا القَدِيْمَةَ الَّتِى يَحْتَفِظُ عَمِّى النُّعْمَان بِمَفَاتِيْحِهَا ؛ بِأَقْفَالٍ أُخْرَى ؛ هِىَ الأَقْفَالُ الَّتِى فِى الصَّنَادِيْقِ الآنَ ؛ وَاحْتَفَطَتْ بِمَفَاتِيْحِ الأَقْفَالِ الجَدِيْدَةِ تِلْكَ . لَقَدْ رَضِىَ عَمِّى النُّعْمَان بِحَمْلِ الصَّنَادِيْقِ إِلَى بَيْتِى ؛ لَكِنَّنِى تَرَكْتُهُ يَتَقَلَّبُ فِى فِرَاشِهِ كَقَطَاةٍ ذُبِحَ فَرْخُهَا أَمَامَ عَيْنَيْهَا .
بَشِيْر : جَلَّتْ قُدْرَةُ اللَّهِ .. مَارَأَيْنَا فِى مَخْلُوْقَاتِ اللَّهِ أَشْفَقَ عَلَى ابْنِهِ مِنَ القَطَا . وَلَكِنْ يَامَامُوْنُ لِى رَجَاءٌ وَاحِدٌ .
المَامُوْن : مَاهُوَ؟
بَشِيْر : أَنْ نَكُوْنَ أَنْتَ وَأَنَا حَاضِرَيْنِ لَحْظَةَ فَتْحِ تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ فِى كُلِّ يَوْمٍ ؛ وَنَظَلَّ مَعَ هَؤُلاءِ الشُّبَّانِ حَتَّى إِقْفَالِهَا كَىْ لاتَحْدُثَ فِيْهَا سَرِقَةٌ أَوْعَبَثٌ . لِيَقْرَأُوا مَايَقْرَأُوْنَ وَليَكْتُبُوا مِمَّا فِيْهَا مَايَكْتُبُوْنَ وَليُصَوِّرُوا مَايُصَوِّرُوْنَ؛ وَلَكِنْ لايَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ بَيْتِكَ وَهُوَ يَحْمِلُ شَيْئاً مِنْهَا ؛ كَمَا أَرَى أَنْ تَكُوْنَ الخَوَاجِيَّةُ مَوْجُوْدَةً مَعَنَا أَيْضاً .
المَامُوْن : أَنَا شَاوَرْتُ الخَوَاجِيَّةَ فِى هَذَا الأَمْرِ؛ فَقَالَتْ لِى بِالحَرْفِ الوَاحِدِ: (إِنَّنِى قَدْ وَصَلْتُ إِلَى مَاوَصَلْتُ إِلَيْهِ فِى دِرَاسَتِى عَنْ حَسُّوْنٍ ؛ وَهَذِهِ نَتِيْجَةٌ نِهَائِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِى ؛ وَليُجَرِّبْ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى الأَمْرَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيَصِلُوا إِلَى نَتِيْجَةٍ بِشَأْنِهِ . ثُمَّ إِنَّ مَسْأَلَةَ حَسُّوْنٍ مَسْأَلَةٌ قَوْمِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى) .
بَشِيْر : لَقَدْ صَدَقَتِ الخَوَاجِيَّةُ ؛ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَوْمِيَّةٌ . وَقَدِ اتَّفَقَ كُلُّ هَؤُلاءِ الشُّبَّانِ عَلَى إِزَالَةِ أَىِّ خِلافَاتٍ بَيْنَهُمْ أَوْتَفَاوُتٍ فِى الأَعْمَارِ أَوتَبَايُنٍ فِى المَذَاهِبِ؛ وَالعَمَلِ مِنْ أَجْلِ قُوْزْ قُرَافِى مُمَثَّلاً فِى حَسُّوْنٍ وَكَشْفِ كُلِّ الأَسْرَارِ الَّتِى تُحِيْطُ بِهِ .
المَامُوْن : الخَوَاجِيَّةُ لَهَا نَظْرَةٌ بَعِيْدَةٌ ؛ فَأَمْسِ سَأَلْتُ صِبيْراً رَأْيَهُ حَوْلَ مُشَارَكَةِ الخَوَاجِيَّةِ فِى البَحْثِ مَعَهُمْ ؛ فَقَالَ لِى : (دَعُوْنَا نَبْحَثُ أُمُوْرَنَا بِأَنْفُسِنَا وَابْعِدُوا هَذِهِ الخَوَاجِيَّةَ عَنَّا ؛ لَيْسَ لأَنَّنَا نَكْرُهُهَا ؛ وَإِنَّمَا لأَنَّهَا عَالَمٌ وَنَحْنُ عَالَمٌ يَخْتَلِفُ عَنْهُ تَمَاماً) . وَالَّذِى يُشَجِّعُنَا عَلَى المُضِىِّ فِى هَذَا الأَمْرِ قُدُماً ـ أَضَافَ المَامُوْنُ ـ أَنَّ عَلَى رَأْسِهِ شَابّاً مُثَقَّفاً مِثْلَ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ يَزِنُ الأُمُوْرَ بِمِيْزَانٍ دَقِيْقٍ وَيُقَدِّرُ لِكُلِّ وَقْتٍ الظُّرُوْفَ المُحِيْطَةَ بِهِ .
هَكَذَا حُمِلَتْ صَنَادِيْقُ حَسُّوْنٍ بِمُنْتَهَى العَنَتِ إِلَى بَيْتِ المَامُوْنِ ؛ وَوَقَفَ وَدّ البَاشْكَاتِبِ يُخَاطِبَ أُوْلَئِكَ الشُّبَّانَ ؛ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَتْهُ الخَوَاجِيَّةُ المَفَاتِيْحَ الأَصْلِيَّةَ لِتِلْكَ الصَّنَادِيْقِإِنَّكُمْ إِذْ تُنَقِّبُوْنَ صَنَادِيْقَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان بَحْثاً عَنِ الحَقِيْقَةِ المُجَرَّدَةِ ؛ إِنَّمَا تُنَقِّبُوْنَ عَنْ تَارِيْخِ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ بِكُلِّ إِبَائِهَا وَشَمَمِهَا وَأَنِفَتِهَا ؛ فَاحْتَرِمُوا فِى أَنْفُسِكُمْ تِلْكَ الأُمَّةَ ؛ فَلاضَجِيْجَ وَلاضَوْضَاءَ وَلاسَرِقَةَ مِنْ هَذِهِ الصَّنَادِيْقِ مَهْمَا تَفِهَتْ . وَسَأَقُوْمُ بِتَقْسِيْمِكُمْ إِلَى أَفْرِقَةِ عَمَلٍ ؛ كُلُّ فَرِيْقٍ لَهُ مُهِمَّةٌ مُحَدَّدَةٌ ؛ وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الأَمْرِ كُلِّهِ بَعْدَ شَهْرٍ .. سَنَةٍ .. عِشْرِيْنَ سَنَةً ؛ سَنَجْتَمِعُ فِى نَفْسِ هَذَا المَكَانِ وَنَتَنَاقَشُ وَنَخْرُجُ بِنَتِيْجَةٍ وَاحِدَةٍ . العَالَمُ كُلُّهُ الآنَ مُتَّفِقٌ إِلاَّ قُوْزْ قُرَافِى وَأَهْلَهُ ؛ فَلْتَكُنْ هَذِهِ وَحْدَةٌ حَقِيْقِيَّةٌ وَلَوْلِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِى كُلِّ تَارِيْخِ قُوْزْ قُرَافِى . عَاشَ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَعَاشَ أَهْلُ الإِخْلاصِ فِى كُلِّ مَكَان) . صَفَّقَ الحُضُوْرُ لِوَدّالبَاشْكَاتِب طَوِيْلاً ؛ وَمِنْ ثَمَّ بَدَأَ العَمَلُ بِمُنْتَهَى الدِّقَّةِ وَالتَّكَتُّمِ .. نَهَاراً إِلىَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ ؛ ثُمَّ بَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ كُنْتَ تَرَى مَصَابِيْحَ كَهْرِبَاءِ بَيْتِ المَامُوْنِ مُضَاءَةً حَتَّى الصَّبَاحِ .. لاحَرَكَةَ وَلاصَوْتَ سِوَى هَمْهَمَةٍ وَعَمَلٍ دَؤُوْبٍ فِى تَعَاوُنٍ وَمَحَبَّةٍ ؛ فَهَلْ يَاتُرَى نَسِىَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى ـ مُمَثَّلِيْنَ فِى أُوْلَئِكَ الشُّبَّانِ ـ نِزَاعَاتِهِمْ وَأَحْقَادَهُمُ القَدِيْمَةَ؟ أَتُرَى أَنَّ فَيَضَانَ النِّيْلِ وَالفَرَاغَ الَّذِى وَجَدَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ فِيْهِ نَتِيْجَةً لِذَلِكَ ؛ قَدْ أَدَّيَا ـ كَمَا تَوَقَّعَ ضَمْرَةُ ذَاتَ يَوْمٍ ـ إِلَى هَذِهِ النَّتِيْجَةِ الرَّائِعَةِ؟ هَلْ تَحَوَّلَتْ مَجَالِسُ الغِيْبَةِ وَالحِوَارَاتِ الطَّوِيْلَةِ المُمِلَّةِ تِلْكَ ؛ إِلَى مَجَالِسَ لِتَوْحِيْدِ الرَّأْىِ فِى أَمْرٍ كَانَ النَّاسُ قَدِ اخْتَلَفُوا حَوْلَهُ ؛ أَوْقُلْ غَفَلُوا عَنْهُ ؛ طَوِيْلاً مِنْ قَبْلُ؟ أَتُرَى مَجَالِسَ الغِيْبَةِ تِلْكَ الَّتِى أَكَلَ فِيْهَا الإِنِسَانُ أَخَاهُ الإِنْسَانَ ؛ قَدْ أَفْرَزَتْ إِحْدَى إِيْجَابِيَّاتِ فَيَضَانِ النِّيْلِ؟ لَقَدْ أَكَلَ الإِنْسَانُ لَحْمَ أَخِيْهِ الإِنْسَانِ حَيّاً وَمَيْتاً وَلَمْ يَكْرَهْهُ وَمَاعَافَهُ ؛ بَلْ لَمْ يَجِدْ أَشْهَى وَلاأَدْسَمَ مِنْهُ وَجْبَةً . مَرَّةً أُخْرَى ؛ هَلْ نَسِىَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى أَحْقَادَهُمْ ونِزَاعَاتِهِمُ القَدِيْمَةَ؟ وَمَاهِىَ النَّتِيْجَةُ الَّتِى خَرَجَ بِهَا أُوْلَئِكَ الشُّبَّانُ؟
لَقَدِ انْتَهَتِ المُهِمَّةُ الَّتِى اسْتَغْرَقَتْ وَقْتاً طَوِيْلاً ؛ وَحَمَلَتْ سَوَاعِدُ أُوْلَئِكَ الشُّبَّانِ تِلْكَ الصَّنَادِيْقَ الضَّخْمَةَ الثَّقِيْلَةَ إِلَى بَيْتِ حَاج النُّعْمَان ؛ الَّذِى كَادَ يُزَغْرِدُ فَرَحاً حِيْنَ وَضَعُوْهَا فِى نَفْسِ أَمَاكِنِهَا وَعَلَيْهَا أَقْفَالُهَا ؛ الَّتِى رَاحَ يَتَحَسَّسُهَا بِكَفِّهِ العَرِيْضَةِ . وَمَالَبِثَ أُوْلَئِكَ الشُّبَّانُ أَنْ جَلَسُوا فِى بَيْتِ وَدّ البَاشْكَاتِب يَتَحَاوَرُوْنَ وَيُنَاقِشُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ..
صِبيْر: قَادِر اللَّه فِى مُلْكه .. لَمْ أَرَ فِى كُلِّ حَيَاتِى شَخْصَيْنِ يَتَشَابَهَانِ تَشَابُهَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان وَحَسُّوْن وَدّالمَامُوْن! فَأَنَا حِيْنَ نَظَرْتُ إِلَى صُوْرَةِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان حَسِبْتُهَا صُوْرَةَ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن .
فَرَح : وَلَكِنْ بِاللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيْنَ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن المُسَلَّطُ مِثْلُ خَالِهِ ذَاْكَ؟ ضَمْرَة : أَخْبَرَنِى أَبُوْهُ حِيْنَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ؛ أَنَّهُ يَعْمَلُ طَيَّاراً فِى الخَارِجِ .. أَظُنُّهُ فِى أَمِيْرِيْكَا .
المِيْجَر : أَنَا لَمْ أَسْمَعْ بِإِنْسَانٍ لَهُ صَدِيْقَاتٌ مِثْلِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان . وَدّالسَّخِى: هَذِهِ ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْض ٍ.. ذُرِّيَّةٌ تُحِبُّ النِّسَاءَ ؛ أَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَمِّى النُّعْمَانُ فِى هَذِهِ السِّنِّ المُتَأَخِّرَةِ وَيَلِدْ؟
رُضْوَان : عَالَم غَرِيْب! حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان يَرْفُضُ طَلَبَاتٍ بِمَنْحِهِ جِنْسِيَّاتِ بِرِيْطَانْيَا وَأَمِيْرِيْكَا وَالهِنْدِ وَأَلْمَانْيَا وَفَرَنْسَا وَاليُوْنَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ! لَيْتَنِى مُنِحْتُ تَأْشِيْرَةَ دُخُوْلٍ فَقَط لإِحْدَى هَذِهِ الدُّوْلِ ؛ حَتَّى وَلَوْلأُسْبُوْعٍ وَاحِدٍ . وَدّالبَاشْكَاتِب : حَسُّوْن رَفَضَ كُلَّ تِلْكَ الجِنْسِيَّاتِ لأَنَّهُ إِنْسَانٌ حُرٌّ .. حُرٌّ أَكْثَرُ مِنْ سَحَابَةٍ تَجْتَازُ الأَقْطَارَ وَالقَارَّاتِ مِنْ غَيْرِ جَوَازِ سَفَرٍ وَلاتَأْشِيْرَاتِ دُخُوْلٍ وَخُرُوْجٍ ؛وَمِنْ نَسْمَةٍ يَسْتَنْشِقُهَا المُؤْمِنُ وَالكَافِرُ .. وَالنَّسْمَةُ سَلِيْلَةُ الرِّيَاح .. وَالرِّيَاحُ تُلَقِّحُ السَّحَابَ .. وَالمُؤْمِنُ وَالكَافِرُ مِنْ صُلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ؛ مَلَّ ـ لِشَقَاوَتِنَا ـ الجَنَّةَ وَمَلَّتْهُ ؛ وَلَمْ تَسْتَوْعِبْهُ الأَرْضُ ؛ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَبْنَاؤُهُ أَنْفُسَهُمْ .
العَوَّام : عَال يَاوَدّ البَاشْكَاتِب ؛ وَأَنَا أُضِيْفُ إِلَى قَوْلِكَ : إِنَّ مَأْسَاةَ حَسُّوْنٍ نَاشِئَةٌ مِنْ أَنَّهُ إِنْسَانٌ صَادِقٌ مَعَ نَفْسِهِ؛ فِى زَمَنٍ كُلِّهِ كَذِبٌ فِى كَذِبٍ . وَدّالعَالْيَابِى : الإِنْسَانُ عَظِيْمٌ أَمَامَ نَفْسِهِ إِذَا صَدَقَ مَعَهَا .
ضَمْرَة : بَلِ الإِنْسَانُ ضَئِيْلٌ أَمَامَ إِنْسَانِيَّتِهِ .
وِدَاعَة : حَسُّوْن عَاشَ فِى الدُّنْيَا كَظِلِّ شَجَرَة .. ظِلُّ الشَّجَرَةِ لايَسْتَأْذِنُهَا حِيْنَ مَجِيْئِهِ ؛ وَلاتُوَدِّعُهُ عِنْدَ ذِهَابِهِ ؛ وَلاتَسْأَلُ عَنْهُ حِيْنَ يَغِيْبُ عَنْهَا .
قَاسِم : لأَنَّهَا لاتَعْرِفُ مَكَانَهُ .
رُضْوَان : الشَّجَرَةُ لاتَسْأَلُ عَنْ ظِلِّهَا لأَنَّهَا لاتَسْتَفِيْدُ مِنْهُ ؛ أَوْلأَنَّ وُجُوْدَهُ أَوْعَدَمَهُ لايُشَكِّلُ خُطُوْرَةً عَلَى حَيَاتِهَا .
وَدّالعَالْيَابِى : وُجُوْدُ حَسُّوْنٍ فِى ذَاْكَ الزَّمَنِ كَانَ ضَرُوْرِيّاً لانْتِظَامِ الوُجُوْدِ العَامِّ .. تَخَيَّلُوا صَفّاً طَوِيْلاً مِنَ الأَشْجَارِ لَهَا ظِلالٌ ؛ عَدَا شَجَرَةً وَاحِدَةً فِى وَسَطِ ذَاْكَ الصَّفِّ لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ .
ضَمْرَة : لَيْسَ مَنْ يَجْلِسُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ كَمَنْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِفُرُوْعِهَا ؛ وَهَلِ الدُّنْيَا سِوَى شَجَرَةٍ غَيْرِ ظَلِيْلَةٍ؟
رُضْوَان : عَلَى كُلِّ حَالٍ سَيَمْضِى وَقْتٌ طَوِيْلٌ قَبْلَ أَنْ تُبَاهِىَ كُلُّ شَجَرَةٍ بَقِيَّةَ الأَشْجَارِ بِجَمَالِ وَاتِّسَاعِ ظِلِّهَا .
عبدالعَاطِى : إِنَّكُمْ تَتَحَدَّثُوْنَ عَنْ أَشْيَاءَ جَانِبِيَّةٍ .. الَّذِى تَتَحَدَّثُوْنَ عَنْهُ فُرُوْعٌ لاتَحِنُّ إِلَى جُذُوْرِهَا ؛ أَوْأَنَّهَا لاتُشَرِّفُ جُذُوْرَهَا ؛ فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَأْسَاةَ حَسُّوْنٍ تَكْمُنُ فِى أَنَّهُ قَدْ عَبَرَ جَدْوَلَهُ قَفْزاً ؛ قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الجَدْوَلُ نَفْسُهُ .
صِبيْر : بَلْ قَبْلُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الأَنْهَارَ .

ضَمْرَة : أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ حَسُّوْناً نَهْرٌ تَصَالَحَ مَعَ تَيَّارِهِ .
وِدَاعَة : أَنَا أَتَّفِقُ مَعَكَ يَاعبدالعَاطِى ؛ فَحَسُّوْنٌ فِيْهِ نَحْسٌ شَدِيْدٌ .
رُضْوَان : كُلُّ شَىْءٍ فِيْهِ الشَّقِىُّ وَالسَّعِيْدُ ؛ حَتَّى الحَجَرَ الَّذِى لارُوْحَ فِيْهِ . فَمِنَ الحِجَارَةِ مَايَكُوْنُ فِى قَصْرٍ يُغْسَلُ وَيُعَطَّرُ صَبَاحَ مَسَاءَ؛ وَمِنَ الحِجَارَةِ مَا يُجْعَلُ عَلَى فَتْحَةِ بِئْرٍ مِرْحَاضٍ؛ فَيُبَالُ عَلَيْهِ طِيْلَةَ الدَّهْرِ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-12-2005, 12:16 PM   #[10]
Ishrag Dirar
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Ishrag Dirar
 
افتراضي


خالد .. العزيز ..الحاج ..

سلمت يداك ..
ياناشر المسك ..

ثم ..
كيف يستقيم عقلا ..
ان أكون الاستاذة أشراق ..
وتضي الصفحة بعالم عباس ,..الاستاذ ؟؟؟

يكفيني ان اكون اشراق ...

هلا كففت عني عبء هذا التشريف ؟؟
ودي
اشراق



التوقيع: [align=center]
"فبأي قلبٍ فيّك تصلُبني مسيحاً في صليب الأنتظار ...؟"
"عالم عباس"
[/align]
Ishrag Dirar غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:32 PM   #[11]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ishrag Dirar

خالد .. العزيز ..الحاج ..

سلمت يداك ..
ياناشر المسك ..

ثم ..
كيف يستقيم عقلا ..
ان أكون الاستاذة أشراق ..
وتضي الصفحة بعالم عباس ,..الاستاذ ؟؟؟

يكفيني ان اكون اشراق ...

هلا كففت عني عبء هذا التشريف ؟؟
ودي
اشراق

العزيزة إشراق

سلامات يا زولة يا زينة
أستاذة...
هذه لا نمنحها (بكش) !! نعطيها لمن يستحقها
وهي لك مستحقة دون شك.

معزتي



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 12:46 PM   #[12]
Ishrag Dirar
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Ishrag Dirar
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معتصم الطاهر
على فوق الشجرة

انتظرينا نقرأها لأكثر من مرة ..

هذا على الرفاعى
!!!


لقيت ..
الحدائق تبادر ..
ترسّل غصونها



التوقيع: [align=center]
"فبأي قلبٍ فيّك تصلُبني مسيحاً في صليب الأنتظار ...؟"
"عالم عباس"
[/align]
Ishrag Dirar غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 01:58 PM   #[13]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

[align=center]كي لا يستيقظ النمل - رواية -الأستاذ على الرفاعي
(3)
[/align]



قَاسِم : حَقِيْقَة كُلُّ شَىْءٍ لَهُ قِسْمَتُهُ الَّتِى قَسَمَهَا اللَّهُ لَهُ .
العَوَّام : صَدَقْتَ يَارُضْوَان ؛ فَكُلُّ شَىْءٍ فِيْهِ الشَّقِىُّ وَالسَّعِيْدُ ؛ وَالحَجَرُ الأَسْوَدُ أَسْعَدُ حَجَرٍ فِى الدُّنْيَا .. يُقَبِّلُهُ النَّاسُ وَيَتَزَاحَمُوْنَ عَلَيْهِ بِالمَنَاكِبِ ؛ وَهُوَ فِى النَّهَايَةِ حَجَرٌ مِنْ جِنْسِ الحِجَارَةِ . لَكِنْ يَبْدُو أَنَّ عَائِلَةَ جَدِّى النُّعْمَانِ تَتَوَارَثُ الشَّقَاءَ مُنْذُ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ .
وَدّالعَالْيَابِى : أَنَا لِى رَأْىٌ آخَرُ .. أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ قَدْ ضَرَبَ فِى الأَرْضِ وَالنَّاسُ يَبْحَثُوْنَ عَنْهُ وَهُوَ يَبْحَثُ عَنْ نَفْسِهِ ؛ وَقَدْ وَجَدَهُ النَّاسُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ ؛ لَكِنَّهُ أَنْكَرَهُمْ وَأَمْعَنَ فِى الهَرَبِ مِنْهُمْ . إِلَى أَنْ كَانَ يَنْظُرُ ذَاتَ مَرَّةٍ إِلَى صُوْرَتِهِ فِى مِرْآةٍ وَحَدَّقَ فِى عَيْنَيْهِ بِتَرْكِيْزٍ شَدِيْدٍ ؛ فَرَأَى فِيْهِمَا النِّيْلَ وَالنَّخِيْلَ وَالحَدَائِقَ وَالطُّيُوْرَ وَأَطْفَالاً يَلْعَبُوْنَ ؛ فَلَمَّا تَمَعَّنَ أَكْثَرَ الأَطْفَالِ ضَحِكاً وَمُشَاكِسَةً عَرَفَهُ ؛ فَقَدْ كَانَ هُوَ نَفْسهُ .. لَقَدْ وَجَدَ نَفْسَهُ فِى طُفُوْلَتِهِ ؛ فَرَمَى بِالمِرْآةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ حَتَّى تَنَاثَرَتْ قِطَعاً ؛ وَعَادَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى طِفْلاً كَبِيْراً مُعْدَماً مِنْ مَالِ الدُّنْيَا .
المِيْجَر : مَنْ لاَيَحْتَرِمِ المَالَ يَحْتَقِرْهُ النَّاسُ ؛ وَالاحْتِقَارُ فِى النَّاسِ مَوْجُوْدٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ المَالُ ؛ وَالنَّاسُ وُجِدُوا قَبْلَ المَالِ .
ضَمْرَة : حَسُّوْنٌ يَحْتَقِرُ المَالَ لأَنَّهُ خَبِرَ الحَيَاةَ ؛ وَقَدْ خَبِرَ الحَيَاةَ لأَنَّهُ قَدِ اتَّعَظَ بِالمَوْتِ ؛ حَسُّوْنٌ فَأْسٌ لَمْ يُوْلَدْ حَدَّادُهَا بَعْدُ . أَنَا أَتَّفِقُ مَعَ عبدالعَاطِى فِى أَنَّ حَيَاةَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان كَانَتْ مَأْسَاةً كُلَّهَا ؛ لَكِنَّنِى أَخْتَلِفُ مَعَهُ فِى نَوْعِ تِلْكَ المَأْسَاةِ وَأَبْعَادِهَا . أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَأْسَاةَ حَسُّوْنٍ الحَقِيْقِيَّةَ تَكْمُنُ فِى أَنَّهُ حِيْنَ يَكُوْنُ فِى لنْدنَ ؛ فَإِنَّهُ يَعِيْشُ مَعَ أَهْلِهَا بِعَاطِفَةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَعِنْدَمَا يَجِىءُ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى كَانَ يَعِيْشُ مَعَ أَهْلِهِ بِعَقْلِيَّةِ أَهْلِ لنْدنَ . هَذَا التَّنَاقُضُ هُوَ الَّذِى حَطَّمَ قَلْبَ حَسُّوْنٍ وَأَتْعَبَ عَقْلَهُ .
العَوَّام : لَكِنْ أَلايَجْلِبُ مِثْلُ هَذَا العِلْمِ الَّذِى يَتَمَتَّعُ بِهِ حَسُّوْنٌ ؛ وَالَّذِى رَأَيْتُمُوْهُ وَقَرَأْتُمُوْهُ فِى صَنَادِيْقِهِ بِأَنْفُسِكِمْ ؛ لِصَاحِبِهِ العَدَاءَ؟
وَدّالسَّخِى : أَعْتَقِدُ أَنَّ لِحَسُّوْنٍ أَعْدَاءً بِعَدَدِ الرَّمْلِ .
رُضْوَان : لايَصْلُحُ صَدِيْقاً مَنْ لاأَعْدَاءَ لَهُ .
كَانَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَهُمْ يَتَحَاوَرُوْنَ تَصِلُ إِلَى أُذُنَىِّ وَدّالبَاشْكَاتِب الصَّامِتِ طِيْلَةَ ذَاْكَ الحِوَارِ ؛ كَبَثِّ إِذَاعَةٍ فِى الصَّحْرَاءِ مَحْظُوْرَةٍ فِى زَمَنِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ العَاشِرَة . وَفَجْأَةً نَهَضَ وَخَاطَبَ الجَمْعَ بِتُؤْدَةٍ :
ـ لَقَدْ قَدَّمْنُمْ أُطْرُوْحَاتٍ تَخْجَلُ مِنْ طَرْحِ نَفْسِهَا ؛ وَمَالِهَذَا اجْتَمَعْنَا . لَقَدْ أَنْهَيْنَا البَحَثَ المُضْنِىَ فِى صَنَادِيْقِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ وَنُرِيْدُ أَنْ نَخْرُجَ بِنَتِيْجَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ تُفَسِّرُ سِرَّ انْتِحَارِ حَسُّوْنٍ ؛ الَّذِى لَمْ تُشِرِ الخَوَاجِيَّةُ إِلَيْهِ فِى كِتَابِهَا عَنْ حَسُّوْنٍ . فَرَجُلٌ فِى غَزَارَةِ عِلْمِ هَذَا العَبْقَرِىِّ لايُمْكِنُ أَنْ يَنْتَحِرَ بِهَذِهِ السُّهُوْلَةِ؛ بَلْ لِسَبَبٍ قَوِىٍّ لايُؤَدِّى إِلَى نَتِيْجَةٍ غَيْرِ الانْتِحَارِ . فَهَلْ وَصَلْنَا إِلَى أَىِّ نَتِيْجَةٍ؟
صِبيْر : إِنَّنَا مَانَكَادُ نَبْلُغُ غَايَةً؛ حَتَّى نَجِدَ أَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ الجَوْلَةَ مِنْ جَدِيْدٍ . لَقَدْ أَصْبَحْنَا كَمَنْ عَلَى رَأْسِ نَخْلَةٍ طَوِيْلَةٍ يَئِنُّ عُرْجُوْنُهَا مِنْ كَثْرَةِ التَّمْرِ ؛ وَلَمَّا هَمَّ بِقَطْعِ أَوَّلِ عُرْجُوْنَةٍ سَقَطَ مِنْجَلُهُ عَلَى الأَرْضِ ؛ وَلَيْسَ تَحْتَ النَّخْلَةِ أَحَدٌ يَقْذِفُ بِهِ إِلَيْهِ .
ضَمْرَة : ذَلِكَ لأَنَّنَا نَبْغِى الكَمَالَ البَشَرِىَّ .
وَدّالعَالْيَابِى : لايَظْهَرُ الكَمَالُ فِى أَشْيَاءَ ؛ إِلاَّ بَعْدَ وُضُوْحِ النُّقْصَانِ فِى أَشْيَاءٍ أُخَرَ .
وِدَاعَة : إِنَّنَا كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ إِبْرَةٍ فِى قَاعِ بِئْرٍ مَلِيْئَةٍ بِالمَاءِ .
المِيْجَر : لَقَدْ أَخْطَأَتْ دَلْوُنَا قَعْرَ البِئْرِ .
عبدالعَاطِى : بَلْ أَصْبَحْنَا كَرَجُلٍ انْقَطَعَ حَبْلُ دَلْوِهِ فِى بِئْرِ غَيْرِهِ .
هَكَذَا اتَّصَلَ الحَدِيْثُ ؛ وَقَدْ كَانَ وَدّالبَاشْكَاتِب حِيْنَ يُغْمِضُ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَيَنْظُرُ بِالأُخْرَى إِلَى أَسْفَلَ فَيَرَى مُعْظَمَ جَانِبِ أَنْفِهِ ؛ يُدْرِكُ أَنَّ صُوْرَةَ الأَشْيَاءِ لَمْ تَكْتَمِلْ بَعْدُ ؛ عَلَى الأَقَلِّ فِى نَظَرِهِ . وَهَذَا مَارَآهُ مَدَنِى وَدّالعَازَّة يَفْعَلُهُ فِى تِلْكَ الجَلْسَةِ ؛ ثُمَّ يَنْهَضُ وَيَقُوْلُ لَهُمْ :
ـ اعْطُوْنِى بَعْضَ الوَقْتِ وَسآتِيْكُمْ بِالخَبَرِ اليَقِيْنِ .
ثُمَّ مَالَبِثَ الجَمِيْعُ أَنْ تَفَرَّقُوا إِلَى بُيُوْتِهِمْ بِصَمْتٍ شَدِيْدٍ .
لَمْ يَدْرِ وَدّالبَاشْكَاتِب لأَيَّامٍ عَدِيْدَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِمَ بَدَا لَهُ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى كَقَتَلَةٍ يَنْتَظِرُوْنَ مَالَ الدِّيَةِ مِنْ زَكَاةٍ لَمْ يَكْتَمِلْ نِصَابُهَا بَعْدُ؟ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَ شِعَارُ السَّكَاكِيْنِ المَرْفُوْعُ : (يَاسَكَاكِيْنَ العَالَمِ اتَّحِدِى)؟ لَمْ يَدْرِ ـ فِى الوَاقِعِ ـ لِمَ بَدَتْ لَهُ كُلُّ سَكَاكِيْنِ العَالَمِ وَقَدْ فَقَدَتْ حِدَّتَهَا وَجَسَارَتَهَا فِى لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ؟ كَأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَزَعَ سِرَّهُ مِنَ الحَدِيْدِ فِى لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَسُبْحَانَ مِنْ يَضَعُ سِرَّهُ فِى أَضْعَفِ خَلْقِهِ ؛ وَالحَدِيْدُ فِيْهِ بَأْسٌ شَدِيْدٌ ؛ وَكُلُّ مَخْلُوْقٍ نَزَعَ اللَّهُ سِرَّهُ مِنْهُ فَهُوَ ضَعِيْفٌ ؛ وَإِنْ بَدَا قَوِيّاً أَمَامَ النَّاسِ . أَتُرَى كَانَ وَدّ البَاشْكَاتِب قَوِيّاً حِيْنَ سَأَلَتْهُ الخَوَاجِيَّة :
ـ إِلَى أَيْنَ وَصَلْتُمْ يَاوَدّالبَاشْكَاتِب؟
فَأَجَابَهَا :
ـ لاأَدْرِى بِالضَّبْطِ .
الخَوَاجِيَّة : إِنَّكُمْ لَنْ تَصِلُوا إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا وَصَلْتُ إِلَيْهِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : لِنَرَ . وَلَكِنْ بِكُلِّ أَمَانَة يَالَيْلَى عِبيْد ؛ هَلْ كَتَبْتِ كُلَّ مَاتَعْرِفِيْنَ عَنْ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ أَمْ أَنَّكِ تَحْتَفِظِيْنَ لِنَفْسِكِ بِحَقَائِقَ لاتَوَدِّيْنَ البَوْحَ بِهَا لأَسْبَابٍ شَخْصِيَّة؟
الخَوَاجِيَّة : سَوْفَ أُجِيْبُ عَنْ سُؤَالِكَ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَلْتَقِىَ بِالمَامُوْن .
وَعِنْدَ لِقَائِهَا بِهِ سَأَلَتْهُ :
ـ أَلاتَذْكُرُ يَامَامُوْنُ ذَاْكَ الخِطَابَ الَّذِى أَرْسَلْتُهُ لَكَ مِنْ لنْدنَ ؛ بَعْدَ مُغَادَرَتِى قُوْزْ قُرَافِى بِعَامٍ؟
المَامُوْن : كَيْفَ لاأَذْكُرُهُ؟ مَازِلْتُ أَحْتَفِظُ بِهِ ؛ وَكَأَنَّنِى قَدِ اسْتَلَمْتُهُ مَنَ البَرِيْدِ اليَوْمَ ؛ وَلَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً سِوَى بَشِيْر وَدّالجُزُوْلِى .
الخَوَاجِيَّة : أُرِيْدُ ذَاْكَ الخِطَابَ الآنَ .
المَامُوْن : لِمَاذَا؟
الخَوَاجِيَّة : تَعْلَمُ يَامَامُوْنُ أَنَّ شُبَّانَ قُوْزْ قُرَافِى يَبْحَثُوْنَ عَنِ السَّبَبِ الرَّئِيْسِىِّ لانْتِحَارِ حَسُّوْنٍ ؛ وَقَدْ آنَ الأَوَانُ لِيَعْرِفُوا كُلَّ مَاأَعْرِفُ عَنْ حَسُّوْنٍ وَانْتِحَارِهِ ؛ ذَلِكَ كَىْ يَقْتَنِعُوْا فَيَتِنَكَّبُوْا هَذِهِ السَّبِيْلَ .
هَكَذَا سَلَّمَتِ الخَوَاجِيَّةُ ذَاْكَ الخِطَابَ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى مَاأَنْ قَرَأَهُ كُلَّهُ حَتَّى أَصْدَرَ صَوْتاً يُشْبِهُ صَوْتَ الدِّيْكِ حِيْنَ تُحَلِّقُ فَوْقَهُ الحَدْأَةُ ؛ شَأْنُهُ حِيْنَ يُعْجِبُهُ شَىْءٌ أَوْيَسْتَغْرِبُ أَمْراً . لَقَدْ فَرِحَ وَدّالبَاشْكَاتِب بِهَذَا الخِطَابِ فَرَحاً دُوْنَهُ فَرَحُ مَنِ اكْتَشَفَ قَارَّةً بِأَكْمَلِهَا .. فَرَحاً لَمْ يَفْرَحْ (كُوْلَمْبُس) مِثْلَهُ حِيْنَ ظَنَّ أَنَّهُ قَدِ اكْتَشَفَ أَمِيْرِيْكَا ؛ وَهُوَلايَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَوَّلَ مَنِ اكْتَشَفَهَا ؛ وَأَنَّ العَرَبَ قَدِ اكْتَشَفُوْهَا قَبْلَهُ . وَبَعْدَ أَنْ كَتَبَ مِنَ الخِطَابِ عِدَّةَ نُسَخٍ ؛ جَمَعَ وَدّ البَاشْكَاتِب فِى المَسَاءِ أَفْرِقَةَ العَمَلِ الَّتِى يَرْأَسُهَا ؛ وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نُسْخَةً مِنَ الخِطَابِ خَطَبَ فِيْهِمْ : (هَذَا الخِطَابُ وَثِيْقَةٌ لاتُقَدَّرُ بِثَمَنٍ ؛ فَلْيَدْرُسْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِعَقْلِهِ وَبِهُدُوْءٍ لِمُدَّةِ أُسْبُوْعٍ نَلْتَقِى بَعْدَهُ بِمَنْزِلِى ؛ لِنَقِفَ عَلَى النَّتِيْجَةِ الَّتِى يَخْرُجُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ؛ ذَلِكِ لِنَصِلَ إِلَى نَتِيْجَةٍ نِهَائِيَّةٍ نَحْسِمُ بِهَا أَمْرَ انْتِحَارِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان) .
مَاأَنِ انْقَضَى الأُسْبُوْعُ إِلاَّ وَكَانَ ظِلُّ شَجـَرَةِ النِّيْمِ المُنْتَصِبَة قَرِيْباً مِنْ بَابِ
مَنْزِلِ وَدّالبَاشْكَاتِب مِنَ الخَارِحِ ؛ يَقِفُ تِيْهاً فِى نُوْرِ القَمَرِ وَقَدْ بَدَا وَكَأَنَّهُ يَشْجِبُ كُلَّ أَنْوَاعِ الظَّلامِ .. وَالظِّلُّ لايَظْهَرُ إِلاَّ فِى الضَّوْءِ وَإِلاَّ فِى النُّوْرِ . لَقَدْ رَبَطَ عبدالعَاطِى حِمَارَتَهُ فِى جِذْعِ شَجَرَةِ النِّيْمِ تِلْكَ .. وَوَدّالبَاشْكَاتِب مُرٌّ كَحَطَبِ أَشْجَارِ النِّيْمِ .. وَالأَرْضَةُ أَكَلَتْ كُلَّ شَىْءٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى ـ حَتَّى ضَمَائِرَ النَّاسِ ـ إِلاَّ حَطَبَ النِّيْمِ . لَقَدْ رَبَطَ عبدالعَاطِى حِمَارَتَهُ فِى جِذْعِ شَجَرَةِ النِّيْمِ وَوَقَفَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ؛ وَلِحِمَارَةِ عبدالعَاطِى تِلْكَ قِصَّةٌ ؛ فَقَدْ رَأَى عبدالعَاطِى حِمَارَةَ حاج الرَّضِى تَحُكُّ بِحَافِرِ رِجْلِهَا الخَلْفِيَّةِ خَلْفَ أُذُنِهَا ؛ وَكَأَنَّهَا تُفَكِّرُ فِى حَلِّ مَشَاكِلِ هَذَا الكَوْنِ المُعَقَّدَةِ بَعْدَ أَنْ عَجَزَ الإِنْسَانُ عَنْ حَلِّهَا . لَقَدْ بَدَتْ لَهُ حِمَارَةُ حاج الرَّضِى فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَكَأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ مَشَاكِلَهَا وَمَشَاكِلَ بَنِى جِنْسِهَا ؛ الَّتِى مِنْ أَقْوَى وَأَخْطَرِ أَسْبَابِهَا الإِنْسَانُ ؛ وَانْهَمَكَتْ تُفَكِّرُ فِى حَلِّ مَشَاكِلِ الإِنْسَانِ المُعَقَّدَةِ وَالمُزْمِنَةِ ؛ فِيْمَا عَجَزَ حاج الرَّضِى عَنْ مُجَرَّدِ التَّفْكِيْرِ فِى حَلِّ مَشَاكِلِهِ الشَّخْصِيَّةِ . فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ البَعِيْدَةِ تَذَكَّرَ عبدالعَاطِى قَوْلَ صِبيْرٍ لَهُ عَمِّى الرَّضِى رَجُلٌ مَلابِسُهُ تُفَكِّرُ أَفْضَلَ مِنْهُ) . فِى ذَاْكَ الوَقْتِ ابْتَسَمَ عبدالعَاطِى وَهُوَ يَسْأَلُ نَفْسَهُ :"لِمَ لايُفَكِّرُ عَمِّى الرَّضِى مِثْلُ هَذِهِ الحِمَارَة؟ بَلْ لِمَ تَكُوْنُ هَذِهِ الحِمَارَةُ أَعْقَلَ مِنْ صَاحِبِهَا؟" عِنْدَ ذَاْكَ الحَدِّ أَكْبَرَ عبدالعَاطِى حِمَارَةَ حاج الرَّضِى تِلْكَ وَقَرَّرَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ المَالَ هُوَ حَلُّ كُلِّ مَشَاكِلِ عَمِّهِ الرَّضِى . لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ؛ أَمَّا الآنَ فَقَدْ نَظَرَعبدالعَاطِى إِلَى حِمَارَتِهِ المَرْبُوْطَةِ فِى جِذْعِ نِيْمَةٍ عِنْدَ بَيْتِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ فَابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً لَيْسَتْ كَابْتِسَامَتِهِ حِيْنَ رَأَى تِلْكَ الحِمَارَةَ تَحُكُّ بِحَافِرِهَا خَلْفَ أُذُنِهَا . ابْتَسَمَ الآنَ ابْتِسَامَةً بَدَتْ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَسْتَشِرْ بَقِيَّةَ أَخَوَاتِهَا عَنْ إِعْلانِهَا عَنْ نَفْسِهَا .. كَشَىْءٍ انْفَصَلَ عَنْ أَصْلِهِ .. كَبَعِيْرٍ شَرَدَ مِنْ قَطِيْعِهِ . هَكَذَا غَرِقَ عبدالعَاطِى فِى تَأَمُّلاتِهِ ؛ وَلَكِنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب الَّذِى كَانَ يَنْظُرُ فِى سَاعَتِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ تَأَمُّلاتِهِ تِلْكَ :
ـ لَقَدْ خَيَّبْتَ ظَنَّنَا فِى سَاعَةِ (بِقْ بِنْ) ؛ رَمْزُ الزَّمَنِ المُنْضَبِطِ .
عبدالعَاطِى : أَنَا سَاعَتِى سَاعَةُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. سَاعَةٌ دَاخِلِيَّةٌ تُحِسُّ بِالحَدَثِ قَبْلَ وُقُوْعِهِ .
وَبِدَاخِلِ بَيْتِ وَدّالبَاشْكَاتِب ـ وَقَدِ اَنْقَضَى الأُسْبُوْعُ ـ أَحَسَّ عبدُالعَاطِى بِدِفْءٍ فِى قَلْبِهِ ثُمَّ بِحَرَارَةٍ وَكَأَنَّ النَّارَ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ يَشْهَدُ النِّقَاشَ الَّذِى بَدَأَهُ ضَمْرَةُ :
ـ أَعْتَقِدُ أَنَّ أَخْطَرَ فِقْرَةِ فِى هَذَا الخِطَابِ ؛ هِىَ الفِقْرَةُ الَّتِى تَتَحَدَّثُ عَنْ تَفْرِيْغِ شَخْصٍ مِنْ شَخْصِيَّتِهِ الأَصْلِيَّةِ وَتَعْبِئَتِهِ بِشَخْصِيَّةٍ أُخْرَى .
المِيْجَر : وَهَذَا هُوَ رَأْىِ أَيْضاً .
وَدّالعَالْيَابِى :الَّذِى حَدَثَ بِالضَّبْطِ هُوَ أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ قَدِ اشْتَرَكَ قَبْلَ الخَوَاجِيَّةِ فِى هَذِهِ التَّجْرِبَةِ مَعَ صَدِيْقِهِ دُكْتُوْر(مَايْكِل) .. عَبَّأَا شَخْصاً يُشْبِهُ حَسُّوْناً تَمَاماً بِشَخْصِيَّةِ حَسُّوْنٍ ؛ وَأَوْقَرَا فِى عَقْلِهِ البَاطِنِ أَنْ يُحِبَّ (قَارِيْقَا) وَيَتَزَوَّجَهَا وَيَقْتُلَهَا لَيْلَةَ زَفَافِهِ وَيَنْتَحِرَ ؛ وَهَذَا مَاحَدَثَ بِتَفَاصِيْلِهِ .
فَرَح : وَمَاذَا يَسْتَفِيْدُ حَسُّوْنٌ مِنْ ذَلِكَ؟
صِبيْر : إِنَّهَا خِدْمَةٌ يُقَدِّمُهَا لِلعِلْمِ الَّذِى يَعْبُدُهُ .
العَوَّام : هَبْ أَنَّنَا صَدَّقْنَا ذَلِكَ ؛ فَمَا الدَّاعِى لأَنْ يَشْحَنَا الخَوَاجَةَ(مِسْتَر نُعْمَان) بِشَخْصِيَّةِ ابْنٍ وَهْمِىٍّ لِحَسُّوْن؟
وَدّالعَالْيَابِى : لَعَلَّ حَسُّوْناً بَعْدَ نَجَاحِ تِلْكَ التَّجْرِبَةِ القَاسِيَةِ قَدْ نَدِمَ عَلَى مَافَعَلَ؛ وَخَاصَّةً عَلَى الآلامِ الَّتِى سَبَّبَهَا لِعَمِّى النُّعْمَانِ . وَلَمَّا كَانَ لايَسْتَطِيْعُ العَوْدَةَ بِشَخْصِهِ بَعْدَ أَنْ تَأَكَّدَ الجَمِيْعُ مِنْ مَوْتِهِ ؛ فَقَدْ عَادَ فِى شَخْصِ ابْنٍ وَهْمِىٍّ لَهُ لِيُخَفِّفَ عَنْ عَمِّى النُّعْمَانِ بَعْضَ الشَّىْءِ ؛ بَلْ لِيَتَزَّوَجَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى كَمَا رَسَمَا لَهُ ؛ لَعَلَّهُ يُخَلِّفُ ابْناً يَرَى فِيْهِ عَمِّى النُّعْمَانُ بَعْضاً مِنْهُ .. يَرَى فِيْهِ ابْنَهُ حَسُّوْناً .
وَدّالبَاشْكَاتِب : هَذِهِ نَظَرِيَّةٌ جَدِيْرَةٌ بِالمُنَاقَشَةِ وَالدِّرَاسَةِ .. نَظَرِيَّةُ أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ مَايَزَالُ حَيّاً . وَلَكِنْ كَيْفَ نُثْبِتُ هَذِهِ النَّظَرِيَّةَ؟
وَدّالعَالْيَابِى : هَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ ؛ أَلَمْ تَقُلِ الخَوَاجِيَّةُ فِى خِطَابِهَا لِلمَامُوْنِ إِنَّهَا أَرْجَعَتْ جَوَازَ سَفَرِ حَسُّوْنٍ إِلَى حَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ؟
وَدّالبَاشْكَاتِب : أَجَل .
وَدّالعَالْيَابِى : إِذَنْ السِّرُّ يَكْمُنُ فِى جَوَازِ السَّفَرِ هَذَا . نَرْجِعُ إِلَى جَوَازِ سَفَرِ حَسُّوْنٍ فِى حَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ وَنَبْحَثُ عَنْ آخِرِ تَارِيْخٍ يَحْمِلُهُ خَتْمُ دُخُوْلِهِ الوَطَنَ ؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ سَنَوَاتٍ كَثِيْرَةٍ مِنِ انْتِحَارِهِ فَهُوَ غَيْرُ الجَوَازِ الَّذِى دَخَلَ بِهِ آخِرَ مَرَّةٍ . وَفِى هَذِهِ الحَالَةِ يَكُوْنُ هُنَالِكَ جَوَازٌ آخَرُ اسْتَخْرَجَهُ حَسُّوْنٌ .. رُبَّمَا بِسَبَبِ امْتِلاءِ الجَوَازِ السَّابِقِ أَوِانْتِهَاءِ مُدَّةِ صَلاحِيَّتِهِ الكُلِّيَّةِ ؛ هَذَا الجَوَازُ الآخَرُ هُوَ الَّذِى رُبَّمَا دَخَلَ بِهِ شَبِيْهُهُ الوَطَنَ ؛ أَوْيَحْمِلُهُ حَسُّوْنٌ الآنَ بَعْدَ تَجْدِيْدِهِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ . أَمَّا إِنْ كَانَ خَتْمُ دُخُوْلِهِ الوَطَنَ آخِرَ مَرَّةٍ يَحْمِلُ تَارِيْخاً قَرِيْباً مِنْ تَارِيْخِ انْتِحَارِهِ ؛ فَقَدْ بَطَلَتْ نَظَرِيَّةُ أَنَّ حَسُّوْناً مَايَزَالُ حَيّاً مِنْ أَسَاسِهَا .
ضَمْرَة : أَتَقْصِدُ يَاوَدّالعَالْيَابِى أَنَّهُ فِى حَالَةِ وُجُوْدِ فَارِقٍ زَمَنِّىٍّ كَبِيْرٍ بَيْنَ تَارِيْخِ دُخُوْلِ حَسُّوْنٍ لِوَطَنِهِ لِلمَرَّةِ الأَخِيْرَةِ عَلَى جَوَازِ سَفَرِهِ المَوْجُوْدِ بِحَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ وَتَارِيْخِ انْتِحَارِه ِ؛ يُوْجَدُ فِى هَذِهِ الحَالَةِ جَوَازٌ آخَرُ لِحَسُّوْنٍ يَسْتَعْمِلُهُ الآنَ ؛ غَيْرُ الجَوَازِ المَوْجُوْدِ بَحَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ؟
وَدّالعَالْيَابِى : هُوَ ذَاْكَ بِالضَّبْطِ .
وِدَاعَة : أَتُرَى الخَوَاجِيَّةَ لَمْ تُدَقِّقْ فِى تَارِيْخِ خَتْمِ دُخُوْلِ حَسُّوْنٍ لِلوَطَنِ لِلمَرَّةِ الأَخِيْرَةِ ؛ وَذَلِكَ فِى الجَوَازِ المَوْجُوْدِ فِى حَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ؟
وَدّالعَالْيَابِى: رُبَّمَا .
قَاسِمٌ فِى نَفْسِهِ : "هَذَا نَبَأٌ تَسْقُطُ لَهَوْلِهِ اللُّقْمَةُ مِنَ الفَمِ" .
قَالَ قَاسِمٌ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وَدّالبَاشْكَاتِب وَهُوَ يَجْلِسُ بِهُدُوْئِهِ المَعْهُوْدِ وَيُسَجِّلُ شَيْئاً عَلَى وَرَقَةٍ أَمَامَهُ ؛ ثُمَّ رَآهُ يَقِفُ فَجْأَةً وَيَقُوْلُ :
ـ المُهِمَّةُ الأُوْلَى هِىَ التَّأَكُّدُ مِنْ تَارِيْخِ آخِرِ خَتْمِ دُخُوْلٍ لِلوَطَنِ يَحْمِلُهُ جَوَازُ سَفَرِ حَسُّوْنٍ المَوْجُوْدُ بِحَقِيْبَةِ أَوْرَاقِهِ .
وَلَمْ يُكْمِلْ كَلامَهُ ؛ إِذْ سَمِعَ صَوْتَ رِضْوَانَ :



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:00 PM   #[14]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

ـ عَالَم يحَيِّر! مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أَنَّ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان قَدْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ آمنَة (قَارِيْقَا) ؛ وَلِذَا انْتَحَرَ لَيْلَةَ زَفَافِهِ حِيْنَ اكْتَشَفَ أَنَّهُ قَدْ أُدْخِلَ عَلَى أُخْتِهِ؟! وَقْبَلَ ذَلِكَ قَتَلَهَا وَقَتَلَ كُلَّ مِنْ لَهُ صِلَةٌ بِهَذَا الزَّوَاجِ ؛ فَقَتَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَحِرَ المَأْذُوْنَ الَّذِى عَقَدَ قِرَانَهُمَا وَحَمَّاداً وَلِىَّ أَمْرِهَا وَحَتَّى كَلْبَ قَارِيْقَا (شَنْدِّيَّة) ؛ مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ ذَلِكَ؟!
وَدّالبَاشْكَاتِب : هَذِهِ نَظَرِيَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ نَظَرِيَّةِ الجَوَازِ ؛ وَهِىَ نَظَرِيَّةُ الخَوَاجِيَّةِ أَيْضاً .
قَاَل وَدّ البَاشْكَاتِب ذَلِكَ وَكَتَبَ شَيئاً عَلَى الوَرَقَةِ ؛ وَالمِيْجَرُ يَسْأَلُ :
ـ هَلْ سَمِعْتُمْ بِأَحْدَثِ نَظَرِيَّةٍ؟
وَدّالعَالْيَابِى : قُلْ ؛ فَفِى هَذَا الزَّمَنِ كُلُّ شَىْءٍ غَرِيْبٍ مُمْكِن .
المِيْجَر: النَّظَرِيَّةُ الحَدِيْثَةُ تَقُوْلُ إِنَّ قَارِيْقَا نَفْسَهَا لَيْسَتْ ابْنَةً لِعَمِّى النُّعْمَانِ.. قَارِيْقَا حَمَلَتْ بِهَا سِت الجِيْل بِتْ عَبْدَاللَّه سِفَاحاً مِنَ الأَعْرَابِىِّ اللَّبِيْب) . عبدالعَاطِى : وَحَسُّوْن وَعَوَضِيَّة؟
المِيْجَر : اصْبِرْ حَتَّى تَسْمَعَ بَقِيَّةَ القِصَّة . فَقَدْ وَجَدْتُ فِى نَتِيْجَةِ فَحْصٍ طِبِّىٍّ لِعَمِّى النُّعْمَانِ ضِمْنَ أَوْرَاقٍ قَدِيْمَةٍ لَهُ طَلَبَ مِنِّى حَرْقَهَا ؛ وَجَدْتُ فِى نَتِيْجَةِ ذَاْكَ الفَحْصِ الَّذِى أُجْرِىَ بِمُسْتَشْفَى مَرَوِىْ ؛ أَنَّ النُّعْمَانَ أَحْمَد طَهَ عَقِيْمٌ عُقْماً دَائِماً مُنْذُ أَنْ جَاءَ إِلَى الدُّنْيَا .
العَوَّام : وَهَلْ يَعْلَمُ عَمِّى النُّعْمَانُ ذَلِكَ؟
المِيْجَر : لاأَشُكُّ فِى ذَلِكَ .
صِبيْر: إِذَنْ صَدْرُعَمِّى النُّعْمَانِ يَنْطَوِى عَلَى أَخْطَرِ سِرٍّ يُمْكِنُ لِقَلْبِ بَشَرٍ أَنْ يَحْمِلَهُ طِيْلَةَ هَذِهِ السِّنِيْنَ .
ضَمْرَة : أَلاتَعْتَقِدوْنَ أَنَّ حَسُّوْناً وَلَدَ النُّعْمَانِ البَاحِث دَوْماً عَنِ الحَقِيْقَةِ؛ قَدْ وَقَفَ عَلَى ذَاْكَ التَّقْرِيْرِ الطِّبِّىِّ؟
وِدَاعَة : أُرَجِّحُ ذَلِكَ . بَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَعْتَقِدُ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ هِىَ ابْنَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ لِحَسُّوْنٍ؛ أَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا بِذَلِكَ فَجَاءَتْ تَبْحَثُ عَنْ جُذُوْرِهَا بِقُوْزْ قُرَافِى؛ فَوَجَدَتْ ِقُوْزْ قُرَافِى وَلَمْ تَجِدْ جُذُوْرَهَا .
عبدالعَاطِى : هَذَا أَمْرٌ يَصْعُبُ إِثْبَاتُهُ .
وِدَاعَة : وَلَكِنْ مَعِىَ الدَّلِيْل .
مَدَنِى وَدّالعَازَّة : هَاتَهُ .
وِدَاعَة : لَمْ يَحِنْ وَقْتُهُ بَعْدُ .
رُضْوَان : أَنَا لَدَىَّ نَبَأٌ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَهُوَ أَنَّ عَوْضِيَّةَ هِىَ أُخْتُ المَامُوْنِ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَبِيْهِ .
صِبيْر : أَتَعْتَقِدُ أَنَّ المَامُوْنَ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ وَأَنْجَبَ مِنْهَا؟
رُضْوَان : هَذِهِ هِىَ الحَقِيْقَة .
صِبيْر : إِذَا صَدَّقْنَا أَنَّ اللَّبِيْبَ هُوَ وَالِدُ قَارِيْقَا ؛ فَمَنْ هُوَ وَالِدُ حَسُّوْنٍ عَلَى حَسَبِ نَظَرِيَّةِ عُقْمِ عَمِّى النُّعْمَانِ؟
عبدالعَاطِى : عَلَى كُلٍّ فَإِنَّ حَسُّوْناً قَدْ وُلِدَ وَبَابُ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْفَلْ بَعْدُ .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَحَسَّ وَدّالعَالْيَابِى أَنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ يَعِيْشُ فِى الدُّنْيَا كَالمِسْوَاكِ فِى الفَمِ .. كَشَىْءٍ ضَئِيْلٍ فِى مُحِيْطٍ وَاسِعٍ . وَقَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ إِجَابَةً لِسُؤَالِ صِبيْرٍ الأَخِيْرِ ؛ قَالَ وَدّالبَاشْكَاتِب الَّذِى رَفَعَ رَأْسَهُ بَعْدَ إِطْرَاقَةٍ طَوِيْلَةٍ كَانَ يَسْتَمِعُ فِيْهَا صَامِتاً :
ـ يَاالمِيْجَر : قُلْتَ إِنَّكَ اطَّلَعْتَ عَلَى تَقْرِيْرٍ طِبِّىٍّ يُثْبِتُ عُقْمَ عَمِّى النُّعْمَانِ الدَّائِمَ .
المِيْجَر : نَعَمْ ؛ وَهُوَ فِى جَيْبِى الآنَ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : هَاتَهُ .
مَاأَنْ قَرَأَ وَدّالبَاشْكَاتِب التَّقْرِيْرَ الطِّبِّىَّ بِحُرُوْفِهِ الإِنْجِلِيْزِيَّةِ الوَاضِحَةِ ؛ حَتَّى رَمَى بِهِ فِى وَجْهِ المِيْجَرِ وَهُوَ يَقُوْلُ بِغَضَبٍ :
ـ مَاأَجْهَلَ مَنْ لايُفَرِّقُ بَيْنَ الدُّوْسُنْتَارِيَا المُزْمِنَةِ وَالعُقْمِ الدَّائِمِ! ثُمَّ فَلنَفْتَرِضْ أَنَّ سِتَّ الجِيْلِ قَدْ حَمَلَتْ بِقَارِيْقَا سِفَاحاً مِنَ الأَعْرَابِىِّ اللَّبِيْبِ ؛ فَهَلْ حَمَلَتِ السُّرَّتِيَّةُ أَيْضاً سِفَاحاً وَوَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ؟
وَجَمَ المِيْجَرُ لِمَنْطِقِ وَدّالبَاشْكَاتِب القَوِىِّ هَذَا وَلَمْ يَدْرِ إِجَابَةً . وَكَأَنَّمَا أَرَادَ عَبْدُالعَاطِى أَنْ يَخْرُجَ بِالمَجْلِسِ قَلِيْلاً مِنْ هَذَا الجَوِّ القَاتِمِ ؛ قَالَ فَجْأَةً وهُوَ لايُحِسُّ بِدُخُوْلِ المَنُوْفَلِى فَجْأَةً أَيْضاً :
ـ دُكْتُوْر مَايْكِل رَجُلٌ أَخْلاقُهُ مِثْلُ أَخْلاَقِ شَرَكِ الفَأْر .
فَرَح : مَاذَا تَقْصِدُ؟
ضَمْرَة: يَقْصِدُ أَنَّهُ رَجُلٌ مُخَادِعٌ .
صِبيْر : شَرَكُ الفَأْرِ مُخَادِعٌ ؛ لأَنَّ الفَأرَ حَذِرٌ شَدِيْدُ الذَّكَاءِ .
وَدّالعَالْيَابِى : دُكْتُوْر مَايْكِل مَاقَصَدَ أَنْ يَكُوْنَ مُخَادِعاً ؛ إِلاَّ لأَنَّ النَّاسَ فِى أَخْلاَقِهِمْ مِثْلُ الفِئْرَانِ .
هُنَا حَدَثَ شَىْءٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَوقَّعُ حُدُوْثَهُ ؛ فَقَدْ صَاحَ المَنُوْفَلِى :
ـ اللَّهُمَّ لارَأَيْنَا وَلاسَمِعْنَا .. وَلَكِنْ مَارَأْيُكُمْ أَنَّ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان لَمْ يَنْتَحِرْ ؛ وَلَكِنْ قَتَلَهُ دُكْتُوْر مَايْكِل الَّذِى سَمِعْتُكُمْ تَتَحَدَّثُوْنَ عَنْهُ الآن . أُقْسِمُ بِالمُحَرِّجَاتِ الثَّلاثِ أَنَّكُمْ سَتَصِلُوْنَ إِلَى هَذِهِ النَّتِيْجَةِ يَوْماً مَا .
فَانْتَهَرَهُ وَدّالبَاشْكَاتِب : اسْكُتْ يَابَو يَاسَكْرَان يَاحَيْرَان .
فَخَرَجَ المَنُوْفَلِى مِنْ بَيْتِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ بِأَسْرَعَ مِمَّا يَدْخُلُ ضَبٌّ مَخْبَأَهُ إِذَا أُفْزِعَ . ضَحِكَ الجَمِيْعُ ضَحْكَةً قَصِيْرَةً ؛وَعَادُوا لِيَسْتَمِعُوا إِلَى وِدَاعَةَ يَتَسَاءَلُ: ـ لِمَاذَا لاتَكُوْنُ الخَوَاجِيَّةُ قَدْ أَخْطَأَتْ فِى قَبْرِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ وَأَخَذَتْ إِلَى لنْدنَ عِظَامَ شَخْصٍ آخَرَ مِنْ جَبَّانَةِ تُوْرالقُوْز؟
رُضْوَان : هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نُصَدِّقَ أَنَّ العِظَامَ الَّتِى سَرَقَتْهَا الخَوَاجِيَّةُ وَدُفِنَتْ فِى مَقْبَرَةِ وِسْتِمِنِسْتَرأَبِّى؛ لَيْسَتْ عِظَامَ حَسُّوْنٍ ؛ بَلْ عِظَامُ شَخْصٍ آخَرَ مَجْهُوْلٍ؟ وَدّالعَالْيَابِى : الخَوَاجِيَّةُ دَقِيْقَةٌ فِى كُلِّ شَىْءٍ ؛ وَلَعَلَّكَ لَمْ تَنْسَ يَارُضْوَان أَنَّ قَبْرَ حَسُّوْنٍ عَلَيْهِ لَوْحَةٌ حَدِيْدِيَّةٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهَا هُنَا يَرْقُدُ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ الَّذِى أنْصَفَ الحَيَاةَ وَلَمْ يُنْصِفْهُ المَوْت) ؛ مِمَّا يَجْعَلُ الخَطَأَ فِى قَبْرِهِ أَمْراً مُسْتَحِيْلاً .
العَوَّام : لِمَاذَا لايَكُوْنُ الأَمْرُ كُلُّهُ مَسْرَحِيَّةً مَثَّلَتْهَا الخَوَاجِيَّة ؛ فَلاعِظَامَ حَسُّوْنٍ سَافَرَتْ إِلَى لنْدنَ وَلايَحْزَنُوْن ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَتِ الخَوَاجِيَّةُ أَنْ تَتَسَتَّرَ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ ؛ فَاخْتَلَقَتِ القِصَّةَ اخْتِلاقاً؟
قَاسِم : أَمْرٌ آخَرُ! مِثْلُ مَاذَا؟
وَقَبْلَ أَنْ يُجِيْبَهُ رِضْوَانُ ؛ قَالَ وَدّالسَّخِى :
ـ حَسْماً لِلأَمْرِ أَرَى حَفْرَ قَبْرِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ لِنَرَى إِنْ كَانَتْ بِهِ عِظَامٌ أَمْ لا .
المِيْجَر : أَنَسِيْتَ تَارِيْخَ نَبْشِ المَقَابِرِ بِقُوْزْ قُرَافِى؟
وَدّالسَّخِى : أَنْتَ بِطَبْعِكَ إِنْسَانٌ جَبَانٌ ؛ وَأَنَا سَوْفَ أَنْبُشُ أَمَامَكُمْ قَبْرَعَوْض ودْكُرَاع الفَرْوَة نَفْسِهِ .
المِيْجَر : اعْتَبِرُوْنِى جَبَاناً .. انْهِزَامِيّاً .. مُتَخَاذِلاً .. رِعْدِيْداً .. أَىَّ شَىْءٍ ؛ وَاعْفُوْنِى مِنْ مَوْضُوْعِ نَبْشِ قَبْرٍ بِجَبَّانَةِ تُوْرالقُوْز .
وَدّالعَالْيَابِى : بِاللَّهِ يَاعَالَم مَاذَا نَسْتَفِيْدُ مِنْ وُجُوْدِ عِظَامِ شَخْصٍ بِقَبْرِهِ أَوْعَدَمِ وُجُوْدِهَا؟ نَحْنُ نَبْحَثُ فِى قَضِيَّةٍ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيْرٍ .. نَبْحَثُ فِى كَرَامَةِ تُرَابٍ دِيْسَتْ بِمَوْتِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان .. نَبْحَثُ عَنْ سَبَبِ مَوْتِ حَسُّوْنٍ ؛ أَهُوَ انْتِحَارٌ أَمْ قَتْلٌ؟
كَانَ وَدّالعَالْيَابِى سَيُوَاصِلُ الحَدِيْثَ ؛ لَكِنَّهُ تَوَقَّفَ حِيْنَ سَمِعَ مَدَنِى وَدّالعَازَّة : ـ أَلَمْ تُلاحِظُوا شَيْئاً فِى تَنْوِيْمِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؟ أَلَمْ تُلاحِظُوا أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ أَعْمَالُ تَخْرِيْبٍ فِى البُيُوْتِ كَإِشْعَالِ الحَرَائِقِ وَالسَّرِقَاتِ وَقَتْلِ النَّاسِ؟
فَرَحَ : وَهَلْ هُنَالِكَ تَخْرِيْبٌ أَكْثَرُ مِنْ تَحْطِيْمِ الجُسُوْرِ وَسُقُوْطِ البُيُوْتِ وَمَوْتِ الحَيَوَانَاتِ؟
عبدالعَاطِى : يَبْدُو أَنَّ الهَدَفَ الأَسَاسِىَّ لَيْسَ ذَلِكَ .. يَبْدُو أَنَّ الهَدَفَ الأَسَاسِىَّ هُوَ البَحْثُ عَنْ سِرٍّ رَهِيْبٍ ؛ لايَسْتَطِيْعُ البَاحِثُ عَنْهُ الوُقُوْفَ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ فِى حَالَةِ يَقِظَةٍ .
كَانَ وَدّالعَالْيَابِى يَسْتَمِعُ بِأُذُنَيْهِ بِشُرُوْدِ عَقْلٍ إِلَى عبدالعَاطِى ؛ وَمِنْ دَاخِلِهِ يَسْتَمِعُ بانْتِبَاهٍ إِلَى صَوْتٍ :"لَقَدْ آنَ الأَوَانُ كَىْ يُرَاجِعَ العَالَمُ مَوْقِفَهُ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى" . ثُمَّ إِلَى صَوْتٍ آخَرَ :"بَلْ لَقَدْ جَاءَ الوَقْتُ الَّذِى يُرَاجِعُ فِيْهِ قُوْزْ قُرَافِى مَوْقِفَهُ مِنْ نَفْسِهِ ؛ وَمِنْ أَحْدَاثِهِ وَأَحْدَاثِ العَالَمِ مِنْ حَوْلِهِ".
وَفَجْأَةً جَاءَهُمُ الصَّوْتُ وَاضِحاً مِنْ مُكَبِّرَاتِ صَوْتِ الجَامِعِ : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن . لَقَدْ تُوُفِّىَ إِلَى رَحْمَةِ مَوْلاهُ حاج إِبْرَاهِيْم وَدْ طيْرالسِّدِر ؛ نَرْجُو مِنْ جَمِيْعِ الشُّبَّانِ الخُرُوْجَ الآنَ إِلَى الجَبَّانَةِ لِحَفْرِ القَبْرِ) . تَفَرَّقَ الجَمِيْعُ بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ ؛ وَصِبيْرٌ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ : "التَّعَبُ الَّذِى تَعِبَهُ عَمِّى إِبْرَاهِيْم فِى الدُّنْيَا ؛ أَرْحَمُ مِنْهُ المَوْت" .
انْفَضَّ ذَاْكَ الاجْتِمَاعُ وَتَوَالَتْ بَعْدُهُ اجْتِمَاعَاتٌ وَاجْتِمَاعَاتٌ؛ وَدَارَتْ مُنَاقَشَاتٌ حَامِيَةٌ وَمُنَاقَشَاتٌ أَحْمَى مِنْهَا؛ وَوَدّالبَاشْكَاتِب يُمَحِّصُ وَيُمَحِّصُ حَتَّى ثَبَتَ لَهُ ـ بَعْدَ أَنْ عَثَرَ عَلَى حَقِيْبَةِ أَوْرَاقِ حَسُّوْنٍ بِمُسَاعَدَةِ المَامُوْنِ وَبَشِيْرٍ وَلَدِ الجُزُوْلِى ـ أَنَّ تَارِيْخَ آخِرِ خَتْمِ دُخُوْلٍ لَحَسُّوْنٍ إِلَى وَطَنِهِ عَلَى جَوَازِ سَفَرِهِ قَرِيْبٌ جِدّاً مِنْ تَارِيْخِ انْتِحَارِهِ ؛ فَبَطَلَتْ نَظَرِيَّةُ أَنَّ حَسُّوْناً مَايَزَالُ حَيّاً . وَلَكِنَّ السُّؤَالَ بَقِىَ مُعَلَّقاً هَلِ انْتَحَرَ حَسُّوْنٌ أَمْ قُتِلَ؟وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ ؛ فَمَا الدَّافِعُ إِلَى قَتْلِهِ وَمَنْ قَاتِلُهُ؟) وَعَلَيْهِ فَلَمْ يَسْتَغْرِبِ المِيْجَرُ حِيْنَ وَجَدَ وَدّالبَاشْكَاتِب يَتَحَدَّثُ مَعَ الخَوَاجِيَّةِ بِإِنْجِلِيْزِيَّةٍ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب رَغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَقَ تَعْلِيْماً مُنْتَظِماً كَثِيْراً ؛ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ ثَقَّفَ نَفْسَهُ ثَقَافَةً رَفِيْعَةً لِلغَايَةِ فِى كُلِّ المَعَارِفِ خَاصَّةً فِى اللُّغَةِ الإِنْجِلِيْزِيَّةِ؛ حَتَّى إِنَّهُ عَمِلَ كَبِيْرَ مُتَرْجِمِيْنَ خَارِجَ وَطَنِهِ ؛ وَبَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ جَاءَ وَاسْتَقَرَّ بِالبَلَدِ كَمَا يَفْعَلُ مُعْظَمُ أَبْنَاءِ البَلَدِ . بَعْدَ هَذِهِ المُحَادَثَةِ الَّتِى شَهِدَهَا المِيْجَرُ تَوَالَتْ مُحَادَثَاتٌ كَثِيْرَةٌ ؛ بَعْضُهَا بِإِنْجِلِيْزِيَّةٍ نَاصِعَةٍ حِيْناً وَبَعْضُهَا بِعَرَبِيَّةٍ وَاضِحَةٍ أَحْيَاناً ؛ انْتَهَتْ بِسُؤَالٍ ضَخْمٍ مِنْ وَدّالبَاشْكَاتِب .. سُؤَالٍ يَقِفُ كَالنَّصْبِ التِّذْكَارِىِّ :
ـ لَقَدْ أَوْشَكْنَا عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى حَقِيْقَةٍ رَهِيْبَةٍ ؛ أَلا يُوْجَدُ فِى جُعْبَتِكِ يَالَيْلَى مَايُسْرِعُ بِنَا إِلَى النَّتِيْجَةِ؟
الخَوَاجِيَّة : لِلأَسَفِ لا .
لَكِنَّهَا أَرْدَفَتْ بَعْدَ أَنْ نَظَرَتْ بِعُمْقٍ فِى عَيْنَىِّ وَدّالبَاشْكَاتِب :
ـ قَطْعاً هُنَالِكَ حَلْقَةٌ مَفْقُوْدَةٌ . لِمَاذَا لاتُسَافِرُ وَالمَامُوْنُ إِلَى الجَامِعَةِ الأَفْرِيْقِيَّةِ الَّتِى عَمِلَ حَسُّوْنٌ بِهَا آخِرَ مَاعَمِلَ فِى حَيَاتِهِ؟ وَأُصِرُّ عَلَى أَنْ يَصْحَبَكَ المَامُوْنُ لِسَبَبٍ قَوِىٍّ سَتَكْتَشِفُهُ فِيْمَا بَعْدُ . وَبِالطَّبْعِ كُلُّ مَصَارِيْفِ رِحْلَتِكُمَا سَتَكُوْنُ عَلَى حِسَابِى الخَاصِّ ؛ وَسَأَتَحَدَّثُ إِلَى المَامُوْنِ بِهَذَا الشَّأْنِ .
وَفِيْمَا بَعْدُ تَعَجَّبَ وَدّالبَاشْكَاتِب مِنْ سُرْعَةِ اسْتِجَابَةِ المَامُوْنِ لِلسَّفَرِ إِلَى الجَامِعَةِ الأَفْرِيْقِيَّةِ الَّتِى عَمِ لَ حَسُّوْنٌ بِهَا قُبَيْلَ انْتِحَارِهِ ؛ وَسَأَلَهُ :
ـ وَلَكِنَّنَا لانَعْرِفُ أَحَداً فِى ذَاْكَ البَلَدِ وَلانَعْرِفُ طَرِيْقَةَ حُصُوْلِنَا عَلَى المَعْلُوْمَاتِ ؛ أَلاتَرَى أَنَّ نَجَاحَ مُهِمَّتِنَا سَيَكُوْنُ شِبْهَ مُسْتَحِيْلٍ؟
المَامُوْنُ بِثِقَةٍ : أَنَا أَعْرِفُ عُنْوَانَ صَدِيْقٍ قَدِيْمٍ وَمُخْلِصٍ لِحَسُّوْنٍ فِى تِلْكَ الجَامِعَةِ ؛ وَسَيُذَلِّلُ لَنَا كُلَّ شَىْءٍ .
وَقُبَيْلَ مُغَادَرَتِهَمَا قُوْزْ قُرَافِى اجْتَمَعَ كُلٌّ مِنْ وَدّالبَاشْكَاتِب وَالمَامُوْنِ بِالخَوَاجِيَّةِ ؛ الَّتِى قَالَتْ لَهُمَا : (لاأُرِيْدُ التَّدَخُّلَ فِى الأَمْرِ إِلاَّ فِى اللَّحْظَةِ الحَاسِمَةِ ؛ وَسَأَتَحَمَّلُ كُلَّ النَّفَقَاتِ إِلَى نِهَايَةِ المَطَافِ . سَأَصِلُ إِلَى لنْدنَ بِإِذْنِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلا إِلَى الجَامِعَةِ الأَفْرِيْقِيَّةِ الَّتِى عَمِلَ حَسُّوْنٌ بِهَا؛ وَسَيَكُوْنُ الاتِّصَالُ الهَاتِفِىُّ بَيْنَنَا يَوْمِيّاً . وَأَعْطَتْهُمَا بِطَاقَةً خَاصَّةً بِهَوَاتِفِهَا عَلَيْهَا أَرْقَامُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِيْنَ هَاتِقاً ؛ وَوَدَّعَتْهُمَا بَعْدَ أَنْ قَالَتْ لِلمَامُوْنِ :
ـ أَرَى أَنْ تَحْصُلا قَبْلَ مُغَادَرَتِكُمَا الخُرْطُوْمَ عَلَى تَأْشِيْرَةِ دُخُوْلٍ إِلَى بِرِيْطَانِيَا أَيْضاً ؛ إِذْ أَعْتَقِدُ أَنَّ الأَمْرَ قَدْ يَتَطَلَّبُ ذَلِكَ ؛ وَقَدْ لايَسْمَحُ الوَقْتُ وَقَوَانِيْنُ الهِجـْرَةِ بِعَمَلِ تَأْشِيْرَةِ دُخـُوْلٍ إِلَى بِرِيْطَانِيَا مـِنْ ذَاْكَ البَلَدِ الأَفْرِيْقِىِّ .
هَكَذَا سَافَرَ المَامُوْنُ وَوَدُّالبَاشْكَاتِبِ إِلَى صَمَّامَاتِ أَفْرِيْقيَا ؛ وَأَنْهَيَا مُهِمَّتَهُمَا بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ . بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ وَدُّالبَاشْكَاتِبِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى لِتَرْتِيْبِ أُمُوْرٍ كَثِيْرَةٍ ؛ وَوَصَلَ المَامُوْنُ إِلَى مَطَارِ هِيثْرُو(Heathrow) وَهُوَ يَسْتَمِعُ فِى صَالَةِ القَادِمِيْنَ إِلَى قَعْقَعَاتِ الكُعُوْبِ العَالِيَةِ : كَعْ .. طَقْ .. طَرَقْ .. كَعْ ؛ وكَأَنَّهَا تَقُوْلُ لَهُ إِنَّكَ غَرِيْبٌ؛ وإنَّ صَاحِبَاتِ هَذِهِ الكُعُوْبِ لايَشْعُرْنَ بِوُجُوْدِكَ؛ لأَنَّكَ لاتُؤَثِّرُ فِى مَسِيْرَةِ الكَوْنِ.. تَمَاماً كَمَا لاتُغَيِّرُ قِطْعَةُ قُمَاشٍ مُتَّسِخَةً مَصِيْرَ الكَوْنِ ؛ حَتَّى وإِنْ صَارَتْ نَظِيْفَةً) ؛ وَهَكَذَا رَأَى فَأْراً يَجْلِسُ مُطْمَئِنّاً فِى تِلْكَ الصَّالَةِ؛ وَقَدْ تَثَاءَبَ الخَوَاجَةُ الجَالِسُ فِى مُوَاجَهَتِهِ حَتَّى بَانَتْ لَهَاتُهُ .آهـ .. مَاأَطْوَلَ تِلْكَ الحِوَارَاتِ وَمَاأَغْرَبَ تِلْكَ الحَوَادِثَ الَّتِى قَذَفَتْ بِالمَامُوْنِ إِلَى لنْدنَ! لَقَدْ سَافَرَ المَامُوْنُ إِلَى الجَامِعَةِ الأَفْرِيْقِيَّةِ الَّتِى عَمِلَ بِهَا حَسُّوْنٌ آخِرَ مَاعَمِلَ فِى حَيَاتِهِ ؛ لِيَبْحَثَ عَنْ حَسُّوْنٍ المَوْجُوْدِ دَاخِلَ نَفْسِهِ . لَقَدْ وَصَلَ المَامُوْنُ إِلَى لنْدنَ قَبْلَ شَهْرٍ مِنْ وُصُوْلِ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَيْهَا .. وَدّ البَاشْكَاتِب الَّذِى مَاأَنْ تَجَوَّلَ فِى لنْدنَ كُلِّهَا ؛ حَتَّى قَالَ مُحَدِّثاً نَفْسَهُ :"فِى لنْدنَ تَشْعُرُ أَنَّكَ فِى كُلِّ مَكَانٍ .. شَىْءٌ عَجِيْبٌ! كُلُّ الأَمْكِنَةِ فِى مَكَانٍ وَاحِدٍ وَفِى نَفْسِ الوَقْتِ!" هَكَذَا وَصَلَ المَامُوْنُ وَوَدُّالبَاشْكَاتِبِ إِلَى لنْدنَ ؛ لِيَبْدَأا مَعاً الجَوْلَةَ الأَخِيْرَةَ مِنْ مُهِمَّتِهِمَا وذَلِكَ فِى عَقْرِ دَارِ(مِسْتَر طُمْسُن)؛ الرَّجُلِ (الأَنْجُلُو ـ سكْسُوْنِىِّ) الَّذِى دَفَنَهُ الفَتَى النُّعْمَان أَحْمَد طَهَ فِى طِيْنِ جَدْوَلِ (سَاقَة) حَامِد يَوْماً مَا!



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:01 PM   #[15]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

(7)
تَلَفَّتَ المَامُوْنُ فِى قَاعَةِ المَحْكَمَةِ الوَاسِعَةِ وَمَاعَلَيْهَا مِـنَ اللَّوْحَاتِ
وَالأُبَّهَةِ ؛ فَوَقَعَتْ عَيْنَاهُ عَلَى البَابَا وَرَئِيْسِ رَابِطَةِ العَالَمِ الإِسْلامِىِّ يَجْلِسَانِ مُتَجَاوِرَيْنِ .. رُبَّمَا تَأْكِيْداً لِمَبْدَإِ أَنَّ أَصْلَ الإِنْسَانٍ وَاحِدٌ ؛ أَوْبِعِبَارَةٍ أَكْثَرعُمْقاً أنَّ خَالِقَ الكَوْنِ وَالإِنْسَانِ وَاحِدٌ . وَمِنْ زِيِّهِمْ مَيَّزَ المَامُوْنُ أَعْضَاءَ هَيئَةِ المُحَلَّفِيْنَ الَّتِى مَقَرُّهَا فِى (جِنِيْف) ؛ وَمُمَثِّلِى هَيْئَةِ حُقُوْقِ الإِنْسَانِ الَّتِى مَقَرُّهَا فِى لنْدنَ . وَمِنْ مَقْعَدِهِ دَاخِلَ هَذِهِ القَاعَةِ ؛ كَانَ وَدّالبَاشْكَاتِب يُحَدِّثُ نَفْسَه: "كَانَتِ الصُّوْرَةُ سَتَكْتَمِلُ إِنْ ضَمَّتِ القَاعَةُ أَشْخَاصاً آخَرِيْنَ إِلَى جَانِبِ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن ؛ الَّذِى يَجْلِسُ وَسْطَ هَذَا العَدَدِ الَّذِى لامَثِيْلَ لَهُ مِنْ أَفْرَادِ الجَالِيَاتِ السُّوْدَانِيَّةِ الَّذِيْنَ تَسَابَقُوا إِلَى لنْدنَ مِنْ جَمِيْعِ أَنْحَاءِ أُوْرُوْبَا وَأَمِيْرِيْكَا .. الصُّوْرَةُ سَتَكُوْنُ أَكْمَلَ لَوْ ضَمَّتِ القَاعَةُ مُبَارَكاً بْنَ بَشِيْر الجُزُوْلِى لِيَبْحَثَ عَنْ جَدِّهِ الإِمَامِ ؛ وَابْنَ الخَوَاجَةِ لِيَبْحَثَ عَنْ أَبِيْهِ (أَنْدَرْسُوْن) ؛ وَحَاتِماً بِنَ عِبيْد لِيَبْحَثَ عَنْ كُلِّ هًؤُلاءِ وَعَنْ نَفْسِهِ .. لِيَبْحَثَ عَنِ الحَقِيْقَةِ الَّتِى رَاحَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان كَبْشَ فِدَاءٍ لَهَا" . لَكِنَّ أَفْكَارَ وَدّالبَاشْكَاتِبِِ تِلْكَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا دُخُوْلُ المُتَّهَمِ قَاعَةَ المَحْكَمِةِ مُنْحَنِىَ القَامَةِ ؛ وَكَأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ كُلَّ آثَامِ أَهْلِ الجُزُرِ البِرِيْطَانِيَّةِ وَآلامَ أَسْنَانِهِمْ . وَقَدْ بَدَا شَعْرُهُ كَبُخَارِ إِبْرِيْقَ عَلَى الجَمْرِ .. أَبْيَضَ يَعْبَثُ بِهِ الهَوَاءُ؛ وَالدُّخَانُ لايَغْلِى إِبْرِيْقَ ؛ وَعَقْلُهُ مَازَالَ جَمْرَةً مُتَّقِدَةً . لَكِنَّ وَدّالبَاشْكَاتِبِ حِيْنَ رَآهُ يَجْلِسُ كَالجَزَرِ الأَصَمِّ .. كَشَىْءٍ لايُمْكِنُ تَحْلِيْلُهُ ؛ أَدْرَكَ أَنَّ الأَمْرَ لَنْ يَكُوْنَ سَهْلاً . بَيْدَ أَنَّهُ حِيْنَ نَظَرَ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى رَآهُ يَجْلِسُ كَسُؤَالٍ تَخْجَلُ مِنْهُ إِجَابَتُهُ . وَفِى نَفْسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى المُتَّهَمِ؛ فَبَدَا لَهُ لاكَقَرَارٍ لَمْ يُنَفَّذْ فَحَسْبُ؛ بَلْ كَقَرَارٍ لَمْ يُتَّخَذْ بَعْدُ. وَقَفَ مُحَامِى المُتَّهَمِ الَّذِى يَرْأَسُ هَيْئَةَ الدِّفَاعِ ؛ وَقَالَ :
ـ أَنَا لَدَىَّ اعْتِرَاضَانِ : الاعْتِرَاضُ الأَوَّلُ أَنَّ هَذِهِ المَحْكَمَةَ تُعْقَدُ الآنَ فِى قَاعَاتِ البَرْلَمَانِ البِرِيْطَانِىِّ ؛ فِيْمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تُعْقَدَ فِى المَحْكَمَةِ رَقْمِ وَاحِد (أُوْلد بِلى) ؛ أَكْبَرُ مَحَاكِمِ الجِنَايَاتِ فِى لنْدن . وَالاعْتِرَاضُ الثَّانِى عَلَى رَئِيْسِ المَحْكَمَةِ ؛ أَنَا أَعْتَرِضُ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ رَئِيْسُ المَحْكَمَةِ غَيْرَ بِرِيْطَانِىٍّ .
قَالَ مُحَامِى المُتَّهَمِ ذَلِكَ وَجَلَسَ بِأَدَبٍ جَمٍّ ؛ وَوَقَفَ رَئِيْسُ القَضَاءِ فِى بِرِيْطَانْيَا بِهَيْبَةٍ تَتِجَلَّى فِى رَأْسِهِ الأَصْلَعِ وَمَنْكَبَيْهِ العَرِيْضَيْنِ ؛ وَقَالَ :
ـ الاعْتِرَاضُ الأَوَّلُ مَرْفُوْضٌ؛ إِذْ أَنَّ هَذِهِ القَضِيَّةَ سِيَاسِيَّة أَكْثَرُ مِنْهَا جِنَائِيَّة. ثُمَّ إِنَّهُ لاتُوْجَدُ قَاعَاتٌ مُنَاسِبَةٌ فِى لنْدنَ تُوَاكِبُ أَهَمِيَّةَ هَذِهِ القَضِيَّةِ وَتَتَّسِعُ لِهَذَا العَدَدِ مِنَ الحُضُوْرِ ؛ الَّذِى لَمْ تَشْهَدْهُ أَىُّ قَضِيَّةٍ فِى كُلِّ العَالَمِ عَبْرَ التَّارِيْخِ؛ سِوَى قَاعَاتِ البَرْلَمَانِ البِرِيْطَانِىِّ وَمُلْحَقَاتِهَا . الاعْتِرَاضُ الثَّانِى مَرْفُوْضٌ ؛ فَرَئِيْسُ المَحْكَمَةِ حَاصِلٌ عَلَى دَرَجَةِ الدُّكْتُوْرَاةِ مِنْ هُنَا .. مِنْ بِرِيْطَانْيَا ؛ وَبِتَقْدِيْرٍ غَيْرِ مَسْبُوْقٍ وَلَمْ يُحْرِزْهُ أَحَدٌ بَعْدُهُ. وَقَدْ كَانَ رَئِيْسَ القَضَاءِ فِى بَلَدِهِ؛ ثُمَّ أَصْبَحَ رَئِيْسَ هَيْئَةِ تَشْرِيْعِ القَوَانِيْنِ فِى بِرِيْطَانْيَا بَعْدَ مَنْحِهِ الجِنْسِيَّة البِرِيْطَانِيَّة التَّشْرِيْفِيَّة ؛ رَغْمَ اعْتِرَاضَاتِهِ الشَّدِيْدَةِ عَلَى هَذِهِ الجِنْسِيَّةِ وَتَحَفُّظَاتِهِ المُعْلَنَةِ عَلَيْهَا. وَهُوَ إِلَى جَانِبِ كُلِّ ذَلِكَ يَتَمَتَّعُ بِرُتْبَةٍ شَرَفِيَّةٍ (QC) مِنَ المَلِكَةِ ؛ إِضَافَةً إِلَى أَنَّهُ الآنَ سِكِرْتيْرُ عَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ؛ وَالَّذِى يَعْدِلُ بَيْنَ الدُّوَلِ يَعْدِلُ بَيْنَ الأَفْرَادِ ؛ وَهَلِ الدُّوْلُ فِى آخِرِ الأَمْرِ إِلاَّ مَجْمُوْعَةَ الأَفْرَادِ؟ هُنَا قَالَ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى نَفْسِهِ :"رُبَّمَا يَكُوْنُ رَئِيْسُ هَذِهِ المَحْكَمَةِ أَوَّلَ وَآخِرَ َ


عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِى التَّارِيْخِ يَتَوَلَّى مَنْصِبَ سِكِرْتيْرِ عَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ(1)" . قَالَ وَدّالبَاشْكَاتِب ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ؛ وَهُوَ مَازَالَ يَسْتَمِعُ إِلَى رَئِيْسِ قَضَاءِ بِرِيْطَانْيَا يُوَاصِلُ حَدِيْثَهُ :
ـ ثُمَّ إِنَّ رَئِيْسَ هَذِهِ المَحْكَمَةِ إِضَافَةً إِلَى مَاذَكَرْتُ ؛ يُجِيْدُ عَشْرَ لُغَاتٍ حَدِيْثاً وَكِتَابَةً وَقِرَاءَةً إِجَادَةً تَامَّةً ؛ إِلَى جَانِبِ العَرَبِيَّةِ وَالإِنْجِلِيْزِيَّةِ والاسْبرَانْتُو وَالعِبْرِيَّةِ وَالأَمْهَرِيَّةِ ؛ وَهُوَ حُجَّةٌ فِى قَوَانِيْنِ كَافَّةِ الدُّوْلِ النَّاطِقَةِ بِهَذِهِ اللُّغَاتِ. حِيْنَذَاكَ نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى مُحَامِى المُتَّهَمِ ؛ فَرَآهُ يَجْلِسُ كَقُرَادَةٍ فِى أَنْفِ بَعِيْرٍ أَجْرَبَ. وَحِيْنَ نَظَرَ إِلَى الفَتَيَاتِ رَائِعَاتِ الحُسْنِ اللاَّئِى يَتَوَلَّيْنَ سِكِرْتَارِيَّةَ
المَحْكَمَةِ وَيَقُمْنَ بِالتَّرْجَمَةِ ؛ أَدْرَكَ أَنَّ لَيْلَ أُوْرُوْبَا لَمْ يَعُدْ لِبَاساً .
بَعْدَ الإِجْرَاءَاتِ الشَّكْلِيَّةِ الطَّوِيْلَةِ لِبَدْءِ مُحَاكَمَةٍ كَهَذِهِ؛ رُفِعَتُ الجَلْسَةُ لِتَتَوَاصَلَ الجَلْسَاتُ فِيْمَا بَعْدُ . لَقَدْ تَشَابَكَتِ الخُيُوْطُ ؛ وَإِنْ نَسِىَ المَامُوْنُ كُلَّ شَىْءٍ ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى تِلْكَ الجَلْسَةَ الَّتِى اسْتُجْوِبَ فِيْهَا مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن ؛ فَقَدْ سَأَلَهُ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ :
ـ هَلْ تَعْرِفُ قَرْيَةً اسْمهَا قُوْزْ قُرَافِى؟
مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن : (صَمْتٌ) .
ــــــــــــ
(1)أََصْبَحَ اسْمُ السِّكِرْتيْرِ العَامِّ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ الآنَ : (الأَمِيْنَ العَامَّ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ) . المُؤَلِّف .
الاتِّهـَام : هَـلْ أَنْتَ مُتَزَوِّجٌ؟
أَنْدَرْسُوْن : (صَـمْتٌ) .
الاتِّهَام : هَلْ لَكَ ابْـنٌ؟ أَنْدَرْسُوْن : (صَمْت)ٌ .
الاتِّهَام : هَلْ تَعـْرِفُ امْرَأَةً اسْمُهَا الحُجْرَة محَمَّدصَالِح؟
أَنْدَرْسُوْن ؛ بَعْدَ صَمْتٍ مُمِلٍّ : كُلُّ الأَمْرِ يَبْدُو لِى كَحُلْمٍ لاأَسْتَطِيْعُ تَمْيِيْزَ تَفَاصِيْلِهِ .. كَشَىْءٍ كَانَ وَفِى نَفْسِ الوَقْتِ لَمْ يَكُنْ .
هُنَا طَلَبَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ أَنْ يُدْلِىَ دُكْتُوْر (جيْرَالد) بِإِفَادَتِهِ عَنْ مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن؛ فَقَالَ :
ـ مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن لايُدْرِكُ شَيْئاً عَنْ تِلْكَ الحِقْبَةِ الَّتِى اسْتَجْوَبَهُ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ بِشَأْنِهَا ؛ لأَنَّهُ عَاشَ فِيْهَا طَبِيْعَةً غَيْرَ طَبِيْعَتِهِ الَّتِى خَلَقَهُ اللَّهُ بِهَا ؛ لَكِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَاقَبْلَهَا . لَقَدْ قُمْتُ بِعِلاجِهِ عَلَى نَفَقَةِ (جُوْهَانَا رِيْد) بِصُعُوْبَةٍ بَالِغَةٍ ؛ بِمُعَاوَنَةِ فَرِيْقٍ مِنْ أَمْيَزِ الأَطِبَاءِ وَالعُلَمَاءِ الإِنْجِلِيْزِ وَالأَمِيْرِيْكَانِ .
ـ (شُكْراً سَيِّدِى القَاضِى) .
عِبَارَة قَالَهَا مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ وَأَشَارَ إِلَى مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن قَائِلاً لَهُ :
ـ لَخِّصْ لَنَا حَيَاتَكَ المَاضِيَةَ فِى كَلِمَاتٍ .
مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن : لاأَتَذَكَّرُ مِنْ حَيَاتِى المَاضِيَةِ إِلاَّ شَيْئاً وَاحِداً : أَنَّنِى قَدْ كُنْتُ تِلْمِيْذاً ذَكِيّاً فِى المَدَارِسِ وَرَجُلاً غَبِيّاً فِى الحَيَاةِ .
ـ (شُكْراً مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن) .
عِبَارَة قَالَهَا مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ ؛ وَقَالَ مُخَاطِباً القَاضِى :
ـ هَذَا ـ سَيِّدِى القَاضِى ـ وَاحِدٌ مِنْ ضَحَايَا هَذَا المُتَّهَمِ الَّذِى يَجْلِسُ فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ فِى قَفَصِ الاتِّهَامِ .
نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن ؛ فَبَدَا لَهُ كَشَىْءٍ غَيْرِ أَصِيْلٍ فِى الحَيَاةِ .. بَدَا لَهُ كَسُجُوْدِ السَّهْوِ .. لَيْسَ تَمَاماً كَسُجُوْدِ السَّهْوِ .. كَشَىْءٍ طَارِىءٍ لِتَصْحِيْحِ غَفْلَةٍ فِى الحَيَاةِ صَنَعَهَا الإِنْسَانُ .. مَاأَخْرَقَ الإِنْسَانَ حِيْنَ يَصْنَعُ غَفْلاتِ الحَيَاةِ ؛ وَمَا أَجْهَلَهُ حِيْنَ يُحَاوِلُ تَصْحِيْحَهَا! هَكَذَا كَانَتِ الخَوَاطِرُ تَتَدَفَّقُ عَلَى ذِهْنِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ وَقَدْ نُوْدِىَ عَلَى خَبِيْرٍ عَالَمِىٍّ فِى وَسَائِلِ القَتْلِ العِلْمِىِّ .
فِى نَفْسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى دُكْتُوْر (كَتَكُو) ؛ فَرَآهُ كَسَهْمٍ أَفْرِيْقِىٍّ مَسْمُوْمٍ مُعَدٍّ لِلانْطِلاقِ ؛ وَقَدْ بَدَأَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ يَسْتَجْوِبُ الخَبِيْرَ العَالَمِىَّ :
ـ هَلْ قُمْتَ بِفَحْصِ الضَّوْءِ الَّذِى عُثِرَ عَلَيْهِ فِى المَصَابِيْحِ الكَهْرَبَائِيَّةِ الَّتِى وُجِدَتْ فِى مَعْمَلِ المُتَّهَمِ بِمَسْكَنِهِ بِحَىِّ (مَاىْ فيْر؟)
الخَبِيْرُ العَالَمِىُّ : أَجَل قُمْتُ بِفَحْصِ ذَاْكَ الإِشْعَاعِ وَمَعِىَ فَرِيْقٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالأَطِبَاءِ ؛ وَاقْتَنَعْنَا جَمِيْعاً بِأَنَّهُ أَحْدَثُ اخْتِرَاعٍ عِلْمِىٍّ سَيُثِيْرُ عَاصِفَةً ؛ لايَعْلَمُ مَدَاهَا إِلاَّ اللَّهُ خَالِقُ الإِنْسَانِ .. اخْتِرَاع خَطِيْر فَوْقَ إِدْرَاكِ كُلِّ مَاوَصَلَ إِلَيْهِ العِلْمُ الحَدِيْثُ .
مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ : وَكَمْ عَدَدُ تِلْكَ المَصَابِيْحِ الَّتِى قُمْتُمْ بِفَحْصِهَا؟
الخَبِيْرُ العَالَمِىُّ : أَرْبَعَةٌ .
مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ : وَأَيْنَ هِىَ الآن؟
الخَبِيْرُ العَالَمِىُّ : مُوْدَعَة بِمِنَصَّةِ المَحْكَمَةِ .
وَفَجْأَةً أَخْرَجَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ مِصْبَاحاً كَهْرَبَائِيّاً صَغِيْراً مِنْ جَيْبِهِ ؛ وَسَأَلَ الخَبِيْرَ العَالَمِىَّ :
ـ هَلْ هَذَا مِنْ نَفْسِ نَوْعِ تِلْكَ المَصَابِيْحِ؟
أَخَذَ الخَبِيْرُ العَالَمِىُّ المِصْبَاحَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفَحَّصَهُ ؛ ثُمَّ أَجَابَ :
ـ نَعَمْ ؛ بِالتَّأْكِيْدِ نَعَمْ ؛ لَكِنَّهُ مُفْرَغٌ تَمَاماً مِنَ الإِشْعَاعِ .
ـ(شُكْراً سَيِّدِى القَاضِى) .
قَالَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ ؛ وَوَضَعَ المِصْبَاحَ الكَهْرَبَائِىَّ فِى جَيْبِهِ . وَقَدْ شَاهَدَ المَامُوْنُ القَاضِىَ وَهُوَ يَعُدُّ المَصَابِيْحَ الكَهْرَبَائِيَّةَ المَوْضُوْعَةَ أَمَامَهُ ؛ بَيْنَمَا كَانَ المُتَّهَمُ يَبْدُو فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَفَأْرٍ وَقَعَ فِى مِصْيَدَةِ الفِئْرَانِ . وَمَاهِىَ إِلاَّ دَقَائِقَ حَتَّى طَلَبَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ شَهَادَةَ دُكْتُوْر (كَتَكُو) .. هَاقَدِ انْطَلَقَ السَّهْمُ الأَفْرِيْقِىُّ المَسْمُوْمُ ؛ وَدُكْتُوْر كَتَكُو يَتَحَدَّثُ بِصَوْتِهِ الأَبَحِّ :
ـ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان تَوَصَّلَ إِلَى تَرْكِيْبَةِ ثَلاثَةِ عَقَاقِيْرَ ؛ يُمْكِنُ عَنْ طَرِيْقِ أَحَدِهَا تَحْدِيْدُ دَوْرِ الإِنْسَانِ فِى الحَيَاةِ وَهُوَ بَعْدُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ .
ـ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ : أَبِنْ لِلمَحْكَمَةِ المُوَقَّرَةِ ذَلِكَ .
دُكْتُوْر كَتَكُو : بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن تَوَصَّلَ إِلَى تَرْكِيْبَةِ عَقَّارٍ يُمْكِنُ أَنْ يُغَذَّى بِهِ الجَنِيْنُ وَهُوَ فِى الرِّحِمِ ؛ بِحَيْثُ يُنَمِّى خَلايَا مُعَيَّنَةً فِى دِمَاغِهِ تَنْمِيَةً مُضَاعَفَةً لِتِلْكَ الَّتِى فِى دِمَاغِ الجَنِيْنِ العَادِّىِّ ؛ فَيُوْلَدُ الطِفْلُ عَالِماً . بَلْ وَيُمْكِنُ تَحْدِيْدُ نَوْعِ نُبُوْغِهِ : إِنْ كَانَ فِى الرِّيَاضِيَّاتِ أَوِالطَّبِيْعِيَّاتِ أَوِالآدَابِ أَوِالفُنُوْنِ بِأَنْوَاعِهَا ؛ فَلِكُلِّ تَخَصُّصٍ عَقَّارٌ يُغَذِى الخَلايَا الدِّمَاغِيَّةَ الَّتِى تَخْتَصُّ بِالمَجَالِ الَّّذِى يُرِيْدُوْنَ لِلْمَوْلُوْدِ أَنْ يَنْبُغَ فِيْهِ . وَمِنْ شَأْنِ هَذَا العَقَّارِ أَنْ يَأْتِىَ المَوْلُوْدُ وَعَلَى مَدَى حَيَاتِهِ ؛ ضَعِيْفَ البِنْيَةِ بَعْضَ الشَّىْءِ كَبِيْرَ الرَّأْسِ كَثِيْراً . وَعَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا أُرِيْدَ أَنْ يَأْتِىَ المَوْلُوْدُ عَامِلاً أَوْجُنْدِيّاً مَثَلاً ؛ يُغَذَّى وَهُوَ فِى الرَّحْمِ بِعَقَّارٍ يُسَبِّبُ خُمُوْلاً وَضُمُوْراً شَدِيْدَيْنِ فِى خَلايَا الدِّمَاغِ ؛ وَمِنْ شَأْنِ هَذَا العَقَّارِ أَنْ يُقَوِّىَ الجَسَدَ ؛ فَيَأْتِى صَاحِبُهُ قَوِيّاً عِمْلاقاً ذَا طَاقَةٍ كَبِيْرَةٍ عَلَى العَمَلِ وَقَابِلِيَّةٍ أَقَلَّ لِلإِصَابَةِ بِالأَمْرَاضِ . وَبِالطَّبْعِ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ عَلَى السَّيْطَرَةِ عَلَى نَوْعِ المَوْلُوْدِ ؛ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؛ وَهُوَ بَعْدُ فِى الرِّحِمِ . وَقَدِ اسْتَطَاعَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن حَلَّ هَذِهِ المُعْضِلَةِ ؛ وَذَلِكَ عَنْ طَرِيْقِ تُوَصُّلِهِ إِلَى تَرْكِيْبَةِ عَقَّارٍ آخَرَ يُمَكِّنُ مِنَ التَّحَكُّمِ فِى نَوْعِ المَوْلُوْدِ .
مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ : وَهَلْ أَطْلَعَكَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن عَلَى تَرْكِيْبَاتِ مَاذَكَرْتَ مِنْ عَقَاقِيْرَ؟
دُكْتُوْر كَتَكُو : لَمْ يُطْلِعْنِى عَلَيْهَا ؛ فَالحَذَرُ الشَّدِيْدُ مِنْ صِفَاتِ العُلَمَاءِ .
مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ : هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ المُتَّهَمَ كَانَ يَبْحَثُ عَنْ تَرْكِيْبَاتِ تِلْكَ العَقَاقِيْرِ؟ دُكْتُوْر كَتَكُو : رُبَّمَا نَعَمْ ؛ وَرُبَّمَا لا .
لَعَلَّ وَدّالبَاشْكَاتِب قَدْ أَدْرَكَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنَّ الكَوْنَ لَمْ يُخْلَقْ سُدًى ؛ وَأَنَّ العَقْلَ البَشَرِىَّ لَيْسَ هُوَ غَايَةَ الوُجُوْدِ .. رُبَّمَا خُيِّلَ إِلَيْهِ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ لَيْسَ بِشَىْءٍ . هَذَا فِى الوَقْتِ الَّذِى كَانَ المُتَّهَمُ يَنْظُرُ فِيْهِ إِلَى مِسْتَر أَنْدَرْسُوْن وَقَدْ فَغَرَ فَاهُ كَنَفَقِ (المَانْشِ) ؛ الَّذِى جَرَتْ مُحَاوَلَةُ فَتْحِهِ فِى سَنَةِ 1880ميلادِيَّةٍ وَلَكِنَّهَا فَشِلَتْ .. أَتُرَى تَنْجَحُ المُحَاوَلَةُ فِى القَرْنِ المِيْلادِىَّ العِشْرِيْنَ؟عَلَى كُلٍّ فَإِنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب لَمْ يَفْشَلْ فِى تَمَعُّنِ وُجُوْهِ الجَالِسِيْنَ فِى قَاعَةِ المَحْكَمَةِ الوَاسِعَةِ ؛ فَرَأَى جَمِيْعَ رُؤَسَاءِ بِرِيْطَانْيَا السَّابِقِيْنَ الَّذِيْنَ هُمْ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ وَرَئِيْسَ بِرِيْطَانْيَا الحَالِىَّ ؛ وَكَثِيْراً مِنْ أَعْضَاءِ مَجْلِسَىِّ اللُّوْردَاتِ وَالعُمُوْمِ ؛ وَقََدْ جَلَسَ أَمَامَهُمْ كُلُّ سِكِرْتِيْرِىِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ السَّابِقِيْنَ الَّذِيْنَ لَمْ يُبَارِحُوا الدُّنْيَا .
كَانَ ذَلِكَ حَالُ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى تِلْكَ الجَلْسَةِ؛ أَمَّا المَامُوْنُ فَقَدْ رَاحَ يَسْتَعْرِضُ فِى ذِهْنِهِ فِى اللَّيْلَةِ السَّابِقَةِ لِلجَلْسَةِ الحَاسِمَةِ ؛ رُبَّمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيْبٍ ؛ مُقَابَلَةَ دُكْتُوْر كَتَكُو لَهُ حِيْنَ زَارَهُ فِى بَلَدِهِ الَّذِى عَمِلَ حَسُّوْنٌ بِجَامِعَتِهِ آخِرَ مَاعَمِلَ فِى حَيَاتِهِ . رَاحَ المَامُوْنُ يَسْتَعْرِضُ فِى ذِهْنِهِ تِلْكَ المُقَابَلَةَ وَذَاْكَ الحِوَارَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ جَلَسَا مُنْفَرِدَيْنِ ؛ إِذْ لَمْ يَلْحَقْ وَدّالبَاشْكَاتِب بِهِ إِلاَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِخَطَإٍ وَقَعَ لِحَجْزِ سَفَرِهِ بِالطَّائِرَةِ مِنَ الخُرْطُوْم . كَأَنَّهُ فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ يَسْمَعُ صَوْتَ دُكْتُوْر كَتَكُو يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ بِالإِنْجِلِيْزِيَّةِ :
ـ (مَرْحَباً بِالمَامُوْن عُمَرَ الشَّيْخ ؛ وَلَعَلَّ بَشِيْر وَدّالجُزُوْلِى بِخَيْر) .
المَامُوْن : (هَلْ تَعْرِفُنَا؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بَلْ أَعْرِفُ مُعْظَمَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. أَعْرِفُ حَتَّى تِبِيْق ؛ فَقَدْ كَانَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن دَائِمَ الحَدِيْثِ عَنْكُمْ) .
وحِيْنَ نَطَقَ اسْمَ تَبيْقَ ؛ وَقَدْ نَطَقَهُ بِكَسْرِ التَّاءِ والبَاءِ مَعاً ؛ ضَحِكَ دُكْتُوْر كَتَكُو ضَحْكَةً أَفْرِيْقِيَّةً لاشِيَّةَ فِيْهَا تَحْمِلُ رَائِحَةَ القَرَنْفُلِ ؛ وَالمَامُوْنُ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلاءِ الأَفَارِقَة لَهُمْ صَبْرٌ عَجِيْبٌ عَلَى مُمَارَسَةِ وَأَدَاءِ الضَّحِكِ .. إِنَّهُمْ يَنْغَمِسُوْنَ فِى الضَّحِكِ وَيَنْغَمِسُ فِيْهِمْ بِكَامِلِ تَفَاصِيْلِهِ وَتَفَاصِيْلِهِمْ . لَقَدْ ذَكَّرَتْ ضَحْكَةُ دُكْتُوْر كَتَكُو تِلْكَ المَامُوْنَ بِفِرَاءِ حَسُّوْنٍ الَّذِى أَحْضَرَهُ مِنْ بَلَدِ دُكْتُوْر كَتَكُو وَعَلَّقَهُ فِى غُرْفَةِ نَوْمِ أَبِيْهِ ؛ وَذَلِكَ فِى إِحْدَى عُطْلاتِهِ . خَرَجَ المَامُوْنُ مِنْ تِلْكَ الذِّكْرَى الَّتِى سَبَّبَتْهَا لَهُ ضَحْكَةُ دُكْتُوْر كَتَكُو ؛ لِيَسْتِمِعَ إِلَيْهِ يَقُوْلُ : ـ (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن يَحْتَفِظُ لَكَ وَلِبَشِيْرٍ بِصُوْرٍ فُوْتُوغْرَافِيَّةٍ كَثِيْرَةٍ . وَلَكِنْ بِاللَّهِ عَلَيْكَ كَيْفَ حَالُ قُوْزْ قُرَافِى؟ وَهَلْ حَاجُ النُّعْمَانِ عَلَى قَيْدِ الحَيَاة؟) المَامُوْن عَمِّى النُّعْمَانُ بِخَيْرٍ؛ وَقَدْ عَادَ شَابّاً بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ ورُزِقَ تَوْأَمَيْن .ِ أَمَّا قُوْزْ قُرَافِى فَقَدْ أَلَمَّتْ بِهِ كَارِثَة ؛ فَقَدْ دَاهَمَنَا النِّيْلُ فَأَقَمْنَا لَهُ السُّدُوْدَ وَسَهِرْنَا عَلَيْهِ مَايَقْرُبُ مِنْ شَهْرٍ ؛ وَلَكِنَّ القَرْيَةَ كُلَّهَا حَتَّى حَيَوَانَاتِهَا أُنِيْمَتْ ذَاتَ يَوْمٍ وَهَدَمَ النِّيْلُ ـ الَّذىأَغْرَقَ كُلَّ مَزَارِعِهَا ـ كَثِيْراً مِنْ بُيُوْتِهَا بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ ـ أَوْأُحْدِثَتْ ـ صُدُوْعاً فِى أَنْحَاءَ كَثِيْرَةٍ مِنَ الجُسُوْرِ) .
وَكَأَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ تِلْكَ الكَارِثَةِ مِمَّا يَتَحَاشَاهُ المَامُوْنُ ؛ الأَمْرُ الَّذِى يُدَعِّمُهُ سَؤَالُهُ لِدُكْتُوْر كَتَكُو :
ـ (وَهَلْ يَحْتَفِظُ حَسُّوْنٌ أَيْضاً بِصُوَرٍ لأَصْدِقَائِهِ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ كَثِيْرَ المَعَارِفِ ؛ وَلَكِنَّ أَصْدِقَاءَهَ الحَقِيْقِيِّيْنَ يُعَدُّوْنَ عَلَى أَصَابِعِ اليَدِ الوَاحِدَةِ ؛ فَبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ المَصَائِبَ كُلَّهَا تَأْتِى مِنْ قِبَلِ الأَصْدِقَاءِ غَيْرِ المُخْلِصِيْنَ ؛ وَكَانَ دَائِمَ القَوْلِ لِى : < ابْن آدَم يَدْخُـل سَبِيْبَة(1) وَيَمْرُق مُصِيْبَة > . لَكِنَّهُ مَـعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 01:06 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.