ظلال أنجلينا البعيدة ......
[justify] ظلال أنجلينا البعيدة ........
الي سانتينو و أخرين أينما كانوا,,
معاوية محمد الحسن
لعلك يا (مايكل) كنت أنا و لعلني كنت أنت و لعل ما حدث كان شيئا أشبه بتراجيديا حدثت في زمان غابر كزمان الاغريق مثلا و لعل تلك الراكوبة القائمة في نواحي الفلاة البعيدة لم تكن سوي شبح في بلاد بعيدة تسافر في حلم شاحب بعيد و لعل أنجلينا فتاة الحانة السمراء قد كانت طرفا في حكاية عابرة عن تلك البلاد التي أنشطرت فيما بعد الي شطرين و صارت الي شظايا متناثرة ..شطر في مستنقعات الاستواء و شطر في صحراء الرماد و لعل و لعل و لعل ...............
***********
و لكنك حتما كنت تطوي بين أضلاعك يا مايكل شرا كبيرا و نحن جلوسا لدي باحة الحانة في حوش انجلينيا العريض وقت (المغيرب) و الشمس قد أمالت رأسها ناحية الأفق البعيد كأنها ستخلد للراحة ثم بعدها هبط الظلام الكثيف و انداحت دائرة الملذات الرخيصة و الترهات العظيمة و لم يتبق في الخارج سوي ظلال أضواء الكائنات المسائية التي كانت قد أضحت أعلي كثيرا من مستوي قاماتنا المحنية باتجاه حزمة الضوء الكبيرة التي صنعها انعكاس ضوء القمر خلال سقوطه علي حائط الجالوص في ليلة شتوية شديدة الزمهرير . سقف الكوخ المصنوع من جوالات الخيش و الكرتون و بقايا مخلفات المدينة الصناعية كان أيضا مرتفعا علي امتداد قامة الليل المشدودة في فراغ الكون .
كنت هنالك حتما يا مايكل و كان هنالك أيضا باتجاه باب الزنك الصدئ كلب عقور ما يزال ممدا و عقيرته قد صارت منزوعة النباح لفرط الجوع و الإعياء و غير بعيد أيضا كانت هنالك بركة آسنة تعج بالطحالب و تطغي عليها رائحة بول السكارى علاوة علي طفح المجاري في شارع العربات العام المحاذي للخلاء في جهة تقاطعه مع بداية امتدادات البيوت العشوائية و قد تناثرت بضع جثث لسيارات نافقة و هياكل عظمية لحيوانات منقرضة بينما كانت الكلاب الضالة قد عثرت أيضا علي ضآلتها في تلك الغياهب العالقة في تخوم المدينة .
تذكر جيدا يا مايكل فيما تذكر كيف استقبل أنفك تيار الهواء الشتوي البارد و أنت تدلف للداخل قبل أن تترنح قليلا من أثر سطوة شراب (الكوجومورو) و كمن مست الصاعقة عصبه كنت قد لامست جسد انجلينا الأبنوسي في تلك المسافة الفاصلة بين العتمة و شريط ضوء القمر الشتوي المتسرب من بين فرجات باب الزنك المتآكل ذاك الضوء الذي كان قد أخذ يتسحب شيئا فشيئا حتي تلاشي في بقعة ما وسط فوضي المكان تاركا بعض شعاعات ضئيلة ظلت معلقة علي مشارف بداية لا نهاية لها ..
صرخت باعلي حسك المتوتر :
- انجي .. أنجي. ألعن دينك يا ................
كانت أنفاسها ,تعلو و تهبط كأنها السفين وسط اللجة و كطفل ما يزال يحلم بتسلق شجرة نخيل عالية كنت تحاول ان تهديء من روعها و ان تثني عزمها الصلد عن عدم مقارفة الأثم فهمست مجددا :
- انجلينا . . ما خلاص أرح .....
بدت مرتبكة و متوترة فعل من يقارف الخطيئة للمرة الأولي و لكنها في ذات الوقت أخذت تتحفز للأمر بعض الشيء حين اشتدت الوطاة. جثت علي ركبتيها تزحزحت للوراء قليلا ثم تكورت مثل قطة أصابها الفزع لكنك جذبتها نحو ك بعد أن أزحت خرقة القماش التي كانت تستر جسدها ,حاولت أن تصدك أول الأمر لكنك كنت مثل نهر جامح لابد أن يحطم الضفاف كي يهدأ و يستريح . كان عبق الطلح و البخور يملأ المكان و ضجيج النشوة يفعل فعله في أحشاء مزقتها التباريح بينما بركت انت علي الارض مثلما يبرك بعير خائر
ا لقوي عجز عن مواصلة المسير و بركة الدم تغطي المكان ..
نحن الان في قعر هذا المكان المظلم حبيسين .أنت واجم و شارد و ساهم و فاهك مفغور علي مصراعيه لدرجة أن الذباب صار يلج الي غياهب فمك ثم يخرج كأي شخص عادي يرتاد منزله في أمان و طمانينة .تلك مقدمات الجنون ان لم تكن امارت الجنون نفسه يا مايكل لكن ذاكرتك تعمل بشكل مدهش فقط تستدعي الحادثات بطريقة عكسية ,من الوراء الي الخلف مثل عربة يستحثها صاحبها علي القيام بحركة عكسية ..للوراء اولا ثم الي الامام .هذا كل شيء . تبحلق عيناك في فراغ السجن ,السقف عال و سامق و الحيطان صلدة عليها تذكارات من عبروا من هنا ذات يوم ,شخبطات بالوان مائية و بالفحم و بالجير و بالطوب الاحمر لوحة سيريالية كبيرة و الارض رطبة و نتنة و ملطخة برائحة أجساد السجناء و رائحة البول و القاذورات .
و لكني أزعم بانك تذكر كل شيء يا مايكل !
كمائن الطوب في ابروف ,نكدح النهار بطوله و في الليل ننفق ما كسبناه بالنهار علي (أنجلينا ) ,هي من دينكا نقوك و أنت من دينكا بحر الغزال و أنا مندوكورو ضائع الملامح ,صحراء متمتاهية السراب . في الحوش القائم عند اقاصي حدود المدينة الشمالية عند نهايات غابات الاسمنت و الآجر و الطين في تلك البقعة الراقدة في عتمة العالم كانت ترقد المأساة أيضا .
البرمة علي النار تغلي و الحب بين اضلاعك يغلي لا تقل الحب يا مايكل الحب لا يصنع ما صنعت ابدا.
تتذكر حين تلاشت شعاعات اول الفجر و ساعة كان الدم المسفوح يغطي الأرض ؟
أدركت الفاجعة و انا اصحو علي صوت المرأة و هي تصرخ و تولول ,كان صراخا حادا لكنه أخذ يخمد شيئا فشيئا حتي استحال الي أنين ثم الي غطيط كغطيط النائم نهضت مفزوعا و لمحتك عاريا و في يدك السكين .
ادركتنا شمس أول الصباح و نحن ننزوي في شوارع المدينة الكبيرة خائفين
- مايكل الحصل شنو ؟
- بت الكلب أبت تديني قمت كتلتها !!
******
أحتسي الكجومورو و العسلية و المريسة وسط فوضي المكان ,أتحسس العالم من حولي كطفل يستكشف أدواته الجنسية لاول مرة و كأني مقعي في الحلم ..أحلم و لكنني لا أتلذذ بالاحلام .أمشي في الشوارع هائما كالهوام و أحس أنني أنتمي الي المحرومين و الجائعين و المسحوقين و ضحايا الحروب و الالام الكبيرة .أبصق علي كل الاشياء و أشتاق هدهات أمي في الطفولة .أشتاق نور الروح و طعم ماء النيل في اول الفيضان ,أشتاق هديل الحمام و خدر النوم أول ما يسري في الجسد و كأني وردة أحيانا وسط بستان أو لكاني بستان وسط فلاة و هذه (أنجلينا ) فتاتي الابنوسية و كأنها الماء يسري في عروق الأرض الموات . عصب الجنوب و حس طبوله الهادرة
كل شيء في المكان كما هو , الكوخ و الارض و السراب .
وقفت ثملا تنظر و لكن صدرك كان ضيقا و وجهك مثل سحابة مثقلة بغيوم الحزن .
ذات الرائحة تداعب خياشيمك ,رائحة الرطوبة , عفونة البول و تخثر التمر
أنحنيت قليلا حين حاولت ان تلج من باب الزنك الصديء ثم أبصرت فتاة أخري غير انجلينا ,كانت مثل شفق المغيب لكنها لم تكن علي ذات القدر من جمال أنجلينا الابنوسية .حاولت أن تحادثها لكنها لم تعي من كلامك المندوكوري شيئا و كنت تلح في السؤال :
- انجلينا ..انجلينا ..انجي وينو ؟
حينها ذبحتك كلمة واحدة :
- انجلينا مات !
-كتلو جني مندوكورو !!
*******
لعلك يا (مايكل) كنت أنا أو لعلني كنت أنت و لعل ما حدث كان شيئا أشبه بتراجيديا حدثت في زمان غابر كزمان الاغريق مثلا و لعل تلك الراكوبة القائمة في نواحي الفلاة البعيدة لم تكن سوي شبح في بلاد بعيدة تسافر في حلم شاحب بعيد و لعل أنجلينا فتاة الحانة السمراء قد كانت طرفا في حكاية عابرة عن تلك البلاد التي أنشطرت فيما بعد الي شطرين و صارت الي شظايا متناثرة ..شطر في مستنقعات الاستواء و شطر في صحراء الرماد و لعل و لعل و لعل ...............
(مسرد من مخطوطة للكاتب بالعنوان اعلاه )[/justify]
التعديل الأخير تم بواسطة معاوية محمد الحسن ; 02-12-2013 الساعة 08:36 PM.
|