الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 19-01-2013, 01:18 PM   #[1]
الوليد عمر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الوليد عمر
 
افتراضي إعــــلامــنا الــقـــومـــى و المـــتـــاجـــرة بإحـــــزان الجــــمـــاهــــير

....





منذ كنا زغبا صغارا وما فتئت تنبنى دواخلنا شيئا فشيئا ، كانت تتكرس بأرواحنا محبة الأحزان ، نموت فى عشقها موتاً ، و نشتهيها إن غابت و تعجبنا حدا الثمالة، و نبرر لضرورتها ، تصقلنا ، تنظف دواخلنا تجلينا ، نلوكها مرارا و تكرارا كما تجتر السعية علوقها ،و لست أدرى أهنالك شبه بين هذا و ذاك .. و لكن السعية تلوك علوقها لتهضمه و تستفيد منه أما نحن فنغرق فى أحزاننا دونما فائدة ، أتذكر بكامل الوضوح رحيل العمالقة واحداً تلو الأخر ، و كل رحيل يذكرنا بسابقه فننتحب جميعا و تختلط دموعنا بالحيرة .. أيهم نبكى ، و أيهم نبتكى ، بغاية السهولة تتحول البلاد بكاملها لسرادق كبير يغص بالمنتحبين و مكايلى الرماد و التراب على الهامات ، لست أعلم أهى عاهة نفسية جماعية أصابتنا ، أم هى ميزة روحانية أغدق بها الرحمن علينا فجعلنا من المساكين الممسوسين بعشق الفجيعة و محبة الأحزان.

أول رحيل صادم فاجأنى و كنت غضا لا أزال ، كان رحيل صاحب السر المكتوم فى جوف الأصداف مصطفى سيد أحمد .. ذلك المقبول .. رحل بغتة كما ترحل الأزاهر فى رعين الحقل تحت أزيز المحراث ، غصت البلاد فى حزنها المكتوم كما لم تغص من قبل ، على الأقل فى وجودى و أقرانى من ذات الجيل ، كان لحزن الشارع العام طعم العلقم ، أنفاس الرحيل الثقيل تنفخ سمومها فى رئة الوطن و يحتل الحزن فى أعماق النفوس مثلما يحتل الغريق فى جوف النهر .. أحزان بهذا العمق تخلق الإحترام فيما نظن .. و لكنها خلقت عندنا مع مرور الأيام ثقبا أسودا لا ينتج سوى الظلام.

تابعت فيمن تابع إغتصاص أزقة الخرطوم بالباعة المتجولين و هم ينسخون أشرطة المغنى و صوته الراحل دونما دراية و دونما حرفة .. و يطبعون صوره و يبيعونها للجماهير المتعطشة للذكريات ، يتكسبون من لهفة الدهماء على رابط يسير بينهم و بين أحبابهم الراحلين ، ولم يبق فى أذهانهم الضليعة فى التكسب أدنى قيمة للتراث الأدبى و الفكرى الثقافى لهذا الراحل الجميل .. اليوم تتكرر المشاهد و يتكرر الرحيل عندما تجلس إلى شاشة وطنية يوم الفقد لتحتمى بسحنة الوطن من هجير الفاجعة ، تمنى النفس بإيجاب التغطية لموت مؤلم فلا تجد سوى المتاجرة و التكسب دون إحترام لكثافة الأحزان فى نفوس الجماهير ..

رحل محمود عبد العزيز .. رحل الحوت و ترك برحيله جرحا غائرا فى نفوس أحبابه و مستمعيه .. هذا الجيل بأكمله تربى على أغنيات و صوت الحوت ، و كان مفهوما منذ أيام مرضه الأولى أن رحيله سيخلق صدمة قوية سيتأثر بها الناس فى كل مكان ، و لكن هذا لم يجدى نفعا ، و لم ينتبه له أحد من القائمين على أمر إعلامنا المقروء و المرئى و المسموع ، كل ما إنشغلوا بالتفكير فيه هو كيفية الإستفادة من هذا الرحيل المتوقع فجهزوا كاميراتهم و سنوا أقلامهم و أعدوا عدتهم لتوثيق مظاهر النحيب و دموع الثكالى و غبشة أطراف المريدين .. و ما إن سمعوا بنبأ الرحيل المؤكد حتى هرعوا إلى نشر عدتهم فى كافة المسارح المفترضة .. فى المطار و فى بيت الراحل فى المزاد و فى المدافن .. جلست إلى التلفزيون و غصتى فى حلقى تبحث عن بعض العزاء فى ملامح من وطنى ، أردت و لو قليلا من العرفان فى حق الراحل المقيم .. أردت حديثا من القلب عن مشروعه الفنى الكبير ، لكن كل ما حصلت عليه كان صورة له معلقة فوق هامة الشاشة مثلما يفعل رواد كتاب الوجوه و أطنان من الصور المفجعة للجماهير الكادحة و هى تفور من هول الرحيل و من فجيعة الموت لمسيح حريتهم و إنسانيتهم المنهكة .. مشاهد الثكلى فى بيت البكاء تعد إنتهاكا سافراً لخصوصية المفجوعين .. و الناس فى حزنها الكبير يفاجؤك مذيع متصنع و مذيعة متنطعة بجملة لا مكان لها فى تغطية كهذه :" فاصل و نعود" .. إعلان تجارى .. إنه التكسب من أحزان الجماهير فى أوضح الصور .. يرفعون نسبة المشاهدة بتغطية النواح ، ثم يردمون الشاشة بأشرطة الإعلانات المتحركة

و يا للبلاد الكلما مسحت عن خدها دمعة تفاجؤها الفجيعة بصفعة ثانية و ثالثة و رابعة .. يا للبلاد التى لا فكاك لها من براثن الحزن و الفقد و الخسران .. لقد وقع هذا الوطن فى دوامة ماسوشية لعينة .. لا تكرس فى وعى الجماهير سوى الخيبات المتتالية .. يموت المبدعون فى بلادنا .. لأن أرواحهم الشفيفة و النظيفة لا تحتمل هذا الكم الهائل من القهر النفسى و الخذلان .. هذا الشارع العالم الملطخ بالمظالم .. لا يبنى سوى العاهات و لا ينتج سوى الكساح اﻷجتماعى.


فيا قنوات الوطن التلفزيونية .. عيب عليكم ياخى .. عيب و أى عيب .. إن الأمم العظيمة تحتفى عند رحيل مبدعيها بإبداعهم .. ولا تتاجر أبدا بمحبتهم عند الجماهير للمكاسب الرخيصة




....



التوقيع: [moveo=left]A PERSON WITH ONE DREAM IS MORE POWERFUL THAN OTHERS WITH ALL FACTS[/moveo]
الوليد عمر غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 02:41 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.