نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > الســــــرد والحكــايـــــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-06-2012, 09:17 PM   #[1]
عبد الله مساعد
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي عام الجراد . قصة قصيرة .ابوخلود

عـام الجــراد

انقشعت السماء من مواكب السحب الزرقاء الداكنة وأعقبها صمت مطبق على نواحى القرية . ليس ثمة شئ سوى خرير ووقع قطرات الماء على ردهات المنزل الذى أبلت السنين دعائمه .
كانت أم إبراهيم تخشى أن يأخذ وميض برق تلك الليلة ببصرها التعب مما جعلها تنزوى بعيدا عن باب البيت الذى تظهر على أسطحه كل انحناءات وتعرجات البرق .
بدأ توارد الإحتمالات سريعا ومتعاقبا عند سماع أم إبراهيم لصوت أقدام تغالب لزوجة طين تلك الهضبة واختلاط هذا الصوت مع وقع سقوط قطرات الماء من عند رف البيت على البرك الصغيرة التى تجمعت حول دائرة البيت .
لم يكذبها خيالها هذه المرة فعندما نهضت أم إبراهيم من بين صغارها المتكدسين فى سرير خشبى واهن (عنقريب ) متجهة نحو باب البيت ، رأت عندما كانت تسترق النظر عبر فتحة جانبية ، رأت قادم قد أنهكه التعب وأعياه زمهرير تلك الليلة فعندما أدارت الباب على مصراعيه كان القادم هو العم يسين زوج أم إبراهيم فخرجت مسرعة نحوه فى لهفة وشوق شديدين مؤكدة بذلك على شديد حرصها واهتمامها بالزوج الذى كان يكابد المشاق والمهالك من أجلهم .
تقدم العم يسين بخطى متئدة نحو قارعة البيت فهرع كل من فى البيت لمقابلته ولمساعدته فبدأوا بانتشال ملابسه المبتله والفرح يغمرهم بعودته سالما .
إلا أن العم يسين لم تكن عودته هذه كمثيلاتها عندما كان يعود فى مثل هذا الوقت من كل عام بالجديد من الملابس و الأحذية لأولاده وبالثوب الفاخر لأم إبراهيم . فقد تلاشت بسمته العريضة المعهوده وانهزمت عينيه خلف حقيهما بعد أن كانتا تشعان إباءا ونصر فلقد علاهما وشاح حزائنى أسود وانقبضت شفتيه من شدة المرارة والأسى حتى لم يكد يستطيع إصطناع البسمة وترويضها من وقع ما ألم به من خسارة .
آثر أن يرمي بجسمه الصغير على سرير(عنقريب) كان في إحدى زوايا المنزل و من ثم أطبق صامتا لا يلوي على أحد.
ظلت أم إبراهيم واقفة أمام زوجها تنظر إليه بعينين اختلطت فيهما تيارات العاطفة برقة الفطرة
الإنسانية , يا لها من مسكينة لم تعرف للراحة سبيلا طيلة غيابه و هاهي الآن تكتوي بنار الخوف من المجهول وخوفها مما تخبؤه الأيام لأنها كانت تدرك تماما أن أبا إبراهيم أقوى من كل شيء دائما فما هزم إباؤه ليس بعوابر المحن و هكذا تهتاج آلامها و يتأجج في خاطرها لهيب المعاناه والترقب من الغد المجهول .
لكن رغم أن انبعاث الصوت من فمها كان أشبه بتخطي حواجز الزمن رددت بحشرجة مميتة:
مابك يا أبا إبراهيم ؟؟ أتهون أنت أمام رياح المحن؟؟... ثم انبرت باكية بوابل من الدموع و يالها من دموع .
إن أبا إبراهيم الذي ما عرفت عيناه الدموع يوما و لا تضعضعت إرادته التي صقلتها السنين بأعتى مما تكمن من مصائب , لا يريد أن ينهزم حتى وإن أساجته المحن يأسنة من نار فما كان منه إلا أن خرج و كأن دوره المسرحي قد انقضى بينما وقفت أم إبراهيم و إبنيها كل منهم يخاطب الآخر بعينيه.
ذهب العم ياسين (أبو إبراهيم) إلى بيت أمه بجوار منزل زوجته وأولاده ليخلو أكثر لنفسه عله يستشف شيئا من غده الذي أصبح ضربا من الشك وهناك أطلق أبو إبراهيم لخياله العنان مستلقيا على أحد الأسرة ( العناقريب) الذى كان وسط فناء البيت فاننطلقت الاحتمالات وبدأت الوساوس تتوارد بذهنه فى سرعة مذهلة و طافت عبر خياله المعتل فماذا هو فاعل ياترى ؟!!
لم يكن أمره مجرد صائبة عابرة , فما أصابه من أضرار الجراد قد ذهب بكل مجهوده و كل آماله أدراج الرياح .
فهاهو موسم الحصاد يشارف أطراف القرية و الآمال معقوده على تطلعات كثيرة , فالأبناء يحسبون الساعات و الليالي حتى تباشرهم إشراقة الموسم حيث الملابس و الأحذية و كل شيء جديد .
أما أم إبراهيم التي كانت تطلع لثوب جديد يقشعر به جسمها المعتل من لسع ناموس الخريف لم تكن تعلم حقيقة الأمر .
وهناك بمنزل الجدة ميمونة كان الأمر مختلفا تماما فلقد تهيأ البيت لمسرح النهاية المأساوية فعندما تقدمت الجدة ميمونة تمشي بمشقة منحنأة كاتكاء النخلة في هب الرياح حاملة طبق من الأرز باتت على حباته أمارات الانتظار , إقتربت من ابنها تريد أن توصمه بقبلة الرضا و العفو من ربه الصغير و لكن القدر كان يخبئ لها أمرا آخرا فما لبثت أن مدت يدها لتقبيل إبنها حتى سقطت على وجهها من جراء اعتراض خف ابنها الذي أبلاه الزمن و الذي كان أمام ابنها آنذاك .
لم تقبل الجدة ابنها و لا هى صافحته بل سقطت أمامه .أسرع أبو إبراهيم لإنقاذ أمه من على الأرض لكنه هو نفسه سقط من فوقها باكيا مجهشا فى البكاء عندما أدرك أن القدر كان أسرع منه ، فالمنية عاجلتها فى هنيهة من الزمن دون حتى أن يودعها إبنها العزيز والوحيد عندها الوداع الأخير ، فلقد ذهبت بلا رجعة وانسكبت الدموع من فوقها بلا توقف ، فبكى إبراهيم بحسرة ومرارة وبكى الذى ماعرفت عيناه الدموع إلا بعد أن تكالبت عليه المحن وهزمته الشدائد فجثا على ركبتيه مجهشا فى البكاء و ما أشد بكاء العظماء .

ابوخلود



عبد الله مساعد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 11:16 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.