الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > عجب الفيا

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-06-2006, 11:19 AM   #[1]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي ثم عرض لي " منسي " كما عرض ابليس لآدم في الجنة !!

بقلم الطيب صالح*


لولا " منسي " رحمه الله وغفر له ، لعل الرياح كانت تمضى بي رخاء في عملي في هيئة الإذاعة البريطانية . كنت سعيدا مرضيا عني ، يضرب بي المثل . وقد رفعوني إلى رتبة مساعد رئيس قسم ولم أبلغ الثلاثين ، وكان ذلك أمرا عزيزا تلك الأيام . أصبحت أحضر اجتماعات رؤساء الأقسام ، ولي مكتب مستقل وسكرتيرة . شاهدت حفل تتويج الملكة من داخل ضيعة " وستمنستر أبى " مع علية القوم الذين دعوا لتلك المناسبة من الشرق والغرب ، وبعدها جالست رؤساء ووزراء في الحفل الذي أقيم في " وستمنستر هول " . صحيح أن هذا الزي الذي أرتديه لتلك المناسبة ، كان " عارية " مستأجرا من محلات " موس برذرز " في " كوفنت غاردن " . سترة سوداء ذات ذيل تجعلك تبدو مثل طائر البطريق ، وقبعة طويلة وياقة منشاة . وصحيح أنني بعد أن انتهى الحفل وانفض السامر ، جاءت السيارات الفاخرة تحمل أولئك الرؤساء والوزراء . أما أنا فقد سرت على قدمي إلى محطة القطار الذي يسير تحت الأرض ، وكان القطار مزدحما ، فظللت واقفا والناس يعجبون مني وأنا في زي الوجهاء ووضع الدهماء . ذلك وضع كان أليق بمنسي . إذن لاستغله أحسن استغلال وحوله إلى قصة أخرى تروى . لكنني على أي حال تمتعت بذلك العالم السحري في ذلك اليوم القصير ، وما كنت أعلم أن الحياة كانت تعابثني مثل امرأة لعوب ، كما ظلت تفعل ، لأنها كانت تراودني لأمر لم يكن يخطر على البال .

كذلك كنت أول عربي يرسلونه إلى نيويورك لـ " تغطية " اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ذلك الحدث المشهود الذي أمه معظم زعماء العـالم ، وكنت شاهدا حين خلع نيكيتا خروشوف حذاءه ، وضرب به المائدة احتقارا ، ورئيس وزراء بريطانيا واقفا يخطب . رأيت أعضاء نيجريا يدخلون القاعة في ثيابهم الفضفاضة ، والدنيا لا تسعهم من الفرح ، يتقدمهم ذلك الرجل الوقور سير أبو بكر تفاوا بليوه . كانت نيجريا قد استقلت توها وقبلوها عضوا في منظمة الأمم المتحدة . ذبحوه ذبحا بعد ذلك ، كما ذبحوا أحمدو بللو السردوانا الجليل في هوجة من هوجات الجند التي يسمونها ثورات . وكنت شاهدا حين أعلن داج همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة أنه لن يستقيل كما طالب الاتحاد السوفيتـي . مرت الأعوام ولعبت الولايات المتحدة الدور نفسه ازاء صاحبنا أحمد مختار امبو مدير عام منظمة اليونسكو .
يومذاك في نيويورك شن خروشوف حربا شرسة ضد همرشولد وأتهمه بأنه ذيل الغرب وأنه مسؤول عن مقتل باتريس لومومبا وكل المآسي التي حدثت في الكنغـو . وأذكر جملة قالها همرشولد في خطابه القصير الذي أعلن فيه أنه باق في منصبه . قال موجها حديثه لزعماء دول العالم الثالث " هذه المنظمة لم تقم لخدمة الدول الكبرى أنها أنشئت لخدمتكم أنتم ، فأنتم الذين تحتاجون لها لا الدول الكبرى " .

كان العرب في ذلك الاجتماع مجتمعين على نصرة القضية الفلسطينية وتأييد كفاح الجزائر الذي كان قد اينع وحان قطافه ، ومختلفين على كل ما عداهمـا . لكنني كنت غض الاهاب جدا ، وكذلك العالم العربي ، ومصر وسوريه متحدتين ، ودمشق " الفيحاء " فيحاء بحق وحقيقة ، والقاهرة الظافرة تصنع أحلاما تبدو كلها قريبة المنال . صلاح جاهين يكتب وأم كلثوم تغنى ، وعبـد الوهاب . وصباح تهتف ، كأنها تصدق ما تقول " أنا عارفة السكة لوحديـة ، من الموسكي لسوق الحميدية " . مسكين سوق الحميدية . كان تلك الأيام حول الجامع الأموي العتيد ، كما كان على أيام هشام بن عبد الملك . لم يكونوا قد أزالوه بعد ، ذلك الماضي السحيق العريق ولم يشقوا طرق الإسفلت .
ولبنان كأنه في حلم جميل لن ينتهي . المال يتدفق من كل الجهات ، كما قال الشاعر القطري " البيب فاض ومصب السيل لبنان " والمصارف لا تدري أين تضع " البيزات " ، والليرة مثل الذهب ، والمطاعم والمراقص والملاهي غاصة بالخلق من مغيب الشمس حتى مطلع الفجر ، ونساء بيروت على طول الساحل يستقبلن شمس البحر المتوسط وكأن ذلك الزمان الرغد سوف يدوم إلى الأبد ، كان أخونا نزار قباني يكتب شعرا يبكي العذارى في خدورهن ويجعل العجائز يتحسرن على شبابهن ، وقال بيتين سار بهما الركبان :

أيلول للضــم فعد لي زندك
هل أخبروا أمي أني هنا عندك

آه يا صفاء . ما أقسى ما عبثت بي وبكم الحياة منذ ذلك العهد ا أجل كانوا احفيا بي حقا . أرسلوني لفترات طويلة إلى مكتبهم في بيروت ، وكانت تلك ميزة لا ينالها إلا أصحاب الحظوة ، وحاضرت في معهد التدريب عدة مرات ، وكان مستر ووترفيلد رئيسنا الأعلى يقول لي ضاحكا : " أنهم دعوني مرة واحدة ثم لم يدعوني بعدها . لماذا أنت دعوك مرة وثانية وثالث كان نصيبي من السفر في مهمات رسمية أكثر من غيري ، وكان كلما يجد أمر يضفي بريقا ويزيد من الحسنات التي تسجل في التقارير السنوية ، يقولون " فلان " في أغلب الأحيان .
لا عجب إذا كنت مغتبطا بوضعي ، راضيا عن نفسي ، أرى الدنيا مثل حسناء مرغوبة تدعوها فتستجيب . وبينما أنا كذلك ، إذا بمنسي رحمه الله وغفر له ، يعرض لي كما عرض إبليس لآدم عليه السلام في الفردوس .
-----------
* من كتاب منسي : انسان نادر على طريقته
رياض نجيب الريس - الطبعة الاولى 2004



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 12:07 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.