الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > جمال محمد إبراهيم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 01-06-2006, 09:06 AM   #[1]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي حان أوان الذهاب . .(قصة قصيرة )

[align=justify]
[align=center]حان أوان الذهاب . [/align].
( 1 )
" براون " . . ماذا تريد ، بعد ، من هذه الدنيا . . ؟
كان يسأل نفسه هذا السؤال كل صباح تشرق فيه الشمس خلبا في ضاحية "صري" ، إلى الغرب من لندن ، فلا يكاد يستجلي الإجابة الشافية ، التي تطفيء نار التطلع و الإكتشاف . اليوم بداية عطلة الأسبوع . يعرف أن إبنه " كريس " - كعادته - سيمضى ليلته بعيدا عن بيت الأسرة الصغيرة في " صري " . يحسب الجدّ العجوز " براون " نفسه ، جزءاً من هذه الأسرة الصغيرة ، و ليس مخلوقا زائداً ، بعد أن تجاوز عمره الثمانين عاما ، و أصبح يوما بعد يوم ، يراوح في وحشته ، وحيدا مثل شجرة برية ، لا تكاد تكيّف إنتماءها للمزرعة المحيطة بالمنزل المترامي الأطراف ، مثل غيره من بيوت الريف الإنجليزي . "براون" عجوز مثير للعجب . يماثل إعتماده على نفسه بطريقة عشوائية ، إعتماد الشجرة البريّة على ما تجود به السماء من مطر الرحمة ، و ما ترسله التربة الضنينة من غذاء ، يسري في العروق الشائخة ، فلا يسمن أو يغني أو يحيّ الأوراق المصفرة . كلا لم يكن " كريس " – مع حرصه على الإهتمام بزوجته " إليزا " و إبنه " جيم " – يبدي أقل التفات إلى أبيه " براون " . بعد سنواته الطويلة هذي ، ليس ل " براون " إلا أن يستسلم لإهمال ٍ راتب ، و إغفال ٍ مؤسس ، و تجاهل ٍ يليق فقط بالأشجار البرية أو النباتات الفطرية ، التي تتخلق بلا مبررات ، بلا حيثيات . لا معنى لوجودها ، و لا مغزى في استمرار بقائها على هذا النحو المستفز ّ، الذي يجافي النظم و النواميس ، و يقترب من خلود غيبي ، لا يؤمن به أناس من شاكلة إبنه " كريس " و زوجة إبنه الغريبة " إليزا " .
- هيا يا "جيم" . . أعرني أذنيك ! دعني أكمل لك قصة ذلك المصري المجنون الذي كان مفتشا للقطارات بين بورتسودان و أركويت . . هل سمعت بهاتين المدينتين من قبل . . ؟ هما في شرق السودان . .
لم يبق ل"براون" غير حفيده "جيم" ، يلقي على أسماعه بحكاياته الشائقة عن مغامراته الطريفة ، في المناطق النائية في أفريقيا . يسمع "جيم" أسماء أماكن و بلدان ، لا يجد لها معنىً في قاموسه الجغرافي البسيط . لا تماثل حكايات جده إلا تلك القصص التي حكاها لهم مدرس الجغرافيا في المدرسة عن " ليفينجستون" : رجل مغرم باكتشاف الأصقاع البعيدة ، حيث يعيش أناس مختلفون ، يأكلون طعاما غير مستساغ .. يسكنون بيوتا بنوها في الغاب ، مع الكواسر ، أو هم في خيام يضربونها في الصحراء ، مأهولة بالثعابين و الثعالب و الذئاب غير البشرية .
دائما ما يختفي "كريس" و "إليزا" ، إلى مخابيء مريبة ، في عطلة نهاية الأسبوع ، تجمعهما مع أناس آخرين يشبهونهما في كل شيء : في الهندام .. في احتساء النبيذ بلا حدود . . ثم في التبرم من الأشجار البرية ، التي تشمخ في اعتداد ، في المزارع الخضراء ، و قد انقضت أعمارها الإفتراضية ، و تثاءبت العصافير فوق أغصانها العجفاء ، إذ لم تعد هنالك من ثمار تؤكل ، أو من رحيق يثير السقسقة و يستدعي الغناء . لكنهم يتبرمون منها . .
- هيا . . أعرني أذنيك يا "جيم". . !
و يفتح الساحر صندوقه ، فتطير الحكايات عن الأمكنة النائية تباعا . ثمة سحرة يدلفون إلى القصص فتتلون بمناديلهم . ثمة وحوش و كواسر . ثمة أنياب تنهش و أظلاف تركل . ثمة نساء طيبات و رجال فاسدون . ثمة مصريون في محطات بعيدة ، عند "هيا" ، في تلال البحر الأحمر . ثمة مهاجرون قادمون من أصقاع السافانا ، فيما وراء غرب السودان . ثمة سودانيون سمر يتحدثون العربية و آخرون يتحدثون الإنجليزية ، بمثلما تجري على ألسنة الإسكتلنديين . ثمة آخرون ، قادمون من أمكنة لا يعرف لها أسماء ، يلغزون بألسنة ، لا عربية و لا إنجليزية ، رطانة محضة .


(2 )
قال "مختار" محدثا نفسه : ماذا تريد مني هذه الدنيا ؟ لقد خبرتها و خبرتني . أتلفتها و أتلفتني . بعتها الهواء ، فباعتني الخواء . جبت الفيافي و القفار ، وظفرت بصحبة بريطانيين ، أفدت منهم خبرة في تسيير السكة الحديد ، و قد كانت عصية علينا ، أول أيامنا . ثم في آخر المطاف، ما لي من مكان غير الخرطوم . أواه من "خرطوم " هذا الزمان . ليست هي الآن المدينة التي عشقنا في سنواتنا الغابرة : يا "حليل " الإنجليز. . !
يهمهم إلى نفسه ، و يحرص أن لا تفلت همهمته إلى أذن خائنة . كان في سنوات صباه عاشقا للخرطوم ، يستنشق في شارع فيكتوريا ، هوائه المنعش . . يتمخطر بالشورت الخاكي و القميص الأبيض الحليبي ، فيحسده ، على تقليده ملبس الأفندية و الإنجليز ، الباعة أولاد البلد في الحوانيت المطلة على " ميدان عباس " . لم يكن هنالك من تزاحم في الطرقات . كان السوق ، بضعة حوانيت تباع فيها الفاكهة و الخضر و الملبوسات . . والمسجد الجامع يتوسط الميدان ، شيده " ملك مصر و السودان " . . ثم هناك " مقهى الزيبق" . بعيداً منه ، بضعة مساكن بالآجر ، بناها إنجليز و شوّام و تجار من "أولاد الريف" . . تمتد على طرقات ، شقت على نسق علم الإمبراطورية . ثم السكة حديد ، مهيبة في إطلالتها البعيدة على "سراي" الحاكم العام .
لا يكاد يوسف أن يصبر للإستماع إلى حكايات والده "مختار" . لا يطيق أن يرى التاريخ يجالسه صباح مساء ، إذ هو لم يكن في الأصل من عشاق التاريخ أو الجغرافيا ، و لم يكن يحذق إلا الرياضيات ، فأكمل تعليمه الثانوي ، ليصير محاسبا صيرفيا مجيداً . أما التاريخ فلا . الجغرافيا ؟ تلك علوم و أمور يرى في الإنسياق وراءها مضيعة للوقت ، و إهدارا للمواهب ، فيما لا يفيد . ما كان يطيق قصص والده عن "أيام الإنجليز" . لا يخفي تبرما من الحكايات ، لكنه يدفع بأبنه "سامي" و يشجعه تشجيعا وثيقا ، للجلوس و الإستماع إلى جده "مختار" ، فلا يقدر الصبي على المقاومة ، فيصابر مستمعا ، يؤنس وحشة جده في "الخرطوم تلاتة ".
- أجلس إلى "السردار" يحكي لك حكايات لن تملّ سماعها ، يا فتى . إن لم يكمل لك حكاية المصري الساحر ، في المحطة بين "هيا" و "سنكات " ، فلن تظفر بإجازتي لك للإستمتاع باللعب مع أقرانك في الحي ، و إني أعرف غرامك بذلك !
" مختار السردار" ، ذلك كان اللقب المحبب الذي ينادي به يوسف أباه ، و قد سمع به من أقران أبيه في إدارة السكة الحديدية ، قديما قبل إستقلال البلاد عن بريطانيا . لا يصرّ يوسف على إجبار "سامي" على الجلوس و الإستماع لحكايات العجوز ، إلا لأنه لا يرغب في السماح لإبنه بالخروج مبكراً للعب مع الأولاد في الحي . .
- هيا يا "سامي" ، أحضر لي كرسي القماش . رتب لي جلستي ، و قل لل"حاجة " أن تعد قهوة تركية لجدك ، ثم أعرني بعدها أذنيك أيها الفتى . عندي لك قصة جديدة ، بطلها هذه المرة "مستر براون" . .الداهية "براون". . !
و لم يكن سامي مهتما بنيل الجائزة التي مناه بها جده .
"السردار" قابع في الدار ، مثل شجرة سنط راسخة الجذور ، ضاربة في عمق الأرض ، سامقة ممتدة الأفرع ، ترى الغرف صغيرة متحلقة حولها . "يوسف" و "صالحة "و الصبيان ، هم قطط و هررة ، تمؤ تحت ظل شجرة السنط . للشجرة وجود محسوس . يحترمها أهل البيت ، فوق حبهم لها . ليس في غابة الخرطوم شجرة في مثل عمرها ، تترك مهملة . . شجرة سنط كانت أم شجرة نيم ، سروة كانت أم نخلة . حتى العشوائي من الكائنات ، يجد له مكاناً في الإنتظام و في الإهتمام . حتى الضحكة ، تجد الفم الذي ترتسم عليه ، حتى الدمعة تجد الخدّ الذي تتحدر عليه حزناً ، حتى النبض العجوز ، يجد القلب الذي يطرب في أنحائه .
جلس "سامي" القرفصاء و قال :
- هيا يا جدّي . . أحكِ لي . . !
و استدار "السردار" إلى جرابه يفحصه . أدخل كلتا يديه منقبا . يعرف أنها لن تخرج خالية . هنالك دائما القصص الذهبية . الحكايات الفضية . النوادر البرونزية . الأبطال الذين دائما ينتصرون . السحرة. . و دائما يلتقون حكاياتهم . خط السكة الحديدية ، دائما تسير عليه القاطرات ، بلا كلل . في كل رحلة حكاية بلون الذهب . حكاية بلون الفضة . حكاية بلون البرونز . السحرة عادة يتجولون في الخلاء بين محطة و محطة . فيهم عمال " الدريسة ". ثمة مفتشون يسكنون الفيافي ، تؤنس وحدتهم قطط و أرانب أحيانا ، و أحيانا أخرى يجالسون المفترس من مخلوقات الله . يتبادلون النكات و حراسة بعضهم بعضا . ثمة محطات تجتازها القطارات ، و لا أحد فيها . ثمة مفتشون إنجليز . . لا يأبهون للمخاطر . ثمة رجال دهاة ، فيهم واحد إسمه مستر "براون" . ذلك رجل ليس مثل الآخرين ، فيما يحكي "السردار " لحفيده "سامي" . .
[/align]


ونواصل .....



جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:46 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.