جبهة شرق السودان، مالها وعليها.
لعل اهتمامي بشرق السودان له وصل بميلادي في ميرغنية كسلا، فيها امتلأت رئتاي من نفح القاش فكانت شهقتي الأولى، وفيها دفنت (صرتي)، ثم تعلقت همتي بقمم جبال توتيل التي مافتئت ترضع السماء كما قال اديبنا عمر الحاج موسى يوما، فإذا بقصع السحاب تتساوق جذلى لتهطل على كسلا وبقية أرجاء الشرق زخات زخات.
شرقنا هذا يحتاج منا إلى الكثير، ومن ذلك سبر اغوار الكثير من (المسكوت عنه) لبيان مايكمن في تلافيفه من بؤر ودمامل يمكن ان تضر بوطننا الجميل السودان.
هذه مجموعة مقالات وكتابات تتحدث عن (جبهة) الشرق، ولعلي ابتدرها بمقال (مهم) أراه من الأهمية بمكان، تجدونه أدناه.
عادل عسوم.
(1)
المقال الأول كاتبه ضابط حربي سوداني عمل في جبهة شرق السودان، وبالتالي فإنه يكتب عن واقع عاشه ويعلم الكثير من تفاصيله، إنه الدكتور عقيد معاش محمد المصطفي، الدفعه 40 كليه حربيه، من رتبة الملازم تم توزيعه في جهاز الاستخبارات، وهو من منطقة الكاملين البشاقره، تحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسيه والعلاقات الدوليه، وقد أصبح قائدا لوحدة الاستخبارات بالمنطقه الشرقيه، وهو صاحب قصه شهيرة ابان اتفاقية سلام نيفاشا، وقد كتب عنها اسحاق احمد فضل الله.
اليكم المقال، وعذرا لطوله:
لاحقنى كثيرون لإبداء رأيى فيما يحدث فى الشرق من وجهة النظر الاستراتيجية ولم اكن حريصا على إبداء ذلك لان الراي العام الان اصبح مشوشًا وملغوما لدرجة الخلط وعدم التمييز بين الرأي الأكاديمي الاستراتيجي والموقف الشخصي والرأي العام الذى قد يبنى على العواطف ،ولكنى أقول ان مصالح الأمن القومى السودانى تتطلب القراءة الاستراتيجية التى تبنى على التحليل العميق للوصول الى النتائج التى تخدم مصالح قوى الدولة الشاملة السياسية لبلدنا والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ..إلى آخره. فما هى المصلحة الاستراتيجية وما هو الخطر الاستراتيجي حتى نعلن موقفا سياسيا أو قرارا تنفيذيا مثل الدخول فى حرب مع اثيوبيا وما هو السبب الذى منعنا فى السابق من استعادة هذه الأراضى المحتلة. وأقول بان أي تحرك سودانى ضد اى دولة جوار يتطلب النظر وتوقع ردة فعل بقية الدول الجارة لنا ، مثلًا هذا التحرك الذى تم هل لمصر مصلحة منه املا والإجابة وبلا شك انه يخدمها بالمقام الأول والدليل ردة فعلها وتأييدها لتحييد السودان عن اثيوبيا لصالحهاوالسودان ضعيف استراتيجيا أمام دولتى مصر وإثيوبيا ووقوفه الى جانب احدهما ولو بغير قصد هو ضد مصلحة امنه القومى ويعرضه للخطر الشديد واختيار التوقيت المناسب ايضا له دلالاته الاستراتيجية فمصر الان رحبت باسترداد الفشقة ويتوقع خبراء قيام حرب مع اثيوبيا بسبب ذلك فمن المستفيد من هذه الحرب؟ والإجابة واضحة وبينة فهى مصر التى تريد زعزعة السودان باكمله وإضعافه ليسهل استغلاله واستخدامه بواسطة طيرانها وجيشها لضرب اثيوبيا والسيطرة على الإقليم و على عمقها الجنوبى شمال السودان . وعلى الصعيد الداخلي هنالك أضعاف عيانًا بيانا غير مسبوق للروح المعنوية لقواتنا المسلحة بواسطة النظام الحاكم وكذلك التخابر ضدها لتحجيم قدراتها وإمكانياتها الفنية ثم العلاقات العلنية لقيادات النظام بدول تسعى لتفكيكها وإضعافها بل هنالك من يعمل على احلال حركات ومجموعات مسلحة كانت تقاتلها وتعمل معها مكانها دون ادنى مراعاة لقياسات ومطلوبات الأمن القومى الاستراتيجي السودانى الذى تكون فيه القوة العسكرية وسلامتها رقم واحد ومطلوباته ثم ان هنالك الكثير من العلاقات المشبوهة لقادة النظام وبصورة علنية مع أعداء استراتيجيين للسودان تمضى العلاقات معهم لأجل إضعاف المنظومة العسكريية والأمنية على قدم وساق بالتنسيق مع دول إقليمية مثل الإمارات وغيرها ودولية مثل امريكا التى تشرع الان مايسمى بقانون دعم الانتقال الديمقراطي فى السودان الذي تتبناه دوائر محلية تشارك فى الحكومة الحالية على اعلى مستوياتها كذلك هنالك عملية تفكيك تمت لقوات كانت تسند الجيش فى عملياته بصورة احترافية واستبدلت بأخرى غير احترافية لم يراعى فى ذلك مصلحة الأمن القومى والجيوش بغض النظر عن كل شئ أو حتى مجرد البديل الماثل دعك من الأفضل ولم يتم النظر لقوتها ومهنيتها اكثر من اى شئ لانها الجهة الوحيدة السؤول عن امن البلد القومى وأي إخلال أو خلل فى ذلك هو مصيبة تمشى على رجلين.واثيوبيا يربطنا بها الجوار والمصالح المشتركة وحدودنا معها مفتوحة وطويلة ولديها جيش ولديه خبرة ومتمرس فى الحروب يفوق ال٧٠٠الف جندى وبه عدد كبير من الصنوف الساندة الفاعلة كالطيران والدبابات
وإثيوبيا عدد سكانها اكثر من مائة مليون نسمة ومصر كذلك وجيشها يفوق الاربعائة الف جندى وله إسناد جوى ودبابات وإسناد استخباري اسرائيلى وغربي ودعم خليجى ولكنه لن يستطيع تحقيق نصر على اثيوبيا دون سند مباشر من السودان .
السودان سياسيًا دخل فى حوارات ونقاشات ووقع اتفاقات حول ترسيم الحدود مع اثيوبيا وبذلك هو اعترف ضمنا بوجود خلاف حول هذه الحدود مادام انه ارتضى التفاوض وهذه كلها توضع فى الحسبان عند اتخاذ مثل هذا القرار السياسي باستعادة مناطق متنازع حولها باعترافه وجلوسه للتفاوض حتى وان كانت الأرض سودانية مؤكدة ولكن مادام اعترف بالتفاوض فان الخيار العسكري يصبح محددا ومقيدا بنتائج التفاوض وليس بالواقع أو بأحداث المسرح وهذا يمكن ان يدول القضية علما ان رئيس وزراءنا خطابه فيه تبرير وتعاطف مع اثيوبيا فى البيان الذي اصدره حول الاحداث بما يشير الى خطورة الموقف .كذلك هنالك ضعف غير مسبوق وتفكك فى جبهتنا الداخلية بسبب الاستقطاب الداخلي والخارجى الحاد من بعض دول الإقليم كالإمارات ومصر والسعودية وعالميا من بريطانيا واسرائيل وأمريكا وبريطانيا تهدف جميعها الي تفكيك البلد وإضعافه لما يتميز به من موارد ونقاط قوة تريد ان تظفر بها بعد تفكيكه لانه يصعب عليها ذلك بوضعه القوى الموحد والدلائل واضحة، لتتمكن من السيطرة عليه مما جعل الجبهة الداخلية اكثر تفككا بل اصبحوا يسرحون ويمرحون مع اعلي القيادات السياسية بل ويصرحون بالواضح فى مسائل سياسية. اجتماعية..اقتصادية وغيرها إلى آخره. والمعلوم انه كلما زاد الاستقطاب كلما ضعفت الجبهة الداخلية وتفتت عرى الدولة وانهتك عرض كيانها وسطوتهاحتى وان كان داخليا دعك من ان يكون دوليًا مخابراتيا والسودان موقعه الجعفرى يجاور ثمانية دول بحالها وجميعها يسيطر عليها الفاعلون الدوليون اصحاب الأجندة والاستعمار احدها بحرى فكيف يكون مخترقا لهذه الدرجة ؟ ويأتى الاضطراب ؟! وعليه فانه لابد من وضع كل هذه الاعتبارات ثم القرار بعد ذلك بطريقة بعيدة عن العاطفة فمواجهة التفلتات للشفتة يفرق من مواجهة الجيش الرسمي وحساباته مختلفة ولها ما بعدها ،ومعلوم ان مصر لا تستطيع ان تهاجم اثيوبيا فى ظل وضع داخلى قوى فى السودان ومن مصلحتها اضعافه وأفضل حالة أضعاف للسودان هى دخوله فى حرب مع اثيوبيا فحينها ترقص مصر كالبومة التى يعجبها. الخراب وتستبيح أجواءنا بل من غير المستبعد ان يكون مسرح للمواجهة بينها وإثيوبيا على الأراضى السودانية وهذا هو الأرجح فهل حسبنا كل هذا أم اننا فرحنا بإقامة مناورات عسكرية وتدريب مشترك مع عدونا الأول مصر وهذه نقطة ضعف استراتيجية ارتكبت فى توقيت خطا وكان الأفضل عكس ذلك فهو تقوية لموقف مصر واستعداد لمواجهة اثيوبيا تم الاستعداد له بهذه البروفات والتمرينات فلمَ نقدم للجميع مايطلبونه على طبق من ذهب؟ واين مصلحتنا نحن استراتيجيا من ذلك؟وبالتالي ليس مستبعد ان يكون السودان مستباحا للقوات المصرية ومخابراتها فى حين قيام حرب مع اثيوبيا وواقع حكومة تنفيذية غير داعمة لموقف جيشها بل تحيك المؤامرات ضده وتحرض عليه الدول العظمى لتفكيكه وعليه لابد من مراجعة الموقف كاملا على ضوء هذه المعطيات واولها ذهاب العناصر التى تعمل ضد القوات المسلحة فى الحكومة التنفيذية واولها رئيس الوزراء وطاقمه ثم مراجعة الموقف الاستراتيجي فى التعاون مع مصر العدو الأول للسودان ومنع توغلها مخابراتيا وتنسيقيا مع جيشنا وثالث وقف التواصل بين بعض المكونات العسكرية مع الإمارات والسعودية واسرائيل وغيرها وتقييد ذلك مباشرة الا عبر أسس استراتيجية بحتة تراعى مصلحة الأمن القومى البحت للحفاظ على الأسرار والمنظومات الدفاعية ومنع وتقييد الحديث أو التداول حولها واعتبار أي خرق لذلك خيانة عظمى توجب المحاسبة وإيقاف الإضعاف المعنوى لها وابعادها عن الاستقطاب والصراع السياسي للحفاظ على مهنيتها حتى تتمكن من القيام بواجبها على الوجه الأكمل وفرض سياج استراتيجى قوى يؤمن حدودها ويضمن سلامة أراضيها ومنظوماتها السياسية والاقتصادية والدفاعية والاجتماعية وغيرها ليتمكن الجهاز التنفيذى للعمل بأمان من اجل توفير الخدمات وليس انشغاله لأجل ارضاء وتنفيذ اجندة الدول والشعوب الأخرى كما يحدث الان وشعبه يعانى الأمرين.
د.محمد مصطفى عبدالرحمن
خبير استراتيجى ومحلل سياسي
|