صافرة الوقت الحزين أو جيفارا المعاصر !
جاء(عبادي) و كان فؤاده منفطرا, دخل و خرج و جوفه يغلي كمرجل ,لاحظنا للوهلة الاولي انه عندما هم باشعال سيجارة أخذ يبحث عن علبة الثقاب فلم يجدها و طفق يرتعش ثم نظر الي(سعدية) التي كانت مثل أنثي نمر متاهبة للهجوم و تبدو مثل صاعقة تهم بالانفجار لحظة واحدة ,متورمة الاجفان و محمرة العينين فقد ظلت تهدرو ترغي و تزبد منذ باكرة ذاك الصباح و بالكاد أفلحنا في تحجيم ثورتها قليلا -أنا و علاء- حينما أرغمنا (عبادي) علي مغادرة الغرفة للحظات ريثما تهدأ العاصفة لكنه عاد و في رأسه هوي لسيجارة يسكت بها نباح دواخله ,تأرجحت نظراته عليها مثل أنشوطة و تصبب عرقا ثم هدر:
-قومي شوفي ليا ولاعة قامت قيامتك.
كانت مثل زناد معدا للاشتعال اصلا و في الداخل تبعثرت اشياء التاريخ التليد لتلك العائلة الموبوءة بحمي الفقر و الفاقة ,صورة الزفاف ,يبدو (عبادي) في اواسط الثلاثينيات ,وسيما و انيقا و لم يشوه نتوء جبهته البارزة للامام قليلا من وسامته بينما ظهرت (سعدية) مرتدية فستان قصير مزركش تاركة شعرها الفاخم السواد الحريري الجميل منسدلا علي صدرها ,مجموعة من الكتب و المجلات تناثرت هنا و هناك و بقايا أعقاب السيجائر علي أرض الغرفة الطينية , لا شيء كان يوحي بسعادة مطلقا.
-عبادي قلت ليك طلقني.
في زمان مضي/ كانت الامسيات حالمة و وادعة,تجيء (هي) الي منتدي (الشجرة) الثقافي ,صبية من أتراب حمائم الأيك كما كان يسميها (هو) الذي كان ناشطا في المنتدي يناقش,يجادل ,يناظر و يمنطق الحكي ,وسيما ,عيناه تبرقان بطموح مخيف ..ناشط في حزب سياسي,يدعم نضال الشعب ضد الدكتاتوريتات و يقف مع حقه في الحياة الكريمة, يتضامن مع حقوق المرأة و يناهض الحرب في جنوب الوطن ,يتحدث و يمنطق الحكي حتي لا تتبقي للكلمات جنس أخت !
كانت (هي) حالمة و وادعة و كان العالم يتسلل الي تجاويف عقلها مثل حقل اخضر,مرة قالت له:
-لما شفتك حسيت انو الدنيا دي عبارة عن مروج خضراء و انا غزالة هايمة تبحث عن غزالها.
و سمته (غزالي) لكنه قال لها:
-العالم ليس جنة للاطفال!
كانا طفلين.
جاءت الفرحة الكبري بعد يوم ,ايام,شهور ,سنة ثم أخري و هكذا كان يقول لها في أول ليلة من لياليهما :
-معاك المشوار جميل و العمر أخضر
و قالت له:
-ح أفديك بعمري..أنت كل حياتي....ألخ
كانت ثرثرة الليالي تتلاشي يوما بعد أخر عندما صرخت (سعدية) ذات ليلة و جاءت النسوة في الحي المجاورو لم تكن الكهرباء انذاك قد لامست أعصاب ذلك الحي العشوائي القائم في تخوم المدينة الشمالية,ليلة ذات مطر و رعد ,تقاسمت النسوة العناية بالامر,بعضهن جئن بمعدات الولادة و أخريات شرعن في اجراءات اخري و هكذا جاء(جيفارا)!
علي الجدار علقا صورة لجيفارا التاريخي و كان (جيفارا) المعاصر يرقد علي قفاه , يبكي, يتبول, يضحك لماما و يصدر ضجيجا محبوبا
- ح يكون من المناضلين الكبار
-تفتكر؟ زمنو ح يكون النضال موضة قديمة
هما الان لا يذكران شيئا من هذا.
(سعدية) تذكر أنها طالبته بان يشتري لها (ثوبا)جديدا و هو لم يفعل/أن يقيد أبنها في سجلات مدرسة خاصة لكنه قال متهكما:
-معقول جيفارا يقرأ في مدرسة خاصة
-فيها شنو يعني؟
-كفاية انو اسمو جيفارا
في مدرسة الخي العشوائي الحكومية كان الحريق يشتعل في (الزنك) ذاك اليوم عندما حاول خفير المدرسةان يعد شايا لمدير المدرسة و من بين الضحايا كان جيفارا!
قالت له و هما يقفلان من المقابر:
-كلو منك لو كان وديتو مدرسة خاصة ما كان دا حصل
-قضاء و قدر
-بقيت تعرف القضاء و القدر
ثم
-طلقني خلاص الشيء الكان بربطنا مع بعض انتهي
******************************************
انقضت اللحظات و كأنها دهر,لم يتمكن (عبادي) من اشعال سيجارته و لم تكف هي عن جملتها المعتادة:
-طلقني الحياة معاك بقت مستحيلة , ضيق و فقر , النهار كلو صايع من منتدي لمنتدي و من ندوة لندوة و بالليل سكران .جات اللحظة اللي لازم ننفصل فيها , خلاص كلو شيء راح الولد راح و البيت راح و الشباب كمان راح
-دا كلام واحدة مثقفة
-طظ في الثقافة يا اخي
صفقت الباب وراءها تاركة كلماتها تدوي مثل قنبلة , جلس (عبادي) قام مرة اخري , دخل ثم خرج, نظر الي صورة الزفاف بصق فيها أخذها من علي الجدار ثم القي بها تحت قدميه و اخذ نفسا عميقا ثم ثفوه بالكلمة الصاعقة
بعدها حاول للمرة الاخيرة ان يشعل السيجارة لكنه لم يفلح , فقط أشعل حزنه و أضطرابه ثم خرج و هو يلعن تاريخ مؤسسة الزواج!
أنتهت
|