نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 14-12-2005, 08:46 AM   #[1]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي مستر "طيب" ذاك الذي سقته إلى حتفه


"رواية واقعية من الامس القريب"

للكاتب
عبد الله ود البيه



(1)

درجت مع حلول عام 76 من القرن المنصرم على التردد بنسق يومي على فندق (ر. ج.) القابع بحي كينسغتون العريق بمنحى لندن الغربي، وكنت كلما احتواني بهو اللوبي الثماني الأضلاع والمشيد على طراز هندسي رائع ونمط فني منمق، لا أتوانى هنيهة في التجوال بردهاته المتسعة مستمتعاً بسماع أنغام شجية لسمفونيات ومقطوعات موسيقية لشوبان وفرانز ليست ومانيوويل وثيودور هيلست وبرامز وموزارت تصدح على مر الساعات مشنفة للآذان ومدغدغة للحنايا والأوصال، ومتأملاً في كل مرة لتلك اللوحات الضخمة المثبتة على الجدران الرخامية والفسيفسائية والتي تمثل اصطراع الحضارات المتنوعة من خلال تنافسها الفني إبان حقب الاستنارة والنهضة المزدهرة، فهناك مجموعة رسومات خالدة لفنانين مبدعين أمثال فرانسيسكو دي غويا وجيروم ليون ورفائيل وبول سيزان ودافينشي وجيوفاني وكوكتو وسلفادور دالي وبيكاسو وجوجان، وهناك أيضاً التماثيل الحجرية والبرونزية النابضة بالحياة والتي يشع منها بريق السحنة الآسيوية مما يوحي بأنها قد نحتت بأزاميل حديثة وأخرى تقليداً لأصول كلاسكية قديمة لمشاهير عالميين كجيوتو ولورانزو وبرانكوس قسطنطين وغاستون ودوناتللو.

طالما أثار فضولي وجذب انتباهي وجود شاب يعمل بإدارة الفندق، قمحي اللون معتدل القامة رشيق القوام أنيق الهندام فاحم الشعر يحظى باحترام النوادل وتبجيل العاملين بالكفتيريات والمقاهي والمطاعم المطلة من زوايا وأركان الرواق الأرضي له، يتلقى وهو في غدوه ورواحه وخبه المتصل نبرات الود والتحايا الجزلة من رواد الفندق الدائمين، ولا ينفك يتحدث بإطالة وطلاقة وبشاشة مع المرتادين والنزلاء لا سيما مع أولئك القادمين منهم على وجه الخصوص من بلدان جنوب شرق آسيا ودول الأقصى البعيدة أرض سهول الأرز ومراتع التنين الأصفر، وقد تمادى انبهاري يوماً أضعافاً حينما استرقت السمع متلصصاً لافاجأ بأن كلمات سرده معهم كانت عبر لغة لم أهضم مفرداتها ولم أستوعب شيئاً من معانيها.

حاولت كثيراً وفي مرات مترادفة أن أنتهز السوانح المتاحة والفرص المواتية للولوج في حوار معه اسبر فيه غوره وأدرك كنهه وأروي غليل فضولي المتلهف نحوه، غير أنه سرعان ما كان يشيح بوجهه بعيداً عني ويصدني ويفحمني بردود جافة مقتضبة يضمنها رغبته الملحة في بتر الحديث وإنهائه الفوري وينسل من ثم متوارياً ليترك لي المكان برمته وينسحب صوب ملاذ آخر لا تستطيع نظراتي المتربصة ارتياداً له فيه، إلا أن الصدفة البحتة قد هيأت لي في مرة معرفة اسمه دون بذل جهد مني أو كد يذكر عندما كررت موظفة بدالة هواتف الفندق من خلال نداء الصوت الداخلي عبارة "يرجى الانتباه، هناك مكالمة هاتفية لمستر "طيب"، وبحلقت حينما هب هو الذي لا مراء فيه واقفاً من مجلسه ومتجهاً نحو الكابينة المعدة لتلقى المحادثات، وتمتمت ساعتها في سريرتي بسعادة كمن ازدرد بغيته ونال وطرته المشتهاه بعد طول تمهل وانتظار "إذا فأنت تدعى مستر طيب".

في ضحى عطلة الأحد دلفت بخمول إلى داخل الفندق واخترت طاولة منزوية بمطعم "كوخ البحر" وطلبت من(اماندي) تلك النادلة الاسبانية الحسناء أن تسعفني بقدح من القهوة السوداء وتجهز لي إفطاراً سريعاً مكوناً من قدح ساخن من حساء سمكة القوبيون وشريحة من لحم التونا على خبز متبل بالكافيار الأحمر، وقبل أن تنصرف من أمامي سألتها بعفوية "أماندي أين مستر طيب؟" فأجابت بتلقائية "موجود بالداخل، ولقد رأيته هذا الصباح في غرفة الاستقبال، واعتقد بأنه سوف يأتي إلى هنا كدأبه عند الظهيرة ليجلس تحت مظلته في قبالة حوض السباحة". وواصلت حديثي معها " أيعمل معكم هو في هذا الفندق؟" اندهشت الفتاة وتلفظت بصوت متحشرج "يعمل معنا!! أخالك تمزح يا سيدي فالمستر طيب هو مالك هذا الصرح المنيف " تسمرت النظرات في احداقي وانزلق ملحق صحيفة الجارديان الأسبوعي من بين أصابعي المرتعشة واعترتني قشعريرة عارمة سرحت بعدها بأفكاري فوق تخوم داكنة مشرئبة قطعت تواصل وثباتها في خيالي "اماندي" وهي تضع الأشياء على المائدة المستطيلة وبادرتها(ترى من أي أصل وجنس هذا المستر طيب؟" قالت بوجل وتوجس "لا علم لي سيدي من أين هو ولكنه متزوجاً من امرأة تايلاندية مهذبة وله منها صبية يافعة تدرس إيقاعات الرقص الشرقي في أكاديمية الفنون والموسيقى بمانشستر".

تمددت على كرسي من القماش الأخضر المقلم بجوار مظلة مستر طيب على أمل لقياه عندما يهل بالحضور، وكنت قد صممت ووطدت العزم على دك حصون غموضه وهتك حجاب صدوده وتمزيق ستور تهربه مني وانزوائه عني مهما شق بى الأمر وكلفني، وشرعت أرتب في ذهني نقاط ارتكاز استهل بها طرحي السريع لتساؤلاتي واستفساراتي المتزاحمة رغم إدراكي ويقيني بأنه سوف لن يستأنس بحط رحاله في مضاربي طويلاً، وانغمست من جديد أغوص بومضاتي داخل مياه الحوض الرقراقة انتقل من خلال انسيابها وتهاديها من اتون إلى اتون.

استدرت خلسة فإذا به هناك قابعاً يحتل مقعده الوثير مرتدياً زي العوم وعلى عينيه نظارة سوداء وأمامه على المنضدة قارورة مياه معدنية وعلبة تبغ وقداحة فضية اللون. اندفعت نحوه محيياً، فأطلت بسمة خاطفة كست ملامح وجهه المتبرم دفعتني دون طلب استئذان منه الى جذب المقعد المجاور له والجلوس عليه، وطفقت قبل أن أدع له مجالاً للتملص في سل السهام من جعبة فضولي المكتظة وإرسالها في سياق متلاحق "اعذرني سيدي إن كنت قد اقتحمت خلوتك ولكنني كثيراً ما وددت أن أتعرف بشخصك ليس طلباً في تحقيق غرض بعينه وإنما بدافع ..." فقاطعني بصوت أجش قائلاً: "بدافع الفضول أليس كذلك؟" واستطرد بعد أن أشعل سيجارته دون أن يقدم لي لفافة أخرى "لقد لاحظت وطالما انتابني شعور خفي وخالجني إحساس جارف بأنك ما برحت تتعمد الدوران في فلكي ومداري، إما بملاحقتي من على البعد أو بندب بصيص لمحاتك في اقتفاء أثري" وأجبته وقد غطت مسامات وجهي مسحة استحياء باهتة "نعم لقد صدق حدسك ولا أنكرك القول بأنك كنت ولا زلت مثاراً لنزوات فضولي المتأججة، لا سيما وأن تقاطيع ملامحك وسمرة بشرتك ولفظة اسمك تجعلني أجزم بأننا أبناء ربع وعشيرة واحدة، فهل أرحتني وأفضيت لي من أية بقعة أتيت؟" رمقني بطيب خاطر ومال إلى الأمام ونبس بهدوء "أنا من تايلاند أو هكذا يقول جواز سفري، وأنت لأي بلد تنتمي؟" ولكي لا ينقطع تواصل الحوار بيننا قلت بعجلة لاهثة "أنا من السودان" لوى مستر "طيب" عنقه إلى أعلى وخلع نظارته باسترخاء ثم زفر تنهيدة طويلة وهمهم وهو يستقيم واقفاً "وأنا كذلك يا صديقي العزيز".



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 01:06 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.