شخصيات من حلتنا....
(1)
شخصيات من حلتنا...
جمال....
الخرطوم تلاتة في نهاية الثمانينات يحمل جمال حقيبة المدرسة ويتوقف لمدة أمام بقالة "أولقا" الحبشية وهو في طريقه إلي مدرسة المقرن.. هذا شارع الجمال فبه تمر فتيات مدرسة الخرطوم الثانوية للبنات.. لا تدعه أولقا يمارس طقوسه اليومية تنهره : يا ولد يا جمال سيب الصياعة دي وأمش المدرسة..
يحاول جمال جاهدا الظهور بمظهر المجرب ويحكي عن مقامرات نسائية هي من بنات خياله ، فرغم مظهره الذي يبدو أكبر من عمره إلا أنه عبارة عن طفل في الدواخل بجسد ضخم يخدع الناظرين..
في نهاية اليوم الدراسي يعود جمال ليقف مرة أخري أمام بقالة أولقا .. هذه المرة تطول الوقفة وينضم له بعض الزملاء ...يعود للمنزل فتقف والدته علي رأسه تحسه علي الأكل ثم المذاكرة فهي دون الناس جميعا لا تنخدع بمظهره...
كان الحي ذاك اليوم يعيش رتابته المعهودة لا جديد أو هكذا كان يبدو إلا من حدثين ، كمية من الإزعاج والصريخ لمجموعة من الشباب أمام نادي الأسرة بقيادة "علي حران" وكان السبب انتصار المريخ علي الهلال وهذه مناسبة تصيب علي حران بهستيرية وفرحة كبيرة لدرجة أنه إشتري "بوهية" من حر ماله ليلون السور الأمامي للنادي باللونين الأحمر والأصفر..
السبب الآخر جاءت به فاطنة ظهرة (فاطمة زهرة) وهي تمثل الإذاعة الداخلية للحي تجد عندها كل أخبار الحي من تزوج ومن مات ومن سافر ، لا يفوتها حدث علي الإطلاق..
دخلت فاطنة ظهرة وهي تحمل "الشمار" وبدأت تحكي :
إنتي يا حاجة آمنة بتول دي جنت؟
حاجة آمنة : مالها خير إن شاء الله
فاطنة ظهرة : المرة دي سكنت في بيتها حبش.. بت صغيرونة وسميحة وعندها وليد، لكن الشهادة لي الله البنية ماسكها وليدها وفي حالها..
هنا إنتبه جمال!! هذا موضوع يستحق المتابعة ...يستمع جمال لبقية أخبار الحي من الحاجة فاطمة وهي تسردها
بصورة مسرحية...ويخرج متسللا حتي لا تراه والدته...
يقف جمال أمام سور النادي وينظر في اتجاه منزل الحاجة بتول ممنيا نفسه برؤية الساكنة الجديدة وفي ذهنه وصف حاجة فاطمة لها (صغيرونة وسميحة) رغم عدم ارتياحه للحاجة فاطمة لكنه يثق في وصفها... عليه أن يجد مدخل للتعرف إليها..
ينفتح باب المنزل ليخرج طفل في الثالثة من العمر..يتجه إليه جمال.. يمسك بيده ويجلس حتي يصير في محاذاته
جمال : إنت إسمك منو
الطفل اسمي تسفاي
جمال : أمك اسمها منو ؟
الطفل : إسمها سوسن
يلاطف جمال الطفل وتعلو وجهه ابتسامة الرضي !! أخيرا وجد المدخل المناسب للتعرف إلي سوسن.. يا له من إسم جميل!!!
تغير روتين جمال اليومي صار يتحين فرصة خروج تسفاي وأضاف لي ديونه من بقالة اولقا سلعة جديدة بالإضافة للسجائر صار يشتري الحلوي لتسفاي...
تعمقت علاقة جمال بتسفاي وصار من المألوف رؤيته وهو يحمله ويلاعبه ، صار الطفل علي ركاكة لغته العربية ينادي بابا جمال وينطلق جاريآ إليه حين يراه..
خرجت سوسن من منزلها وكان جمال واقفا أمام مدخل نادي الأسرة.. جميلة تسير في غير تكلف لها نونات
وتقطعات مميزة علي حواجب العين..كان جمالها يزداد وضوحا كلما اقتربت منه..لم يجد مشقة في التحدث إليها فقد انفلت تسفاي من يدها وإتجه جاريا وهو ينادي بابا جمال...
سألته : أنت جمال..
رد جمال كالحالم نعم...
سوسن : أنا سوسن ، تسفاي بيتكلم عنك كتير.
جمال : تسفاي طفل لطيف أرجو أن لا يضايقك أن أهتم به ..
سوسن: لا لا مافي ضيق بس هو مزعج شويه
أخيرا رأي ابتسامتها وتضخمت النونات وفلجة تتوسط الأسنان العليا ولون اللثة الأخضر..و..آه .. من الشهقة..
صار جمال عاشقا من النظرة الأولي...
تعددت زيارات جمال لمنزل سوسن ، يشرب القهوة التي تعدها له بطيب خاطر.. وتعمقت علاقتهم وكان حريصآ أن لا تراه الحاجة فاطمة زهرة مخافة أن يصير من ضمن أخبار الحي اليومية..
شعرت سوسن ببراءة جمال رغم محاولاته المستميتة في الظهور بمظهر الإنسان المجرب.. كان ينظر إليها بصورة لا تخلو من شهوة تعاملت معها بصبر الخبير..كان بصورة ما يعجبها فهو إنسان وسيم الطلعة..
مع مرور الأيام انطلق لسانه وصار يتحدث عن أشواقه وعن تعلقه بها...يجد جمال صعوبة في التسلل بعد المغرب من المنزل مع الرقابة اللصيقة لوالدته..
تطورت علاقة سوسن بجمال وتجرأ يوما ومد يده ليمسك بيدها فلم تمانع..كان يوم أن قبلها قبلة تشبه تقبيله لتسفاي تخلو تماما من التجربة قابلتها هي بسلبية وطار هو بها فرحا وللغرابة لم يحكي بها لزملائه.. هذا سره الكبير...
زاد إهتمام والدة جمال به وبمذاكرته فالامتحانات علي لأبواب.. هي في واد وجمال في واد آخر...
تسلل جمال وهو يمني نفسه بليلة أحلامه.. وكانت سوسن تنتظر وهي في أجمل حلة.. ترتدي فستان شفاف يكشف محاسنها...بعد أن شربا القهوة بدأ جمال في الاقتراب منها.. طلبت منه التوقف وأرسلته إلي الصيدلية.. اذهب واشتري عازل طبي..؟؟؟
ذهب جمال ودخل الصيدلية .. لسوء حظه وجدها مليئة بالمشترين وظل واقفا يمر الوقت بطيئا كما السنوات.. طالت وقفته..انتبه له الصيدلي وسأله : ماذا تطلب طالت وقفتك.. اتجه نحوه هامسا : ممكن تديني عازل طبي؟؟!! كان الصيدلي رحيما به فلم يلاويه كما توقع.. حمل العازل الطبي واتجه نحو منزل سوسن وهو يجر رجليه.. هذه تجربة جديدة .. يا له من حلم جميل...
لم ينتبه جمال وربما لفرحته الكبيرة فتخلي عن حذره المعهود وهو يدخل منزل سوسن ولسوء حظه كانت الحاجة فاطمة زهرة تتحدث إلي أولقا فشاهدته وهو يدخل المنزل..
دخل جمال وكانت الغرفة تعبق ببخور حبشي ورائحة البن ، جلس علي طرف السرير .. تعاملت معه سوسن بحنو ودراية وهو يرتجف في خليط عجيب من الخوف والرغبة المحمومة...
كان الخبر قد وصل إلي والدته فالحاجة فاطمة زهرة كال "سي إن إن" لا يفوتها (بريكنج نيوز) جاءت الوالدة مصحوبة بالحاجة فاطمة زهرة لتخبط علي الباب بشدة.. خرجت إليها سوسن والحاجة بتول منزعجتان..
حاجة آمنة: ولدي وينو..
سوسن : قاعد جوة اتفضلي يا حاجة..
حاجة آمنة : تحجي في جمل أعور ما بتخجلي أسه ده لبس تلبسيه..نادي لي ولدي..
يسمع جمال الجلبة فيخرج لمعرفة الأمر..
تجره والدته من أذنه وهي تشتمه مر الشتيمة..
تدخل سوسن وهي مصحوبة بشتائم الحاجة بتول طالبة منها إخلاء المنزل..
بكي جمال من الحرقة والحلم الضائع وعاد من جديد ذاك الطفل الحائر بعد أن كان علي بعد خطوات من أبواب الرجولة..
كان جمال وسوسن يشكلان الخبر الأساسي في النشرة المسائية للحاجة فاطمة زهرة..
..
|
