الـــــسر الغميــــــــس !!! النور يوسف محمد

حكــاوى الغيـــاب الطويـــــل !!! طارق صديق كانديــك

من الســودان وما بين سودانيــات سودانييــن !!! elmhasi

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > بركة ساكن

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-02-2010, 07:54 PM   #[1]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي وصمة وطن



توغلنا في مجاهل سُوق ليبيا،بين الأكشاك المتهالكة المملوءة بالبضائع الكاسدة،أقمشة، أواني، مأكولات فاسدة و أخري طازجة، خردوات، أحذية، إكسسوارات مفبركة، بطيخ، وغيرها، وكلما طال بنا الدوران، و طالت بنا الأزقة، حاصرتنا الجُموع البشرية الذاهبة إلى كل مكان و الآتية من كل مكان، وكلما لا حظ صديقي علي نصر الله أنني ضجرت، كان يقول لي بصوته الهاديء المطمئن.
- أصبر يا أخي قربنا.
ونحن نُنهي آخر صف طويل لحلاقين ُبلهاء تَفُوح من جنوبهم رائحة الدم مختلطة مع الشّعَر ممزوجة بكلونيا خمس خمسات، إذا به يدلف إلى زقاق ضيق تملؤه عربة كارو يجرها حماران، استطعنا أن نتجاوزهما عن طريق إحتكاكنا بالحائط الترابي القبيح، ولحسن الحظ المكان ينتظر بعد الكارو مباشرة، كان دكاناً عجوزاً من الزنك وصاج البرميل، يديره عم سيف السبعيني الأصلع الذي يَكُحُ في الدقيقة مرتين و يحمد الله، استقبلنا هاشا باشا، تربِطه بصديقي علي نصر الله علاقةٌ قديمةٌ حميمةْ، عرّفني به وعرَّفه بي، أضاف وفي وجهه ابتسامة عملاقة بسعة فم علي نصر الله الكبير و بغلظة شفاهه الغليظة، قائلاً:
- صديقي بَرَكَةَ دَاْ عايز يدخل معاينة.
مُشيرا إليَّ بأصابعه الخمسة
قال عم سيف و هو يتفحص وجهي من على قٌربٍ مريب:
- ظاهر عليك يا ولدي ما بتصلي.
ضحكَ، ضحك علي نصر الله، ضحكتُ، ضحكنا
قال له علي نصر الله
- دا ما بيعمل أية حاجة،لا كويسة ولا كعبة: لا بصلي و لا بصوم و لا بسكر و لا بزني ولا بسف صاعوط ولا بدخن سيجار،لا يَعِدْ ولا يَفي، الكويسة انه حافظ كل السُور و الآيات الأخدها في المدرسة .
عَلّقَ عَم سيف ضاحِكاً:
- لو كان الناس دي كلها بتصلي من وين نحن نعيش؟!!
كان يُشغل نفسه بإعداد شييء ما، يَسْمعُ، يوجه الأسئلة ويكُح في نفس اللحظة، بالرغم من عمره المديد إلا أنه كان رشيقاً خفيفاً كالكديس، يخطو بسرعة و خفة في المساحة الضيقة التي لا تتعدى الأثني عشر متراً مربعاً، يقفز على الأشياء، يمرُّ بينها، يسحبها بعيداً عن طريقه، يتحدث معها، معنا، مع نفسه، كَحّ،غسل وجهي بماء تفوح منه رائحة الديتول، كَحّ، مسح جبهتي بقطنة مشربة بمادة لها رائحة – مع بعض التحفظ استطيع أن أقول إنها : سيئة- كَحّ، كان طويلاً منحنياً وسيماً عجوزاً ماكراً ووناساً، علي نصر الله يجلس قربي يأكل بَلِيلَةَ لوبةٍ عدسيةٍ اشتراها من مريم السيدة الشابة التي تبيع العدسية قرب محل عم سيف،تركني استرخي علي الكرسي الهزاز البائس و أنا أهيم في العالم الذي يُمعن في الغموض، مَسَحَ وجهي بعطر الكلونيا، كَحّ، ثم أخذ يعمل، برفق، بصمت، بحب، بأدب، بمهارة في جبهتي، سألني فيما يُشبه الهمس، بلغة فصيحة و كأنه حفظها من كتاب مطالعة.
- أتريدها دائمة أم مؤقتة؟
قبل أن أجيبه أجابه صديقي علي نصر الله
- لأ، مؤقتة، يمكن ما ينجح في المعاينة، وكان نجح حيجي مرة تانية يعمل واحدة دائمة، مُشْ كِدَا يَا بَرَكَةَ ؟
حاولتُ أنْ أقولَ شيئاً، ولكنْ يداه القويتان أبقتا رأسي علي وضع حرج لا يَسْمَح بانتاج الكلمات.
بدون أي تعليق من قِبله واصل عمله في جبهتي، بعد ما يقارب ربع الساعة سألني مرة أخرى.
ما إذا كنت احتاج إلى علامات في الركب و المناكب و عظمة الشيطان .
أجابه علي نصر الله قائلاً :
- الآن لأ، خلينا نشوف بعد المعاينة.
قال مخاطباً علي نصر الله :
- على ما اعتقد إنت قلت لي : إنَّ واسطته قوية، يعني الشُغُل ضمان ضمان، وكل الناقص هو موضوع الصلاة و إن شاء الله تطلع حاجة زي الليل.
ردَّ علي نصر الله في قلق:
- نعم واسطته قوية،ولكن كل الناس الفي ( الشُورت لِستshort list ) عندهم ضهر ولكن نحنا نعمل العلينا والباقي على الله، الضمان عند الله.
قال بصوته الهادىء:
- كُحْ ..كُحْ... كُحْ......نعم!
لم يمضِ وقتٌ طَويلٌ بعد كُحَتِهِ الأخيرة هذه حتى قال لي - وهو يتأملني من بعيد، يتفحصني كفنان يتمعن لوحته التي خلص منها للتو .
- بسم الله ما شاء الله، إمام جامع بالتمام و الكمال!!
ثمّ مَدّ لي المرآة، كان وجهي ليس بوجهي، أقرب منه إلى وجه دمية، علي أحسن تقدير وجه مهرج مخبول، كانت العلامة السوداء التي صنعها علي جبهتي السوداء أكثر سواداً، ليس سواداً آدمياً جميلاً، كسواد وجهي الذي أورثني إياه جَدي عبد الكريم إدريس، كان سواداً يُشبه غَبِينَةً مُرّةً أُحِسُّ بها تمزق أحشائي، سواداً مثل حُرقةٍ تأكل كرامتي كإنسان، تُنْشِيءُ فيّ مملكة العبودية و التمييز السلبي مملكة الحزن، تثير فظاعة القَبَليّة، الولاء الحزبي و الثُلة، تُوقِظُ كهوف الظلم، مثل نار أوقدتها لتدفئك فإلتهمتْكَ، مثل بَيضةٍ تفقسُ في روحك شظايا من نار، مثل جحيم يُصبح وطنك الذي تحبه،مثل أنْ تخونَ أنتَ وعيَكَ وثقافتَكَ التي ارتضيتها سلوكاً،أحسسْتُ بها جُرحاً عميقاً في تأريخي و حضارتي،و إنسانيتي، رَدَدَْتُ إليه المرآة، قال لي وهو مايزال طويلاً عجوزاً مِكْحَاحاً مِلْحَاحْ.
- ما رأيك؟
أجابه صديقي علي نَصر الله وهو يعطيه مالاً.
- جميلة .
توغلنا في مجاهل سُوق ليبيا،بين الأكشاك المتهالكة المملوءة بالبضائع الكاسدة الفاسدة،أقمشة، أواني، مأكولات تالفة و أخري طازجة، خردوات، أحذية، إكسسوارات مفبركة، بطيخ، وغيرها، وكلما طال بنا الدوران، و إلتوت بنا الأزقة، حاصرتنا الجُموع البشرية الذاهبة إلى كل مكان و الآتية من كل مكان.

الخرطوم
2-6-2008



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 02:51 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.