أستاذ عبدالله
استكتبك العقل الباطن رسالة رقمها 35 موجهة الى العقل الواعي قال فيها:
"أنا أعرف أمراضي التي تجلبها أنتَ في مخدعي دون سابق إنذار. يبدأ الإدمان من تجريبك الساذج للأشياء، ومن ثمَّ التعود. أنا أعمل لخدمتك بلا كلل، و من الطبيعي أن أحاول نسيان الهُموم والفرح بالمُخدر. ومن هُنا أفقد توازني مع الزمان وهذا مصدر خوفي وقلقي.
الرغبة والمخاطر ضدّان يحتاجان بعضيهما. من أول كأس مَخمور برغبتك، تنفتح نافذة لي على العالم مُباشرة بكل وضوح. تتخفف أنت من قبضتك على الشعور و أتسلل أنا رويدا لأقول ما أريد وأنفذ ما أحب".
أستاذ عبدالله،
عظيمة قدرة البشر على تكوين بعض العادات وقدرتهم على التخلي عن البعض منها.
يبدأ الطفل منذ اليوم الأول بتكوين عادات، ستلازمه طيلة حياته، وستكون أحياناً جزءاً من شخصيته، يطلق البعض عليها اسم "غريزة" لعدم قدرتهم على التفريق بين ما هو غريزي- فطري وبين ما هو اكتساب. وتتدخل الموروثات بها، حتى ولدت نظرية تقول إن الإدمان على الكحول يمكن أن يكون عامل وراثي أيضاً. وبين العادة المكتسبة والعادة الغريزية نطوف ونعوم في بحر من التجارب.. تجارب تكون هوية وبصمة واحدة.
العادة تتكون من حافز ما. ونطورها وفق تحكم هذا العقل الباطن بنا.
مثلاً الطفل حسب سارتر يميل الى وضع يده في كل تجويف يراه. ويعتبر ان الطفل غالباً ما يضع يده في فمه مثلاً، فهو يجد تجويفاً ويريد ان يملأه..
وكل من راقب طفلاً ينمو، يلاحظ كيف يميل الطفل الى "سد" كل فجوة يراها، مثلاً إن رأى ثقباً ما يحاول ان يدخل إصبعه فيه، او يضع اصبعه في مفتاح الكهرباء، او يسد ثقباً في لوح خشبي ما بأول قلم يصل الى يده... ويتطور الطفل وينمو، وليست العادة عادة جسدية وحسب بل فكرية أيضاً، إيجابية او سلبية.
ما زلت لا أفهم كيف أن بعض العادات المكتسبة التي نتعلمها بعضها ننساه إذا انعدمت الممارسة وبعضها لا ننساه مهما انقطعنا عنه. وما زلت ابحث عن علاقة العقل الباطن بها. مثلاً السباحة او ركوب الدراجة او القيادة، تعلمها ليس سهل لكن حتى لو انقطعنا عن واحدة منها لسنوات، سنعود لنمارسها كأننا لم ننقطع يوماً. ورغم قراءتي لهذه النظرية في الكتب مرات ومرات لم أصدق إلا بعد ان ركبت دراجة منذ زمن قصير، بعد ان كنت انقطعت عنها منذ الطفولة. جلست ووضعت قدمي على الدواسات وانطلقت.
لكن في المقابل هناك عادات مكتسبة تحتاج للممارسة مستمرة، مثل العزف على آلة موسيقة أو الطباعة..
ويتدخل العقل الباطن في تكوين عادات سيئة بالمنظار الاجتماعي، وموافقة له، ويتدخل في جعلنا نقضم أظافرنا حتى. يا لقدرته، ويا لعجزنا.
أستاذ عبدالله، أحاول تجنب الكلام المكرر لكن لا سبيل لذلك. الموضوع رائع، فأرجو أن تواصل.
|
