عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2013, 04:08 PM   #[1]
عبدالله إبراهيم يوسف
:: كــاتب جديـــد ::
الصورة الرمزية عبدالله إبراهيم يوسف
 
افتراضي رحلة مؤثرة إلى جبال النوبة


على الرغم من أن والدتي ترعرعت بجبال النوبة، وقد تزوج بعض أخوالي من قبائل جبال النوبة، فما كنت أظن يوما أنني سأزورها بغرض الدعوة إلى الله. وقد كان ذلك سنة 2002م
فقد اتصل بي بعض الإخوة الدعاة ممن سبقني في رحلات أخرى لنزورها وقد ذكر لي طيبة أهلها، وحسن عشرتهم، فوافقت بشرط أن نمر بالدويم لأنه كان لي فيها غرض مستعجل
وكان أن ركبنا سيارته اللاندكروزر مع بعض الإخوة الدعاة، فلما وصلنا إلى قرية رأس الفيل استقبلنا أحد إخواننا الدعاة
الأفاضل وهو كما يقال يوضع على الجرح فيبرأ فيه دماثة النوبة وتواضعهم. والرجل أمة وحده، أسأل الله أن يثبته ويعظم له أجرا.
فجلسنا معهم أياما تجلت فيها معاني الأخوة الإسلامية الحقة، التي ما تدنست بعفن الساسة والسياسة، اطلعنا فيها على مشاريعه الدعوية والاجتماعية، فلكم تألمنا أن مثلهم لا يجدون من المسلمين عونًا ولا دعاءً. ولحم الضأن يرمى للكلاب!!
ثم انطلقنا إلى غيرها من القرى بحيث كنا كل يوم في قرية فأذكر منها: (كرقل)، و(كاركو)، و(كيقة تيميرو) التي دخلناها خطأ وقد ضللنا الطريق، ويا له من ضلال كالهدى، فكنا في طريقنا لا نلوي على شيء وفجأة دخلناها قبل المغرب بكثير، ولا نعرف حتى اسمها، فتوجهنا إلى المسجد حيث كان مغلقا بالطبع وجلسنا بالخارج فإذا بالقوم يأتون واحدا واحدا ويسلمون علينا، وكأننا في بيوتهم، فوالله ما زلت أشعر بدفء استقبالهم وعظيم ترحيبهم. كرمٌ طبيعي غير متكلف، وبهدوء، فلما صلينا المغرب إذا بالمسجد قد امتلأ وجلسوا وكأنهم تلاميذ مما أشعرنا بعظم المسؤولية وألجأونا إلى التواضع، وأن نعرف قدرنا
فلما تكلم أحد إخواننا وأصله من دارفور عن العقيدة والتوحيد استمع القوم بفطرة ثاقبة وأدب جم، حتى أن بعضهم قال: ((نحن ما عندنا لا فكي لا شيخ، عندنا الله بس)) فلما صلينا العشاء فإذا بالجرادل تتطاقش، جردل حليب، وجردل ملاح ،وغيرها من الجرادل!!
فوالله كان من أمرأ الطعام، وألذ المقام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونصحونا بالمبيت لأننا لا نعرف الطريق، ثم انطلقنا في الصباح إلى غيرها من القرى وليعذرني أهلنا هناك لأني نسيت أسماء قراهم، ولهم العتبى، ولكن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( إن كان لا يعلمهم عمر، فالله يعلمهم ))
ثم وصلنا إلى (شفر)، وما أدراك ما شفر، ويقال لها: (عد الفرسان) فنعم القوم هم، فقد أمطرونا بالذبائح، التي ذبحت فينا كل كبر، وأخرجت منا كل عٌجْب، فيا عجبا للقوم!! انضباط، وسلوك، وأدب، والتزام، حتى في كرجاكات المياه. فقد جعلوا واحدة للنساء، وأخرى للرجال.
وقد هالني كثرة النساء المنقبات، بتلك البقعة المنسية من الأرض ((وما كان ربك نسيا))
يجلسون على الأرض وهم -بإذن الله- فوق السماء، أسأل الله أن يجمعنا بهم في الدنيا قبل الآخرة.
وقد كانت المحاضرات عندهم تتجاوز نصف الليل، وهذا في القرى من العجائب، فما يتحرك منهم رجل ولا امرأة
فإلى الله المشتكى من غربة الزمان، ومفارقة الإخوان!!
وقد كان محدثهم أحد إخواننا الدناقلة وقد وجد بعض الكلمات المتشابهة في اللغتين، كـ(توت) وغيرها من الكلمات، وكانوا ينقلون عن أجدادهم أنهم فروا من دنقلة أيام الفتح الإسلامي، فقال لهم أخونا مداعبا: فهاقد لحق بكم الإسلام في جبال النوبة! فكانوا يضحكون ضحكات ألذ ما تسمع من ضاحك ومبتسم.
وقد أطلق أحد إخواننا الدعاة نكتة حول القوم، وبالمناسبة هو دنقلاوي، قال: ناس جبال النوبة بيسمعوا ويطبقوا، وأهلنا الدناقلة بيقعدوا يسمعوا وبيمشوا، أما الجعليين لا بيقعدوا لا بيطبقوا!!!!
ولا نحتاج أن نذكر الناس بأنها نكتة المقصود بها التعرف على طباع الناس، وكانت نتيجة تأثر بأجواء جبال النوبة العجيبة،
فليتق الله قوم سعوا بالفتنة هنا وهناك، وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
وقد رزنا الدلنج حفظها الله من كل سوء، والتقينا بمسؤول الشؤون الدينية فيها، فرحب بنا، وقال لنا ممازحا: نحن بندرشو، وانتو دققوا !!
رحم الله الجميع، وجمع أمتنا بخير وعلى خير وإلى خير.



عبدالله إبراهيم يوسف غير متصل   رد مع اقتباس