عرض مشاركة واحدة
قديم 31-12-2013, 10:31 AM   #[12]
عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

تحية للأستاذ شوقي بدري ولكافة أضياف الملف
نحن في حاجة للتمييز بين الأغراض السياسية ، والحقائق التاريخية . هنالك دماء عربية ، قلت أم كثرت ، إن الانتماء العربي هو انتماء لغة قبل أن يكون انتماء أنساب وأعراق ، ولكن الانتماء العربي في الأنساب له تاريخ دماء عربية امتزجت بالأعراق الموجودة ،وفدت عن طريق المهاجرين للسودان ، وتلك حقائق تاريخية ، وللتوثيق نورد مقتطف من كتاب توثيق تاريخي :


ورد في مقدمة سفر البروفيسور محمد عمر بشير { تاريخ الحركة الوطنية في السودان ( 1900 ـ 1969 ) } : ص 7 :الآتي:

1/ كانت أول دولة أنشئت في السودان في العهد القديم هي مملكة نبته ( 725 ق .م إلى 350 ب . م بالقرب من البركل .
وكان ( كاشتا ) أولملوك الكوشيين . وهو الذي استولى على السلطة بمصر العليا . أما ( بعانخي ) ابنهالذي خلفه ، فقد اتبع خطى والده وأتم غزو مصر كلها ليصبح الحاكم لكل من مصروالسودان . وتحت ظل الملوك السودانيين تم الحفاظ على مقابر مصر ومعابدها . وأضيفت إليها معابد ومقابر جديدة مكانتها وحيثيتها بين حضارات العالم القديم . ولئن أصابحضارة مصر شيء من الأقوال والصدأ . فإن الوضع الحضاري النبتي الجديد ، أفعم الحياة فيها من جديد . وشارك في إنقاذها وحمايتها مما جعل من الإمبراطورية الكوشية قوة عالمية . ويرى البعض أن فترة سيادة السودانيين على مصر كانت إحدى الفترات القلائل في تاريخ الاستعمار القديم حيث كانت المؤسسات الوطنية والثراء الروحي للأمة المقهورة قد أخذت تنمو وتزدهر بدلاً من أن يكون مصيرها الفناء والاندثار تحت سطوة حكام أجانب .ولم يكن هذا هو كل ما قام به الحكم النوبي . بل أرسلت جيوش نوبية إلىغربي آسيا لمساعدة شعوب الأمم الصغرى من سوريين وفلسطينيين وفينيقيين لصد هجمات الجيوش الآشورية .

أما مروي المملكة السودانية القديمة الثانية . فلم تكن حضارتها إلا استمراراً للحضارة النوبية . وهي بهذا الوصف لم تكن غير استمرار للحضارة المصرية . وقد استقرت بالقرب من الشلال السادس في وسط خصب . و بسبب هذاالموقع . أضحت مركزاً تجارياً هاماً وحامية عسكرية بالغة الأهمية . ويماثل عهد مجدها وعظمتها مجد مصر الرومانية لا تزال واضحة في العاصمة التي بلغت شأواً عظيماً في الحضارة . وقد حدث الاتصال بشعوب البحر الأبيض المتوسط عبر مصر وبوجه أخص مدينة الإسكندرية ، وأنشأت علاقات أيضاً مع الدول النامية مثل أكسوم والهند . ويمكن احتساب ظهور السودان كأمة منذ القرن الثالث الميلادي.

عندما أخذت الخصائص الأفريقية الأساسية في الحضارة المروية تؤكد وجودها لما أتيحت لها الفرصة في ذلكالوقت . وقد أرسل نيرون الذي كان ينوي غزو مملكة مروي حملة استطلاعية صغيرة توغل تفي البلاد حتى الرهد في حوالي 65 ميلادية . وورد في التقرير الذي رفعته البعثة أن البلاد فقيرة للغاية بدرجة لا تستحق الغزو . وهكذا ترك الرومان فكرة غزو مملكة مروي لتصبح محلاً لهجوم الأثيوبيين من الشرق . وفي منتصف القرن الرابع كان يمثل مروي قوم قادمون من الجنوب . ومنذ ذلك الوقت أضحى تاريخ السودان مجهولاً وغامضاً , واستمرالحال على ذلك المنوال حتى ظهور الدول النوبية الثلاثة ، نوباطيا ومقرة وعلوة . وهذه الممالك السودانية الثلاثة التي كان يسود حياتها طابع القرون الوسطى قد سارت على النهج والجادة التي بدأتها نبتة مروي من حيث الحفاظ على استقلال البلاد وتقاليدها . ومن ثم بسطوا نفوذهم على القبائل المستقرة على الأراضي المجاورة للنهروروافده . وكان النيل شريان حياتهم ويوصلهم بالشمال والجنوب.

واعتنقت الدول الثلاثة الديانة المسيحية في أو بعد القرن السادس . والمسيحية مثلها في ذلك مثل الحضارة المصرية القديمة جاءت من الشمال . ووجدت الكنيسة القبطية مقراً احتمت بهالسودان عندما حاربها الأباطرة الوثنيون الذين كانت في أيديهم زمام الأمور . ولقد ظلت الممالك السودانية الثلاثة على ولائها للكنيسة القبطية في مصر . وكان ملوكها يعتبرون أنفسهم حواريين وحماة بطريرك الإسكندرية . وكان ملوك تلك الممالك ملوكاً وقساوسة في نفس الوقت . قبضوا بأيديهم كلا من السلطتين الدنيوية والروحية . وساعدهم في مزاولة مهامهم نظام ديني قائم على تعاليم وطقوس الكنيسة البيزنطية . وكانت اللغة الإغريقية هي أداة نشر التعاليم المسيحية إلى أن استبدلت في تأريخ متأخر باللغة النوبية لتصبح لغة الكنيسة . وجاءت المرحلة التالية الهامة في تاريخ السودان نتيجة دخول العرب والإسلام السودان في ربوع السودان . فلقد نشأت علاقات بين السودان وبلادالعرب قبل ظهور الإسلام بأمد بعيد . واتخذ دخول العرب إلى السودان ثلاثة طرق . أولها من شمال بلاد العرب عبر سيناء ثم مصر . وثانيهما من جنوب بلاد العرب عبر باب المندب مروراً بأثيوبيا . وثالثهما هو الطريق المباشر إلى السودان عبر البحر الأحمر . وازدادت أهمية هذه الطرق بعد ظهور الإسلام وانتشاره فلقد سلك المسلمون العرب تلك الطرق التي سبق أن اتبعها المهاجرون والتجار منذ عدة قرون .ويرجع انتشار الإسلامأساساً إلى المعاملات التجارية السلمية وإلى التزاوج بين العرب المتواطنين والأهالي الأصليين . بيد أن تسرب النفوذ العربي بين أهالي البلاد الأصليين كان يقوم به عرب البادية النازحين الذين أغرتهم المراعي الغنية الواقعة وراء الساحل وأولئك الباحثين عن المعادن في الصحراء الشرقية والمتطلعين لمزاولة التجارة في الذهب أو الرقيق.

وقبل أن يستسلم السودان نهائياً للمؤثرات العربية و الإسلامية ، عقد اتفاقية مع العرب في الشمال ، عرفت باسم اتفاقية البقط . وهي التي أرست أسس العلاقات الواجب اتباعها بين المسلمين والنوبة . ولكنها استخدمت كأداة سلمية دخل بواسطتها الإسلامللسودان . وتزاوج العرب المتوطنين مع العائلات النوبية المالكة وورثوا العرش النوبي , وهذا التسرب البطيء ازدادت سرعته واشتدت تأثيراته في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي ، واستمر على ذلك المنوال خلال مائتي سنة .

وسلكت بعض الفرق صوب الجنوب . ومن ثم لم يعد لمملكة النوبة المسيحية وجود فعلي يذكر بنهاية القرن الرابععشر . وفتح سقوط مملكة النوبة في أيدي العرب الطريق أمامهم التغلغل في مقرة وعلوة . واستطاعت مملكة علوة بادئ الأمر الدفاع عن كيانها وأجبرت الجماعات العربية القليلة المهاجرة على احترام سلطتها . بيد أنه لم يكن من الممكن استمرار ذلك الوضع نظراً لتزايد أعداد العرب لاختبار قوتهم في مواجهة العاصمة الضعيفة سوبا التي سريعاً ماخضعت لسطوتهم وحكمهم . وهكذا سقطت آخر الممالك السودانية المسيحية الثلاثة المستقلة في أيدي المهاجرين الجدد من العرب المسلمين . بيد أن تقاليد الأخذ بنظام تكوينالدول الصغيرة المستقلة قد أخذ به في القرن السادس عشر عندما أنشأت مملكة الفونج وأقيمت عاصمتها في سنار . وكانت مملكة الفونج مكونة من الأقاليم التي قامت فيهامقرة وعلوة وما تبقى من أراضي الدول النوبية . أما النوبة الشمالية الممتدة إلى الشلال فقد ضمت إلى ممتلكات المماليك بمصر . أما الأراضي الساحلية الواقعة بين سواكن ومصوع فقد ضُمت إلى الإمبراطورية العثمانية , وأدى توحيد إدارة تلك الأقاليم تحت أيدي حكام الفونج إلى نوع من الوحدة السياسية . وضرب من الاستقرار في البلاد . الأمر الذي كان له عظيم الأثر في انتشار الإسلام ومضاعفة انتشار الثقافة العربيةالإسلامية في البلاد من المناطق المجاورة لدنقلا وسنار . وأخذت الثقافة العربية الإسلامية تشق طريقها صوب كردفان ودار فور حتى بلغت بحيرة تشاد في أقصى حدود البلاد الغربية .

وتفاوت تأثير العرب على الأهالي من اقليم لآخر ومن قبيلة لأخرى . وعلى الرغم من النفوذ القوي والهائل الذي وجدته اللغة العربية باعتبارها لغةالإسلام ، وفرص التجارة التي فتحت . إلا أن اتخاذها بواسطة الأغلبية لغة للحضارة استغرق عدة أجيال . ذلك أن النوبيين والبجا وهم من أوائل أهالي السودان الذين ربطتهم بالعرب علاقات متصلة قد استمروا في استخدام لهجاتهم ولغاتهم الخاصة كأداة للتخاطب ولا زالوا يستخدمونها حتى اليوم . وصاحب التغلغل العربي في السودان توسع انتشار الإسلام . ومن المحتمل أن تكون مجموعات من العلماء دخلت السودان برفقة التجار وبقيام الدولة الإسلامية وتوطيد دعائم السلطة الإسلامية أضحى السودان مهيأ للمزيد من انتشار الدعوة الإسلامية وتغلغل الزعماء المسلمين الدينيين . ومن ثم غدا السودان في القرن السادس عشر الميلادي جزأ لا يتجزأ من العالم العربي الإسلامي . ولم تقتصر روابطه على العلاقات القائمة بينه وبين مصر فحسب . بل امتدت علاقاته مع الأقطار العربية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط وبقية الإمبراطورية العثمانية .

وفي خلال فترة حكم الفونج الذي كانت أقاليمه النائية محل خلاف شديد بينالمؤرخين والباحثين ، امتد انتشار الدعوة الإسلامية حتى بلغت خط عرض 13 درجة شمالاً . وكان العلماء والعائلات الدينية هم الأداة الأساسية في نشر الدعوة الإسلامية إلاأنهم تمكنوا أيضاً من الحصول على بعض السلطات السياسية والاقتصادية .

وعندما زار المؤرخ الرحالة جون لويس بركهارت الدامر في عام 1814 م وجد أنها تُساس بواسطة عائلة المجاذيب الدينية التي اشتهرت بإنجاب أهل الكشف والصلاح والمتصوفين الذين ملكوا قدراً من الصفاء الروحي استحال على أية ظاهرة مهما كانت خبيئة أن تخفى عليهم . وكانت شؤون الدامر كما أورد بركهارت في كتاباته تدار بعناية ودقة شديدتين .
وفي أثناء حكم الفونج دخلت الطرق الصوفية عن طريق الحجاز ، ولما كانت العلاقات الخارجية الأساسية قائمة بين السودان والحجاز . فقد كان من الطبيعي تأثر السودان بالاتجاه السائد هناك . وهو إجلال الأئمة وأهل الصلاح من أصحاب الطرق الدينية
.
وترجع الجذور التاريخية لنشأة الطوائف الدينية إلى التصوف وتطوره . فقد غدا جهاد النفس عن طريق الزهد في عرض الدنيا بديلاً عن الجهاد لغزو العالم ونشر العقيدة الإسلامية . وبالنسبة للصوفي فإنه ليس هناك من إله سوى الله فحسب . بل إنه ليس هناكشيء سوى الله كذلك . على أن التصوف من الناحية الفعلية هو مذهب ومنهج في الحياة . يعبر عن نفسه بالتطهر والترفع عن الصغائر والدنايا وعرض الدنيا الزائل .
وكانت أول الطرق التي دخلت في السودان هي الطريقة الشاذلية . وذلك في القرن الخامس عشر فيالعام 1445 م ، والطريقة الثانية هي القادرية وذلك في القرن السادس عشر الميلادي .

وكان لكل من الطريقتين مرشدين محليين من الأهالي الذين أطلق عليهم لقب الخلفاء ، وحظيت هذه الطرق عن طريق أولئك الخلفاء بتأييد عظيم في السنين الباكرة لقيام مملكة الفونج . ومن بين الطوائف الدينية المحلية طريقة المجذوبية الناشئة عن الطريقة الشاذلية والتي كونها حامد بن المجذوب ، أو المجاذيب . والتي أكد بركهارت فيما كتب أن لها نفوذاً واسعاً وأتباعاً كثيرين في الدامر.

ولقد وجد أولئك المتصوفة أرضاً خصبة بين السودانيين ونالوا تأييد الأهالي ، بما أتوه من خوارق الكلم والعمل .وأصبح كثير من أتباعهم من السودانيين سدنة ذوي نفوذ لملوك الفونج والأمراء التابعين لهم . ليس في المجال الروحي فحسب ، لكن في مضمار السياسة أيضاً .

شهد القرن الثامن عشر ازدهاراً واسعاً للطرق الصوفية خاصة في الولايات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية وأحرزت كل من الطريقة النقشبندية والطريقة الخليوتية . تقدماً ملموساً ، وذلك في الوقت الذي ظهرت فيه طريقة جديدة هي السمانية في الحجاز .
وفي العام 1800 م أدخلت الطريقة السمانية إلى السودان على يد أحمدالطيب البشير . الذي استقر به المقام قرب أمد رمان . وكان له نفوذ بالغ الأثر علىملك سنار وتمكن خلال حياته من جذب كثير من الأتباع للطريقة السمانية . كانت قوة الطريقة السمانية مثلها في ذلك مثل الطريقة المجذوبية ، نابعة من أنها وإن نشأت أصلاً خارج السودان ، إلا أنه كان لها رواد محليون من السودانيين ممثلين في عائلة أولاد الشيخ أحمد الطيب البشير .
بيد أن الرجل الذي كان لتعاليمه أعظم الأثر خلال تلك الفترة هو أحمد بن إدريس الفاسي الذي لم يكن من أهل الصلاح والتقوى فحسب . بل كان رائداً عظيماً من رواد الإصلاح الديني أيضاً . وقد تلقى اثنان من الصوفيين السودانيين تعاليمهما على يديه في مكة المكرمة . وهما محمد المجذوب وإبراهيم الرشيد .

أما الأول فقد عمد إلى نشر طريقته والدعوة لها بين البجا . وعمد إبراهيم الرشيد على نشر طريقته بين الشايقية بالقرب من جبل البركل بالمديرية الشمالية إلاأن تلميذاً آخر من تلاميذ أحمد بن إدريس كان واسع النفوذ من الرجلين المذكورين آناً وهو محمد عثمان الميرغني . فلقد شرع الأخير في صياغة رافده الخاص من الطريقة الإدريسية . وهي الطريقة الميرغنية أو الطريقة الختمية . التي انتشرت بسرعة في شمال وشرق السودان
.
واكتسبت كل من الطريقة الختمية والسمانية نفوذها على حساب الطرق الدينية الأخرى . فالختمية التي كان وصولها واتساع نفوذها مرتبطاً بالحكم التركي المصري . أضحت صاحبة القدح المعلى على الطرق الباقية . وكان الصراع والمنازعات منالأشياء الطبيعية بين أتباع الطرق الدينية وكذلك بين القادة أنفسهم . وقد ظهر ذلك الصراع والتنازل أكثر وضوحاً بين السمانية والختمية منذ دخول طريقة الختمية للسودان .
لقد سيطرت الصوفية والطرق الدينية على الحياة الثقافية السودانية في عهدالفونج وقد تأثر بها النظام التعليمي الذي كان قائماً في المساجد والخلاوي لدرجة كبيرة . . . . }

انتهى النص المنقول ،
*



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس