الموضوع: تأريخ الكهرباء
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2008, 11:54 PM   #[1]
تاج السر الملك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تاج السر الملك
 
افتراضي تأريخ الكهرباء

تاريخ الكهرباء

( البطاطير.........البطاطير.. يا يوسف)
حديث عبد القادر حارس المزرعه
1
تواعدنا عند شجرة يطفىء فيها الخريف العاطل ظمأه ، كانت الى جهة الماء و البرق تعدو ، و الماء من يدى يتدفق و البرق يضىء من صدف اناشيدى. تخيرنا بين الأحاجى فيئا و ظلا ، و مرقدا فوق اشلاء الرمل، ثم ولدتنى التى اسميتها امى و انا فى مدارج النطق اتعثر ، حملتنى و خيوط الذاكرة الداكنةالخضرة زمانا، حتى نسيت ملامح الملح و زبانية المركب ، الاشداء ، القساة القتلة ، حملونا على ظهر المركب ، نساء و رجالا، دون ثياب، على ظهر المركب العارى، نتوسد نتوءات خشب البلوط البارزة مثل العظام ، و من خلفنا الساحل ينأى حتى تلاشى فى ضباب اربعمائة عام من الأسرو الفوضى و العدم.
2
نظرت الى جسد ( مس جارفس) ، عيناها مثبتتان فى سماء الغرفة ترقب دنو الساعة الأخيرة فى نهاية القرون الأربعة ، بجانبها زوجها ( جو) يحن لسماع صوتها يخرج من بين شفتيها و لو لمرة واحدة يتيمة ، الصوت الذى سمعه مرارا دون ان يحفل به سوى سنوات العشق الأولى ، مختلطا بصوت الحاكى العتيق الذى تدور فيه اغنيات ( جيمس براون) دون ملل او انقطاع ، حدثتنى ذات يوم ، انها التقت ( جو) و هى غارقة فى اغنية ،(please please please)
شاب فارع اسود الأهاب ، ابيض الاسنان و القلب ، ولدت له ألأطفال ، شبوا و تفرقوا ، بحثا عن الرزق ، هاهى و ( جو) يلتقيان للمرة الأخيرة ، قال الطبيب ان ليس لها سوى سويعات ، تزيد او تنقص، لا يهم ، محض دقائق عالقة فوق جدران اربعمائة عام من المسغبة.
هدأت الى طمأنينة ساعتها الأخيرة، فكأنما الزمن يتقدمها ناظرا اليها و هى تتخاذل عن اللحاق به ، يهيل رمادا و شحوبا فى منابت شعرها ، يتسرب فى رئتيها و نبضها المتسارع الى همود مثل مقطوعة ل( كاونت بيسى) تأتى الى ختام و تلاش.
تبادلنا حديثا خافتا و ( جو) ،تغاضينا صفحا عن لوم الأمل المندحر فوق جبينه المتفصد بالعرق.
3
كانت ( منسية) تشرب المريسة ، و تأتى الى مهرجان صراع ( النوبة) عصر كل جمعة ، بيدها اليمنى عصاة مزركشة بشرائط من قماش ملون و خرز ، تتقافز و تتثنى على ايقاع الطبل المثبت بين ساقى رجلين يقفان ظهرا لظهر ، تسبح فى الفراغ مثل فراشة ، تتوسط دائرة الرجال الذين لمعت أجسادهم المسقاة بزيت السمسم و اقدامهم الموشحة بشرائح السعف و العلب الصغيرة الفارغة ، تقتات بصوتها الحاد من همس الصدور و رزيمها و هزيمها ، غذاء السلوى لأحزانها المستترة تحت لزوجة الكهرباء ، جاءت يوما فى غير موعد المهرجان، و البثور تغطى جسدها الرقيق ، صاح السابلة من رعب ..الجدرى...فرجمها الرجال و الصبية بالحجارة فقضت مثل زانية او كلب عقور ، خمدت انفاسها فأنكمشت ساعتها الأخيرة الى ثوان محضة عالقة فوق جدران احزانها ، ما تيسر لها ان ترى الخرطوم تخفى بثورها ، حتى لا ترجم كالزانية .
كانت الكهرباءتشحذ شفرةالحب بألسنتها، و توقد العشق فى الأسطوانة القديمة ، حتى علاها الغبار وولدت على متنها الكهرباء الساكنة ، وولد معها عارها، و انطفأ السراج حين نضب الزيت و ظلت الأسطوانة فى دورانها ووقدتها معلقة فى خيط الكهرباء ،و قلب ( مس جارفس) فى خفقانه ينبض تحت وقع اوركسترا ( كاونت بيسى) ، ينبض فى جسد ميت ، و الكهرباء تسرى تضىء كل شىء ، الا ابتسامة أخيرة على شفتيها ، ضلت طريقها حال انطفاء السراج، ابتسامة ظل ( جو) يحلم برؤيتها فى عطش رغبته الى اجتياح جسدها مثل سريان الكهرباء فيه، شوقه الى شرخ فى الأسطوانة تتعثر فى احابيله الأبر و تتساقط الأغنيات فى هوة اخدوده، ثقب فى الزمن تتأخر فيه الأغنيات عن عصرها ، و تسقط من خلاله ( منسية) فى فراغ التخاذل عن اللحاق برمق منه.
انقضت لعبة عصر الجمعة، وتواترت الكهرباء فى مجيئها و رواحها مثل محنة او مواقيت صلاة ، و عند الشجرة اطلقنا ( الكايوتى) فى الفضاء نتصيد البرق ، و نصنع الكهرباء ، نضىء صدف الأناشيد و القبلات و رسائل العشق الألكترونية ،، عند الشجرة حملنا ثوبها ننفض عنه ( الشراء) ، فألتصق الشراء بالخيوط و عار الكهرباء الساكنة، و حين ادركنا الونى، جلسنا فوق مقاعد شجر البلوط و كهرباءها البريئة ، فولدتنى التى اسميتها امى و انا فى مدارج النطق اتعثر ، و ( مس جارفس) ترمقنى بعين تشع بسحر الكهرباءو ابتسامة من النتروجين.
4
سنار
ازدحمت جذوع الاشجار و تكالبت على جانب الخزان الجنوبى ،و احذية من البلاستيك الملون ولكن معظمها اسود ، سقطت من أقدام فلاحات ( السوكى ) و هن فى رحلتهن عبر الخزان ، قال عمى من اعماق بشرة كالقمح ( المحنة ..نار قصب) ، و طفق يشرح لى بعزم مخلص معنى قوله ، اشترى لى جلبابا تفوح منه رائحة الكهرباء و هو يترحم على روح والدى ، و فى السماء طيور الرهو و السمبر تسبح فى استرخاء مزاحها مع الزمن ، و على جانب الخزان الشمالى تفصد الماء مثل العرق على جبين ( جو) ، و اماله المندحرة.
أضاعت ( زينب) فى موسم الخفاض حذاءها البلاستيكى الملون ، بيد انها واظبت على عبور الخزان حافية ، مع بقية الصبيات يهزجن ( يا الله ..متين نشوف الخرتوم) ، عبد القادر ، حارس المزرعة لم يكن يكف عن طلب الكهرباء ( يوسف...البطاطير .....البطاطير....قلت ليك البطاطير ) ، و حين رأى محمد المسامير تغطى السماء فى حلمه ، ماتت زوجته زينب، فواصل حجامة جسده فى صبر و جلد و اخفى احزانه فى كهرباء روحه، يمتلىء الكوب الفارغ بالدخان، فيضعه على جسده العارى حتى تنبت على سطحه بثور ممتلئة بماء عكر ، يفصدها بالموسى ، و يطلق تنهيدة حرى.
( يوسف ..يوسف...البطاطير) و المذياع يؤنس وحدته مختبىء من زمن يوشك المركب فيه على الأقلاع.

تاج السر الملك



تاج السر الملك غير متصل   رد مع اقتباس