عرض مشاركة واحدة
قديم 20-10-2011, 06:10 PM   #[44]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي


رسالة من البروفسير على المك الى على الماحى السخى
اعترف باننى كنت اضعف الايمان,العن ولا اقدم شيئا
لايقدر على كسر الاغلال سوى الشجعان الصناديد

نشرت بالميدان بتاريخ 31 اكتوبر 1985


اعتقد اننى قد غنمت صداقتك قبل ان اراك ,والصداقة الحقة هذه الايام اندر من اسنان الدجاج,وانى لطشت هذا التعبير الذي اراه بارعا من كاتب وشاعر ايضا اسمه لانجستون هيوز وعلى كل فان هذا ليس مجال الحديث عن اسنان الدجاج,الخل الوفى, او العنقاء.

قرأت رسالتك الجميلة الى منظمة العفو الدولية,ترد بها على رسالة وصلت اليك منهم,حدثني من لا اتهم ان رسائل المنظمة كانت تخترق اسوار السجون طال بها الزمن ام قصر,وكنتم تقرأونها.تصل كانت كمثل مايصل الهواء لايمنع وصله احد وكما تطلع الشمس لا يحجب ضياءها احد,ومثلما ترتفع السحب فى سماء تعلق نفسها لا يعارض سموها احد,انا بذلك جد سعيد.

اغرتني رسالتك بالنظر الى نفسي نظرة جوالة,عاينت نفسي من داخلها,واذكرتها اياما يابسة جفافها عجيب...يحصونها بعمر الزمان..يقولون ستة عشر عاما,سالتني نفسي لماذا لا تقولون ستة عشر سنة؟ الان( العام) مذكر,والسنة انثى؟ام مازالت دنياكم تفكر بتلك الطريقة العقيمة؟سكت, وماعندي لها من جواب..نفسي سرحت بعدها,اجيل النظر حيث ينبقي لي وحيث لا يكون ذلك,وكما تعلم فان البحث فى النفس ومعاتبتها امر لايقدر عليه الا قليل من الناس....

ان المسافة بين سجن كوبر والبيت الذي اسكن فيه في بري جسر واحد,والمسافة بين وجود هذا السجن والاحساس به لبعض من هم خارجه وهم لا نهائي.. بضع عشر سنة كان الحديث فيها عن التعذيب تفيض به المجالس والجلسات,يتورم الحدث بين جلسة واخرى,ومجموعة واختها.

ماذا فعلت انا مثلا؟ كنت مشغولا بالركض اللاهث, عهد كانوا يرمون الناس فى السجن و يعذبون ويقطعون من خلاف ويشنقون ويقتلون اللغة, وتعلم انهم صلبوا منسوبات الاسماء!!
كنت اضعف الايمان العن الحياة ولا اقدم شيئا فيذكر لصياغة معالمها.

عزيزي على الماحي

لقد اذكرتني رسالتك العذبة زمنا لعهد الحداثة والصبا آمنا فيها حق ايمان اننا قادرون على طرد الاستعمار عن البلاد. وانه يمكن لتلك الفئة المؤمنة ان توقف الحرب الثالثة الكبرى تنذر بعد اختها الثانية,وما قد خلفت تلك من ويلات ودمار وبؤس وعار. كنا نجمع التوقيعات على نداء برين ونداء ستوكهلم,ونلوذ بالظلال والجدران والسوق والبحر الصخاب ان يبطش بنا ما كنا نسميه( البوليس السري) واضحك الساعة فالبوليس السري من ام درمان كلها- آ نذاك - من ابي روفها للموردة الى ود نوباويها بضعة افراد يلبسون الجلاليب تخفيا ويعلنون بمناديل البوليس الحمراء والصفراء عن الهوية وعن البضاعة كلتيهما. ونجمع التوقيعات .لا باس طفنا بالنداء(القصيرية) و(سوق العناقريب) و (الملجة) وقرأ الطلاب والخضرجية والسمكرية والخراطون واهلات الحرف ومن لا عمل لهم ,ثم وقعوا عليه ومن لا يعرفون الكتابة جعلوا على الورق بصماتهم,بعض أولئك ما سمع بأستوكلهم ومنهم ما لا يعلم اى خط عرض يلاقى اي خط طول فتكون برلين, وهي ايام عذبة المذاق ثم تجيء الينا سنوات يصير فيها البوليس السري الى شئ اكبر من المناديل والجلاليب,لكل مدينة نصيبها الوفير..جند منهم وآلات,ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل,وما ليس بمستطاع وكنا عدوهم وهم لا ريب عدو الله وانهم قد نفذوا الى المؤسسات والمصالح والمصانع ودور الرياضة واماكن الترفيه,فكانوا للضاغوت جنودا ومنها العسل, فكان اولائك القوم يكتبون ويرسلون الرسائل ويصورون ويرصدون النشاط اليومى لزملائهم... فلان ذهب للفطور تحدث بالتلفون,دخل مع فلان وخرج مع علان,سمعناه ينشد شعرا... حرم عليكم امرؤ القيس وطرفة بن العبد وصناجة العرب واعمى المعرة ولوركا ومحمود درويش, قالوا, وكتبت العيون فى المؤسسات والجامعات ودور الرياضة تقاريرها للامن,.. ويقيم الشرفاء بذلك السجن الكائن شرق النيل, اقول كنا لعهد الحداثة والصبا نضرب عن الطعام ليخرج الانجليز ومن الناس من سخر منا,وخرج الانجليز, ماذا الم بي عهدا طوله ستة عشر سنة؟ ضعفت؟ فترت حماستي؟ رسالتك تلك الرقيقة جعلتني اجيل النظر فى انحاء نفسي,رسالتك زلزال سانحة تغري المرء ان يصفى دمه من شوائب ذلك العهد,ان للأسرة اغلالا , وللولد اغلال, فذاك زمان شظف العيش زمان تطير الاسقف عن الجدران , او ان الخوف والمسغبة. لايقدر على كسر الاغلال سوى الشجعان الصناديد... اعل الايمان بالشعب, لقد باع لنا اعلام ذلك العهد بضاعة كاسدة ولاذوا وعالنوا بالكذب.

عزيزي على الماحي

انني اتصور ليلاتك فى السجن,فى خيالك زهراتك... والزهرة الكبرى هذا الوطن, واتصور الجدران تحيط بكم والطعام الغليظ. كان المفكرون فى مصر يتحدثون عن سجون الملك فاروق ويكتبون عن اكلهم الطعام( ممزوجا بالاسمنت)... وكلمونا كيف تصنع السجون صنوفا من السقام لايعرفون مصدرها ,وتصنع السل والاكتئاب.... وفى خارج كوبر وشالا وسجن بورسودان وغيرها يركن بعض الناس للكلام عن اي المخابز رغيفها ناعم وابيض واي الطلمبات بنزينها وفير وعمالها فيهم سخاء ونخوة فلا يعترفون بالحصة المقررة ولا بالتموين...فى دمنا يا اخي على بعض هذا...أريد لهذا الدم ان يصفو..وتيسر لى كلماتك النابهات العلاج.

عزيزي علي الماحي

أعتقد انني قد غنمت صداقتك قبل أن أراك,والامر بين يديك ولك من بعد تقديري ومودتي الخالصة.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس