عرض مشاركة واحدة
قديم 14-03-2008, 06:45 AM   #[38]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الشريف حسين: صفاته الشخصية وطبيعته الإنسانية
[/align]

اشتهر بين أقرانه بالجرأة والشجاعة والإقدام ؛ ومحاولة المغامرة وركوب الصعاب مع حبه الشديد للمديح والمدّاح؛ يسهر معهم في طفولته وصباه . وكان أنشط الذاكرين في حلقات الذكر؛ إذ كان الوهن والفتور يدبان في الآخرين إذا تقدم الليل ؛ ويظل هو نشطا . وفي صباه ألف بعض المدائح النبوية وعلى سبيل المثال قال قصيدته التي مطلعها:

[align=center]بروق الخيف ضياك بعيد علي المشتاق صباح العيد[/align]


ومنذ أيام الخلوة ، كان إنسانا إجتماعيا محبوبا نشطا ؛ يعمل بيديه مع الذين يعدون الطعام، في التكية القائمة بدارهم لإطعام الضيوف؛ ويساهم في نقله بعد إعداده على عاتقه. أحب المساكين وعاش معهم واختلط بهم ؛ وكان يتفانى في خدمتهم . وعرف بالكرم والإيثار وكراهية الإثرة والأنانية ؛ يعتبر كل ما يكتسبه هو حق مشاع لغيره معه؛ لذا يدع الآخرين يشاركونه حتى في ملابسه .. وذكر زملاء طفولته ببرى ، وبعض زملاء دراسته بود مدنى وفكتوريا ، أن قلبه لا يعرف الحقد ؛ ولكنه لا يقبل أي استفزاز .. وإذا استغضب فإنه يثور ثورة عارمة . وعرف منذ صغره بالفصاحة والإبانة وزلاقة وطلاقة اللسان وقوة البيان ..


عندما أتم حفظه للقرآن الكريم، أخذه خاله أحمد خير معه ليتم دراسته بود مدني .. وألحقه بالصف الرابع بالمدرسة الأوليه؛ وطوى كل المرحلة في عام؛ وامتحن للدخول للمرحلة الوسطى ؛ وقبل بالمدرسة الأميرية عام 1935 م . كان يكتفي بحضور الحصص ، ولا يستذكر دروسه؛ ورغم ذلك كان مبرزا في كل العلوم خاصة اللغتين العربية والإنجليزية ؛ وعندما تُعقد الامتحانات يتبادل المراكز الأولى مع أبرز أبناء دفعته بالمرحلة الوسطى. كان يجيد الخطابة بصوته الجهوري المتميز ؛ ويحفظ الشعر ويتمثل به. وعرف بالشجاعة الأدبية ؛ ويشترك في المناشط الثقافية والأدبية ؛ ويحب الدراما والتمثيل في الليالي التي تقيمها المدرسـة..

" لقد كان الشريف الحسين على المستوى الإنساني ، شخصا كريما يفيض بالمروؤة والإيثار وحب الخير للآخرين .. وقد ساهم في علاج المرضى ، وقضاء حاجة كل من يقصده ، واهتم بطلاب العلم إهتماما فائقا، وقد تلقى الكثيرون منهم دراساتهم الجامعية وفوق الجامعية على حسـابه الخاص ، وكان ينفق كل ما يحصل عليه من أموال طائلة في وقت وجيز ، على المرضى وذوي الحاجات والطلبة .. وحتى الذين يعيشون في فنادق لندن التي أتوها من السودان معارضين ، كانوا يقيمون في أرقى الفنادق ، يعيشون في مستوى محترم، على حساب الشريف . ويقيم آخرون في عواصم أوربية وعربية أخرى ، وينفق عليهم الشريف . وقد خرج هؤلاء بمحض إرادتهم ، لأنهم ضاقوا ذرعا بالنظام في السودان ، ولا تثريب عليهم ، إلا أن بعض السودانيين كانوا متعاطفين مع مايو ، أو المنخرطين في نظامها ، ومع ذلك أعلنوا بعد الإنتفاضة ، أنهم كانوا على صلة بالشريف وبالمعارضة في الخارج.

وكان الشريف على صلة شخصية ، بكثير من الملوك والرؤساء والأمراء والأثرياء ؛ وعلى علاقة وطيدة بعدد من حركات التحرر الوطني، يساعد بعضها في احتياجاتها، وكان يشرف على معسكرات المقاتلين السودانيين في ليبيا وأثيوبيا المعارضين لنظام مايو.


إن الشريف حسين الهندي شخص غير عادي ، وإنسان متعدد المواهب ، وهو بحر واسع من أي جانب أتيته ، ولكن الجوانب التي تستحق أن يتعمق فيها الدارسون ، هي الجوانب الإنسانية . فقد ولج العمل العام من هذا الجانب ، وكان في حياته الخاصة متواضعا ونصيرا للمستضعفين ولصيقا بالبؤساء ، وعطوفا على المساكين الذين أحبهم وأحبوه ، وكان رقيقا في تعامله معهم، ينفق عليهم إنفاق من لا يخشى الفقر. ومن القصص الإنسانية التي تدل على رهافة حسـه ، أنه ذهب مرة لجنينته الواقعة بالفرب من سوق حلة كوكو –شرق النيل الأزرق وبالضفة المقابلة لحي بري، في معية صديقه الأستاذ/ عبدالماجد أبو حسبو ، وأحس الشريف عندما هم بالدخول بحركة ، ورأى صديقا له من المساكين كان منحنيا لرفع جوال ليمون ، فوضع الشريف سبابته على فمه ، مشيرا لأبو حسبو بأن يصمت ، وقاده بسـرعة شـديدة وسط الأشجار الشائكة الكثيفة ، حتى أصاب أحد الأغصان يد الشريف بجرح طفيف ، ولما أبتعدا ذكر الشريف لصديقه أبو حسبو بعد فترة ، أنه لمح أحد أصدقائه ، وكان منحنيا يحرك جوالا مليئا بالليمون ، وخاف أن يرفع صديقه رأسه ويراهما ، فيبتعد خَجَلا منه نهائيا ، ولا يحضر ليطلب منه شيئا ، إذا إحتاج إليه.. وأخذ يوجد المبررات لصديقه الذي إضطرته الحاجة والضرورة لأخذ ذاك الجوال.

وذات مرة ، حدثت مشادة كلامية بينه وبين الأستاذ/ أحمد إبراهيم دريج زعيم المعارضة داخل الجمعية التأسيسية يومها، وبعد أيام كان الشريف في طريقه لسنجه ، ليقضي فيها أيام العيد مع أخواله ، وكان ينوي أن يمضي ليلة باستراحة مشروع الجزيرة ببركات ، وعلم أن السيد دريج زعيم المعارضة ، سيأتى ترافقه أسرته لقضاء أيام العيد بها ، فقرر أن يواصل رحلته ويدع الإستراحة لدريج وأسرته ، وطلب من أصدقائه ببركات أن يحسنوا إستقبالهم ، وأن يحفوهم باهتمامهم ، طيلة فترة وجودهم معهم ؛ وأشرف بنفسه على تجهيز المكان ، الذي كان مقررا أن ينزل فيه السيد دريج . وقد إندهش البعض لهذا الإهتمام ، وهذه الرقة المتناهية ، وذكروا له أن بينه وبين السيد دريج في دنيا السياسة ما صنع الحداد ، فقال لهم:

" تلك أحاديث السياسة ، ولكننا على المستوى الشخصي إخوة ، لا شحناء أو بغضاء بيننا،
وإنني أعتبر أن أبناءه هم أبنائى ، وأن أسرته هي أسرتي ، ويجب أن تحتفوا بهم " ..


ويقول اللصيقون به، أنه في حياته الخاصة إنسان ودود ، دمث الأخلاق ، يألف ويؤلف قضى أخريات أيامه في العبادة ، وتلاوة القرآن الكريم وقراءة مولد والده (كتابه للسيرة النبوية) . وقد سجل منه بعض الألواح (فصول)، وقضى شهرين قبل وفاته بالمدينة المنورة يشارك في مديح الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع بعضا من أحباب والده، ويبكي بكاءا حارّا ، عند قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعدما يؤدي صلواته فيه.


كما كان بطبعه وتربيته الصوفية يميل إلى الزهد؛ قليل الطعام، قليل المنام، بليغ الكلام .. ديموقراطي النزعة واشتراكي المبدأ في عيشه الشخصي والحياة؛ برغم ما كان يملك من المال فما أكثره! ومن الجاه وما اوسعه! فلا عجب إن كتب في مذكراته انه (وفيما يخص ذاته) لا يؤمن بالملكية الفردية عملا بقول جده الرسول محمد (ص): "الناس سواسية في الماء والكلأ والنار" يعني الوقود.. أوليست هذه ركائز العيش والحياة؟ والماء وحده قال تعالى عنه: " وجعلنا من الماء كل شيء حي".. فإذا كانت الديمقراطية هي المشاركة في التشريع والحكم والإشتراكية هي توزيع الموارد والمال والملكية على الناس جميعا معنى ذلك أن الديمقراطية تعني إقتسام السلطة والإشتراكية تعني إقتسام الثروة التي تنعم بها البلاد، وهذا ما كان يؤمن به الشريف ويعمل على تحقيقه إلى أن لقي ربه (رحمه الله).

(من كتيّب "الشريف الحسين الهندي: أسرار وخفايا"؛ لصديق البادي).



[align=center]"لا قداسة مع السياسة"
مقال الشريف حسين الهندي بجريدة "العلم"
(في منتصف الخمسينات من القرن الماضي)[/align]



كان بعض الزملاء يستفسـرون الشـريف عن سبب عدم انضمامه للحركة الإتحادية، وهم يدركون تعاطفه معها؛ وكان يتذرع فى رده عليهم بأسباب واهية لم تقنعهم. ولكن بعض أصدقائه الحميمين كانوا يدركون ، أن من رأيه أن الطائفية ينبغي أن تبتعد عن العمل السياسي الحزبي - وعلى قادتها ألا يتدثروا بالقداسة ، إذا أرادوا أن يخوضوا مع الآخرين غمار السياسة ، ولذلك رفع الشريف منذ وقت باكر شعار : "لاقداسة مع السياسة" ، وهو الشعار الذى التقطه الأستاذ يحي الفضلي فيما بعد . وفور انفصـال طائفة الختمية وتكوينها لحزب الشــعب الديمقراطي ، بادر الشريف الحسين بالإنضمام للحزب الوطني ، وقد كتب الشريف عن الطائفية فى جريدة العلم ، مقالا بعنوان : "لاقداسة مع السياسة" ؛ جاء فيه :

"نحن نحترم رجال الدين ما التزموا جانب الدين، واعتصموا بدينهم وربهم إبتغاء مرضاة الله، ولكننا لن نهادن الكهنوت السياسي والرهبنة . وعندما نتعرض لزعيم ديني ، أصبح زعيما دينيا - سياسيا، فإننا لانتعرض لمسائله الخاصة، فهي ملكه. إننا لا نتحدث عن طعامه وشرابه وعواطفه.. وإنما نتحدث عن مدى صلته بالمجتمع الذى يعيش فيه، ومدى تأثيره السياسي على طائفة من المواطنين، بغض النظرعن الأسلوب الذى يتبعه، لأنه سياسي على كل حال"

- الشريف حسين الهندي -





التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس