8) البرنيطة :
هي غطاء الرأس المنتشر في الغرب وأوربا ، وقد عرفها قاموس اللهجة العامية في السودان بأنها "كساء الرأس (القبعة)" ( ). صورة رقم (30)
دخلت البرنيطة إلى السودان ، عقب دخول الاحتلال البريطاني في العام 1889م ، ويبدو الارتباط الواضح لدى السودانيين، بين البريطانيين، وهذا النوع من غطاء الرأس ، حتى أسموه برنيطة. وكان يعمرها الموظفون البريطانيون في السلك الإداري ،مع الشورت (الرداء القصير) وقد ارتدى البرنيطة في شمال السودان ، بعض وجهاء المدن من السودانيين، فقد كانت مع الشورت ، لبس عميد كلية الأحفاد الجامعية السابق ، السيد / يوسف بدري.
وتعتمر البرنيطة في جنوب السودان، و عند قبائل النوبة في غرب السودان ، ويبدو أثر قانون المناطق المقفولة، الذي سنته الإدارة البريطانية ، والذي جعل هذه المناطق مغلقة بالفعل للبريطانيين، أثره الواضح في تأثر السودانيين في هذه المناطق بالطابع الإنجليزي في اللبس وخاصة اعتمار البرانيط .
وهناك نوع من البرانيط المعروفة في مناطق جبال النوبة ، تصنع خصيصاً للمسافرين ، من الدقيق المخلوط بالسمسم ، ثم تلف بورق القرع ، وهي عبارة عن مؤنته أثناء رحلته ، وحماية لرأسه من الشمس في ذات الوقت ، كما أنه تسهم في تقليل المتاع وما يحمله المسافرون على أيديهم ، فيكتفون بحمل الماء والعصا التي تحميهم ( ).
لم يظهر القادة السياسيين الجنوبيين في المجال العام معتمرين البرنيطة ، منذ السيد سرسيو ايرو ، عضو أول مجلس سيادة سوداني ، مروراً بأبيل لير، وجوزيف لاقو، وغيرهم من الساسة الجنوبيين ، وإنتهاءً بالزعيم جون قرنق رئيس الحركة الشعبية ، والنائب الأول للرئيس السوداني السابق، الذي كان يظهر حاسر الرأس في البذلة الإفرنجية، أو في ما يعرف بالزي (الكنغولي) ، الذي ارتدائه الكثير من قادة وزعماء الدول الإفريقية ، في الكنغو وزائير وغيرها ، وهو نوع من القمصان القطنية القصيرة الأكمام ، ذات المزاج الأفريقي في التصماميم والألوان، (صور رقم 31-1،2). والمرات الوحيدة التي ظهر فيها الرئيس السابق لحركة تحرير السودان ونائب رئيس الجمهورية السابق ، وهو يعتمر غطاءً للرأس ، كانت تلك التي ظهر فيها بزيه العسكري ، باعتباره القائد العام لقوات الحركة. وإرتبطت البرنيطة في أذهان الكثير من السودانيين، بالاستعمار البريطاني ، وسياساته وقوانين المناطق المقفولة التي أصدرها وأدت إلى انعزال الجنوب . مما قد يسمح بتأويل ارتدائها من قبل قائد سياسي جنوبي ، باعتبارها إشارة إلى دعاويه الانفصالية . وهواجس فصل الجنوب ، هواجس شائعة لدى الكثيرون في الشمال ، عن الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وقد روجت لها أجهزة الإعلام الرسمي ، قبل توقيع اتفاقية السلام مع الحركة . يمكن أن نقرأ عدم ظهور الزعيم جون قرنق بالبرنيطة ، نتيجة لوعيه بالرسالة السياسية لأزيائه ، فهو بالإضافة إلى عدم اعتماره البرنيطة ، كان أول سياسي جنوبي، يرتدي زياً لقبيلة أخرى من خارج الجنوب( ) ، وكأنه كان يحاول إيصال مقولاته السياسية ، عن اتساع الحركة الشعبية لكل السودانيين، وأنها ليست تنظيم للجنوبيين فقط .
وعلى العكس من سلفه، يظهر السيد سلفاكير ميار ديت ، الرئيس الحالي للحركة الشعبية للتحرير السودان، ونائب رئيس الجمهورية، بالبرنيطة في أكثر الأحوال. (صور رقم 32 -1، 2). وقد ساهم اعتماره للبرنيطة ، في شيوع اتهامه بتبني التيار الانفصالي داخل الحركة. ولكن بعض أنصار سلفاكير يفسرون إعتماره للبرنيطة، بتأثره منذ الطفولة بالسينما الأمريكية وأفلام رعاة البقر ، وأنها تعبر عن شخصيته ، وليس عن مواقفه السياسية، وأنه كان يعتمرها حتى مع اللبس العسكري ، قبل أن يصبح نائباً لرئيس الحركة ، أو نائباً لرئيس الجمهورية (صورة رقم 33) .
ومنذ بدايات القرن الماضي ، ظهر العديد من القادة والساسة السودانيون وهم حاسري الرؤوس ، فظهر بعض ثوار حركة 1924م وهم حاسري الرؤوس إلى جانب مرتدي الطـربوش ، ونفس هذا المشهد ( تجاور الرؤوس الحاسرة والطرابيش ) تكرر في صور أول مجلس سيادة سوداني في العام 1956م . وكان السيد إسماعيل الأزهري، أول رئيس سوداني، يظهر دائماً حاسر الرأس،في البذلة الإفرنجية ( صورة رقم 34)، وكذلك السيد محمد أحمد محجوب، أول رئيس وزراء سوداني (صورة رقم 35). وقد كان هذا المظهر، مظهر معظم السياسيين، والنخبة الحاكمة، والمثقفين، في غالب أرجاء البلاد.
|