استاذ عبدالله، الفنان والفيلسوف،
ذكيٌ حديثك مع العقل الباطن ونتابعه بشغف وفضول. أوردت بذكاء الإصحاح الإنجيلي من لوقا، ولن أدخل في تفسير مسيحي لهذا الإنجيل، جلّ ما أريد قوله ان العقل الباطن لم يكن له علاقة بالشياطين التي سكنت ذلك الرجل. الشياطين كانت أقوى من hardware و software معاً. وأمام المسيح هربت الشياطين الى الخنازير النجسة.
وضعني حديثك مع العقل الباطن أمام أسئلة وجودية كانت محور اهتمامات الفلاسفة منذ القدم.
والسؤال المحوري الأبرز هو هل نحن احرار ام لا؟
بمعنى آخر، هل يتحكم العقل الباطن بتصرفاتنا ام لدينا القدرة على السيطرة على نزواته ومساوئه؟
هل نحن نخلق اعمالنا ام هي تفرض علينا بفعل موروثات أخرى؟
إن لجأنا الى الدين، في الإسلام كما في المسيحية، سنجد الجواب الذي لا يحتاج لأي تأويل. ومسألة الثواب والعقاب في الديانتين واضحة.
العقل الباطن عند فرويد تقع عليه مسؤولية كبرى، هو أصل كل العلل. وما التنويم المغناطيسي عند فرويد سوى وسيلة لتبيان مسؤولية اللاوعي في التحكم بتصرفات الإنسان وعواطفه. وبرهن العلم الحديث كما برهن فلاسفة من بينهم فرويد أن هناك بعض الامراض التي تظهر على شكل أمراض جسدية معينة، تكون بالحقيقة بدافع من العقل الباطن ولا تفسير بيولوجي لها (مثل المراة المشلولة التي تحدث عنها فرويد في كتابه 2 short accounts on psychoanalysis)
أعود فأسأل: إذا حمّلت العقل الباطن مسؤولية كل شر او بعضه، فكأني بك تقول ان الشر واقع لا محالة وما علينا سوى الاستسلام لأن لا حرية لنا.
أعترف ان جزءاً من هذا قد يكون صحيحاً الى حد ما فهناك موروثات جينية وبيئية واجتماعية تشكّل معاً هذا العقل الباطن.
لكن الله قال لنا إننا أحرار بالإيمان.
أرسل نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ليعطينا حقيقة وجودنا ويضع لنا أسس الإيمان بالله الواحد، وأسس الحياة التي ترضي الله.
الله رحوم وشفوق ولكن هذا لا يعني أن من حقنا منح تفويض كامل للعقل الباطن. الحرب معه مستمرة مذ الازل. يقول أحد المعلمين: "ليس غريباً إن رأى علم النفس الحديث في الحياة الروحية علاجاً لكل داء".
جدليتك يا استاذ عبدالله من الاهمية بمكان، بحيث لا يسعنا أن نعالجها بأسطر قصيرة.
في ختام تعليقي البسيط هذا، أريد أن الفت انتهباهك أني لا أنقض هنا رأيي الأول في مداخلتي القصيرة الأولى، فبرأيي المتواضع أن الله وضع في خلقه كل خير، واعطانا حريتنا، وهذا لا ينفي ان علم النفس الحديث قد اوصلنا الى حقائق عظيمة، وعالج تركيبتنا المعقدة نفسياً واجتماعياً.
|