عرض مشاركة واحدة
قديم 24-11-2007, 03:18 PM   #[24]
imported_فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]صلاح أحمد ابراهيم
بـــــــــانورامــــــا انجـــــــاز أديــــــــب ســــــــــوداني
احمد محمد البدوي
[/align]


مجتلى المعاظلات والمساجلات:-

مظاهر الخلاف بين صلاح واقرانه ورصفائه من المعاصرين الذين جرت بينه وبينهم معارك ومبارزات مشتركة أو مقتصره على جانب واحد صار من وقائع التاريخ، صورة نهائية لتضاريس مجراه ليس من حق احد ان يتوسل الى تبريرها او تزويقها بالذرائع.

صلاح وخصومه رجال على حظ من الوطنية والولاء لبلدهم عظيم، من اصحاب البذل والفداء أو المستعدين الذين دقوا صدورهم مرحبين بالبذل والفداء وتبعات البذل والفداء، فهو خلاف على وسائل خدمة القضية الوطنية وقضايا الشأن الثقافي.

ومن ثم لا مناص من توخي الموضوعية، وامانة الاداء في التاريخ لمظاهر الخلاف بكل ما يحتدم فيها من صدام ورعود مدمدمة، ووضع الامر كله في سياقه. ويبدو أننا في تناول القضايا العامة، باسم العقلانية والموازين المنطقية ننطلق من خانة الإنفعال الشعري.

وبعض الخلاف ناعم، ربما يخلو من اراقة الدماء مثل تناوله لشعر بازرعة (الصراحة 1954) باسم الواقعية، وفي البال منحى كمال عبد الحليم في شعره الملتزم، وسجاله مع سيد احمد الحردلو (الايام 1966). ومن الجانب الآخر حيث يخرج كتاب «البرجوازية الصغيرة» متضمناً مجموعة من القصص القصيرة التي كتبها صلاح احمد ابراهيم وعلي المك، ومن بينها قصة لصلاح خلعت اسمها على عنوان المجموعة، يتصدى لها احمد علي بقادي وعمر مصطفى المكي في جريدة (الميدان 1958) في مقال صارم عنوانه «صلاح احمد ابراهيم يتردى في الدرك الاسفل».

وبعد اكتوبر 1964، وصدور ديوان «غضبة الهبباي» بكل ما يحتشد فيه الجيشان، يتعارك مع عبد الرحمن الوسيلة (الايام 1966). ويبلغ المدى أوجه في الصحافة مع عمر مصطفى المكي (الصحافة 1968) بكل صخب المعارك وراياتها الدامية و«تنبرها».

* الكلام دخل الحوش.

* وبيت شوقي الذي صار شعاراً لصلاح:-

نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
ولم يهن بيد التشتيت غالينا

ولكن بعد مايو 1969، تتخذ المعارك سماتها السياسي البحت، وتبدو في صورة تجريدات عسكرية ضد العدو. صحيح ان صلاح احمد ابراهيم، منى بظلم بيِّن، من فرط تجاوز بعض الحملات حد القصد والعدل لما عراها قدر من الفجور، ولكنه صلاح احمد ابراهيم، لم يكن بعيداً عن (هبرات) التوحش والتفلت في معاركه وجولاته، ففي صراعه المحتدم ضد الحركة الشعبية وقطبيها: قرنق- منصور، كتب يقول عن منصور خالد في مجلة عربية:- (خلع سراويله ودخل الغابة)

ولو لم يكن هذا الكلام موجهاً ضد منصور خالد شخصياً، لما اوردناه في مقام الاستشهاد لأن منصور خالد، وهو من هو في مقام من تسمح اريحيته بايراد مثل هذا الكلام، في مقام الاستدلال، وان كان فيه مافيه. لا يبدو ان الظاهرة تمشي بالسرعة نفسها في الإتجاهين المتضادين. ولو قيض لصلاح ان يشهد ما آل اليه الحال الآن، لادراك ان الامر لم يكن يستحق كل ذلك الدم المسفوح.

صلاح وجهاده الوطني:

شارك صلاح احمد ابراهيم في نضال بلده من اجل نيل استقلاله، سواء على صعيد الاسهام الفردي، أو بوصفه منتمياً الى جماعة ما، وهذه المشاركة محصورة في تجربة الطالب صلاح احمد ابراهيم، وادت الى فصله من الدراسة في مدرسة حنتوب الثانوية وتهديد مستقبله، الى ان تم الحاقه مع زميله وصفيه (شيبون) بمدرسة المؤتمر في ام درمان، ثم واصل مسعاه في الجامعة إلى ان تحقق الإستقلال بل عرف طريقه إلى السجن، على الأقل مرة واحدة، قبل الإستقلال.

وباستثناء محمد ابراهيم نقد، من بين قادة الاحزاب، وكلهم او جلهم من جيل صلاح، لا نرى بين رؤساء الاحزاب الآن من له مشاركة صلاح، فالترابي الذي تخرَّج من الجامعة (أى اكمل دراسته فيها) في العام 1954 كانت له مشاركة بوصفه فرداً من الطلاب وعضواً في الحركة الاسلامية التي ولدت العام 1954، وكذلك الصادق المهدي، ولكن أيَّاً منهم لم يفصل من الدراسة ولا عانى من ويلات المشاغبة، ولا دخل السجن والهدف من المقارنة هو اكساب الصورة مدى من الوضوح يبرر خطوطها المائزة وألوانها: "الاعتراف بهذه المآثر".

ومما يكمل صورة المساهمة في الكفاح الوطني من اجل الاستقلال، ان صلاح احمد ابراهيم حرم من ان تُعيِّنه جامعة الخرطوم معيداً، وكان مؤهلاً لذلك. وكذلك حرم من ان يعين في وظيفة «سكرتير ثالث» بوزارة الخارجية، بعد تخرجه، وكان اول الخريجين الذين جلسوا لاداء امتحان الخارجية، ولم تشفع له مشاركته المشهودة في كفاح بلده، بل ان الأمم حديثة الإستقلال، تحرص وتعض بالنواجذ، على منح الوظائق للوطنيين أصحاب البذل، الذين لهم سجل حافل.

على ان الاسهام الجوهري لصلاح لا يتبدى في اقوالٍ واعمالٍ فحسب وانما بفرض نفسه في صورة انسان صاحب شخصية تاريخية ودور استثنائي ألا وهو فاطمة احمد ابراهيم، الصحافية ورمز الحركة النسائية ومؤسستها في طورها الناضج، والبرلمانية، والشيوعية الذائعة الصيت، بوصفها نموذجاً للمرأة السودانية المسلمة في احسن اوضاعها من حيث السلوك، والزوجة الناهضة بأمر مسؤوليتها وتربية اولادها بعد رحيل الزوج، فصلاح هو الذي اقنع فاطمة وادخلها في حوش الحزب الشيوعي، (المجنونة، الدائرة الجهنمية).. وفي تأبين صلاح في لندن وقفت فاطمة واعترفت بذلك، كان صلاح يقول قبل ان اقدم فاطمة لكم (كان حزبكم حزباً رجالياً بحتاً).

ولهذا إذا تكلم الناس عن اليسار والشيوعية، فصلاح بدوره في اقناع فاطمة، وترتيب انتمائها، سيكون في عين التاريخ، احد اصحاب العطاء التاريخي، وعندما وقفت فاطمة لتستلم جائزة الامم المتحدة، باسم تكريم الاتحاد النسائي، لأنه انجز ما بزَّ به كل الحركات النسائية في العالم الثالث، وبينها حركات أعرق، كان صلاح احمد ابراهيم في قلب المشهد يده في يدها.

بيد أن جهاد صلاح، ودوره في العمل الوطني، ومشاركته في صنع استقلال بلاده، إنما هو جهاد اديب، وشاعر في المقام الاول، وليس بجهاد السياسي المحترف، والحركي الخارج من بيته ومن جلده محترفاً (التلف والهلاك). وان شئت جهاد شاعر، فيه امشاج من الصوفية والرومانسية والازدهاء بالأحلام البعيدة، والسذاجة الدالة على سلامة الصور.



التوقيع:
[frame="5 80"]اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
[/frame]
imported_فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس