[معاوية محمد الحسن]

أحبائي المتداخلين في هذا البوست:

أستمتعت غاية المتعة وانا أقرأ المداخلات التي اجدها أيضا عظيمة الفائدة و لا أخفي ان غرضي من فتح البوست كان بالدرجة الاولي أن أعثر علي تفسير لحالة محسن خالد و يهمني جدا أن أقول أن الذي يستدعي تصويب النظر ناحية الموضوع أكثر من اي شيء أخر هو ذاك الجانب المتعلق بالنهج العرفاني و الاستشراقي للفنان و صلة ذلك بمشروعه الادبي من ناحية ثم تلك التهويمات و الفيوضات الروحية الكبيرة التي تصل حد زعم النبؤة .

القضية كما طرحها حبيبنا -رأفت ميلاد- (لا أحب أن أختلف مع أحد هنا ) بشكلها المبسط حول أن المعركة تبدو في غير معترك فمحسن ادعي نبؤة و لنا ان نصدق و نتبع أو غير ذلك , تبدو تسطيحا للموضوع لا أكثر .

ان الجنوح نحو محاكمة السيد محسن خالد بالمنطق الديني أو حتي منطق علم النفس العلاجي او السلوكي لا يعتبر عملا مجديا في حد ذاته ,نحن أمام حالة لفنان و مبدع و ينبغي أن نلتمس منهجا أخرا في البحث .

ان ما أطل من فيوضات السيد محسن سهوب كثيفة من الشعور بالألم تجاه المصير المجنون للعالم ,حالة من التمزق ,نزق الفنان ,انها حالة تداخل العالم المتواري خلف غابات الفن المتشابكة و سماء الالهة البعيدة .صرخة كبيرة وسط هدير العالم المادي و لكنها تتختلط بحشرجات الروح المعذبة ..العالم لا يمكن اصلاحه او كما قال غونتر غراس و لكن الفنان سيحاول أن يعمل ازميله حتي لحظات الدفق الاخيرة .

من يقرأ كتاب (الجنون في العصر الكلاسيكي) لميشيل فوكو سوف يعثر علي تفسيرات كثيرة لحالات كثيرة في تاريخ الفن و الادب كان مصيرها الجنون .جنون لشعراء و موسيقيين و ادباء كبار و لكنه جنون- و ان أتخذ اشكالا اخري للجنون- شكل محاكمة للعقل الغربي المتغطرس حسبما يري السيد فوكو .

اننا ازاء حالة نبؤة محسن خالد سنغرق في بحر متلاطم الامواج , ستقذفنا لجة صوب أخري .انها حالة تتشابك في المرئيات الدينية مع فيوضات العقل اللاوعي مع اضطرابات الفنان وأشواقه الجامحة .أكرر مرة أخري أن محاكمة الحالة وفق منطق العقل الديني أو ال psychotherapy ليس مجديا .علينا النظر بطريقة مختلفة .
و مهما يكن من أمر فان الصيغ و الحيل التي تبناها السيد محسن خالد لا تنفصم عن عري كتاباته و مشروعه الفني بدرجة كبيرة .

لقد استلهم الرجل شعور كونه شيئا متجاوزا لحالة الفنان الي حالة (النبي) و أوغل في مسائل التأويل الخلاق للرموز و العلامات والاشارات و كل ذلك علي نهج عرفاني-استشراقي و ثمة من يزعمون مثل السيد مرتيشيا اليادة عالم الاديان الروماني المعروف الي ان حالات التاويل الخلاق هذه قد تؤدي في بعض الاحيان الي تغيير الانسان لكن هذا لا يمنع من ادراجها داخل اطار (المثيولوجيا) اي (الاساطير) و في اليونانية myth تعني رواية الاساطير .قد تندرج ايضا محاولات النبوءة prophecy داخل هذا الاطار وقد اورد القران الكريم الكلمة علي صيغة الجمع(أساطير) في نحو تسع ايات و قد ربطها القران ايضا بالمعني السلبي و يعرف العرب أن النضر بن الحارث مثلا كان من ذوي الباع في (الأسطرة ) و يروي عنه ابن جرير الطبري قائلا : كان يختلف الي الحيرة فيسمع سجع اهلها و كلامهم و انه تعلم هناك احاديث كليلة و دمنة و قصة رستم و أسفنديار ".

لن احاول أن أستدعي العقل الديني هنا كثيرا اذ لا يهمني هذا الجانب _صحة نبؤة محسن خالد من عدمها -لكني أحاول قراءة الحالة باعتبار انها تنطوي علي مخيال لا ينفصل عن الفني -الاستيهامي و الاشراقي كثيرا ..
أرجو أن يتصل الحوار ..