عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-2011, 08:11 AM   #[1]
منال
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية منال
 
افتراضي قراءة فى المشهد السياسى د. الشفيع خضر

لا يغرنك حائط الركود واللامبالاة السياسية وسط الجماهير التي تعيش تحت نير القمع والطغيان فمن وراء هذا الحائط يتخلق الوعي المولود من رحم المعاناة والكبت، ويظل ينمو في وجدان الشعب وهو يعيش إحساس القهر والهدر، وينمو معه حامله من جيل الشباب، حتى تأتي لحظة الانفجار

نواصل حديث الاستنتاجات، ونبتدره بإشارة إلى مسألة البديل حيث نلحظ أن أنصار الحفاظ على الوضع القائم، دعاة التخذيل في التغيير، لا يجدون سانحة إلا واغتنموها للتطبيل بأن التغيير غير مجدٍٍِ لأن النظام الراهن هو الأفضل لشعوبنا في ظل إنعدام البديل أو عدم تبلوره أو ضعفه أو فشل دعاته الذين كانوا في السلطة. وأن الشعب يرفض التغيير بدليل عدم استجابته لنداءات الخروج إلى الشارع. أنصارهذه الحجة، كأنهم يودون إقناعنا بأن النظام، أي نظام، يكتسب شرعية ديمومته من إنعدام بديله!. وهذا لا يستقيم عقلا، فضلا عن أنه يعكس جهل هولاء الأنصار بكيمياء الشعوب والثورات، والتي من تجاربها يمكننا إستخلاص العديد من الاستنتاجات الداحضة لهذه الحجة:
أولا: حكم الفرد أو نظام الحزب الواحد أو نظام تعدد الأحزاب الشكلي تحت سيطرة حزب ما، كلها أنظمة تتجاهل مبدأ تداول السلطة، وتكنكش في كرسي الحكم لفترات طويلة، مما يفتح الأبواب أمام كل الشرور، بدءا بالجمود والتكلس وتدهور قدرة التعامل مع قضايا الواقع، مرورا بإرتكاب الأخطاء الجسام ونمو البيروقرطية والنزعة الذاتية والتوهم بإمتلاك قدرات فوق قدرات الجماهير، وانتهاءا بالفساد والطغيان والاستبداد، وأن الحاكم، حزبا أو فردا، هو معبود الشعب وضامن أمنه وسلامته، وضامن وحدة الوطن وإستقراره. وبالطبع، يظل الواقع يكذب كل هذه الضمانات، بل ويجسد نقيضها. إن اضطرار الانقاذ لعقد عدد من الاتفاقات مع خصومها السياسين، احزابا وحركات هامش والحركة الشعبية، يؤكد أنها أُجبرت على البحث عن بديل يكسبها الشرعية والمزيد من طول العمر مقابل إرضاء هولاء الخصوم. وهامش الديمقراطية الذي وفرته تلك الاتفاقات، والذي جاء نتيجة لحدة الصراع السياسي الذي أفرز حالة من توازن الضعف بين السلطة وخصومها، ظل هشا يسهل الانقضاض عليه، في ظل الصراع المحتدم والمستتر بين الطرفين. فالإنقاذ لا ترى في أي اتفاق أبعد من التفضل ببعض كراسي الحكم، مع إبقاء سيطرتها وهيمنتها على السلطة ومواقع إتخاذ القرار، في حين يظل الآخرون مجرد ضيوف يقرأون في الصحف، مثلهم مثل الجمهور، القرارات المتعلقة بمواقع عملهم، كما صرح مؤخرا وزير الصحة (من الحركة الشعبية). وفي نفس الوقت، فإن الآخرين الموقعين على تلك الاتفاقات، يسعون لتوسيع هامش الديمقراطية كمدخل لإحلال بديل جديد وحقيقي فعلا. لذلك اشتد التأزم في البلاد لدرجة إنفصال الجنوب، ولدرجة التوتر الخانق في دارفور والنيل الأزرق وكردفان، مما ينذر بتجدد الحرب الأهلية في البلاد.
ثانيا: لا يوجد إنسان طبيعي، يرضى بالذل والحط من كرامته، حتى وإن لبيت حاجاته المادية من مأكل ومسكن وعلاج…الخ. والمعادلة المنطقية تؤكد أن الذل والقمع هو آلة القلة للسيطرة على الثروات والموارد، وما يتبع ذلك من تدني واضح في تلبية الحاجات الأساسية للأغلبية.
ثالثا: لا يغرنك حائط الركود واللامبالاة السياسية وسط الجماهير التي تعيش تحت نير القمع والطغيان. فمن وراء هذا الحائط يتخلق الوعي المولود من رحم المعاناة والكبت، ويظل ينمو في وجدان الشعب وهو يعيش إحساس القهر والهدر، وينمو معه حامله من جيل الشباب، حتى تأتي لحظة الانفجار. هكذا انتفضت الملايين، في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وغيرها، رافعة شعارات الحرية والكرامة والعدالة، مثلما فعلها شعب السودان في اكتوبر 1964 وأبريل 1985. وإذا كان الإنفجار/ التغيير لا يأتي نتيجة تخطيط ورسم هندسي على الورق، فإنه قطعا ليس بالفعل العفوي اللاإرادي، إنه نتاج تلك الظاهرة: تخلق الوعي ونمو حامله.
رابعا: الثورات هي التي تصنع رموزها وقياداتها حتى ولو تأخر ذلك إلى لحظة التغيير نفسها، إما بإذكاء الروح في القيادات التقليدية القديمة أو بإفراز قيادات جديدة.
بالنسبة لبرنامج التغيير، مهامه وقضاياه، فقد لا يكون هنالك بديلا مكتوبا ومعدا منذ فترة، يتم تعبئة الشعب حوله. ولكن بروز الشعارات الرافضة لنظام الطغيان والاستبداد، والمطالبة بالديمقراطية والعدالة، هي في حد ذاتها برنامج متكامل، حتى وإن طرح بدون تفصيل. فشعارات التغيير تظل دائما بمثابة العناوين الرئيسة لتفاصيل البرنامج البديل، والذي يكتسى لحما وشحما في خضم الحراك الجماهيري، وتفاعلات النشطاء السياسيين كما حدث في ميدان التحرير في القاهرة وشوارع تونس. أنظر إلى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، والذي أصبح ماركة عالمية لكل الثورات الناهضة ضد أنظمة الطغيان في بلدانها. أعتقد أنه شعار واضح ومحدد وعميق جدا. فهو يعبر عن قوى التغيير بمختلف أطيافها السياسية والآيديولوجية والطبقية والإثنية والدينية…، ويؤسس لبرنامج يحمل ذات الملامح، كما أنه يتضمن في ثناياه قوة توحيدية هائلة، والتوحيد هو سر نجاح الثورات.
من الصعب أن نختلف حول أن البند الأول والرئيسي في برنامج التغيير بعد إسقاط نظام الطغيان، هو التحول الديمقراطي. وفي البدء، أعتقد من المفيد التذكير بأن شعوبنا ذاقت الأمرين وهي ترى الديمقراطية تذبح بدم بارد أمامها، من قبل اليمين، ومن قبل اليسار، وتحت مسميات مختلفة من نوع: الديمقراطية الشعبية، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية الجديدة، الشورى الإسلامية. وكلها مسميات لمسخ واحد هو الطغيان والديكتاتورية. إن الديمقراطية تمثل حجر الزاوية بالنسبة لأي برنامج بديل معني بكنس آثار نظام الاستبداد والطغيان، ومعني بإنجاز مهام التغيير السياسي والاجتماعي الذي تطالب به الشعوب. وبقدر اقتراب هذا البرنامج، أو أي نظرية للتغيير، من تبني الديمقراطية، بقدر ما يقترب من تقديم حلول صحيحة لمسائل التطور مهما كانت الصعوبات ودرجة التعقيد. ونحن عندما نتحدث عن الديمقراطية، فإننا نتحدث عن جوهر / مضمون، وعن شكل / ممارسة، حيث يظل الجوهر والمضمون واحدا وثابتا في كل الظروف والاحوال، بل وتكتسب الديمقراطية إسمها منه، في حين أن شكل ممارستها يمكن أن يتنوع ويتعدد حسب السمات الخاصة لكل بلد وكل مجتمع. والبشرية منذ العصور المظلمة، عصور العبودية والاقطاع وسيطرة الكهنوت، عانت ما عانت، ولمئات السنين، حتى توصلت إلى جوهر الديمقرطية بانتصار الثورة البرجوازية وترسيخ مفاهيم الليبرالية. هذا الجوهر يتمثل في حزمة الحقوق والحريات، كحرية الرأي والتعبير والمعتقد والاختلاف والتظاهر والتنظيم إلى جانب حرية الصحافة والإعلام…الخ، وفي سيادة حكم القانون وإستقلال القضاء، وفي الفصل بين السلطات، وفي إحترام التعددية والتنوع وفق أسس يحددها دستور البلاد ويكفل ممارستها فعلياً على أرض الواقع بما لا ينتقص من مضمونها تحت أية ذريعة كانت، وفي التداول السلمي للسلطة، وفي إكساب كل ذلك بعدا إجتماعيا مرتبط بتوفير الحاجات المادية للناس. إن أي برنامج (أو نظرية) لتغيير المجتمع، يزعم أنه ثوري، وأنه يتجه صوب تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع، لا بد أن ينطلق من ضرورة الحفاظ على، وترسيخ كل ما إكتسبته الجماهير من هذه الحقوق والحريات الأساسية.
ما نقصده هو أن جوهر ومحتوى الديمقراطية في كل من بريطانيا والسودان، مثلا، سيظل واحدا، في حين أن شكل ممارستها في بريطانيا أكدت التجربة عدم صلاحيته وعدم ملائمته للسودان. ومن هنا التحدي في كيفية إبتداع شكل ملائم للواقع السوداني، يحافظ على ذلك المحتوى الواحد، وفي نفس الوقت يستوعب السمات الخاصة لهذا الواقع بتعقيداته الإثنية والقبلية والسياسية والدينية والطائفية….الخ، والتي تطرح قضايا من نوع: كيفية إصلاح النظام السياسي والبرلماني، كيفية المواءمة بين اطروحات أحزاب الخيار الإسلامي وعدم قيام دولة دينية، كيفية المواءمة بين ثقل القوى التقليدية الطائفية وطموحات القوى الحديثة التي تشكل رأس الرمح في عملية التغيير، كيفية وضع قضايا المناطق المهمشة وقضايا الإثنيات في صدر الأولويات وربط ذلك بشعار التوزيع العادل للثروة والسلطة…الخ. أعتقد أن هذه القضايا، وغيرها، من الصعب التصدي لها عبر الديمقراطية الليبرالية وفق الممارسة الآنجلوساكسونية أو الأمريكية، ولا بد من إعمال الجهد النظري والفكري ليخرج بأطروحات تحافظ على جوهر الديمقراطية الليبرالية وفي نفس الوقت تخاطب هذه القضايا المرتبطة بمجتمعات يتدنى تطورها كثيرا عن مجتمعات الغرب الصناعي المتقدم. وأعتقد أن أي شكل جديد للممارسة الديمقراطية ليس بالضرورة أن يؤخذ من مستودع التاريخ، فقدرة الشعوب على الإبداع لا حدود لها، كما أن ما تختزنه هذه الشعوب من تجارب وخبرات وثيقة الصلة بأشكال الديمقراطية المباشرة، حتى على مستوى القرية والعشيرة والقبيلة، يمكن أن يصب في اتجاه بلورة شكل الممارسة الديمقراطية الملائم لواقع هذه الشعوب مع الاحتفاظ بالجوهر الذي أرسته الليبرالية.
يفهم من مناقشتنا هذه، قناعتنا بأن الديمقراطية الليبرالية ليست هي الشكل الأرقى للممارسة الديمقراطية، كما ليس من الملائم نقلها بحذافيرها (copy & paste) من الغرب إلى بلداننا. ولكن أيضا، ليس المطلوب من أي شكل جديد أن ينسخها ويلغيها، وإنما ينفيها جدليا. بمعنى الإحتفاظ بتلك المبادئ والقيم التي أرستها الليبرالية ورسختها في شكل حقوق وحريات وسيادة حكم القانون وإستقلال القضاء والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة…الخ، وفي نفس الوقت نفي شكلية الممارسة وزيفها في بلداننا، وقصورها عن ترجمة إرادة الناس إلى واقع حقيقي وملموس. وهذ يقودنا إلى الحديث عن تطوير ممارسة الديمقراطية التمثيلية النيابية في بلد كالسودان، وفي نفس الوقت المزج بينها والديمقراطية المباشرة، إضافة إلى إبتداع آليات فعالة تكفل التجديد الذاتي للنظام السياسي في الوقت المناسب مع مراعاة الظروف الداخلية والخارجية المتغيرة، وهو ما سنتناوله في المقال القادم. (نواصل).



التوقيع: [mark=#050000]
يا خالدا تحت الثرى
[/mark]
منال غير متصل   رد مع اقتباس