عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2012, 05:03 PM   #[2]
ابراهيم خالد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

عنوان النص هو المدخل الاول لقراءة النص ، فالعنوان يعطى صورة متكاملة للنص ، لذا فاختيار العنوان من اصعب المهام التى تواجه الكاتب ، إذن يمكن القول أن العنوان هو عصارة النص والشعاع الذى يضئ للقارئ دربه ويهديه فى سبل النص المتداخلة

يحمل النص هذا عنواناً نكرة ومجهولا، والنَّكِرَةُ خلاف المعرفة ونقيضها ، والنكرة لابد من تعريفها ، ومن هذا المنحى فالعنوان يصدم وعى القارئ ، يحرك غريزة حب الاستطلاع لديه ويستفز تفكيره لفك شفرة هذا المبهم ، من مفتتح النص ندرك أن موضوعه هو الحرية ، فالعِتْقُ خلاف الرِّق وهو الحرية ، لكن أى حرية وتحرر من ماذا؟ هل هى تحرر من شئ مادى أم معنوى أم انفكاك من شراك الاثنين معاً؟

يتكون النص من اربع مقاطع/لوحات مختلفة لكنها منظومة بخيط واحد هو الحرية ممايجعلها عقداً مترابطاً، بالدلوف الى بداية النص تجدنا أمام عائد بعد طول انتظار ، لكن متى يُبلُ ريقنا ونعرف كنه العائد هذا؟ تركنا الكاتب فى هذا المفترق لنكوِّن صوراً واحتمالات شتى لسبر غور هذه اللوحة ، تغير المشهد تماماً ورفعت الستارة لنجد انفسنا فى مسرح وفضاء الحدث المادى والمعنوى، مشهدٌ تكتنفه ظلامية ، خوف وسكون ، لكن .... فجأة يتحول كل شئ الى نقيضه ، حدث هذا عند معانقة الراوى لأحرف مملؤة بالشوق والامنيات ، هنا تتضح الرؤيا قليلاً ، انشرخ الصمت ، بحر الأسى المالح-العميق-الممتد شرع فى التراجع ، ومن ثمَّ فُتح الباب على مصراعيه لولوج انعتاقٍ معنوى ، وتعبير رويداً ... رويدا يدلنا على مدى كبر مساحة الأسى وعمقه لذا استحال الانحسار دفعةً واحدة ، التحرر هنا كان نتيجة لعامل القراءة/الكتابة ، إذن هل العائد هنا مُلهِمٌ للكاتب/الراوى ، رسالة/نص ، أم نهمٌ للقراءة؟

اللوحة الثانية لزهرة تعيش حرة فوق أرضها ، لم تدم بهجتها طويلاً حتى نزعت قسراً وحشرت فى وعاءٍ للزهور ، شاب الشجن نظراتها لكنها لم تيأس بل تشبثت ببصيصِ أملٍ لم يبارحها ، حاولت أن تجرب نموذجاً من رموز التدجين بمشاهدتها للتلفاز ، فرحت حين شاهدت مسلسل النحل وفاح عطرها ، أدمنت مشاهدة المسلسل ، استُلبت ارادتها ، تم خداعها وصُوِّر لها النحل ككائن حى ، لكن ... بانتهاء مصدر الفرح وملجئه/المسلسل شحبت نظراتها وروحها فتصاعدت الأخيرة ، وبهذا الفعل انعتقت من الأغلال التى كانت تكبلها مادياً ومعنوياً .

اللوحة الثالثة لعصفور حُبس فى قفصٍ/موطنٍ بديلٍ فى غاية الجمال ، الفاعل طفلٌ والغرض ليستمتع بالتغريد منفرداً ، لم يعد العصفور يغرد وبذا تمرد على السجن والسجان ، لكن هاجس الوطن والحرية لم يبارحه بل ظل سؤالاً يلح عليه، رضخ الطفل لطلب أهله ففك أسر العصفور ليطير حراً طليقاً ، انعتق من سجنه بشقيقه المادى/القفص والمعنوى/الصمت والحقد ، لم يعادى العصفور الطفل بل على النقيض تماماً ، عاد العصفور متوازناً معنوياً فهو المغرد والرفيق للطفل .

اللوحة الرابعة والأخيرة لفلاحٍ يحبس الماء ويغليه فى إناءٍ ضيقٍ ليشرب قهوة أوشاى ، يغلى الماء غضباً من شدة الحرارة المرتفعة المسلطة عليه ، ينفجرُ بخاراً يصّاعد راقصاً فرِحاً بتحرره من السجن والعذاب ، يتجمع ويتوحد ليُشكِّل سحاباً ، ينظر الى الفلاح بشفقة ورثاء لحاله البائس الفقير من جهة ، ومن ناحية أخرى فالسحاب مايزال وجلاً متخوفاً من السجن والعذاب الذان قد يلاقيهما بهبوطه للأرض ، لكن الاحساس الموجب يتغلب هنا ، تظلل السحب شحيحة المياه الفلاح والتى تكثَّف ماؤها وثقل تجود عليه بمائها الماطر الذى يروى حقله ، الانعتاق هنا ماثل بشقيه المادى والمعنوى ، الأول يمثله انفلات بخار الماء من الابريق والأخير يظهر فى تفضُّلِ السحاب على الفلاح بالظل والمطر.

بالنظر الى فضاء المقاطع الاربعة نلاحظ أنه يحتل حيزاً ضيقاً يتسع شيئاً فشيئا ، فضاء اللوحة الأولى هو احساس الراوى الذاتى ، اللوحة الثانية زهرة لاتستطيع الحركة مما يجعل مساحة حريتها ضيقة لكنه فضاء أرحب إذا ما قورن بفضاء اللوحة الاولى ، العصفور فى اللوحة الثالثة اتسعت مساحة حريته فهو قادر على الطيران والتحليق بعيداً ، لكنه بطوعه واختياره رضى أن يدور فى فلك الطفل والا يقبع فى قفصه المبهرج ، اللوحة الأخيرة لماء له حرية التشكُّل فى مساحة بين السماء والأرض.



ابراهيم خالد غير متصل   رد مع اقتباس