عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2012, 03:18 PM   #[13]
احمد سيداحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية احمد سيداحمد
 
افتراضي

11
فى الصباح الباكر جاء عمك مرتديا ملابس الخروج ، القى تحية الصباح ، تمتم بكلمات مواساة وعزاء ، عندها اجهشت بالبكاء ، لاذ بالصمت حتى استعدت تماسكى ، وقال بهدؤ اريد ارى قبر ابى ، قلت من بين دموعى ، حسنا نحتسى الشاى ونذهب سويا ، واحتسينا الشاى فى صمت وانطلقنا سويا ، بدا الطريق طويلا ، لا نهاية له ، بدا كل شىء مسكونا بالغرابة فى ذلك الصباح ، كنت اسير امامه فى صمت ، صوت خطواته ترن خلفى ، لا اقوى على الالتفات ابدا ، كانت الكلمات عصية ، كنت اريد ان اقول اشياء كثيرة ، ان احدثه عن ابيه وعن رغبته العارمة فى رؤيته قبل ان يموت عن حزنه العميق والحسرة التى لازمته طويلا ودموعه التى لم تنقطع وصلاته ودعائه الحزين ، لكن الكلام فى حلقى احتبس ولفنا السكون ، لا شىء يسمع سوى وقع خطواتنا وزقزقة عصافير بعيدة وصوت طلمبة مياه رتيب ، لاحت الشواهد على مبعدة ، زادت ضربات قلبى ونحن نقترب ،توقفت اخيرا .. اشرت باصبعى فى سكون دون ان استدير ، جاءنى صوته مضطربا حتى سرت فى بدنى قشعريرة مفاجئة (امى ،ارجوك اتركينى وحدى ،سأعود ، ارجوك ) كان فى صوته ضراعة لم املك معها الا ان استدير عائدة فى صمت ، كنت ارغب فى النظر الى الوراء ، لكننى لم أقو على الالتفات ابدا ، وحين واتتنى الشجاعة وادرت رأسى كانت المسافة بيننا قد اضحت بعيدة ، لم يكن بمقدورى رؤية شىء سوى ظهر منحن وطلال شواهد بعيدة ، طريق العودة بدا طويلا ولا نهاية له ، كان قلبى هناك حيث تركت عبدالله مع شجونه وحديثه الطويل مع ابيه الذى لن يسمع ولن يرى شيئا من دموعه او كلماته ابدا ، حين بلغت الدار نظرت فى ردهاتها طويلا كأنى اراها للمرة الاولى ، بدا لى كثيب الرمال التى الصغير الذى يتوسطها وقد تمدد وزحف بقوة على مساحات جديدة ، النخلة العتيقة التى تشرئب بقرب الجدار الخارجى للدار حيث كان مربط حمار جدك بدت لى صامتة حزينة كأنها تفتقد خطواته وكلماته التى يقولها كل صباح فى اذن حماره قبل ان يطلقه من مربطه ويمتطيه ، كان قلبه خاليا حينها ، لم يصبه العطب الذى ارهقه بعدها كثيرا ولازمه حتى الرحيل ، نظرت طويلا فى عيون الحمار العجوز الذى بقى بعد رحيل صاحبه لكنه كف عن النهيق ، اصبح يتمسح بجذع النخلة فى تكاسل ، لم يهتز ذيله فى مرح كما كان يفعل حين يقترب منه صاحبه ، بدا زاهدا فى الحياة ، كعجوز عليل فقد الرغبة فى كل شىء وبقى منتظرا قضاءه فى توق واستسلام ، استيقظت الذكريات مرة واحدة ، بت اسمع ضجيج الصغار مجددا ، احملق فى باب الدار طويلا ، اقول لنفسى سيأتى بعد قليل كما كان يفعل ،يسد الباب بجسده الفارع ، يحمل احدهم على ظهره فى سعادة ، يقول كلاما جميلا ، يضحك من القلب كما كان يفعل فى الايام الخوالى ، ينظر الى عبد الله فى صرامة ، ينطلق صوته قويا آمرا (اين كنت ؟ لماذا تأخرت هكذا ؟) ينحنى عبدالله فى مسكنة ، يهم ان يقول شيئا ،ثم يتلعثم قليلا بكلام غير مفهوم فينتهره جدك بحزم .



التوقيع:
من يعيش في سلام مع نفسه فهو يعيش دائماً في سلام مع اﻵخرين إنه ﻻ يستطيع أن يكره ، وﻻ يخطر بذهنه أن يرفع سلاحاً في وجه أحد إنه قد يطلق ضحكةً أو يترنّم بأُغنية ، ولكنه أبداً ﻻ يفكّر في أن يطلق رصاصة . وإنما تولد الكراهية للآخرين حينما تولد الكراهية للنفس.
د.مصطفى محمود
احمد سيداحمد غير متصل   رد مع اقتباس