عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2006, 04:17 PM   #[179]
admin
Administrator
الصورة الرمزية admin
 
افتراضي

كتب خالد الحاج :

ولمن أراد المزيد هنا كتاب الأستاذ الشهيد محمود محمد طه :



(1)

الحزب الجمهوري

يقدم



زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان :-

(1) الثقافة الغربية

(2) الإسلام



من كتابه :-

أضواء على المشكلة الدستورية



الطبعة الثانية




الإهداء :-

إلى الشعب السوداني:

الذي لا تنقصه الأصالة ، وإنما تنقصه المعلومات الوافية.. وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها.






بسم الله الرحمن الرحيم

((جاء الحق ، وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا))

مقدمة

بين أيدينا الآن كتاب أخرجه الدكتور حسن الترابي باسم ((أضواء على المشكلة الدستورية ، وهو كتاب من حيث هو ، لا قيمة له ولا خطر ، لأنه متهافت ، ولأنه سطحي ، ولأنه ينضح بالغرض ، ويتسم بقلة الذكاء الفطري . ولكن خطره إنما يجيء من مؤلفه ، فإنه دكتور في القانون الدستوري ، وهو قد كان عميداً من عمداء كلية الحقوق السابقين ، وهو من مؤلفي الأزمة الدستورية ، وهو مع ذلك من مستشاري مجلس السيادة الذين على هدى نصيحتهم يرجى لهذه الأزمة الدستورية العجيبة أن تحل .

يضاف إلى هذه الصفات الرسمية ، وغير الرسمية ، التي يتمتع بها المؤلف أنه جم النشاط في الحقل السياسي ، في هذه الآونة ، مما يطوى لهذا الكتاب فرصة لتضليل الرأي العام أكبر ، ومن ههنا جاء اهتمام الحزب الجمهوري بالرد عليه . وفي الحق ، لو كان الدكتور الترابي مثقفاً غربياً فحسب ، أو لو كان إنما يدعو ، في ذلك إلى تنظيم سياسي غربي فحسب ، لما أقمنا له كبير وزن . ولكنه ، هو وقبيله ، يزعمون انهم يتصدرون دعوة الى الإسلام والى الدستور الإسلامي وهذا يجعل الخطر منهم كبيراً ، ومن الواجب أن يكشفوا على حقيقتهم .




الباب الأول

الدكتور الترابي في ميزان الثقافة الغربية

توطئة البحث

أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الدستور إنما هو تعبير عن فلسفة الحكم بلغة القانون ..وهو في الأصل لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي .. ولكن الديمقراطية تعرضت في الأيام الأخيرة الى تزييف معناها ، والى استغلال اسمها ابشع الاستغلال .. ولقد يحدثنا الفيلسوف البريطاني بيرتراند رسل عن الديموقراطية فيقول :

((يوجد في الوقت الحاضر ، فيما يتعلق بالديمقراطية وجهتا نظر مختلفتان ، ففي غربي الستار الحديدي ، فان الديمقراطية تعني ، على وجه العموم ، أن السلطة في أيدي أغلبية السكان البالغين ، وأما في شرقي الستار الحديدي فان الديمقراطية تعني الديكتاتورية العسكرية في يد قلة من الناس اختارت إن تسمي نفسها ديمقراطية)) ثم يمضي الفيلسوف فيحدثنا إن استعمال الشيوعية لكلمة (الديمقراطية) في وصف أسلوب الحكم عندهم ينطوي على قدر من ((قلة الحياء)) منقطع النظير .

وإنما يزيف معنى الديمقراطية دائماً الحكم المطلق .. وقد اتخذ في القرن العشرين صورة الحكم ((الفاشي)) في إيطاليا وفي ألمانيا وفي غيرهما . وصورة الحكم الشيوعي في روسيا ، وفي كثير من الدول غيرها ، ولا يزال يجد القبول ، بخلاف الفاشية ، في ذلك والحكم المطلق دائما يتجه الى القضاء على فردية الإنسان وذلك بتحويله الى سنة في الدولاب الجماعي الكبير أو الى ذرة لا أهمية لها في المجموع الكلي .. وحين تسعى الديمقراطية وراء التقدم عن طريق تنمية الفردية في الفرد بإعطائه الفرصة لتحمل المسئولية ليزداد نضجه ، يسعى الحكم المطلق الى تحقيق أغراضه باستثارة غريزة القطيع في القطيع واستغلال حاجة تلك الغريزة الى التجمع والتكتيل ، عند الطمع ، أو عند الفزع .. وفي هذا التكتيل : هناك شبه بين نظرية ((سيادة الجنس الآري)) تحت حكم النازية في ألمانيا قبل الحرب الأخيرة ونظرية ((دكتاتورية البروليتاريا)) تحت حكم الشيوعية الحاضرة .. على تفاوت كبير في الوعي بين الفاشية والشيوعية وكل من الفاشية والشيوعية اتخذت أشكال الاقتراع العام دون أن تعطيها أي مضمون ، فهي لم تسمح بوجود أحزاب معارضة ، أو بإجراء حملات انتخابية حرة ثم إن عمليات الاقتراع تجري علانية : فيراقب المسئولون الناخبين ، ولما كان عدم الاشتراك في الاقتراع يمكن أن يفسر على أنه تعبير عن العداء للحكومة فان نتائج الانتخابات في هذه الدول المطلقة تزيد على 90 في المائة ، وقد تبلغ 99.90 في المائة ، لصالح الحكومة ، فالتشابه السياسي هو غرض من أغراض الحكومات المطلقة ، سواء كانت فاشية أو شيوعية .

وتزييف الحكومات المطلقة للديمقراطية لا يقف عند هذا الحد الذي سلفت الإشارة إليه ، بل يتعداه الى ابعد من ذلك ، فقد كان موسوليني ، وهو أستاذ هتلر، يلف الفاشية في غلالة من الروحانية ، ويضفي عليها شيئاً من حلل التصوف . فهو قد كتب مقالة في ((دائرة المعارف الطليانية)) يقول :-

((لدى الفاشي فان كل شيء في الدولة .. وليس هناك معنى إنساني ، أو معنى روحي .. بل وأقل من ذلك ، فليس هناك أي معنى ذا قيمة يمكن أن يكون خارج الدولة .. وبهذا المفهوم فان الفاشية مطلقة .. والدولة بوصفها تعبيراً شاملاً عن الإرادة الأخلاقية ، هي الحق ، وهي صانعة الحقوق))

وهذا استراق سمع يشبه الحق وليس بحق .. فان الدولة لا تكون حقا إلا إذا أصبحت تعبيرا عن المشيئة الإلهية .. وهيهات !! فان هذا أمر يلتمس في الإسلام لا الفاشية !! ويعرف كثير منا إن الشيوعية دعوة لا دينية .. وليس هذا كل الحق .. بل الحق أنها دعوة انحرفت عن طريق الدين لقصور في التصور الصحيح .. فماركس كموسوليني ، استرق السمع ، واخطأ الطريق الى الحق .. وتورط في الإلحاد من ثم . والشيوعية عقيدة أيضا ، وهي تحارب العقائد السلفية بضراوة (الضرة) ليخلو لها المكان ، فتثبت أقدامها .. ودين الشيوعية دين مادي ، وهو ما يعرف ((بالمادية الجدلية)) وهي ((فلسفة مادية تقول إن المادة والعمليات الطبيعية هما وحدهما الشيء الحقيقي ، ولهذا تنكر وجود الروح ، ويؤخذ من فلسفة ماركس التي تدعى المادية الجدلية إن التاريخ كله نتيجة المنازعات المادية ، وبخاصة الاقتصادية ، وفقا لطراز معين وهذا الطراز من النزاع يدعو القوة التي تمثل الحالة الراهنة ((النظرية)) وتدعى القوة التي تعارض الحالة الراهنة ((معارضة النظرية)) وينشأ من هذا النزاع ما يدعى (التوحيد) وهو يقوم على أساس التنسيق ، أو التوليف بين النظرية ومعارضتها ، ومجتمع المستقبل المنعدم الطبقات يعد في نظر ماركس ((توحيداً)) ، وينشأ من الصراع بين الرأسمالية (النظرية ) والحركة الثورية للشيوعية (معارضة النظرية) . ويعتقد ماركس إن نشأة مجتمع بلا طبقات سينهي النزاع الاجتماعي ، وهذه هي عملية المنطق بنفسها)) .

ونحن نقول لماركس هيهات !! كما قلنا لموسوليني .

ولكنا نعرف أن ماركس أوعى من موسوليني بمراحل عديدة ، ولكنه ذهل عما وراء ((النظرية)) وعما وراء (معارضة النظرية) وتلك أمور لا تلتمس إلا في الإسلام … وليس هذا مجال التفصيل … والذي يهمنا من هذا الاستطراد إن تزييف الحكم المطلق ، سواء كان فاشيا أو شيوعيا للديمقراطية لا يقف عند حد الشكول ، وإنما يتعداها للفلسفة أيضاً.

وهذا التزييف الموبق قد جاز على كثير من المفكرين ، وهو قد جاز على فقهاء الدساتير بصورة مؤسفة ، ذلك لأن فقهاء الدساتير ، ككثير من أصحاب الاختصاص ، قد شغلهم تجويد الاختصاص عن تفتق الذهن الذي يليق بالمفكرين : فانساقوا في ركاب التزييف ، واصبحوا ضحايا قلة الثقافة ، وجمود التفكير .

وهذا العالم المصري الدكتور السنهوري يحدثنا في كتابه ((أصول القانون)) فيقول ((ثم يبحث القانون الدستوري في عناصر الدولة الأربعة (وهي جماعة من الناس ، وإقليم ، وتنظيم وسيادة ) وفي شكل الدولة من نواح مختلفة (ملكية أو جمهورية ..استبدادية أو ديمقراطية أو دكتاتورية .. برلمانية أو غير برلمانية .. بسيطة أو عهدية الخ) ، فالمادة الأولى من دستور المملكة المصرية تنص ((مصر دولة ذات سيادة ، وهي حرة مستقلة ، ملكها لا يجزأ ولا ينزل عن شئ منه وحكومتها ملكية ورائية وشكلها ثيابي هذا حديث الدكتور السنهوري وهو كما يعلم كثير من السودانيين ، يعتبر حجة في فقه الدساتير .. ومع ذلك يسف هذا الإسفاف فيحدثنا عن الدستور الذي يبحث في شكل الدولة الاستبدادية ، أو الدولة الدكتاتورية ، ودستور المملكة المصرية ، هذا الذي أورد نص المادة الأولى منه ، كان يعتبر منحة من الملك للشعب المصري .

ولقد أحببنا بهذا أن نعرض عليكم كيف أن فقهاء الدستور وحتى كبارهم ، ينخدعون لمزيفي الديمقراطية ، فيضعون خبرتهم ، ودراستهم ، وتخصصهم في خدمتهم ، ومن ثم ضد مصالح الشعوب .. والحق أن كثيراً من فقهاء القانون المدني كانوا دائما ولا يزالون يضعون أنفسهم في خدمة السلطة ، يفتونها بما تريد ، وكيفما تكن تلك الإرادة .. وذلك رغبا منهم أو رهبا ، شأنهم في ذلك شأن فقهاء الدين ، في جميع حقب التاريخ ، حين ينحط الدين في صدور الرجال والنساء .



عقلية الدكتور الترابي

ونحن لا نعتقد أن الدكتور الترابي ذهب مذهبه في كتابه الغريب بفعل الرغبة أو الرهبة ، بقدر ما ذهبه بفعل ضحالة الثقافة ، وسطحية التفكير .. يمد له في مذهبه كونه مفتونا بثقافته القانونية أشد الفتون .

ومفتاح عقلية الدكتور الترابي ومفتاح ثقافته ، في هذا الباب ، يمكن أن يلتمس في فقرات كثيرات من كتابه هذا الغريب ، ولكننا نرشح هنا لهذا الغرض قوله من صفحة 16 ((وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص على أساس أن هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل ، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الأساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول ، فكلها تستوي في قوة مفعولها ، وأيما قانوني تعلل بمجرد الأهمية النسبية لهذا الفصل أو ذاك في تقديره الشخصي ، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور ، ومغالط لا حجة له من القانون ، ومعتبط يتجنى على القانون)).

((ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع)) هذا ما قاله الدكتور الترابي في ذلك الموضع من كتابه ، والتماس فتون الدكتور بثقافته القانونية في هذه الفقرة لا يعي أحد من القراء ، ولذلك فانا سنمضي في تبيين ضحالة الثقافة وسطحية التفكير .. ونبادر فنعيد إلى التفكير ما سبق أن قررناه في صدر هذا الباب من أن الدستور إنما هو لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي ، ومن أن الديمقراطية قد زيفت تزييفا موبقا ، ونضيف في هذا الموضع أن تزييف الديمقراطية قد انسحب على الدستور . وأن هذا التزييف للديمقراطية وللدستور قد جاز على كثير ممن لم يتعمقوا الثقافة الغربية ، حتى من الغربيين أنفسهم .. ومعلوم أن الديمقراطية نشأت في بلاد الإغريق ، وفي مدينة أثينا بالذات وقد كانت أرقى مدن الإغريق ثقافة ، وكانت كل مدينة من مدن الإغريق يومئذ دولة قائمة بذاتها .. وما نحب هنا أن نتابع تطورات ****

، فإن لنا مع القراء موعدا بذلك حين يصدر الحزب الجمهوري كتابه المقبل بعنوان ((الإسلام ديمقراطي اشتراكي)) ولكن لا بد من الإشارة هنا الى معنى الديمقراطية . . ولا بأس من إيراد خطاب بركليس وقد كان أعظم الخطباء المتكلمين باسم الديمقراطية الأثينية ، وقد صور هذه الديمقراطية بعبارات حافلة في خطابه المعروف باسم خطبة الجنازة التي ألقاها في مناسبة الاحتفال الشعبي بدفن الذين قتلوا في الحرب ضد إسبارطة سنة 430 قبل الميلاد .. قال بركليس ((إنما تسمى حكومتنا ديمقراطية لأنها في أيدي الكثرة دون القلة ، وان قوانيننا لتكفل المساواة في العدالة للجميع في منازعاتهم الخاصة ، كما أن الرأي العام عندنا يرحب بالموهبة ويكرمها في كل عمل يتحقق ، لا لأي سبب طائفي ، ولكن على أسس من التفوق فحسب ، ثم إننا نتيح فرصة مطلقة للجميع في حياتنا العامة ، فنحن نعمل بالروح ذاتها في علاقاتنا اليومية فيما بيننا . ولا يوغرنا ضد جارنا أن يفعل ما يحلو له ، ولا نوجه إليه نظرات محنقة قد لا تضطر ، ولكنها غير مستحبة))

((ونحن نلتزم بحدود القانون اشد التزام في تصرفاتنا العامة ، وان كنا صرحاء ودودين في علاقاتنا الخاصة . فنحن ندرك قيود التوقير ، نطيع رجال الحكم والقوانين ، لا سيما تلك القوانين التي تحمي المظلوم والقوانين غير المكتوبة التي يجلب انتهاكها عارا غير منكور . ومع ذلك فان مدينتنا لا تفرض علينا العمل وحده طيلة اليوم . فما من مدينة أخرى توفر ما نوفره من أسباب الترويح للنفس من مباريات وقوانين على مدار السنة ، ومن جمال في بيئتنا العامة يشرح الصدر ويسر العين يوما بعد يوم . وفوق هذا ، فان هذه المدينة من الكبر والقوة بحيث تتدفق عليها ثروة العالم بأسره ، ومن ثم فان منتجاتنا المحلية لم تعد مألوفة لدينا أكثر من منتجات الدول الأخرى))

((إننا نحب الجمال دون إسراف ، والحكمة في غير تجرد من الشجاعة والشهامة ، ونحن نستخدم الثروة لا كوسيلة للغرور والمباهاة ، وإنما كفرصة لأداء الخدمات . وليس الاعتراف بالفقر عيبا ، إنما العيب هو القعود عن أي جهد للتغلب عليه))

((وما من مواطن أثيني يهمل الشئون العامة لإغراقه في الانصراف الى شئونه الخاصة . والشخص الذي لا يعنى بالشئون العامة لا نعتبره (هادئا وادعا) وإنما نعتبره غير ذي نفع))

((وإذا كانت قلة منا هم الذين يرسمون أية سياسة فانا جميعا قضاة صالحون للحكم على هذه السياسة . وفي رأينا إن أكبر معوق للعمل ، هو نقص المعلومات الوافية – التي تكتسب من النقاش قبل الإقدام – وليس النقاش ذاته)) هذا ما قاله بركليس قبل ألفين وأربعمائة سنة ، ومنه يتضح إن الديمقراطية أسلوب حكم ، ومنهاج حياة ، بها تتسق جميع العلاقات بين الناس ، وهي تقوم فوق كل اعتبار على احترام كرامة الإنسان ، وحيثما يجد هذا الاعتبار اعترافا فتطبيقاته تكون مستويات السلوك في المجتمع ، وهي تكون اتفاقا متبادلا أكثر منها قسراً .. وصدقا وليس زيفا ويجب أن يكون واضحا أن الديمقراطية ليست أجهزة الحكم الديمقراطي ، فنحن لا نكون ديمقراطيين لمجرد أن عندنا جمعية تأسيسية لتضع لنا الدستور ، ولا نكون ديمقراطيين لمجرد إن عندنا هيئة تشريعية ، وهيئة تنفيذية ، وهيئة قضائية، تحتفظ كل هيئة باستقلالها وتعمل مع ذلك في تناسق مع بعضها .. ولكننا نكون ديمقراطيين إذا كانت عندنا جميع هذه الهيئات ، وهي تعمل لتكفل لنا أسلوبا من الحكم يحقق كرامة الإنسان وبالرغم من تباين نمو الديمقراطية في مختلف أرجاء العالم فإنها تنبع في كل مكان من مبادئ أساسية ، ويمكن التعبير عن هذه المبادئ على النحو التالي :

1- الديمقراطية تعترف بالمساواة الأساسية بين الناس .

2- الديمقراطية تجعل قيمة الفرد فوق قيمة الدولة .

3- الديمقراطية تجعل الحكومة خادمة الشعب لا سيدته .

4- الديمقراطية تقوم على حكم القانون .

5- الديمقراطية تسترشد بالعقل والتجربة والخبرة .

6- الديمقراطية تقوم على حكم الأغلبية ولكن حقوق الأقلية مقدسة .

7- الإجراءات أو الوسائل الديمقراطية تستخدم لتحقيق الغايات في الدول الديمقراطية.

وتعد المساواة الأساسية بين كافة الناس مظهراً من أهم المظاهر المذهب الديمقراطي.. فالناس من حيث هم ناس، مهما فرقت بينهم فان هناك شيئا أساسيا مشتركا بينهم – هو العقل.. والقدرة على التفكير .. والناس بهذه النظرة ليسوا مجرد أعضاء في طائفة اجتماعية أو طبقة اقتصادية ، أو قومية معينة ، لأن ((الذي يتساوون فيه بصفة أساسية ما يشتركون فيه ، لا ما يفرق بينهم))

وفي إعلان الاستقلال الأمريكي ينعكس الإيمان بأن جميع الناس متساوون ، من ناحية امتلاكهم حقوقا أساسية معينة : لا نزاع فيها : مثل ((حق الحياة)) - و ((الحرية)) ، و (السعي وراء السعادة ) .. وفي رأي واضعي هذا الإعلان أن المساواة التي يحصل عليها الإنسان عند الميلاد ليست منحة ، وإنما هي حق .. وعبارة ((السعي وراء السعادة)) تعبر أحسن تعبير عن الفكرة القائلة بأن ((الإنسان لا يملك الحق في السعادة من حيث أن الدولة أو أسرته ، أو أصدقاءه مدينون له بالسعادة ، بل من حيث أن له الحق فقط في أن يسعى وراء السعادة ، وألا تعوقه عن ذلك عقبات لا مبرر لها)) ، وإنما قام نظام الحكم الديمقراطي ليجعل كل هذه الحقوق الأساسية مكفولة ، والدستور الذي هو لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي : هو القانون الأساسي ، وهو إنما سمي قانونا أساسيا لأنه ينصص على هذه الحقوق الأساسية ، وإنما سميت الهيئة التي تضع الدستور جمعية تأسيسية لأنها تضع القانون الأساسي ، وواضح أن الحقوق الأساسية إنما سميت حقوقا أساسية لأنها تولد مع الإنسان .. الحياة والحرية ، هي حقوق لأنها لا تمنح ولا تسلب في شرعة العدل .. وهي أساسية لأنها كالغذاء وكالهواء والماء ..

ويمكن إذن أن يقال أن الدستور هو ((حق حرية الرأي ، وأن كل مواد الدستور الأخرى ، بل وكل مواد القانون ، موجودة في هذه العبارة الموجزة كما توجد الشجرة في البذرة .. فان النخلة ، بكل عروقها ، وفروعها ، وساقها ، موجودة في ((الحصاية)) تراها عين العقل فإذا وجدت ((الحصاية)) الظرف المناسب : من التربة والماء : خرجت منها النخلة بكل مقوماتها، وأصبحت ماثلة تراها عين الرأس أيضاً بعد أن كانت معدومة في حقها .. وكذلك الدستور هو موجود بالجرثومة في الحق الأساسي – ((حق حرية الرأي)) ، وما الجمعية التأسيسية إلا الظرف المناسب الذي يجعل شجرة الدستور ، بفروعها ، وعروقها ، وساقها تنطلق من تلك البذرة الصغيرة ، كما انطلقت النخلة من ((الحصاية)).

هذا فهم للديمقراطية وللدستور وللحقوق الأساسية يفهمه كل مثقف استطاع أن ينفذ من قشور الثقافة الغربية إلى اللباب ، ولكن الدكتور الترابي وقف مع القشور حين ظن أن ((ليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه في التفريق بين نص ونص على أساس إن هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل))

ولو كان الدكتور الترابي قد نفذ إلى لباب الثقافة الغربية لعلم أن المادة 5 (2) من دستور السودان المؤقت غير قابلة للتعديل . وهذه المادة تقول ((لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون)) وهي غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور ، التي إنما يكون عليها التفريع .. وهي الدستور ، فإذا عدلت تعديلا يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير عن الرأي فان الدستور قد تقوض تقوضا تاما .. ولا يستقيم بعد ذلك الحديث عن الحكم الديمقراطي إلا على أساس الديمقراطية المزيفة .. وهي ما يبدو أن الدكتور الترابي قد تورط في تضليلها .

المادة 5 (2) هي دستور السودان المؤقت ، وهي دستور السودان المستديم ، وهي دستور كل حكم ديمقراطي ، حيث وجد هذا الحكم الديمقراطي ، وعمل الجمعية التأسيسية في وضع الدستور إنما هو تفريع عليها ، ليجعل تحقيقها اكمل وأتم .وهناك قولة قالها الدكتور الترابي هي إحدى الكبر في شرعة العقل المفكر ، والثقافة الصحيحة ، وتلك هي قوله ((ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع)) فعبارة ((لأنه يخضع للتشريع)) تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي أن تجهل في أمر الحرية ، وفي أمر التشريع .. وأول هذه الأمور أن الحرية لا تضار بالتشريع ، وإنما تزدهر بالتشريع ، اللهم إلا إن كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق ، الذي يسمي نفسه ديمقراطية ، زوراً وبهتاناً .. وهذا ما يبدو أن الدكتور يعنيه .. وهذه إحدى مشاكل تفكير الدكتور .. وعبارة ((في حدود القانون)) التي وردت في عجز المادة 5 (2) هي روح المادة .. لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها ، ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها ، وكل تشريع غير ذلك لا يسمى تشريعا ، إلا من قبيل تضليل الناس .. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور وهذا هو المعنى بدستورية القوانين .. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعا دستوريا .



حكومة القانون لا حكومة الناس

ومن الفقرات التي تنم عن جوهر ثقافة الدكتور الترابي الغربية قوله من صفحة 3 ((وإذا كانت نظريات القانون الدستوري (الوضعي) تعرف السيادة بأنها صفة السلطة المطلقة المنفردة التي تملك صلاحية شاملة ليس لمداها من حدود ولا لصاحبها من شريك فهذه السلطة مودعة في الجمعية التأسيسية وبحكم هذه الحاكمية غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق ، لا تضاهيها هيئة أخرى ، ولا يراجعها رقيب ، ولا يحدها ضابط قانوني)) أما نحن فما نعرف أن مثقفاً مفكراً يمكن أن يتورط في مثل هذه الهلكة ..

ألم نقل أن الدكتور ضحية القشور التي زيفت الديمقراطية الغربية ؟ فهو تلميذ موسوليني .. فإن موسوليني قد قال ((لدى الفاشي فإن كل شئ في الدولة .. وليس هناك معنى إنساني ، أو معنى روحي .. بل وأقل من ذلك ، فليس هناك أي معنى ذا قيمة يمكن أن يكون خارج الدولة .. وبهذا المفهوم فإن الفاشية مطلقة .. والدولة بوصفها تعبيراً شاملاً عن الإرادة الأخلاقية هي الحق ، وهي صانعة الحقوق)) . هذا ما قاله موسوليني ، وأقرأ ما قاله تلميذه مرة أخرى في الفقرة الماضية ، وركز بصورة خاصة على ، ((وبحكم هذه الحاكمية غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق ، لا تضاهيها هيئة أخرى ، ولا يراجعها رقيب ، ولا يحدها ضابط قانوني)) ومع أن ماركس ممن زيفوا الديمقراطية فإن الدكتور ليس تلميذه إلا بالقدر الذي تشترك فيه الشيوعية مع الفاشية في صور الحكم المطلق .. وأما الوعي الزائد الذي تمتاز به الشيوعية على الفاشية فليس للدكتور مشاركة فيه .

ونحن نتساءل .. هل كان يمكن للدكتور أن يدعي للجمعية كل هذا الحق المطلق الذي يجعلها حقاً في ذاتها لو لم يكن عضواً فيها ؟؟ بل هل كان يمكن أن يدعيه لها لو كان مجرد عضو لا تنتهي إليه مقاليد الزعامة الفكرية فيها ؟؟


.

المصدر :
http://alfikra.org/books/bk014.htm



التوقيع: [align=center][/align]
admin غير متصل   رد مع اقتباس