عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2011, 05:41 AM   #[77]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

كان رئيسنا المقاول يدعى مُورقيا، تاميلي الأصول ضخم الجثة حالك السواد ذي لمعة، شعر رأسه أبيض كنتف القطن مشعر يلبس فنلة بيضاء ورداء أبيض بصورة مستديمة يعلق في صدره نياشين لا يمكن أن تجدها إلا عند المحاربين القدامى، وبقوله منحها له سلطان سلنقور لبطولاته الوطنية وبلائه غير النظير. كان مرحاً على الدوام ويستخدم أسلوباً مسرحياً في إنجاز عمله لكونه من الأعمال الشاقة فتعلمتُ منه تلك الصَّنعة في غضون أسبوعين وعندما تحدى مجموعتنا العمالية التي تتألف من سودانيين وغانيين بأن سيمنحنا مقطوعية عمل لصنع خمس هياكل من السيخ ومتى ما انتهينا رجعنا إلى منازلنا مبكراً بدلاً من الوقوف تحت صهد الشمس من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساء فقبلت التحدي على مضض وفي اليوم التالي ما أن بلغت الساعة منتصف النهار حتى سلمته مجموعتي الصناديق الخمس التي تستخدم لكابلات ليصب فيها الأسمنت تحت الأرض .

عندما انتهى عمل المقاول مورقيا عرفاناً منه أسلمنا إلى مهندس هندي آخر إلا أنه على النقيض تماماًَ فقد كان على الدوام يبتزنا بأنه يجب الخضوع لشروطه ولا ننسى بأننا نعمل مخالفين لقوانين البلد، كما أنه تماطل في دفع أجورنا التي يجب أن تُدفع لنا كل أسبوعيين بأن مَنَّى الجميع بزيادة الأجور إذا ما أكملنا أربعة أسابيع لنستلم أجورنا كاملة. إلا أني شككت في كل أقواله فطلبت منه دفع أجورنا لنستمر، فجمع بقية العمال وطلب منهم عدم السماع لي، وعندما أعيى حيلة وضعهم بين خيارين الوقوف معي أم الاستمرار في العمل معه على مقولة جورج دبليو بوش: (معنا أو ضدنا) فاختاروا الاستمرار على أملٍ مشكوك في أن يجمعوا مستحقاتهم آخر الشهر كاملةً. أمّا شخصي الضعيف فقد تم إيقافي وحاول المماطلة في تسديد مستحقاتي فلم أجد له بُداً غير تهديده بنقل قضيتي إلى السفارة السودانية بينما أعلم في خلدي جيداً أنْ لو علمت سفارتي لأمرت بترحيلي على أهبة السرعة بدل انصافي فخاف الرجل وأمر لي بحقوقي وغادرت إلى العاصمة وظلت تتردّدُ في أسماع عماله وصفه لي برجل السفارة THE EMBASSY GUY.

تمكن ذلك المقاول من تخدير العمال أسبوعاً إثر أسبوع حتى أكملوا شهرين ثم اختفى نهائياً دون صرف مليمٍ واحدٍ لهم، فتألمت لمعاناتهم وسكنهم في تلك الغابة الاستوائية التي من كثافتها والتفافها يمتلئ سكن العمال الواقع في وسطها بالحشرات عن آخره كل يوم، وعند أوبتنا من العمل المنهك بدلاً من طهي طعامنا نبذل وقتاً مقدراً في إزالة تلك الحشرات ذات الرائحة النفاذة ولا ندري كيف دخلت إلى الغرف رغم انسداد نوافذها بالزجاج المحكم، فضلاً عن معاناة مطاردة شرطة الجوازات لنا في الأحراش، وفي مرة بينما كنا نقود سيارة الشركة التي تعلّم فيها أغلب العمال القيادة إذ نسمع صافرة إنذار من خلفنا و أنوار النجدة تتناوشنا فقفزنا قفز القرود من على ذلك اللوري وهو سائر واختفينا في أحراش لم نتمكن من الخروج منها بعد انصراف الشرطة إلا بشق الأنفس.



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 06-10-2011 الساعة 05:51 AM.
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس