عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2011, 05:37 AM   #[76]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

ظلت الآمال تصرع إحداها الأخرى حتى برق لنا آخر وهو أن كوريا الجنوبية قد فُتَّحت أبوابها وقالت هيت لك ولا يحتاج المسافر إليها غير مبلغ ألف دولار صحبة راكب وتذكرة ذهاب وعودة، وقد ذلَّل الله لنا ضابط شرطة مُحال إلى المعاش المُكنّى بالصالح العام تبرّع بالقيام بكامل النفقات على أن تُردَّ له أمواله بعد الاستقرار والعمل في مصانع الكوريين. شرعنا في تهيئة أنفسنا للرحيل وقمنا بتخيُّر ملابس السفر الأنيقة والساعات المطلية بماء الذهب وربطات العنق الحرير، فقد بلغنا أن الكوريين والكثير من دول جنوب شرق آسيا لا تمنح دخولها لحامل تأشيرتها بالطرق الرسمية فحسب بل من خلال الملبس والمظهر إذ لم يبلغهم قول شاعرنا (الناس في العروض لاتقسها بثيبانها). سافر الفوج الأول من جماعتنا وتكلَّل وصولهم بالنجاح حتى أنهم أبرقونا بالوصول الميمون، وما أن أعددت حقيبتي لساعة الرحيل صوب سيئول حتى حطَّ أحد المعلمين السودانيين في نزلنا يبحث عن مُعلِّم في ولاية نقري سِنبلانغ التي تبعد تسعين كيلاً عن العاصمة على باب السرعة، فانتشلني انتشال الغريق في لجة آماله العراض وبين ليلة وصباحها أضحيتُ من ضمن طاقم التدريس في مدرسة ناحية باتُو كِيكِر جمعوا فيها المرحلة المتوسطة والثانوية وداخلية للبنين والبنات بطاقة تشغّل جامعة مهولة مقارنةً بعالمنا النكيبة. للمدرسة موقف مخصص لسيارات الطلاب والدراجات كما وتوجد لافتات مخصصة لسيارات الإدارة والوكيل الأول وحتى الثالث والمعلمين بأسمائهم الوظيفية. إلا أن حديقة المدرسة النباتية تعتبر عالمٌ آخر إذ تتمتع بمساحة خمسة أفدنة ويزيد، تعزف فيها جوقة موسيقة بصحبة الضفادع العملاقة و السلاحف والتماسيح وثعابين الكوبرا وأما غابات البامبو السامقة والأشجار المدارية الضخمة تقوم بمهمة تظليلها فتحجب عنها الشمس وتأذن للنسيم على غرار وصف حمدونة الأندلسية لوادٍ في الفاندلس حين قالت:

وقانا لفحةَ الرمضاءِ وادٍ
سقاه مُنعّمُ الغيثِ العميمِ
نزلنا دوحَه فحنا علينا
حنوَّ المرضعاتِ على الفطيمِ
وأرشَفنا على ظمإٍ زُلالاً
ألذَّ من المدامةِ للنديمِ
يصدُّ الشمسَ أنّا واجهتنا
فيحجُبها ويأذنُ للنسيمِ
تروعُ حصاهُ حاليةً العذارى
فتلمِسُ جانبَ العقدِ النظيمِ

تضم الحديقة النباتية فيما تضم أكبر الفراشات على البسيطة و أضخم الزهور الطبيعية على سطح الأرض كما أُعدت فيها متكآت أسمنتية متناثرة تتخللها مجسمات لعش الغراب والطاولات المتخذة تجاويف كتل الخشب وخطوطها ومعامل نباتية وحيوانية وجيلوجية. لتلك المدرسة الريفية ريع من المساحات و المكاتب غير المستخدمة تقوم بتأجيرها و تحصل منها على ميزانية مقدرة، لمّا تمض على وظيفتي الجديدة ستة أشهر حتى حلت الأزمة الاقتصادية عام 1997 التي اجتاحت دول نمور آسيا المتنامية فقررت الحكومة الماليزية وقف تعيين الأجانب تخفيفاً لوقع الصدمة الاقتصادية فتحولتُ من تلك المدرسة العامرة إلى عامل في المطار الجديد بوظيفة حداد مسلح مخالفاً لقوانين العمل الماليزي بالعمل بتأشيرة سائح اعتمر خوذة صفراء وبرجلي بوت مهول أما جيوب وفتحات أبرولي الكاكي معلقة فيه أسلاك وزرديات وكماشات بأشكال مختلفة ومتر قياس لزوم الإستيل فكسر Steel Fixer.



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 12-10-2011 الساعة 07:35 AM.
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس