الموضوع: تأريخ المعرفة
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-03-2008, 03:20 PM   #[1]
تاج السر الملك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تاج السر الملك
 
افتراضي تأريخ المعرفة

تاريخ المعرفة


القطار
(ظلت القاطرة تنهب الأرض مثل آبق .. الأرض الخواء المنبسطة تحت سرر حديدية تمضى على سوق مستديرة من الفولاذ، تغير وجهتها كل عقد من الزمان و تمضى دون شارة ودون صافرة و دون دخان.
تمضى بأستمرار نحو غاية يقصر حتى الأمل عن أدراكها ، تمضى و تمضى معها مصائر الناس فى جوفها ، تكدسوا فى حجراتها فى جلبة و حيرة ، تلاشت امالهم فى الوصول وتضاءلت فى الرجوع .
فى عذق الضجيج و الخوف ، التقيتها ، و كنت اسير عكس رياح القاطرة اتحسس دربا الى الأربعين او اللبانة لا ادرى، فى جنوب شمال الذاكرة و ازمنة متحوصلة فى ازمنة تمضى قدما ، التقيتها ، فى زمن شرقى يتجه دون عزمه غربا ، التقيتها، و انا أخوض فى حلم كاذب من هجين الأتجاهات و الوجهات و الألوان ،التقيتها، فى هنيهة انتفاء دينامية الحدث حين يصافح رتابة الواقع خارج اطار النافذة ، التقيتها، بين المسجد و المقهى رجال يقفون على سوق تنتهى بأحذية مهترئة بالية . وددت سؤالها فى جفاف هواء الظلمة و مطر الضجيج ووثوق الناس الى الكرى....كم كانت الساعة؟؟؟
ليتنى اقدر ، أفرش قلبى مخدعا تنامين فيه ، اعمد روحى فى بحر الطيبة التى تصطخب امواجها على ضفاف فؤادك، او اولد من نطف الدمع الذى اعتقته الجاذبية من سحرها و البوصلة من اقترانها بالأفق.
و لكن القاطرة ظلت تسوف المدى و ازمنة لا متناهية ، تتوسل الوهم و التأمل و فحم الرجوع ، و خارج النافذة ، ظلت الأشياء تولد من لا شىء).
تأريخ المعرفة
عبرنا شرق النهر على صهوة الضجر ، كان رهط من رجال البطانة على الضفة المقابلة ينظرون فى فتوى الأنتظار ، محكمى القبضات على قعور سياط ( العنج) ، فى عزم من يودون هزيمة الضجر او من يتسلون بالوخز و المقارعة فى انتظار الصمت، الا انهم يبادرونك بالسلام الندى الرطب ، و قائد ( البنطون) يلتقى بالأحداث قبل نشوءها ، ينقل الأخبار و يلقى بها فى الضفة المعاكسة ، يزيدعليها او ينقص بلسان يلحن الفصحى و نساء مرضعات و رجال يغلظون الحلف و البصق فى ماء النهر . يموت رجال تحت مواطىء احذية بالية مهترئة ، لرجال آخرين ، رددنا عليهم السلام الندى الرطب ، فقال شاعرهم ، و هو ممسك بسوط ( العنج) ، لماذا نمجد قيما مندثرة ، و كوكب محتوم بفناءه ، و رفات يعود الى رفات؟؟؟؟ ما هو المجد ان لم يكن فراغ عقيم فى مجرى وهم عقيم؟؟ و اشار بسوطه الى النهر.
هذا صباح العيد ، تفى العاهرات بالنذور على شفة الضريح شرق الماء ، و يستسلمن الى خدر التعاسة و قداسة المومياء ، لا يتبرجن الا من عطر نفاذ ، و دخان و بخور و اساور ذهبية تشبه نقوشها ، نقوش ( مسلة) نوبية قديمة ، اساور من ذهب عمال الرى و الحفريات و السكك الحديدية و ادارة الكهرباء .
يزأر الحديد و هو ينسحب القهقرى مبتعدا عن الضفة ، يحملهن عائدات الى مزاولة فحيح اخاديد الجسد العتيق المتهالك ، و بقال و خراف و عربة (لاندروفر) رمادية اللون ، مصفحة بتروس القوة ، و الجمع يحدقون فى امام منعكس فيصابون بالدوار برهة ، ثم تكتمل استدارة البنطون ، فيذهب الأمام الى وراء ، فينقشع الدوار و ينبعث اللغط المحتبس تحت همهمة الدعاء و مناجاة المومياء ، يشرق الفرح فى رعشة متعة خاطئة عابرة ، و ذراع المومياء تمتد فى فراغ الحصافة تنتشل الغريق من بين فكاك النهر الجائع ، تمسح القذى و الذباب عن عيون الأطفال المقروحة، ثم تنثنى ( تهز) على نوح صبابة المداح ، قال شاعرنا، من ترى يعيش ليرث مجد التراب و هو الى ذر و رفات؟؟؟
و الماء يغير لونه وخواصه، و فى وقفة العيد صب الجاز على جلده فأشعل ( مفيستو) النار فالتهمت كل جسده الصبى الا الكعب، وقفنا فى الظلمة ننظر جسده الممدد على لحاف متسخ و هياج ثواكل ، مضى فى مجد الموت وحيدا قبل ان يشهد تبلج مجد العيد ، احكم الحزن على اخيه الطوق ، فصار يطلق النكات فى ساحة المقبرة المزدحمة بالرجال و احذيتهم البالية ، انتبذت امه فى الصفعة مكانا قصيا ،تتحسس التراب على خدها و بين ثنايا الشلوخ..الصفعة التى هبت ريح الموت فى اعقابها.
كان فقرا مدقعا ، و العيد سرابيل و شلو رداء ،و خمسة من الصبيان و الصبايا، ابنى البكر فى الجنوب يزرع الغاما و يرفع عقيرته بتلاوة الجلالات القاتلة ، نفرح حين يبعث لنا بمال الفىء قبيل العيد ممهور بتوقيع قداسة المومياء ، دعونا الشيخ المسجى شرق الماء و نذرنا النذور، زفرنا اكبادا حرى من وراء نسيج اخضر سميك، و دخان ، كان الأبد رابضا فى شجيرات السدر و العوسج ،و جدتى سادرة فى ( بطحانيتها) ، حتى حارت الى مومياء، جلست تلعق الروب من آنية بلا قرار، و تهيأت لها الملائكة مثل رجال الضفة، قابضين على سياطهم ، فزغردت من فرح، فأنقلبوا الى شياطين مردة ، قطع ( غلبونا) حديثه على الجوال قاب قوسين او ادنى من غلبة البسابير و الطيباب و الحسناب، تمتم فى ياس ، سأعود و ما عاد ، فالغبرة ما عادت تنبت ( العيش ) و السفر يخرج من ثناياها، كلما احتدمت السماء برذاذ الطمى، هفت النوق الى النشوق و يأبى الشيخ ان يؤديها الأذن ، رابعة العيد ، و ثلث الليل الأخيرالا قليلا، يشير بيده الى الأضواء المنتثرة على المدرج ،و يقول: ديك الحجاز، تهبط النفاثات فوق الحقائق العارية، فوق مدرج من افئدة عامرة بالمنى و الأمنيات ،و مقاطع من الحصن الحصين ،تراءى لنا امرؤ القيس بين خفر الجمرك و الأبد و الأوابد و الهياكل مجدور الجلد ، على شاشة التلفاز قال ( محمد على) ..كل ما يتمناه المرء..تويوتا تدركه؟؟؟.بلسان عربى مبين ، آمن الناس بذلك حتى يومنا هذا، و هبطوا حفاة على المدرج، قال الطيب ان ( بوب مارلى) ظل يزوره كل يوم فى شقته ببرايتون سائلا( الطيب ...ما بلقى لى عندك شريط اب داؤد؟؟؟).
3
عبرن شرق الماء على ظهر ( فروة) ، قبيل مجىء ( جلوك) ، ليملأ ( ركوته) من ماء النهر للوضوء ، عبرن الى ضفة الأخدود الذى ينساب فيه الماء الأزرق ، مشين على صفحات ( شاهنامة) سوداء السحنة و صحائف غائبة عن فطنة التاريخ وعهود فناء البردى و ندرة الجلود ، مشين زرقاوات مثل السكن فوق جفاف الصمغ ، و ( قوت القلوب) مشلخة، فوق خديها المكورين نخلة ، كانت تشرب الخمر مثل الماء القراح فى حضرة الدستور، ذابلة العينين مثل زهر التبر فى الظهيرة العالية ، تترنح على خبط الطست و الرق و الأصناج مثل مومياء مقدسة، و مات رجال تحت اقدام رجال و عقب من حديد.
عبرنا شرق الماء ننوش النبق الغاضب على شجيرات السدر الغاضبة ، يأتى الكون الى سكون حينما ادرك ( بابكر سانتو) الهدف ، اشعل مصطفى النار فى تاريخه الغض القصيرفأنسكب العرق و سكن خواء الفؤاد الى الأبد . عدنا الى ( الخلوة) و ( العريفى) يمد نصف جسده من شباك ( الدردر) المنخفض ..با جا ب الف، يصر البوص على اللوح حتى اربعاء ( البليلة) و خميس الرماد، يعود قريبه السجان ليشاركه غرفته الرطبة و احزانه الخاصة ، ينزع فى حرص عمامته الكاكى عن راسه فكأنما يقشر قندول عيش الريف جائع يلتذ بجوعه، يعيد صياغتها على ركبته اليمن بحذر و اتقان ، فينفض الصغار فزعا من خطل المعرفة و يهرعون الى بهجة الجهل و غبطة العراك.
انتهى رماد الدوار الى ( ساحة التحرير) ، تبلج صبح العيد مسفرا عن ثلاثين جثة معلقة يفتتح بها السابلة يومهم ، الرفاق الذين آمنوا بحكمة المومياء و الرسالة الخالدة ، و الرفاق الذين استظلوا براية الحرية لهم و لسواهم ، و الذين هم واثقون من مستقبل الوحدة و الأشتراكية، و الذين تحولوا الى دليل سياحى يدلك على مكان التمساح الذى حولته لمسة المسبحة الى حجر، و مومياء ابى و فضة الفودين على برواز متواضع على جدار اغبر ،بجانب مومياء الجيوكندا و مومياءات ( افينيون) و هن يسبحن فى مأزق الحياة .


.
جعل على يكذب ما ارجفت به المحكمة عن عدوله عن الحكومة فثبت ( عمرو) معاوية، علق عمال ( الفبارك) صورة المومياء الصفراء ( تسى تونغ)..



تاج السر الملك غير متصل   رد مع اقتباس