عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2007, 09:51 AM   #[1]
عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي رحل الطيب فرحلت مزرعة من مزارع الوجدان


[align=center]رحل الطيب فرحلت مزرعة من مزارع الوجدان :[/align]

[align=center]تَبكيكَ الخلاوي الجَالَسْتَ ديمة شِيوخَا
تَبكيكَ النَّخيل الجِيتَا صَاد لشلوخَـا
يَبكيكَ العَجين الحَكَرولُو لَخُوخَـا[/align]



في وداع الطيب محمد الطيب ، تغيب النسمة التي تربط المدائن بالأرياف . كان صديق أهلنا في الريف ، ما عرفنا إلا وجهه الصبوح وأريحيته الضاربة في أعماق الوطن و تاريخه . يصادقك وجهه وعطر حديثه ورياحينه التي ملأت ذواكرنا تطوَّف عليك وأنت تسمعه في التلفزة . يُقرب لنا البعيد ويُجمل لنا البلَور و يمحى الكآبة عن النفس . نبتَ هو من وطننا كسُنبلة زاهية نعرف بها نحن أن الأرض من تحتنا تُحب فأس الزارع حين يفلَح ، والراعي حين يُسمِّد الروث الأرض لولادتها من بعد الغيث في المواسم . عَبر بخَطوه الأجيال والأزمان يربُط الحاضر بالتاريخ ، والأبناء بالأجداد ، ويُذكرنا بمن نستهم مدائننا وانشغلت عنهم ، وكانوا هُم عِمد اقتصاد الوطن من زراعة ورعي ، و كانوا هُم دافعي فواتير التعليم والصحة والخِدمات منذ تاريخ ضارب في القدم .
تجده يتوسط الأهل من كل بقاع أرضنا ، بجلبابه وعباءة تُجمِّل المقام و عُمامة على الرأس لفها كيفما اتفق . جميعهم من سائر لباس العامة ، فهو خدنهم واتكاءة محاسنهم ، وبازل نثرهم ، والكاشف كرمهم في المشارق والمغارب .

بمجلسه تَحلو دروب القص وتتسلل الأغاني والدُوباي والرجز والمناحات وشعر الحكامات وأساطير الرعاة في الفلوات . يدلُف فلكلور الشعب معه كالماء المنقوع من جِرار ( الغُبُش ) . تُحدِّق في نظرته ، تجده بين أهلكَ لا يُميزه غير حلاوة حديثه . كل العواصف التي أخذت بتلابيب الوطن أهله وحالهم ، أتراحهم ككثبان الرمل ، وأفراحهم ما ندرت ، لم تُغير حال الرجل . أجبر المُختلفين أن يتبسطوا و يدنون عواطفهم لشجنها ليستمتعوا بعادات أهلنا في الأصقاع ، بألوانها الباذخة وغرائبها المُحببة .

يحق لأبناء موطني جميعاً أن يوقدوا طقس المناحة ، عل النُفوس تطيب من ذكر طبيبها الصدوق . ما أقعدته حاجة ، ولم تترصده إلا المحبة للوطن وعشائره الذين تفرقوا في الوديان والجبال والسفوح . هو من صعد إليهم وكشف مكانتهم العالية رغم ضيق ذات اليد .

أللهُم أكرم مثواه وأرزقه من رزقك المَمدود و صرحك المنضود و نفائسك التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا تَخاطرت على قلوبنا .

لمرقده أن يُبلله لبن لم تُغير الجداول طعمه، و من سلسبيل الجنان شرابها الندي يُزهر قبره من بساتين الفيحاء الموعودة بإذنه تعالى .

عبد الله الشقليني
17/02/2007 م



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس