عرض مشاركة واحدة
قديم 14-03-2008, 07:10 AM   #[39]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

البرنامج الاقتصادي للإنقاذ الوطني
الشريف حسين الهندي[/align]


تمهيــد

الاختناقات الاقتصادية(سلع وخدمات)بين الحكم والإدارة


كل مهمة هذا النظام (مايو النميري ) أن يحـكم ، ليس مهمته أن يديـر شئون البلاد بل أن يحكم بالقهر!! وطالما هو مستمر في الحكم ، طالما هو مستمر في القهر .. لا يهم أن يكون هناك مـاء أو أن تكون هناك كهرباء أو أن تكون هناك خدمات أو أن تكون هناك سـلع ولا يهمهم أن تكون هناك اختنـاقات .

وفي واقع الأمر ، إذا بدأنا نعد - ونحن الآن في مرحلة العد التنازلي ، ولكننا كنا في مرحلة العد التصاعدي (منذ بداية هذا النظام) وأصبحنا نعد يوما بعد يوم ؛ إذا أصبحنا نعد الآن .. مجمل الاختناقات الموجودة ، والتي تطفح على السطح ، لعجزنا عن العد ، ولقلنا أن شعبنا يعيش الآن في خناق وفي اختناقات متكررة متجددة ، وفي كل يوم ! وهو لا يبرح من اختناق ، إلاَّ لكي يقع في اختناق آخر .

وفي الحقيقة .. إن مرد هذا الاختناق للسلطة نفسها ، لأنها سلطة جاهلة وواهية ، وغارقة في مشاكل أخرى لاتهم المواطنين . ليس هناك حلول أساسية وجذرية لهذه الاختناقات ، إلاَّ إزالة هذه السلطة ، إزالة جذرية ؛ وأن يأتي الشعب بسلطة تهتم بمشاكله فتزيلها ، وباختناقاته فتزيحها . هذا هو الحل الوحيد ، لهذه المأساة التي يعيشها الشعب السوداني ، والتي يسميها النظام وتسميها صحفه … اختناقات !

مراحل البرنامج الاقتصادي للإنقاذ الوطني

لو استطردت في شرح المشاكل المعيشية والاقتصادية التي يعانيها السودان ، والافلاس الذي حدث فيه؛ بأرقام ونماذج مختلفة ، لأخذ هذا الحديث مئات الساعات . ولكن ، حقيقة الأمر أننا ، أنا وأنت والسودانيين وبقية العالم ، والمجتمع الاقتصادي والمصرفي بأكمله والدول ، نعرف أن السودان مفلس اقتصاديا لا ينقصه إلا إشهار إفلاسه . وبالتالي … فهذا الحديث عن الافلاس الاقتصادي وانعدام السلع وندرتها ، حقيقة واقعة . وكثيرا ما يقول لنا الناس: لماذا تتعبون أنفسكم ، وهذه السلطة منهارة اقتصاديا‍؟ والاصلاح الاقتصادي من بعدها مستحيل أومعجزة … أوما يشبه المعجزة‍‍‍.

لكننا نحن وطنيون ، لا يمكن أن نقتنع بهذا المنطق . ونحن نعتقد أن استمرار السلطة يوما واحدا، يشكل سنة كاملة من زيادة الانهيار الاقتصادي . وبالتالي ، فنحن كمواطنين - وبالدرجة الأولى - مطلوب منا فورا انهاء هذه السلطة .. لأن بداية نهايتها موجودة الآن . وبذلك ، لكي لا تتضاعف المشاكل الموجودة الآن ، اقتصاديا وإداريا ، وأدائيا ، وأخلاقيا ؛ فيصبح اليوم سنة كاملة من الانهيار ، فواجبنا كمواطنين أن نتصدى لقضايا بلادنا؛ مثلما واجبنا كمواطنين أن نتصدى للدفاع عن حدودها .. إذا اجتاحها عدو . فلا عذر لنا أن نقول إن الموقف ميؤوس منه للدرجة التي تدفعنا للتخلي . الواجب الوطني يتهمنا بالخيانة إذا قلنا ذلك . هذا في المقام الأول . في المقام الثاني ، لقد قلنا – وأنا أؤكد لك – إن المشاكل الاقتصادية الموجودة في السودان الآن ، والتي بلغت حدا يرى الكثيرون أنه لا حدود له ، نحن لدينا له حدود محددة . وأنا لا أستطيع الآن أن أشرح لك الحلول المحددة . ولكن ، سأعطيك أربع أوخمس نقاط تشكل برنامجا اقتصاديا للانقاذ .. على ثلاث مراحل ، يطبقه حكم قومي مجمع عليه من جميع السودانيين ، لكي ينجح .


المرحلة الأولى

علاج الميزان السلعي



معالجة الميزان السلعي بزيادة عرض السلع - في البلاد - على طلبها؛ بحيث لا تكون هناك ندرة للسلع ، ولا سوق سوداء ولا متاجرة بها؛ وبحيث تعود حلقة السلع التي انقطعت فتواصل دوراتها؛ وبحيث يكون المعروض من السلع في الأسواق أكثر من الطلب عليها . نحن في المدى الأول سوف نستورد كميات كافية من السلع ، تجعل المواطن السوداني واثقا أنه كلما طلب السلعة وجدها . ولا يجد نفسه مضطرا للتخزين المنزلي ، كما يحدث الآن في السودان .


مثلا : كلما وجد مواطن سلعة ، بدلا من أن يشتري حاجته منها ليوم أولأسبوع ، كان يشتري حاجته لسنة؛ لأنه في داخله يعتقد أنه لن يجدها مرة أخرى . وهو يتنافس فيها مع آخرين ويرفع سعرها . ويستغل ذلك تجار السوق السوداء . نحن سنطرح السلع الأساسية – حتى شبه الأساسية والرأسمالية وشبه الرأسمالية – بالدرجة الكافية التي تحدث زيادة في عرضها على طلبها … وبالدرجة التي تطمئن أي مستهلك لها ، أنه كلما أرادها وجدها ، فهو ليس مضطرا لتخزينها . وبذلك فنحن لدينا دراسة عن السلع المطلوبة والناقصة وغير الموجودة؛ ونحن نعرف مقدارها نقدا بالتقريب . ونحن باتصالاتنا، نستطيع إن نؤكد إننا قادرون على تأمين المبالغ اللازمة لشراء كل السلع التي تعيد التوازن السلعي في السودان ... أي التوازن بين السلع والأسعار . والتوازن بين العرض والطلب. بل وزيادة العرض على الطلب في المرحلة الأولى؛ والمبلغ الذي يؤمن هذا والذي قد يفوق البليون دولار، أنا اؤكد لك إننا سنؤمنه .


ونحن سنجعل كل رخص الاستيراد مفتوحة .. أي إلغاء الرخص ، بحيث لا تحدث تجارة رخص ... نسجل الاستيراد فقط في المرحلة الأولى، ونجعله مفتوحا . وفي نفس الوقت ، نحن لن نحارب التجار بإدخال السلع في البطاقات ، وبالمحاكم المدنية ، وبالتسعيرة ، وبتفتيش المخازن ، لأن هذا هو مطلب التجار فعلا . إذا ما أدخلت السلع في التسعيرة ، اختفت وزاد سعرها .. وزاد ربح التاجر منها . نحن سنعالج المشكلة . وأنا لا أقصد أن نحارب التجار . فنحن نطلب التعاون معهم ، ولكن السياسة التي سنطبقها هي: أن نجعل السلع تفيض على السوق؛ بالدرجة التي تجعل المواطن يجدها في كل محل وفي كل إقليم .. وفي كل عاصمة؛ وبحيث لا يستطيع التاجرأن يستغل انفراده بها .. كما يحدث الآن . وفي ذات الوقت بدون أن نحرم التجار من الاستيراد ، ستستورد الحكومة جميع أنواع السلع كاحتىاطي واقي؛ يكون موجودا لديها تطرحه في السوق إذا ما شعرت بأن التجار يريدون الاستغلال ورفع الأسعار. وعند ذلك لن يصيب التجار الا الخسارة ماديا . وأنت لا تحارب التاجر بالتسعيرة والبطاقات - التي تخلق السوق السوداء - لأن هذا مطلبه هنا .. حيث يربح . أنت تحاربه بالخسارة المادية . فإذا كان يخزن سلعا، واستوردت أنت عشرة أضعاف المطلوب منها ، عند ذلك سيضطر لبيعها خوف الخسارة .


نحن مستعدون أن نجلب للسودان ما هو ناقص من السلع؛ و بالأحرى .. ما هو مطلوب؛ لأنه ليس هناك سلع في السودان اطلاقا . وفي مدة لا تتجاوز الأسابيع، بحيث يحدث تشبُّع كامل من كل هذه السلع؛ و بحيث يزيد العرض على الطلب زيادة كبيرة واضحة؛ وبحيث يطمئن المواطن فلا يشتري اكثر من حاجته ، ليخزنها منزليا؛ وبحيث يخاف التاجر، فيكتفي بالربح الزهيد . وبعد أن نطمئن إلى أن حلقة التجارة التي انقطعت قد عاودت دورانها مرة أخرى؛ وأن كل المخازن (سواء مخازن المستوردين أو مخازن تجار الجملة او تجار القطاعي أوتجار الأ قاليم، أو تجار القرى في الأقاليم ، ومخازن الحكومة نفسها) ، قد تشبعت بالسلع ، نعد الاحتياطي الواقي ، ونعيد - بعد ذلك كما قلت لك - التوازن بين العرض والطلب . أما في البداية ، فلابد أن نزيد العرض على الطلب بحيث ندخل الاطمئنان للمستهلكين ، و نوحي بالخوف للتاجر الذي يريد أن يراهن على السوق السوداء ، و نقضي على التخزين المنزلي الذي هو أخطر أنواع التخزين .


سؤالك الطبيعي هو: من أين لكم هذه المبالغ والبلاد مفلسة ؟ وأنا لا أسمي ممن سنجد العون . ولكن الذي أقوله لك ، إننا مصدر ثقة بالنسبة لاستعمال الأموال العامة لمصلحة الشعب … وقد كنا كذلك . ونحن نعرف الآن مصادر النقد السائل ، و محلات وجوده .. كما نعرف مصادر انتاج السلع وتصديرها واسعارها الحقيقية؛ ونحن اثناء عملنا للمعارضة ، لا نعمل اعلاميا وتدريبيا فقط ، وإنما دراسة أيضا ، وتلمسا لحل المشاكل الموجودة الآن ، واتصالات بهذا الخصوص . والذي أريد أن أؤكده لك، أننا نعرف بالضبط درجة النقص في السلع ، ونعرف بالضبط قيمتها ، ونعرف من أين تأتي وبسرعة ، ونحن نستطيع أن نؤكد أن لدينا تأكيدا ممن لا يمكن أن يرتفع الشك إليهم .. بأن ما هو مطلوب - لكي يعيش الشعب السوداني معيشة إنسانية - متاح إذا ما كانت هنالك في السودان، سلطة مسؤولة ومستقرة ومطلوبة شعبيا . هذه هي المرحلة الأولي.


في المرحلة الثانية:

الاستمرار في استراتيجية التنمية



والاستمرار في تأمين سلامة الاقتصاد السوداني. نحن سندرس كل مسائل التمويل الادخار والاستثمار(الخاص والعام والأجنبي) ومتطلبات مشاريع التنمية عندنا : الانتاجية والبنية التحتىة؛ المخطط لها أوالمقترحة الآن. وسنصلح أي مشروع تطرق إليه عناصر الفساد والخلل. وسنوقف أي مشروع خلق من أجل الرشوة فقط .. ولا إنتاجية ولا ربحية له؛ والفاشل من حيث الجدوى الاقتصادية. وسوف نرشد التنمية ، ولكننا لن نوقفها؛ بالأحرى سنزيدها. ونحن أيضاً متأكدون من أن الأموال التي تصرف على تنمية نزيهة لمصلحة الشعب السوداني … ستكون موجودة.


في المرحلة الثالثة:

أعادة التوازن الاقتصادي في الموازين غير الميزان السلعي أعلاه



توجب علينا - نحن السودانيين - أن نشترك في معالجة اقتصادنا المنهار ، لا أن نعتمد على الخارج فقط؛ لأنك تعرف أن المعونات والهبات التي تأتي من الخارج ، إنما تأتي من وفورات الشعوب الأخرى؛ لأن الشعوب الأخرى نفسها، يمكن أن تنفق وفوراتها في زيادة دخول أفرادها ، أو زيادة الأجور فيها ، أو زيادة الرفاهية ، وأنت ترى الآن المعارك التي تدور حول زيادة الأجور في العالم ، ولكي تنخفض معدلات التضخم. نفس الدول التي تدور فيها هذه المعارك ، هي التي يقصدها السودان لكي تعطيه ، وهو يصرف أمواله سفها.

في هذه المرحلة نحن سنعيد التوازن الاقتصادي في الموازين الداخلية والخارجية للسودان؛ بمعني أننا نعيد التوازن في الميزان الداخلي (الميزانية) .. بين الصرف والدخل؛ ونعيد التوازن في (سعر الجنيه السوداني) .. على مستوى سعرالعملة الأجنبية؛ وفي الميزان الخارجي (ميزان المدفوعات) .. بين التصدير والإستيراد. ولن نعيد هذا التوازن بالقسر إطلاقاً . ولن نحرم أي طبقة من أي مميزات لديها الآن.


لن نطلب "شد الأحزمة على البطون" – وهو التعبير الشائع في السودان – لأنه في بلادنا لم تعد هناك بطون .. وبالتالي فلن تكون هناك أحزمة. ولكن هنالك في بلادنا صرفاً تفاخرياً .. أغلبه على الأمن ، وعلى استخبارات الجيش – ولا أقول على الجيش نفسه – وعلى الاحتفالات ، وعلى الرشاوي ، وعلى تنظيم سياسي فاسد .. مثل الاتحاد الاشتراكي؛ كلها مصروفات طفيلية وقشورية؛ سوف نشطبها بجرة قلم .

وأيضاً ، نحن نستطيع أن نجعل أسـعار السلع تنخفض بنسبة 300 بالمائة؛ وقد يدهشك ذلك؛ فالسودان الآن يستورد بما يسميه النميري "السعر المتوازي". والسعر المتوازي هو سعر السوق السوداء للعملة الأجنبية .. أي أن الدولار يساوي جنيهاً .. والجنيه الاسترليني يساوي جنيهين وربع الجنيه. وإذا نظرت إلى ذلك تجد إنه يزيد الأسعار100 بالمائة. وهذا ينعكس أيضاً زيادة في التكلفة ، والشحن البحري ، والتأمين ، وأرباح التجار ، والسوق السوداء . نحن سنؤمن العملة التي نستورد بها؛ بالسعر الرسمي للعملة السودانية .. أي بنصف السعر الذي تشتري به السلع الآن؛ ونطرحها في السوق بهذا السعر.

أما الآن ، فالتاجر السوداني يشتري بالسعر المتوازي .. كما تسميه الحكومة، أو بسعر السوق السوداء كما نسميه نحن؛ أي عليه هو أن يوجد العملة الأجنبية . وهذه أول حكومة في العالم تتنكر لمسؤوليتها في إحضار النقد الأجنبي لإستجلاب السلع الضرورية لبلادها . فالتاجر يذهب ويشتري النقد الأجنبي مقابل الجنيه السوداني، وقيمة الجنيه السوداني في الحضيض . والحكومة تسمح له بذلك . وبذلك يضيف كل فروقات أسعار النقد الأجنبي المشترى من السوق السوداء إلى السلع . فيصبح التضخم لدينا، زيادة على قلة السلع والسوق السوداء ، 300 % أو 400 % أكثر من التضخم المستورد من العالم .


إن مستوى التضخم في العالم مثلاً هو: 15% ، نحن يكون لدينا 300 % وأكثر . نحن سنبطل هذا النظام. وستكون لدينا العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع، بالسعر الرسمي للجنيه السوداني . ذلك يرفع من قيمة الجنيه السوداني؛ ويترك المستورد السوداني أن يجد عملة أجنبية – عبر حكومته المسؤولة - من أجل شراء حاجاته .. سواء استهلاكية أو رأسمالية .


وهذا يدعو إلى تخفيض الأسعار عندنا - في اللحظة الأولى - وبمقادير خيالية .. لأن زيادة الاسعار الآن ، ناتجة عن الزيادة في العملة؛ وليست ناتجة عن الزيادة في سعر السلع نفسها؛ لأنك تذهب مثلاً في جدة، وتبيع الجنيه السوداني ب 3 ريالات؛ ثم تشتري الجنيه الاسترليني ب 9 ريالات؛ فكأنك اشتريت السلعة ب 300 % من قيمتها . أما إذا كان لديك جنيهات استرلينية، فإنك تشتريها بقيمتها، وبما فيها من تضخم .. قد يكون 12 % . فالتضخم الآن هو تضخم انعدام الرصيد الأجنبي الكافي للاستهلاك . وبالتالي .. فالحكومة تعطي رخصة لمن يحضر نقداً أجنبياً . والتاجر يشتري هذا النقد بتهريب الجنيه السوداني ، أو المحصول السوداني ، وبيعه في الخارج . ثم إحضار السلع من الخارج . وهذا يضيف 300 % أو 400 % إلى سعرها . وهذا يفسر لك كيف أن قلة تحتكر السلع فتخلق السوق السوداء . وكيف ترتفع أسعار السلع عندنا أكثر من بقية انحاء العالم .



وأريد أن أسالك وانت من لبنان ، وفي لبنان حرب … ليس في السودان عشرة بالمائة منها ، بل وسلسلة حروب متصلة : وانت تعلم أنه في لبنان، السلع أرخص منها في السودان، وأكثر توفراً منها في السودان . وأنت تعلم أننا - قبل الآن - كنا نزود أثيوبيا وأوغندا وأفريقيا الوسطي والتشاد .. بالسلع . والآن ، فبعض هذه البلدان - مثل التشاد - في حرب أهلية طاحنة . ومع هذا ، فهي التي تزودنا بالسلع .



حلنا للمشكلة الاقتصادية ذو ثلاث شعب : المشكلة العاجلة هي زيادة عرض السلع على طلبها؛ ثم التوازن بين العرض والطلب؛ ثم التوازن بين السلع والمال .. من نقد محلي وعملات أجنبية . ليس هناك الآن توازن بين السلع والمال ، السلعة ثابتة وغالية ، والمال قيمته منخفضة .. لأن كميات كبيرة من المال المطبوع - الذي ليس له رصيد - تجري وراء سلع قليلة . وهنا ترتفع الأسعار قطعاً .


أهذا يعني إعادة الثقة الداخلية والخارجيه بالجنيه السوداني ؟


إعادة الثقة الداخلية والخارجية بالجنيه السوداني، لا تحدث إلا بتغـيير السلطة الحالية . والسلطة التي تأتي، واجباتها هي التي قلتها لك . ولا يمكن أن تتم تنمية في السودان إلا إذا تم هذا ، لأن أي تنمية تتم في السودان الآن ستكون نسبة التضخم فيها 400 بالمائة؛ لأنه حتى المواد الداخلية ترتفع أسعارها، لأن مكوناتها من الخارج. حتى العامل السوداني يرتفع أجره، لأنه يعيش من هذه السلع الغالية . فأنت عليك أولا أن تزيل هذا التضخم المصطنع ، الذي هو تضخم عملة؛ بأيجاد الثقة لدى المستهلك السوداني ، وبأيجاد التعاون مع التاجر الذي سيشعر أنه سيخسر كل رأسماله ، وبانعدام السوق السوداء .

ثم بعد ذلك عليك أن تدرس مشاريع التنمية واحدا واحدا ، ودراستنا لها قد انتهت . فتعيد إدارة وتسيير وتنظيم ما هو مفيد ، وتلغي ما هو غير مفيد . وتذهب في التنمية ، لأن التنمية لا تتوقف ، وثالثا ، عليك إن تعيد الاقتصاد السوداني نفسه إلى التوازن .. توازن داخلي بين الصرف والدخل، وتوازن خارجي بين التصدير- الذي يأتي بالعملة الأجنبية - وبين الاستيراد الذي يتطلب العملة الأجنبية . كل هذا دون أن تضغط على جماهير الشــعب ، لأنه لم يبق لديها ما يضغط عليها به . هي الآن في حالة جوع ، فلا يمكن لك أن تطلب منها شيئا . ونحن درسنا هذه المشكلة وأعددنا نفسنا لها ، وأنا أؤكد لك أن كل ما هو مطلوب منها موجود فعلا . الفرق هو ذهاب هذا النظام . لكنه بوجود هذا النظام لا يمكن أن تحدث سياسة مثل هذه .

فحوى كلامكم أن الدعم الاقتصادي الخارجي للسودان، سيتوقف على وجود نظام حائز للثقة الدولية؛ لكن البرنامج يثير تعليقا لابد منه .. بصفتكم وزير مالية سابق، فأنتم تعلمون أن مثل هذا الطرح سوف يصطدم مع برنامج صندوق النقد الدولي ، سواء الموضوعة للسودان أو للدول التي تعيش حالات مشابهة .. وذلك بالنسبة لنقطتين : تخفيض قيمة العملة ، والحد من توفير السلع للمواطنين .. في السودان كما في مصر أولا .

أولا، أنا لم أقل أن النظام يحوز على ثقة الدول؛ وإنما قلت إن النظام يجب أن يحوز على ثقة السودان . والمفروض إنه إذا حاز بثقة السودانيين ، فسيحوز على ثقة الدول . وثانيا ، أنا أعرف كل مشاورات صندوق النقد الدولي، التي اشتركت فيها قرابة خمس سنوات . صندوق النقد الدولي يدعو لتخفيض قيمة الجنيه السوداني، وليس في هذا ما ينفعنا اطلاقا . ولقد خفض السودان قيمة الجنيه ثلاث مرات من غير اعلان . وهو في طريقه للتخفيض مرة رابعة . أنت تخفض الجنيه السوداني إذا ما شعرت أن سلعك الزراعية – المنتجة لديك – تجد تنافسا من دول أخرى تنتج نفس السلع؛ فتخفض سعر الصرف عندك لكي تبيع أكثر . والعكس حاصل عندنا الآن ، السلعة التي ننتجها أسعارها مرتفعة جدا في العالم ، ولولا الأداء السيء للنميري في ال 10 سنوات الماضية ، لكنا الآن نساوي دول النفط أرصدة .

سلعنا … مثل القطن والفول والسمسم والصمغ ، ارتفعت أسعارها سبعة أضعاف عما كانت عليه عام 1969 . ولما انتاجها انخفض إلى الرشوة لم نستفد منها شيئا . وبالتالي ، حتى لو خفضنا سعر الجنيه فهذا لا يفيد . نحن نخفض الجنيه إذا كانت سلعنا في السوق متنافسة مع سلع دول أخرى أرخص منها . وإذا خفضت نيجيريا مثلا عملتها ، ربما نخفض .. إذا خفضت غانا ، أو دولة تنتج القطن .. وهذا ليس حادثا .

ونحن نستطيع إن نقنع صندوق النقد بذلك . صندوق النقد في السودان يضغط دائما باتجاه إن هنالك صرفا تفاخريا أكثر من الدخل ، وإنه ليس هناك دخل . وهو يعلم إنه لو طلب تخفيض الصـرف ، فهذا غير ممكن . لأن الصرف ياتي من فم واحد ، وبلا دراسة . ولا وجود لوزارة مالية لكي تحجب الصرف . وبالتالي ، فأي ترشيد للصرف التفاخري لن يكون مرفوضا لدى صندوق النقد الدولي .

ثم إننا في حالة طوارئ ، ولا يعني هذا إننا نوافق على كل الذي يقوله صندوق النقد ، أوعلى كل الذي تقوله بعثته التي تحضرإلى السودان. نحن نستطيع أن نختلف مع هذه البعثة وأن نذهب إلى صندوق النقد رأسا ، ومهمته هي التوازن الدولي ، ونقنعه بهذه القضية . لأنها قضية واضحة اقتصاديا . وأنا لا أعرف كيف وافق صندوق النقد على الاستيراد بدون عملة . وكيف سيوافق الآن على الاستيراد بالسعر الموازي وهو عدم الاستقرار . إن صندوق النقد الدولي مستشار ، ونحن نعرف سياسته . ونحن متأكدون أننا إذا شرحنا سياستنا والمصادر التي سنأتي منها بتمويل السياسة المتفق عليها ، وتكون هذه السياسة حكيمة اقتصاديا ، فإن صندوق النقد سيوافق عليها ، وبل ويساعد في تحقيقها .

أنا أقول إن برنامجنا الاقتصادي سيكون مقنعا للذين يملكون المال السائل ، وللذين طالما ساعدوا السودان وذهبت أموالهم هدرا . إنهم يرون أنفسهم يدفعون ، ويرون السودانيين يجوعون ويهجرون بلادهم . لكننا لن نضع خطة للشحاذة . بل سنضع خطة اقتصادية للانقاذ والتنمية في بلد موارده التنموية لا حدود لها . وسنقنع بها الذين يملكون النقد السائل ، بل قد أقول لك أننا أقنعنا بها أكثرهم الآن . وسنقنع بها الرأي العام الاقتصادي في العالم، والمؤسسات الدولية ، بشرح الحالة الراهنة ... لأن هذه البعثات عندما تذهب للسودان تعطي ارقاما خيالية ، أوتحجب عنها الوقائع ، فتذهب ل 7 أو8 أيام ، و تحضر بأرقام غير صحيحة وباستقراءات غير صحيحة .

نحن سنشرح الموقف وسنشرح خطتنا، وهي الخطة الوحيدة للعلاج . ونحن واثقون إن دوائر المال في العالم والمؤسسات الاقتصادية ، والدول التي تملك المقدرة على مساعدتنا سوف تقتنع بها . وإلا فما مصلحتها في سودان مفلس لا تستطيع استرداد ديونها منه ؟ ويخل هو نفسه بالتوازن الدولي ويزيد الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا تكون منه فائدة ، كان سيكون "سلة خبز" في وقت انتشرت المجاعات ، أومحلا لزيادة الرقعة الزراعية في وقت انخفضت فيه في العالم . ما الفائدة إذا استمر السودان على هذا النحو ؟ أنا واثق أنه حتى التجار السودانيين سيتعاونون كلهم ويكتفون بالربح البسيط فقط، ويغيرون من أساليبهم كلهم لمحاولة انقاذ بلادهم ... لأنه ما هي مصلحتهم في مستهلك سوداني ليس لديه ما يشتري به ، أويجد سلعة ليس له طاقة على مشتراها؟

إن مصلحة متوسطي الحال وصغار التجار – الذين نمثلهم – هي أن يكون هناك رواج اقتصادي ، وزيادة في البيع ، وقلة في الربح ، بحيث أن زيادة البيع تحل محل زيادة السعر. أما في بلد كلها سوق سوداء لن يستفيد منها إلا – كما هو حاصل الآن – أصحاب 10 أو15 أضعاف السعر. أما في بلد بها السلع متوفرة وبها مستهلك أومزارع يأخذ فوائد انتاجه لنفسه ، وتزداد انتاجيته بزيادة مقومات الانتاج من الحكومة ، وبالقيام بواجباتها بإحضار كل مقومات الانتاج ، وإعطاء المزارع حقوقه في الانتاج بسعرها الأصلي العالمي ، فذلك يزيد قوته الشرائية . ويقابل ذلك طرح السلع ، فسيحدث الرواج الاقتصادي . وبذلك ، حتى التجار سيتعاونون . لأنهم وطنيون في المقام الأول؛ والمزارعون سيتعاونون لأن روحهم المعنوية سترتفع؛ ويجدون أسعار سلعهم (وأسعارها في العالم عالية) . وما يجدونه منها في السودان ، لايساوي 10 بالمائة ؛ نتيجة لأن الحكومة ليست لديها مقومات للأنتاج ؛ لا آلات ولا مخصبات ولا مبيدات حشرية ولا إدارة .. ولا أداء . ولها تسويق مرتش مع السماسرة . فيعود كل ذلك بفقر على المزارع ، فيترك الحقل الزراعي ، ويهاجر لكي يعمل في الخارج .


الانتعاش الاقتصادي وعودة الكوادر واليد العاملة المهاجرة

في سنة 1968 - وكنت في وفد يطوف الدول العربية - كانت كل دولة عربية أصل إليها ، تطلب مني مئات من المدرسين والمهندسين والأطباء والمهنيين والفنيين السودانيين. وكانت حاجة بلادي تدفعني لكي لا أعطي إلا العشرات. أما الآن فكل هؤلاء - من أعلى المستويات وحتى العامل الزراعي - قد هجروا السودان وذهبوا للخارج . ونحن في أشد السرور أن يشترك إخواننا في التنمية في البلاد العربية ؛ ولكن إخواننا يعلمون أن التنمية في بلادنا أيضا ، ستفيد المنطقة العربية نفسها .

وأنا واثق .. إنه بعودة الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي والاستقرار المعيشي ، ومع توفر السلع ورخص الحياة في السودان ، فسيعود العدد الكبير من هؤلاء ، الكافي لإنعاش التنمية في السودان ؛ ولإحداث الاستقرار الاقتصادي ؛ والكفاءآت التي تستطيع أن تعدِّل السياسات الفاسدة والجاهلة الموجودة الآن . هذا العدد سيعود . وسيبقى في البلدان العربية عدد آخر يكفي لمشاريع التنمية فيها ، ويساعد أيضا بدخوله الخارجية على إنعاش الاقتصاد السوداني



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس