أخي سعادة السفير الشاعر جمال
تحيات زاكيات
الشعر ديوان العربية ، وبساطها المُطرز باليواقيت ، عندما ينهي بالشعراء الصبابة ، ويعرفون اسرار الحروف والكلمات والجُمل .
تحدث الأقدمون كثيراً حول أجناس الكلام ، ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة ، ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية ، فمنها البليغ الرصين الجزل ، ومنها الفصيح القريب السهل ، ومنها الجائز المطلق الرسل. فتلك الدرجات الثلاث كان الأقدمون يزنون بها موازن اللغة من تقريريتها إلى أوسطها إلى البليغ الرصين الجزل .
وأفرد بعض النقاد وصفاً لنهج ( السهل الممتنع ) ، الذي تخرج الصور الشعرية من مفردات عرفها الناس ، ولم يألفوا موسيقاها ، وقد ابتنى الشاعر ( جمال ) لها فسيح الإيوان ، على حوائطه وأرضه الفسيفساء ، والثريات يستبين فيها القارئ فخيم الملكة الشعرية التي تُحرك المعتاد ، إلى الأذن بموسيقى الشعر في أفضل تكوين .
من كل ذلك تلمسنا نهجاً لك في الكتابة الشعرية بدأت تُميز صاحبها ، وتُميز ملكته في مؤاخاة الأحرف والكلمات والجمل والسياقات البيانية والبلاغية والاستعارة ومزج الأكوان النغمية التي تعمل على المعنى والمبنى .
أذكر جدلاً قبل يوم وليلة مع بعض الأصدقاء ، قال قائل منهم إن اللغة العربية ليست بذات فائدة ، فحظها من التطور ضئيل ، ومستقبلها ضامر . وكنتُ على خلاف معهم ، من أن اللغة كائن حي ، تتطور بتطور كتابها والناطقين بالحديث . وضربت مثلاً على ذلك أن النثر الشعري هو تطور في النثر ، على غير ما كان يتّبع الأقدمون في الرصف على منوال سجع الكُهان ، ويمكننا أن نحيل بعض آيات القرآن من السور القصيرة إلى منارة من منارات الشعر الحديث ، ولم تكن في عصرها محسوبة من قبائل الشعر ، ونضرب مثلاً ببعض آيات سورة ( العاديات )
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
عبدالله
|