سودانيات .. تواصل ومحبة

سودانيات .. تواصل ومحبة (http://www.sudanyat.org/vb/index.php)
-   منتـــــــــدى الحـــــوار (http://www.sudanyat.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الإسلام نسق ثقافي ينعكس على المجتمع ... مقاربة المنهج الإسلامي من الفلسفي (http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28986)

أبو جعفر 21-11-2013 02:53 PM

الإسلام نسق ثقافي ينعكس على المجتمع ... مقاربة المنهج الإسلامي من الفلسفي
 
(1)

حين ذهب الشيخ محمد عبده إلى باريس وقال بكل ثقة وجدت مسلمين بلا إسلام والعكس عندنا. "، لم يقصد بكلامه إلى أنه وجد في باريس الإسلام متمثلاً في مساجد ومدارس قرآنية وأخرى للفقه، ولكنه قصد إلى تفشي الثقافة المجتمعية للإسلام من صدق وعدل واحترام لحقوق الإنسان في المجتمع الفرنسي.

ولم يكن الشيخ محمد عبده ليقول قولته هذه لو لا تعمق ثقافة القيم الإسلامية من أمر بالمعروف وكريم الأخلاق في منظومة الفقه الإسلامي، الشيء الذي جعله يقفز فوق حواجز الملاهي والسفور الباريسي ليستكشف عن معدن إسلامي تميز به هؤلاء الفرنجة عن أهل زمانه في بلاد الإسلام.

ولكن المؤسف هو أن الشيخ محمد عبده لم يتعمق في هذه المسألة لكي يكشف لنا سبب تمسك هؤلاء الفرنجة بالقيم المجتمعية التي نادى بها الإسلام، وكذلك سبب تخلي المسلمين عن قيمهم وثقافة دينهم الداعية للصلاح .... وكيف صار المعروف عند المسلمين يشمل فساد الحاكم وبطانته، وبالتالي فساد الرعية تحت مسمى الفهلوة والحيلة لكسب المعايش.

الشيء الذي أرجعه د. عدنان إبراهيم ود. عماد حسن، إلى الانقلاب الذي حدث بسبب الفتنة الكبرى ووصول فلول المقاومة القرشية لسدة الإمارة الإسلامية، وتغير عقيدة المسلمين السياسية من طاعة خيارات الشعب المسلم، إلى العقيدة الوثنية الأولغارشية الكافرة التي تقول: (أطع تعطى أعصى تموت).

أبو جعفر 21-11-2013 02:58 PM

(2)

هذا والناظر إلى الأديان الإلهية على أساس مكونها المعرفي، يجد بأنها تلتقي مع مناهج الفلسفة وعلوم المنطق والأخلاق في الأهداف والنتائج، لأن كل الديانات الصحيحة – على مدى التاريخ الإنساني – تجمع على: (أن يكون الناس أقرب إلى الصلاح)، وهذا ما سعت إليه الفلسفة الراشدة في تاريخها المجيد وأسمته بعلم الحكمة.

ومن هنا يخطئ من يظن أن الإسلام هو مجرد نحلة يكفي الإعلان عن الانتساب إليها، ومن ثم ينطلق الناس ليعتنقوا ما يشاءون من الفكر الضار ويعلنونه على رؤوس الأشهاد، يدفعهم الجهل والمرض.

ليس الأمر كذلك البتة، لأن الإسلام في حقيقته مشروع تحرير وإصلاح: ديني واجتماعي وسياسي، وقد أعلن عن هدفه هذا بوضوح في كتابه المقدس (القرآن الكريم)، قال تعالى واصفاً مهام رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)) (الأعراف 157 ).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، التحرير من الإصر (الأثقال الاجتماعية)، والتحرر من الأغلال السياسية، إن هذه المنظومة تمثل ثقافة يجب أن يتحلى بها المجتمع والفرد المسلم، وبعدم استيعاب أبعاد هذه الثقافة وإدراك معاني مفرداتها وتجليها في المجتمع، يكون التدين قد حاد عن أهداف الرسالة المحمدية وطاش عن مراميها. الشيء الذي نراه اليوم ماثلاً في المجتمعات الإسلامية وبصورة مرعبة.

علماً بأن الإسلام لم يعلن عن أهدافه تلك ويتجاهل الوسائل للوصول لهذه الأهداف، ومن ثم الوصول بأمته للخيرية على الأمم قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ)) (آل عمران 110 ). فقد فرض الإسلام عقائد دينية واجتماعية وسياسية ووضح مناهجها وضوابطها. الشيء الذي ميزه بمنظومة ثقافية متكاملة.

أبو جعفر 21-11-2013 03:00 PM

(3)

هذا ولكي نصل إلى روح الثقافة الإسلامية يجب علينا تفكيك مفردات أهداف الإسلام المعلنة، فرسالة الإسلام هي الرسالة التي ختم بها الله سبحانه وتعالى الدين وبالتالي حملها كل الإجابات عن الأسئلة التي يمكن أن تعن في مستقبل الإنسان من حين انقطاع الوحي وإلى أن يرث جل شأنه الأرض وما عليها.

ونبدأ بتفكيك ما تحمله مفردة (المعروف) من أبعاد دينية ومجتمعية وسياسية، فالمعروف هو ما يتعارف عليه المجتمع ولا ينكره، ومن هنا فمجاله واسع ويحتاج إلى استصحاب قيم الرسالة للوصول لملامحه في المجتمع المعني.

ولعل القيمة الجامعة للقيم الإسلامية والمنعكسة على المجتمع، هي قيمة عدم التعدي فالتعدي باب عريض ومتعدد الأشكال والألوان، قال تعالى: ((وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ)) سورة البقرة 190 . وقد تكرر نفس المعنى في المائدة والأعراف ويونس.

هذا و(تحريم ومنع التعدي) يقودنا إلى قيمة التقوى وقيم الأمانة والصدق والعدل، وكل منها باب عريض لممارسة مجتمعية راشدة. فالقيم مهمتها صنع مجتمع مثالي يستطيع أن يحمل الرسالة ويفصح عن الوجه المشرق لها. الشيء الذي تمناه الشيخ محمد عبده حين أطلق مقولته الشهيرة تلك.

أبو جعفر 21-11-2013 03:02 PM

(4)

ثم نأتي إلى مفردتي الطيبات والخبائث، والتي تشمل طرفي معادلة المعاملات في عالمنا. وتنقسم إلى الطيبات والخبائث المادية. وهناك الطيبات والخبائث المعنوية. ويجملها كل ما أحله وأمر به القرآن الكريم وما وافقه من السنة هو من الطيبات، وهناك أيضاً ما نهى عنه القرآن الكريم وحرمته السنة الموافقة فهو من الخبائث.

الشيء الذي يقودنا إلى قاعدة الموقف والنظرية، والتي تقول: (أحداث التاريخ أي كانت قوتها واتجاهها لا تتجاوز محيطها، ولا تستحق الاهتمام إن لم يكن لها فكر نظري أو قاعدة مبدئية موجبة لها.).

وبناءً على هذه الفرضية فإن نتائج حركة التاريخ دائما ما تكون تبعاً لصلاح أو فساد الفكر الذي ارتكزت عليه، الشيء الذي يؤكد جدلية الفكر وحراكه، أي: (فكر جيد وواقعي، يعني حراك جيد وآمن، ويثمر نتائج جيدة ونامية). ومن الجهة الأخرى ينتج الفكر المنحرف - عن المنطق والحق - حراك ضار بالمجتمع وقد يقود إلى تدميره.

وهناك بعد آخر، فقد ينحرف الحراك الجيد - بسبب سوء الفهم للنظرية المنتجة له - عن منطلقه الأساس، وينمو الانحراف ويتصلب وتتسع قاعدته، مما يخلق نظرية فاسدة وضارة حتى تستوعب التغيير الحادث، الشيء الذي يغيب الفكر الأساسي ويعرقل مهمة المصلحين.

وبناءً على هذه القاعدة يجب أن يكون المجتمع الإسلامي في أي وقت بخير ويملك الخيرية على غيره من الأمم وإن حدث غير ذلك علينا أن نتهم التدين لا الدين.


الساعة الآن 04:32 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.